الوجه الآخر: النتائج السياسية لاستخدام المسيّرات الإيرانية في الحرب الأوكرانية

علي عاطف

 

في تطور جديد بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية، قال مسؤولون غربيون معنيون في الأول من نوفمبر الجاري، حسب تقرير نشرته شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، إن طهران تنوي إرسال ألف صاروخ (أرض-أرض) باليستي إلى روسيا لاستخدامها في الحرب مع أوكرانيا، وهو ما يجيء بعد تقارير غربية سابقة أشارت إلى إرسال إيران مئات المسيّرات إلى موسكو وتدريب جنود روس عليها لاستعمالها في هذه الأزمة.

يشير هذا الأمر إلى مدى التصعيد العسكري المحتمل في الأزمة الأوكرانية خلال الأيام المقبلة، خاصة عندما نعلم أن سلاح الجو الأوكراني قد أكد في اليوم نفسه على أنه لا يملك في الوقت الراهن أية دفاعات فعّالة ضد هذه الصواريخ الإيرانية المُشار إليها، ما قد يستدعي مرحلة جديدة من الدعم العسكري لأوكرانيا.

وفي الواقع، لا تنحصر تداعيات استخدام هذه المعدات العسكرية الإيرانية في الأزمة الأوكرانية على المسار الحربي لها، بل تنطوي على نتائج سياسية ملموسة قد تفوق في أهميتها ما يمكن أن تُحدثه الطائراتُ المسيرة أو الصواريخ الباليستية الإيرانية من تغييرات في معادلة هذه الأزمة العسكرية الروسية الأوكرانية.

تداعيات متعددة

في ضوء ذلك، نتناول فيما يلي أبرز التداعيات “السياسية” المحتملة لانخراط إيران عسكريًا في الأزمة الأوكرانية، وذلك في ضوء التقارير الغربية المعنية بذلك.

  • التأكيد على انضمام إيران إلى مجموعة حلفاء روسيا:

خلال الأسابيع الأولى للحرب الروسية الأوكرانية، دارت حالة من الجدل السياسي المحلي في إيران بشأن كيفية التعامل مع هذه الأزمة الناشئة. فقد تبلورت في طهران في ذلك الوقت آراء ووجهات نظر دعت إلى تعاون إيران مع الغرب في هذه الأزمة وتحقيق مكاسب اقتصادية لصالح البلاد في ظل العقوبات المفروضة على موارد الطاقة الروسية.

ولم يسيطر هذا التوجه على عدد من المنتمين إلى التيار الإصلاحي فقط الذين كانوا يعبرون عنه في صحفهم ووسائل إعلامهم، بل إن عددًا آخر من المحافظين في إيران كانوا يدعمون هذا الرأي؛ من أجل دعم المصالح السياسية والاقتصادية لطهران، وبسبب التداعيات المحتملة التي كانوا يحذرون منها بشأن انضمام طهران إلى التحالف الروسي، وما يعنيه أيضًا من تحالف مع الصين في ضوء المعطيات القائمة. ولا يخفى أن هذا قد شكّل ضغطًا واضحًا على النظام في إيران والمعنيين بالقرار هناك.

واستمرت حالة الجدل والجدال هذه بين السياسيين والكتاب في إيران حتى أواخر شهر يونيو الماضي، أي قبل إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جاك سوليفان، في 11 يوليو 2022 أن إيران تستعد لإرسال مئات الطائرات المسيرة إلى روسيا لاستخدامها في الأزمة ضد أوكرانيا.

إذ، قد تراجعت كثافة هذه النقاشات المحلية مع ذلك الإعلان وتم التأكيد في الوقت نفسه على أن إيران لن تطور إيجابيًا علاقاتِها مع الغرب في ظل الأزمة الروسية الأوكرانية؛ فمن غير الممكن أن يحدث ذلك في الوقت الذي تمد فيه طهران خصمًا رئيسًا للولايات المتحدة والدول الأوروبية بالأسلحة في خضم الأزمة بين موسكو وكييف، خاصة وأن عملية الدعم، كما جاء لاحقًا في تقارير وسائل إعلام أمريكية، لن تقتصر فقط على (الدرونز)، بل إنها سوف تشمل صواريخ (أرض-أرض) قالت القوات الجوية الأوكرانية إنها لا تملك وسائل الدفاع المناسبة للتعامل معها.

وقد قادت جميع هذه التطورات -حتى الآن- إلى أن يعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في مطلع نوفمبر الجاري عن أن الولايات المتحدة “سوف تستخدم كل أداة ملائمة وذات صلة في مجموعة أدواتنا لفضح، ومواجهة، وردع إيران”. ويعني هذا أن أي تطور إيجابي في العلاقات الإيرانية الغربية، سواء مع واشنطن أو الاتحاد الأوروبي وخاصة مع واشنطن، لا يُحْتَمَل أن يقع في هذه الآونة، إن لم تحدث بالأساس تحولات أكثر تصعيدًا خلال الفترة المقبلة، وهو أمر لا يمكن استبعاده. ويعني أيضًا أن حالة التردد المحلية في إيران بشأن مسار التحالف بين الشرق والغرب قد انتهت.

  • تعزيز استخدام روسيا لمواردها الطبيعية كقوة سياسية ضاغطة:

مع التأكيد على انضمام إيران إلى الجانب الروسي في الأزمة، بات من الواضح أن الحديث المتزامن، مع اتجاه التحالف الإيراني، بشأن ضرورة استغلال إيران للأزمة الأوكرانية اقتصاديًا، بعد توقف صادرات موارد الطاقة الروسية، قد صار بلا معنى هو الآخر.

فعلى الرغم من تبلور الدعوة إلى حياد إيراني بشأن الأزمة الأوكرانية في الداخل، فإن التشديد على أهمية تحقيق طهران مكاسب اقتصادية ضخمة من وراء هذه الأزمة قد احتل مكانة أكثر بروزًا بين مختلف التوجّهات والآراء في إيران. فقد كثّف أغلب المعنيين والمتخصيين في إيران من إلقائهم الضوء على هذا الطرح؛ في ظل حاجة طهران الماسة إلى العملة الصعبة والاستثمارات الواسعة والتي كان سيصاحبها حتمًا حدوث تحول وانفراجة في العلاقات بين طهران والغرب بوجه عام.

ومع ذلك، فإن انخراط إيران في الأزمة الأوكرانية عن طريق الدعم العسكري بالطائرات المسيرة وتعزيز هذا الدعم بالصواريخ الباليستية سوف يضع هذه الأطروحة في مهب الريح؛ فلن تقبل الدول الغربية إمداد إيران بالأموال، مقابل الحصول على موارد الطاقة، والتي قد تستعملها على الأغلب في تطوير أسلحة جديدة بالتزامن مع المعارك الدائرة على الأراضي الأوكرانية.

وتعزز هذه النتيجة من ناحية أخرى قوة وتأثير روسيا سياسيًا عن طريق موارد الطاقة؛ إذ إن عدم تعويض هذه الموارد الروسية، بعد أن كانت إيران خيارًا مطروحًا بقوة، سوف ينعكس بالسلب على الدول التي كانت تستوردها وبالتالي قد يدفع لاحقًا، إن لم يكن عن قريب، باتجاه إنهاء الحرب مع حفاظ موسكو على مكاسب كبرى.

  • تعميق حالة التجاذبات السياسية الدولية: 

يسهم انضمام إيران إلى التحالف مع موسكو في تعميق وبيان حالة التجاذبات الدولية السياسية الراهنة والتي تبلورت بشكل أكبر مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية في فبراير 2022. ويمكن إيضاح ذلك في النقاط التالية:

● وقوف إيران إلى جانب روسيا في هذه الحرب يعني من ناحية تأييد كتلة شرق أوسطية بارزة لطرف ما في الحرب، ويعني من زاوية موازية أن بعض الدول الأخرى التي تربطها بها علاقات عدائية سوف تتخذ مواقف مضادة للتوجه الإيراني، وهو ما سيسهم في استجلاء الموقف أكثر.

● ذلك التوجه الإيراني سوف يدفع أيضًا حلفاء طهران إلى اتخاذ مواقف متشابهة إزاء الأزمة الروسية الأوكرانية.

● سوف يعني كذلك تعميقًا للتحالف بين الدول التي تعاديها إيران بشكل صريح وتربطها مصالح مشتركة في أوكرانيا.

  • حدوث تحوّل جذري في الاستراتيجية الأمريكية إزاء إيران:

أكد مسؤولون أمريكيون كُثُر على مدار السنوات الأخيرة أن الولايات المتحدة لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران، بل إلى تغيير سلوكه. وكان من بين هؤلاء المسؤولين، على سبيل المثال، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق مايك بومبيو (أبريل 2018- يناير 2021)، الذي أوضح أكثر من مرة خلال توليه منصبه هذا الأمرَ. وكان الاتفاق النووي لعام 2015 في الواقع إحدى أدوات ذلك التغيير.

أما مع دخول إيران إلى ساحة الأزمة الأوكرانية، وما تشكله نتائجها من أهمية للولايات المتحدة، فإن هذه السياسة قد تشهد بعض التبدل في المستقبل، فقد تسير إلى التصعيد السياسي الحاد وغير المسبوق بين الطرفين؛ لأن كلًا منهما يدعم دولة مختلفة في الحرب الأوكرانية.  ومن المرجح أن يحدث تحول آخر متزامن لدى الدول الأوروبية بشأن سياساتها مع إيران. ولعل تصريحات نيد برايس سالفة الذكر حول أن واشنطن “سوف تستخدم كل أداة ملائمة … لمواجهة” تزويد إيران روسيا بالأسلحة قد تشير إلى شيء من هذا، أو على الأقل إلى تغيير ما في السياسة الأمريكية تجاه إيران.

وختامًا، قد لا نستطيع القول إن دعمًا إيرانيًا عسكريًا لروسيا سوف يستمر طويلًا أو قد يؤثر بشكل قاطع على مجرى الحرب الروسية الأوكرانية؛ ذلك لأن الطائرات المسيرة لا يمكنها على أي حال حسم أية حرب، بجانب أن حجم هذه المساعدات الإيرانية سيكون مقيدًا بقدرتها على الإمداد المستقبلي. ومع ذلك، فإن هذه الأسلحة الإيرانية يمكنها أن تُحدث تغييرات تكتيكية مهمة فقط، وهو ما لن تقبله أطراف الصراع الأوكراني.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73742/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M