وساطة كاملة أم «شبه وساطة»؟ حدود التدخُّل الصيني في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي وآفاقه

دعا وزير خارجية الصين تشين غانغ إلى «اتخاذ خطوات لاستئناف محادثات السلام»، على أساس مبدأ «حل الدولتين»، في اتصالين هاتفيين بوزيري الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، والفلسطيني رياض المالكي، في 18 أبريل الماضي. وقال إن الصين «مستعدة لتوفير المجال لذلك»، ما ترك انطباعاً بأن بيجين تعرض إمكانية استضافة المحادثات أو الوساطة بين الجانبين. لكن التصعيد المتسارع، منذ 9 مايو، الذي شهد اغتيال إسرائيل قادة في سرايا القدس، الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في غزة، حمل دلالات عدة. فعلى رغم استمرار التصعيد لعدة أيام، كان ملاحظاً عدم تدخل بيجين بشكل مباشر في مفاوضات خفض التصعيد. واكتفت الصين بمحاولة إصدار بيان رمزي لمجلس الأمن يُدين استهداف المدنيين من الجانبين، قبل أن تقوم الولايات المتحدة بتعطيله.

 

محددات النظرة الصينية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

دعمت الصين اتفاقات أوسلو، وعيَّنت أول مبعوث خاص إقليمي عام 2002. وعقدت منذ ذلك الحين عدة مباحثات استكشافية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في أعوام 2003 و2006 و2017 شهدت مقاومة من قبل إسرائيل، ولم تتسم بالاستمرارية. ونشرت الصين، في عام 2013، خطة من أربع نقاط، حُدِّثت عام 2017 لتتضمن مبادئ مبادرة الحزام والطريق، هي:

 

  1. دعم مبدأ حل الدولتين عبر إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية على حدود 1967.
  2. التمسُّك “بمفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام”، وإنهاء بناء المستوطنات، ووقف العنف ضد المدنيين، والدعوة إلى استئناف محادثات السلام.
  3. تنسيق الجهود الدولية لمشاركة المجتمع الدولي في محادثات السلام.
  4. تعزيز السلام من خلال التنمية والتعاون بين الفلسطينيين وإسرائيل.

 

وقدَّمت الصين ضمن هذا الاقتراح بعض الضمانات، منها استعدادها لدعم التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية من خلال مبادرة الحزام والطريق، واستضافة آلية حوار ثلاثية بين الصين وفلسطين وإسرائيل، واستضافة منتدى حول السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل.

 

وكان لافتاً مُعارضة الصين سَعْي السلطة الفلسطينية لتدويل الصراع عقب اعتراف إدارة ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتقديم تصور للسلام يتسق تماماً مع الرؤية الإسرائيلية. وتضمنت دوافع الصين وراء هذا الاعتراض خشية لجوء الأقليات في شينجاينغ والتبت إلى تدويل مماثل ضد بيجين.

 

وفي عام 2021، طرح وزير الخارجية آنذاك وانغ يي خطة تكميلية، من أربع نقاط أيضاً، في مجلس الأمن ركزت على وقف العنف، وإطلاق برنامج للمساعدات الإنسانية، ودفع الجهود الدولية بقيادة مجلس الأمن لخفض التصعيد، والتركيز على مبدأ “حل الدولتين” باعتباره “المخرج الأساسي” من الصراع.

 

وشجَّع طموح الصين المستجد والمتسارع في الشرق الأوسط على محاولة توسيع دورها كوسيط في المنطقة، ورفع توقعات القوى الإقليمية، ليمتد إلى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وأدت عدة محددات دوراً مهماً في بناء هذا التصور، أهمها تقديم بيجين نفسها باعتبارها قوة صاعدة سلمياً ووسيطاً نزيهاً. وتَبني الصين على تاريخ قصير نسبياً من أدوار الوساطة الناجحة، بداية من مفاوضات تسهيل عمل بعثة الأمم المتحدة للسلام في دارفور عام 2006، ومفاوضات الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، ومفاوضات السلام في جنوب السودان عام 2015، وأخيرا تسهيل اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران هذا العام.

 

وربما تمنح بعض الركائز الإيجابية فرصة لنجاح المبادرة الصينية. فقد شهدت العلاقات الصينية-الإسرائيلية قفزة منذ توقيع اتفاق “الشراكة الإبداعية الشاملة” بين الجانبين عام 2017. وقفز التبادل التجاري من 9 مليار دولار عام 2012 إلى 21 مليار دولار عام 2022. وتستقبل الصين حوالي 42% من إجمالي صادرات إسرائيل لآسيا، بينما تشكل بيجين أكبر مصدر لوارداتها. ويُتوقع أن يوقع الطرفان اتفاقية تجارة حرة هذا العام. ووصل حجم استثمارات الصين في إسرائيل، حتى عام 2019، إلى أكثر من 15 مليار دولار، 9.14 مليار دولار في القطاع التكنولوجي، بينما شمل الباقي قطاعات النقل وتحلية المياه والكهرباء والعقارات والموانئ.

 

في المقابل، تمثل الروابط الاقتصادية بين الصين والسلطة الفلسطينية جزءاً هامشياً مقارنة بالعلاقات الصينية-الإسرائيلية. ووصل حجم التبادل التجاري بين الجانبين عام 2021 إلى 88.7 مليون دولار فقط. وتسعى الصين لتوقيع اتفاق تجارة حرة أيضاً مع السلطة الفلسطينية.

 

إلى جانب ذلك، تتمتع الصين بميزة كونها دولة لا تتبع أياً من الأديان الإبراهيمية، ومن ثم فإنها على مسافة تلقائية من حساسية البعد الديني للصراع.

 

وثمة محددات معيارية تُميز أسلوب الوساطة الصينية قد تحظى بالقبول والتماهي مع المبادئ والقيم السائدة في المنطقة. فالصين مستعدة لتحصين الأطراف المتصارعة من العقوبات والضغوط الغربية لتسهيل التوصل لاتفاق (السودان، جنوب السودان، إيران)، وتُركز على مبادئ الشمولية الجماعية على حساب الفردية السياسية التي تميز التدخلات الغربية، إلى جانب مقاربتها المعتمدة على النظر لدور الوسيط باعتباره جماعياً/شمولياً وليس قيادياً.

 

التحديات أمام إنجاح الوساطة الصينية

برغم أن الظروف الإقليمية تبدو مناسبة ومشجعة لتدخل الصين في الصراع، فإن عرض الوساطة الصيني يواجه عقبات جوهرية تحُول دون نجاحه، أهمها:

 

1. غياب المحفزات، والضغوط، لمعالجة اللاتماثل من حيث القوة المهيمنة على الصراع، والمتمثل في الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، والتوسع في بناء المستوطنات، وتشديد التحكم في حركة الفلسطينيين والاقتصاد في الأراضي المحتلة. وإلى الآن، خلت الخطط والمبادرات الصينية من دوافع ملموسة قد تُغري إسرائيل (الطرف الأقوى) على تقديم تنازلات للفلسطينيين.

 

2. صعوبة بناء توافق في الداخل الفلسطيني حول خريطة السلام التي قد تدعمها الصين في مرحلة تاريخية تتسم بالتشظي الفلسطيني بين حركتي فتح في الضفة وحماس في غزة من جهة، وفي صورة جماعات مسلحة ناشئة في الضفة، أهمها “كتيبة جنين” و”عرين الأسود”، تشكل تحدياً مضاعفاً لقدرة السلطة الفلسطينية على فرض سلطتها أو بناء إجماع داخلي.

 

3. غياب أي استعداد إسرائيلي لقبول تدويل الصراع عبر استدعاء قوى خارجية قد تزاحم وتتحدى موقع الولايات المتحدة شبه الحصري كوسيط. ويرجع ذلك إلى تفوُّق مستوى المصالح الإسرائيلية (التي يمكن اعتبارها إلى حد الآن وجودية) مع الولايات المتحدة، على المصالح التجارية والاعتماد التكنولوجي المتبادل مع الصين.

 

4. غياب الإرادة السياسية في الصين لتبني مقاربة دبلوماسية مرتفعة المخاطر قد تتضمن احتمالات فشل عالية. يلغي ذلك تلقائياً استعداد بيجين لتوظيف نفوذها النابع من الشراكة العميقة مع إسرائيل لممارسة ضغوط عليها. إلى جانب ذلك، فإن المقاربة الأيديولوجية الصينية، منذ الحرب الباردة، تميل لدعم الفلسطينيين ضمن محاولات بيجين وموسكو التاريخية تقويض الهيمنة الغربية. فخلال لقائه مع السفراء العرب في بيجين، في 7 ابريل الماضي، ألقى المبعوث الصيني الخاص للشرق الأوسط جاي جون باللوم فيما يتعلق بالتصعيد بشكل أكبر على إسرائيل. وقال بيان صادر عن الاجتماع أنه “بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي، استجابت الصين بفاعلية لدعوة الدول العربية وطالبت مجلس الأمن بإجراء مشاورات طارئة حول الوضع الفلسطيني الإسرائيلي مع الإمارات العربية المتحدة”. وفي لقائه بالسفير الإسرائيلي في بيجين، في 10 أبريل، تبنى جاي الحذر ولم يمنح إسرائيل انتصاراً دبلوماسياً، واكتفى فقط بإدانة العنف “من جميع الأطراف”. ويعرقل ذلك نظر صناع القرار الإسرائيليين إلى الصين باعتبارها وسيطاً نزيهاً يمكن الوثوق به أكثر من الولايات المتحدة، ويطابق تصوراتهم للدور الصيني مع الرؤية الغربية للوساطة الصينية في الحرب الأوكرانية باعتبارها طرفاً غير محايد.

 

5. اتساق الرؤية الصينية مع بعض محددات اتفاق أوسلو القائمة على إنهاء العنف وبناء تعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين مستنداً إلى تطبيع التواصل بين الجانبين، وهو ما يعرف بتحقيق السلام عبر “التطبيع”. وتتجنب هذه السياسة معالجة مصادر الصراع السياسية والأخلاقية الأساسية باعتبارها ركائز لسلام مستقر في المستقبل.

 

ومن ثم، فإن مقاربة الصين التقليدية للوساطة تتسم بخصائص قد تُسهم في بناء المزيد من العقبات في سبيل تحقيق سلام عادل وشامل ومستدام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدلاً من معالجة التحديات القائمة بالفعل. هذه الخصائص التعطيلية هي اللاتسييس المتعمد للصراع، وغياب السياق النظري القادر على تقديم تصورات بديلة تتحدى الوضع القائم أو تُضفي تعديلات جوهرية عليه، وتَبنِّي مبدأ “السلام التنموي” باعتباره أساسَ البناء التفاوضي. إضافة إلى ذلك، فإن الوساطة الصينية (المعرفة أكاديمياً بـ”شبه وساطة“) تهدف لإنهاء العنف وخفض التصعيد وتبنّي إجراءات تدريجية لبناء الثقة للوصول إلى “سلام سلبي” يهدف إلى إدارة الصراع، كبديل لـ”السلام الإيجابي” المستدام الذي يقدم معالجة جذرية لمسببات الصراع.

 

الدوافع والتفسيرات

لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون الدبلوماسيون الصينيون على دراية عميقة وشاملة بالتحديات التي قد تواجه إنجاح مبادرة الوساطة. لكن بالتأكيد ثمة دوافع محددة بلورت حسابات صُنَّاع السياسات في بيجين وأنتجت اعتقاداً بأن مكاسب التقدم بمبادرة للوساطة تفوق مخاطرها بالنسبة للمصالح الصينية. ويمكن قراءة تفسيرين محفزين للدوافع التي قد تقف وراء قرار صناع السياسات الصينيين للإقدام على عرض الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

 

التفسير الأول: استثمار الزخم 

يرتكز هذا التفسير على رؤية القيادة الصينية للتفاعلات الإقليمية إزاء الوساطة الصينية للاتفاق السعودي-الإيراني، والاستجابة السريعة والتعاطي الإيجابي، من قبل دول الخليج والشرق الأوسط بشكل أوسع، مع الدور الصيني باعتباره قد يشكل بداية لقيام بيجين بأدوار وساطة في قضايا إقليمية أخرى. إلى جانب ذلك، فإن الثقة الداخلية في امتلاك الصين أدوات أكثر فاعلية تؤهلها للوساطة في القضية الفلسطينية، أهمها الحياد النسبي تاريخياً وعمق العلاقات بين الجانبين وغياب الإرث الإمبريالي في الإقليم، قد تكون عاملاً محفزاً آخر لإقدام بيجين على عرض الوساطة. بالإضافة إلى تغلُّب الدبلوماسيين الصينيين على تعقيد التنافس الإقليمي بين السعودية وإيران وتشابكه، واقتناعهم المحتمل بالقدرة على إدارة مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين بنفس الدرجة من الفاعلية.

 

التفسير الثاني: بناء الصورة الذهنية وتقويض نفوذ واشنطن 

ينبع الشق الأول من هذا التفسير الأكثر ترجيحاً من تدخُّل الصين في صراعات لا تتصل مباشرة بمصالحها الجوهرية بشكل عام من الرغبة في الحفاظ على الاستقرار في الدول التي لديها علاقات اقتصادية وثيقة معها، خصوصاً الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، إلى جانب اعتبار أمن المواطنين الصينيين والشركات العاملة هناك. وينطبق ذلك على حال عدم الاستقرار الداخلي في إسرائيل الآخذ في التصاعد منذ انتخاب حكومة اليمين المتطرف الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، إلى جانب التصعيد الآخذ في التدرج بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية منذ ذلك الحين. ووصل التصعيد إلى ذروته في 9 مايو بعد تنفيذ القوات الإسرائيلية عملية اغتيال لعدد من قادة حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة. وشكَّل هذا التصعيد فرصة أولية لاختبار جدية بيجين في محاولات توسيع دورها في الصراع، لكنها لم تُقدِم على تبني خطوات ملموسة للمشاركة في مباحثات التهدئة.

 

وفيما يتعلق بالشق الثاني، يدرك الدبلوماسيون الصينيون أن الصين كانت فقط “اللاعب المناسب في الوقت المناسب” وانحصار دور بيجين في الاتفاق السعودي-الإيراني في استضافة المحادثات، واستند إلى الجهود العراقية والعُمانية في الوساطة، وفوق ذلك الرغبة السعودية-الإيرانية المتبادلة في استعادة العلاقات الدبلوماسية وخفض التصعيد. وانعكست هذه الرغبة في التبعات السريعة المرتبطة بالاتفاق، من قبيل إطلاق محادثات السلام السعودية-الحوثية في اليمن، واستعادة سورية لعضويتها في الجامعة العربية قبيل القمة العربية التي عُقدت في السعودية. ولا تنطبق كل المعطيات السابقة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. ومن ثم، يدفع ذلك إلى الاعتقاد بأن الهدف من عرض الوساطة هو تحسين، والبناء على، صورة الصين الذهنية كقوة عظمى مسؤولة، وكوسيط مستعد لتحمل المسؤولية عن تشجيع وضمان الاستقرار والسلام في المنطقة، باعتبار ذلك خطوة دبلوماسية منخفضة المخاطر.

 

ويرتبط الشق الثالث من هذا الدافع بمحاولة تقويض مصداقية الولايات المتحدة وإظهار، أمام الداخل الصيني والرأي العام الإقليمي، عجزها عن تبني مقاربة محايدة في الصراع وغياب القدرة على إقناع طرفي الصراع بالعودة للمفاوضات، فضلاً عن عدم قدرتها على ممارسة ضغوط على الطرف الأقوى، إسرائيل، ودفعها لتهدئة التصعيد.

 

آفاق الدور الصيني 

على رغم صعوبة تصوُّر تحوُّل الصين إلى وسيط كامل، لتعارُض ذلك مع أسلوب “شبه الوساطة” منخفض الكلفة والذي يعفي بيجين من دور الضامن الأمني، ومُعارضة إسرائيل، لا يجب استبعاد حدوث تغيرات تجعل بيئة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أكثر ملائمة لتدخُّل الصين. لكن، في الوقت الحالي، قد يقتصر طموح الوساطة الصيني على وضع استراتيجية لإدارة الصراع فقط، كالآتي:   

 

1. توفير منبر للحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين في الصين.

2. الدفع باتجاه التوصل الى اتفاق خفض تصعيد وتعاون اقتصادي بين الجانبين يُمهد لمناقشة الأمور السياسية لاحقاً. وتبدو الصين في هذا الصدد مستعدة لإعادة تأهيل السلطة الفلسطينية اقتصادياً عبر إطار مبادرة الحزام والطريق ورفع التبادل التجاري بمستوى دراماتيكي يسمح بتقليص، ولو قليلاً، فجوة الرفاهية الاقتصادية الشاسعة بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

3. التوصل لترتيبات أمنية تُخفف القبضة الإسرائيلية على الفلسطينيين، وتسمح بزيادة أعداد العمال المسموح لهم بالعبور والعمل داخل إسرائيل، إلى جانب تخفيف شروط الحصار المفروض على قطاع غزة، في مقابل توقف الفصائل عن إطلاق الصواريخ واستمرار التنسيق الأمني مع السلطة.

 

لكن، من غير المرجح أن تُقدِّم بيجين أفكاراً خارج سياق التفكير النابع من محددات الصراع الداخلية أو تتعارض بشكل صارخ مع ديناميات الوساطة الأمريكية. فمن غير المتصور حالياً سعْي الصين لجسر الهوة في القدرات العسكرية بين الجانبين، عبر دعم تسليح السلطة الفلسطينية لتقليل اللاتماثل في القوة مع إسرائيل، ونقل القرار العسكري من الفصائل الإسلامية في قطاع غزة إلى رام الله.

 

ولا تُحمِّل مثل هذه المبادرات الصين كلفاً كبيرة. لكنها قد تُحقِّق لها مكاسب أهمها قدرتها على تحدي الهيمنة الأمريكية على الوساطة في الصراع، دون تقويضها بشكل نهائي. وينعكس ذلك في دعم والحفاظ على محددات اتفاق أوسلو، ومجاراة التفكير الغربي، على سبيل المثال، في التخلي عام 2017 عن دعم بيجين لمبدأ “الأرض مقابل السلام”.

 

ولتحقيق ما سبق، قد تلجأ الصين في الشهور والسنوات المقبلة لإطلاق نقاش مفتوح مع قوى إقليمية فاعلة في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تتسق رؤيتها مثل مصر وتركيا، فضلاً عن إطلاق حوار مع دول الخليج، لتبادل الرؤى بشأن الحلول الممكنة للصراع.

 

استنتاجات

يُستنتج أن الصين تُعيد تعبئة وتغليف عروض مماثلة طول الوقت لإدارة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي دون أفكار إبداعية. ويعكس ذلك تمسكها بمبادئ اتفاقات أوسلو التي كان يُخطَّط أن تبدأ كـ”سلام سلبي” وتتحول تدريجياً، وعبر إجراءات اقتصادية تطبيعية، إلى “سلام إيجابي” وهو ما لم يحدث. ويَقْصُر ذلك أي تدخل صيني مستقبلي على “شبه وساطة” التي، بالتعريف، لا تنتج قيادة صينية للمفاوضات بديلة عن الولايات المتحدة، بل تتبع اتجاه الطرفين المتصارعين وديناميات الصراع بينهما، وهو ما يُعمِّق بالضرورة من حال اللاتماثل في القوة بين الجانبين في حال قضية السلام في المنطقة.

 

وبرغم انحصار الهدف النهائي في التموضع كقوة عظمى صاعدة، وتحدِّي الهيمنة الأمريكية على مسارات الصراع، فإن الصين إلى الآن ليست مستعدة، ولا قادرة، على تحمُّل مسؤوليات واشنطن فيه، ولا تملك إرادة سياسية حقيقية للانزلاق في صراع معقَّد من الناحية السياسية والأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية لا تملك الكثير من الخبرة فيه.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/wasata-kamila-am-shebh-wasata-hudud-altdkhkhul-alsiyni-fi-alsirae-alfilastini-ali-israyiyli

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M