محمد برهومة
تتعرَّض دولة الكويت، كغيرها من بلدان منطقة الخليج والشرق الأوسط، لتداعيات قاسية بسبب التغيُّر المناخي والتقلُّبات الحادة في الطقس، وتحديداً على صعيد الزيادة غير المسبوقة في درجات الحرارة. وتُشير التنبؤات إلى أن هذا المسار آخذ في التنامي، وسينتج عنه تداعيات وآثار متعددة الأوجه، الأمر الذي يتطلب اتخاذ إجراءات سريعة وشاملة للانتقال نحو الحياد الكربوني والاقتصاد الأخضر.
ارتفاع قياسي في درجات الحرارة
تُعدّ دولة الكويت من المناطق الجغرافية التي تشهد ارتفاعاً حادّاً في درجات الحرارة في فصل الصيف يزيد على المعدّل العام. وسُجِّلت فيها خلال السنوات القليلة الأخيرة درجات حرارة حادّة تصل إلى 53 و54 درجة مئوية، قد تكون الأعلى في المنطقة والعالم. وسبق أن نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” في نهاية العام الماضي تقريراً مطوّلاً حول الحالة المناخية في مدينة الكويت (ومدينة البصرة العراقية أيضاً)، ذكرت فيه أنه في حين أن المستقبل غير مؤكد، يتفق علماء المناخ على نطاق واسع على أنه حتى في أفضل السيناريوهات- حيث يتخذ البشر إجراءات دراماتيكية لخفض انبعاثات الكربون- من المرجح جداً أن تصبح الأيام ذات المستويات الخطرة من الحرارة والرطوبة أكثر شيوعاً في معظم أنحاء العالم.
ومَن يتتبع ارتفاعات الحرارة في الكويت على مدى العقود الماضية، يلحظ أن هناك قفزة مُقلقة في الارتفاع شهدها العقدين الماضيين على نحو خاص. ويشرح خبراء كيف ارتفعت درجات الحرارة خلال العقود الماضية في هذا البلد؛ فعدد الأيام التي شهدت درجات حرارة أكثر من 50 درجة منذ عام 1962 حتى عام 1999، أي خلال 37 عاماً، بلغ 18 يوماً فقط، بينما من عام 2000 لغاية 2021، سجّلت البلاد 80 يوماً بدرجات حرارة 50 درجة فأعلى، ما يعني أن نصيب السنوات من 2010 لغاية 2021، من هذه الأيام كان 64 يوماً بدرجات حرارة 50 فأعلى، ما يبين ارتفاع معدلات درجات الحرارة خلال السنوات الأخيرة.
ويُشير هؤلاء الخبراء إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة سُجِّلَت درجات حرارة تصل إلى 52 درجة مئوية في مدينة الكويت؛ وهي درجات تُسجَّل للمرة الأولى في هذه المنطقة، وهذا يؤثر سلباً في كل القطاعات، كالبيئة، والاقتصاد، وحتى على الحياة الشخصية وصحة الإنسان. ولا يبدو أن سجلات عدد الوفيات من ضربات الشمس متوافرة، على الرغم من أن الكويت تشهد شفافية عالية وجدلاً صريحاً في الحديث عن تداعيات ارتفاع درجات الحرارة فيها.
وهناك من يُنبِّه إلى أن أسوأ سيناريو مُتنبأ به للكويت هو أن ترتفع درجات الحرارة 5.4 درجات على المعدل العام للحرارة خلال العقود المقبلة، الأمر الذي قد تكون نتائجه كارثية، إذْ حتى لو قسنا نصف هذه المدة حتى عام 2050 فإن الارتفاع المتوقع 2.5 درجة عن المعدل العام للحرارة، وهذا الأمر بحد ذاته يثير تساؤلات عديدة منها كيف يمكن توفير طاقة كهربائية للكويت؟ وكيف يُمكِن التعايش في فترة الصيف؟ وما هي أفضل الخيارات والحلول الواجب تبنّيها لمواجهة هذا التهديد.
وقد حذّرت دراسة أكاديمية العام الماضي (2022) من استمرار ارتفاع درجات الحرارة في الكويت، الذي سيؤثر سلباً في الصحة العامة، وبالتالي ارتفاع معدل الوفيات. ومن الواضح أن هناك قفزة في ارتفاع درجات الحرارة على صلة بتغير المناخ. وتوقَّعت الدراسة، التي أعدها الأستاذ المساعد بقسم الصحة البيئية والمهنية في كلية الصحة العامة بجامعة الكويت، د. براك الأحمد، مع آخرين، أن تشهد الكويت زيادة في متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.8 إلى 2.6 درجة مئوية بحلول عام 2059، و2.7 إلى 5.5 درجات بحلول عام 2099، ما يعني إمكانية تجاوز درجة الحرارة مؤشر الـ 40 درجة مئوية في أكثر من 4 أشهر بالسنة. وأوضحت الدراسة أن التعرّض لدرجات الحرارة العالية يؤدي إلى تدهور الحالة الصحية لمن لديهم أمراض مزمنة، الأمر الذي قد يؤدي إلى الوفاة بشكل مباشر أو غير مباشر، متوقعة زيادة بمقدار 5% إلى 11% في نسبة الوفيات بسبب الحرارة بالكويت. وتلفت الدراسة الأنظار إلى أن الاحترار الناجم عن تغيّر المناخ، حتى في ظل سيناريوهات التخفيف الأكثر تفاؤلاً، يؤدي إلى زيادة الوفيات المرتبطة بالحرارة بشكل ملحوظ في الكويت، حيث يمكن أن يتحمَّل العمال الوافدون تأثيراً أكبر من تغيّر المناخ.
ويُخشى من تأخُّر البلاد، الغنية بالنفط والغاز، في وضع آليات وتوظيف تقنيات من شأنها الإسهام في تخفيض درجات الحرارة وعدم خروجها عن السيطرة. وهي مدعوّةٌ كذلك إلى الاستعجال في تنفيذ خطط التحول نحو الطاقة النظيفة والمتجددة وتقليص الانبعاثات الكربونية، وانتهاج سياسات جديدة لترشيد استهلاك الأفراد والمؤسسات للطاقة الكهربائية. وثمة خصوصية كويتية هنا تتعلق بأن العمل المناخي وثيق الصلة بسياسات الدعم والريع ومفاهيم دولة الرفاهية، وبالتالي دور التوافق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في الكويت في تسريع الاستجابة لهذه التحديات وتقليص البصمة الكربونية أو بقائها محل جدل، شعبي وبرلماني وحكومي، لوقت أطول.
وتذكر مصادر كويتية بأن الكويت، التي يبلغ عدد سكانها نحو 4.3 مليون نسمة، لديها انبعاثات كربونية تعادل 0.27% من إجمالي الانبعاثات في العالم. هي نسبة لا تُقارن، بأي حال، مع المسؤولية الأساسية لواشنطن وبيجين، مثلاً، عن الانبعاثات والتلوث البيئي، ما يؤكد أن الإضاءة على حالة الكويت، في هذا الإيجاز، بمنزلة تقييم رمزي لمدى اقتراب دولة نفطية من أهداف العمل المناخي، وليس انتظاراً لنتائج تصنع فارقاً في خفض تلوث كوكبنا؛ من المفترض أن تأتي أولاً من قِبلِ المصادر الأساسية للتلوث، وهي الدول الصناعية الكبرى، من دون أن يعني ذلك، بالطبع، إعفاءً للدول المنتجة للنفط والغاز من مسؤوليتها وواجباتها والتزاماتها بالسير الجاد نحو الحياد الكربوني والاستدامة.
مواجهة التحدي المناخي
تؤكد دولة الكويت التزامها الوصول إلى الحياد الكربوني بحلول عام 2050 في قطاع النفط والغاز، وبحلول عام 2060 في الصناعات والقطاعات الأخرى. هذا الالتزام المعلن يتفق مع أهداف مماثلة صرّح بها جيرانها الخليجيون؛ حيث تُعَدُّ مصادر الطاقة التقليدية سبباً أساسياً في الانبعاثات، ومع هذا تمُثِّل إيرادات الطاقة التقليدية جسر دول الخليج الرئيس نحو تسريع الاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجددة وتصفير الانبعاثات، وفي الوقت ذاته ضمان النمو المستدام وتعزيز التقدم الاقتصادي وتوفير مصادر كافية من الطاقة، وقد كانت حرب أوكرانيا عاملاً إضافياً في تعزيز هذه التوليفة.
وفي هذا الإطار، غيّرت وزارة الكهرباء والماء في الكويت اسمها إلى وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة (منذ مارس 2021)، لتعكس أهمية الاستجابة لتحدي المناخ. وتسعى الدولة الخليجية لزيادة نصيبها من إنتاج الطاقة الشمسية واستخدامها. وفي هذا المجال، أطلقت الكويت، في فبراير 2022، محطة “الصبية” لتخزين المياه وتحليتها من الطاقة الشمسية الكهروضوئية، بطاقة إنتاجية 30 ميغاواط في الجهراء (على بعد 32 كم غرب مدينة الكويت)، ومن المتوقع أن تدخل المحطة حيز التشغيل في عام 2025. كما أعلنت مجموعة شركات، في ديسمبر 2021، خططها لبناء مجمع لإنتاج الطاقة الشمسية في الكويت، بقدرة 5 غيغاواط، يضم محطات عدة، منها محطات الطاقة الشمسية الكهروضوئية شمال الكويت، باستثمارات تبلغ 3.5 مليار دولار. كما يُعد مشروع الشقايا للطاقة المتجددة واحداً من أبرز مشروعات الطاقة الشمسية في الكويت، والذي طوّره معهد الأبحاث العلمية، إذ شملت مرحلته الأولى خطة طموحة لتوليد نحو 3.2 غيغاواط من الكهرباء النظيفة.
مع ذلك، تمثل الطاقة المتجددة حالياً أقل من 1% من الطلب، وهو أدنى بكثير من الهدف الذي وضعته البلاد عند 15% بحلول عام 2030. وبحسب تحليل نشرته شبكة “بلومبيرغ” نهاية 2022، لم يُكشَف عن تفاصيل كيفية وصول الكويت إلى “صفر انبعاثات”، على الرغم من أن التحول إلى الغاز الطبيعي في محطات الطاقة ومحطات تحلية المياه قد خفَّض أحد أعلى معدلات الانبعاثات على مستوى الفرد في العالم. كما تمّ تقليل الحرق، بينما تعمل وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجددة على تحسين كفاءة الطاقة في المباني الحكومية.
وتؤكد جهات رسمية كويتية أن الكويت تواجه تغيرات الطقس، وتتأثر سلباً بتغيرات المناخ، وتعاني بسبب بيئتها الصحراوية من تذبذب هطول الأمطار؛ وبما أن الكويت لديها مناطق جزرية ومناطق منحدرة مثل جزيرة بوبيان وغيرها، فإنها ستعاني، في أسوأ السيناريوهات المحتملة، من ضمور بعض هذه الأراضي، كما أن جزيرة وربة وبوبيان ستتأثران بشكل كبير بسبب ارتفاع مستوى البحر.
وقد بيّنت دراسات لمعهد الكويت للأبحاث العلمية مصدر العواصف الرملية والغبار في جنوب العراق، ما نتج عنه تعاون لبناء مصدات للغبار في هذه المنطقة، لكنّ هذه المصدات ستكون مُجدية في حال زُرعت وشهدت صيانات دورية، فضلاً عن ضرورة زيادة بناء الأحزمة النباتية الخضراء. ومتابعةً لهذه الجهود، وقَّع معهد الكويت للأبحاث العلمية في يناير 2023، مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، اتفاقية منحة لتمويل مشروع التكيف والصمود للعواصف الرملية والترابية العابرة للحدود القادمة من جنوب العراق.
ويشير باحثون إلى ما يسمونه «مثلث الغبار» الذي يمتد من شمال غرب العراق إلى منطقة البوكمال، ثم إلى شرق الأردن ثم إلى صحراء النفود والسعودية، مؤكدين أن تثبيت الأرض وتأهيلها هو الحل لأزمة الغبار المتكررة، مُشيدين بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي تبنتها المملكة العربية السعودية في 2021. وتتسبب هذه العواصف في إغلاق الموانئ والطرق وخسائر اقتصادية كبيرة، علاوة على الأضرار الصحية والبيئية. ووفقاً لهذه الجهود، ستُصمم بنية تحتية مبتكرة لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من العواصف الرملية والترابية بشكل مستدام والتخفيف من آثارها الضارة. ويعتمد ذلك على طرق منها؛ التثبيت بالنباتات الفطرية والأشجار، بمشاركة مجتمعية وتعاون بين جهات الدولتين (الكويت والعراق). ويأمل المسؤولون الكويتيون أن يُسهم المشروع في وضع الكويت في مكانة رائدة إقليمياً لتعزيز قدرة المدن على الصمود أمام العواصف الرملية والترابية.
خلاصة واستنتاجات
تتعرض الكويت، وعموم دول الخليج، لتداعيات قاسية بسبب تغيُّر المناخ. وتشير التنبؤات إلى أن هذا المسار آخذ في الازدياد، ما يتطلب اتخاذ إجراءات فردية وجماعية عاجلة بين بلدان الخليج، التي تشترك في ملامح جغرافية ومناخية وديمغرافية واقتصادية متشابهة، لمواجهة هذا التهديد المُلِحّ.
ويعدُّ تعزيز نوعية الحياة في الكويت وعموم بلدان الخليج وثيق الصِلة بمعالجة جادّة لتحديات تغير المناخ، وعلى وجه الخصوص ابتكار تقنيات وآليات واستراتيجيات لمواجهة تداعيات ارتفاع درجة حرارة الطقس، والانتقال المدروس نحو الطاقة النظيفة والمتجددة وتحقيق الاستدامة الشاملة. ومن المحتمل أن يؤدي تغير المناخ إلى تقليل التنوع البيولوجي للحياة البحرية في الكويت، وزيادة ندرة الموارد المائية، ورفع مستوى سطح البحر في المناطق الساحلية الكويتية وزيادة درجة الحرارة. ودرجات الحرارة القصوى في الكويت مرتبطة بمضاعفة مخاطر الوفيات إلى ثلاثة أضعاف، مع تعرُّض العمال المقيمين غير المتأقلمين، وأولئك الذين يعانون أمراض القلب والأوعية الدموية، للخطر.
وللتعاطي مع التحدي المناخي المتزايد، يُوصى بأنْ يُصار إلى توفير البيانات وإقرار التشريعات التي تربط بين البناء العمراني وضرورات مواجهة التغيرات المناخية، ما يسهم في زيادة الأبنية والمدن الصديقة للبيئة. كذلك يُوصى بزيادة استخدام العوازل الحرارية في بناء المنازل، واعتماد التقنيات الحديثة لخفض استخدام الطاقة وترشيد الاستهلاك، وزيادة الاعتماد على الطاقة الشمسية، والتوسُّع في بناء الأحزمة الخضراء، وتوظيف التكنولوجيا والرقمنة في تعزيز الحلول الخضراء في القطاع الصناعي.
.
رابط المصدر:
https://epc.ae/ar/details/brief/alkwayt-watahady-altaghayur-almunakhi-altariq-nahw-alaistidama