عبد المنعم علي
تُمثل القمة العربية بنسختها الحادية والثلاثين التي تستضيفها الجزائر في الأول من نوفمبر الجاري، دورة غير عادية نظرًا لما تشهده المنطقة العربية من تحولات متباينة سواء أكان على صعيد القضية الفلسطينية والمصالحة التي أنجزتها الجزائر بين الفصائل الفلسطينية، أو على صعيد التقارب والتطبيع العربي -الخليجي مع إسرائيل، ولعل من بين القضايا المهمة موضع التداول هو القضية الفلسطينية، وتأتي تلك القمة بعد توقف نحو ثلاثة سنوات، حيث كانت القمة الأخيرة غير الاعتيادية للجامعة العربية في تونس 2019.
وتأتي تلك القمة في ضوء تصاعد وتيرة الصراعات العالمية وحالة الاستقطاب وسياسة المحاور التي برزت على ضوء الأزمة الروسية الأوكرانية، والأبعاد المختلفة لتلك الأزمة على مستوى الأمن العالمي سياسيًا واقتصاديًا.
ملفات متعددة
تبنت القمة العربية شعار “لم الشمل” وذلك في ضوء مساعيها لإعادة ضبط العلاقات العربية العربية وحل القضايا المختلفة تحت مظلة الجامعة العربية، ولعل من بين أهم الملفات التي حملت القمة على عاتقها مناقشتها تتمثل في توازن التحرك الإسرائيلي في الإقليم من خلال دعم مسار المصالحة الفلسطينية التي قطعت الجزائر شوطًا فيها خلال أكتوبر 2022 والتوصل لحالة اتفاق بين فتح وحماس، ولعل هذا الأمر ناجم بالأساس عن حالة الاختراق التي أحدثتها إسرائيل في الدائرة العربية والإفريقية حيث شهدت العلاقات بين إسرائيل و 22 دولة عضو في الجامعة العربية حالة استئناف أو تطبيع العلاقات معها بوساطة أمريكية.
ومن ثّم تسعى الجزائر إلى إجراء مصالحة فلسطينية خلال هذه القمة، لاسيما بعد أن تم الإعلان عن توقيع الفصائل الفلسطينية على “إعلان الجزائر” لـ “لم الشمل الفلسطيني” ودمج ذلك بصبغة وشرعية إقليمية عبر جامعة الدول العربية، والدفع في مسار انتخابات رئاسية وتشريعية في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها مدينة القدس.
وتأتي أجندة القمة وفقًا لما تضمنته المبادرة الجزائرية أو إعلان الجزائر الذي تم مناقشته قبيل البدء في الدورة 31 للجامعة العربية، لتُجسد تطلعات الجزائر لممارسة وضعًا إقليميًا عربيًا، حيث أن تلك المساحة لم تشهد تفاعلًا إيجابيًا مثلما تشهده على ضوء انعقاد القمة العربية وورقة المصالحة الفلسطينية التي وظفتها الجزائر بصورة إيجابية، ويأتي ذلك ليتكامل مع ما حققته الدبلوماسية الجزائرية من تقدمًا على صعيد التفاعل مع الدائرة الأوروبية ودائرة أفريقيا، ولعل ذلك الأمر يبرهن على انتقال السياسة الخارجية الجزائرية من ردود الفعل والانطواء إلى حالة من الانخراط والمواجهة على المستوى الإقليمي والعربي.
مخرجات داعمة للحلول العربية العربية
وضعت القمة العربية التي استضافتها الجزائر مخرجات متباينة يمكن توضيحها في الآتي:
- دعم الحلول السياسية والتأكيد مسار الحلول العربية للقضايا العربية: تضمن البيان الختامي للقمة العربية جملة من التأكيدات الخاصة بالحلول العربية العربية للأزمات المختلفة ورفض التدخلات الخارجية، وذلك من خلال تعزيز وتفعيل دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، وتعزيز الروابط والعلاقات المتبادلة بين دول المنطقة العربية، للتصدي للأزمات الإقليمية وعلى رأسها دعم الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة الليبية سياسيًا، والعمل على دعم الحكومة الشرعية في اليمن ودعم الجهود المبذولة للتوصل لحل في اليمن، مع الدفع في مسار تجديد الهدنة الإنسانية لكونها أحد الخطوات الرئيسة الدافعة لتحقيق تسوية سياسية شاملة، تضمن الوحدة والسيادة لليمن واستقرار الدولة، وبما يحفظ أيضًا أمن دول الخليج العربي.
- القضية الفلسطينية والمبادرة العربية ومعالجة الأزمة السورية: الأمر الآخر الذي تمخض عن القمة العربية في الجزائر، هو التأكيد على مبادرة السلام العربية بكافة مرتكزاتها الخاصة بحل القضية الفلسطينية، مع التأكيد على إعلان الجزائر للم الشمل الفلسطيني، مع السعي لتشكيل مجموعة عربية تتولى الاتصال والتنسيق بهدف دعوة الأمم المتحدة لعقد جمعية عامة استثنائية من أجل منح فلسطين العضوية الكاملة في المنظمة. الأمر الآخر فيما يتعلق بأزمات المنطقة، فقد تم التأكيد على على أهمية التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة السورية، ومعالجة أبعادها الأمنية والاقتصادية والسياسية وذلك بما يضمن أمن واستقرار سوريا.
- التأكيد على التكامل الاقتصادي والاصطفاف لتحالف أوبك بلس: على مستوى آخر، جاءت مخرجات القمة العربية لتكرس فكرة التكامل العربي العربي في المجال الاقتصادي، وذلك في ظل التطورات الاقتصادية الراهنة وما يتطلبه ذلك من أهمية الاستغلال الأمثل لمقومات الاقتصادات العربية، وتفعيل المنطقة التجارية الحرة العربية وصولًا لحالة من تدشين الاتحاد الجمركي العربي، مع تأكيد الدعم الكامل للسياسة المتوازنة التي انتهجها تحالف “أوبك +”، وذلك لتحقيق قدر من استقرار أمن الطاقة العالمي ودعم الاستثمارات في هذا القطاع.
- مكافحة الإرهاب: جاءت القمة للتأكيد على التعاون الجماعي وتوحيد الجهود في ضوء العمل على مكافحة الإرهاب بكافة صوره وأنماطه، وتجفيف المنابع الخاصة بتمويله وحشد المجتمع الدولي لدعم تلك الخطوات، بما يضمن الحفاظ على القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وربطًا بذلك الوضع فقد تم التأكيد على عدم الانحياز في خضم الأزمة الروسية الأوكرانية.
وختامًا؛ على الرغم مما نتج عن القمة العربية والتي تعكس حجم المجهود الجزائري الرامي لتوسيع دائرة التواجد في الدائرة العربية، والذي برز في إتمام المصالحة الفلسطينية، إلا أنه فشل في الدفع بمسار إعادة انخراط سوريا في جامعة الدول العربية مرة أخرى، ولعل التركيز على القضية الفلسطينية قائمًا بالأساس على ما حققته الجزائر من نجاح بين الفصائل الفلسطينية.
ولكن وعلى الرغم من ذلك التوافق فقد شهدت أعمال صياغة اللوائح والبيان الختامي للقمة، تجنب بعض القضايا في ضوء تناقضات المواقف بين الدول بشأنها مثل إدانة التدخلات الإيرانية التي سعت دول كما هو الحال بالنسبة للمغرب والسعودية والبحرين لإدانتها استنادًا للإدانات التي أصدرتها المجموعة الرباعية العربية التابعة للجامعة العربية في مارس 2019، وكذلك الحال فيما يخص بإدراج بند بإدانة التطبيع مع إسرائيل وذلك انطلاقًا من كون هذه الملفات تمثل نقاط خلافية بين دول عربية وتعليلًا لكون القرار بشأنها هو قرار سيادي لكل دولة.
.
رابط المصدر: