اللعبة الخطرة لروحاني بين رفض التفاوض أو قبوله مع واشنطن

فاطمة الصمادي

كما أن اغتيال سليماني قد أوجد تغييرًا في قواعد الاشتباك بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وأدخل العلاقات التي تعاني في الأصل من أزمات متلاحقة في أزمة أشد، فقد غيَّر أيضًا من قواعد اللعبة السياسية داخل إيران، أو لنقل: أعطى أبعادًا جديدة للتنافس والتدافع الدائر في إيران منذ عقود حول الشكل الذي يجب أن تكون عليه الجمهورية الإسلامية. وفيما يعلن المرشد بكلمات صريحة رفضه للتفاوض مع واشنطن، يحاول روحاني وفريقه التفلت من ثقل لاءات المرشد، فيتحدث عن أن الإيرانيين انتخبوه ليطفئ فتيل التوتر مع العالم، ويتحدث وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، عن شروط للتفاوض مع واشنطن هي ذاتها مطالب إيران قبل مقتل سليماني، لكن هذه اللعبة السياسية التي يحاولها تيار روحاني تبدو شديدة الخطورة فيما يتعلق بموقع تياره ومستقبله في الساحة السياسية الإيرانية.

خطاب خامنئي: لا جدوى من التفاوض

فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، نجد عند مراجعة خطب وأحاديث مرشد الثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، حتى تلك السابقة على توليه منصب المرشد، عددًا من الملامح والخطوط الثابتة التي استمرت على مدى عقود، وتعززت مع الوقت لتنتج خطابًا واضحًا رافضًا للعلاقة مع واشنطن.

في واحد من المواد الفيلمية التي توثق لحادثة اقتحام السفارة الأميركية على يد مجموعة طلابية ثورية تطلق على نفسها “السائرون على خط الإمام”، نجد فيلمًا يوثِّق اجتماع لخامنئي مع الرهائن داخل مبنى السفارة، وإن كان الفيلم يتركز في جزء منه حول السؤال عن أوضاعهم واحتياجاتهم، إلا أنه يكشف بُعدًا مهمًّا في رؤية خامنئي للدور الأميركي في إيران، ففي حديثه إلى الرهائن، يشكو أحدهم من أن الإيرانيين “يبالغون في المجاملة؛ فنحن نريد أن نغادر لكنهم يُلحُّون بأن نبقى”؛ فيجيبه خامنئي: بالعكس؛ الإيرانيون يريدونكم أن تغادروا. ويظهر في حديث خامنئي مفردات تصف الطرف الأميركي بالمعتدي والمستكبر.

لاحقًا، وعلى مدى سنوات من عمر الجمهورية الإسلامية، لم يغادر خامنئي ساحة الخطاب المناوىء لواشنطن بل تعززت لديه قناعاته السابقة بـ”عدم جدوى العلاقة معها”(1)، وكانت صفات الطرف الأميركي في خطاب خامنئي لا تغادر عنوانًا عريضًا مفاده أن هذا الطرف “كاذب وغير محل للثقة”، مع عناوين أخرى تشكل في المجموع خطابه نحو واشنطن، وعند مراجعة أكثر من 150 خطبة وحديثًا لآية الله خامنئي (صدرت في الفترة ما بين أغسطس/آب 1989-يناير/كانون الثاني 2020) جاءت على ذكر التفاوض والعلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية نجد العناوين التالية:

  • الاجتماع مع الأميركيين لن يحل أية مشكلة؛ إنهم لن يقدموا شيئًا.
  • إنهم يريدون أن يحذفوا مفردة الإسلام من الدستور.
  • لديهم مشكلة مع أصل النظام في الجمهورية الإسلامية.
  • إنهم يضغطون ويضعون العقوبات، للاعتراف بتلك الدولة رسميًّا (في إشارة إلى إسرائيل).
  • يقين بأنهم لن يلتزموا بالاتفاق النووي.
  • يريدون منع إيران من مساعدة المقاومة.
  • يريدون القضاء على نفوذ إيران الإقليمي.
  • يريدون منع إيران من امتلاك الصواريخ.
  • المفاوضات تكتيك أميركي في استراتيجية ترمي إلى الإطاحة بنظام الجمهورية الإسلامية.
  • هناك ظلم واقع على إيران لكنها ليست ضعيفة.
  • السياسة الأميركية قبضة حديدية بقفاز مخملي (إشارة إلى سياسة أوباما).
  • لا يمكن لإيران أن تقبل بشروطهم فلا حدود لمطالبهم.
  • يريدون إعادة إيران إلى حظيرتهم كما كانت قبل الثورة.
  • أولئك السادة اللَّبقون الذين يجلسون خلف طاولة التفاوض هم في الحقيقة الإرهابيون في مطار بغداد لكنهم يرتدون زيًّا مختلفًا (في نقده للدور الأوروبي المرتهن للإدارة الأميركية).

وتُظهر خطاباته أن العلاقة مع واشنطن كانت محل جدل ومحاججة بينه وبين رؤوساء الجمهورية المتعاقبين في إيران(2)، ويتضح ذلك في قوله: لقد طلبت من مسؤولينا أكثر من مرة أن يشخِّصوا لي الحد الذي سيقف عنده الضغط الأميركي.. ليخلص إلى النتيجة: “إنهم لن يتوقفوا”(3)، وأيضًا في قوله إنه كان يعرف ما سيؤول إليه الاتفاق النووي لكن أكثر من رئيس إيراني جادله بضرورة حل مشكلة العلاقة مع الولايات المتحدة بالتفاوض(4).

في يونيو/حزيران 2013، ومع انتخاب حسن روحاني رئيسًا لإيران، وتعيين وزير خارجيته، جواد ظريف، كبيرَ مفاوضي الملف النووي كان الجدل يتسع بشأن العلاقة مع الغرب وعلى وجه الخصوص العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وانقسمت الآراء داخل التيار الأصولي المقرب من مرشد الثورة، بين معارض للتفاوض من حيث المبدأ، وساكت بشأنها رابطًا الموقف منها بـ”الحاجة لها” وبنتائجها.

استمر القائلون بأن “لا تفاوض ولا تقارب ولا علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية” في الدفاع عن مواقفهم، حتى مع تقدم المفاوضات بشأن برنامج إيران النووي. ووجَّه نواب أصوليون في مجلس الشورى الإسلامي انتقادات لسياسات الحكومة وللرئيس ولوزير خارجيته، ووصفوا الاتفاق المرحلي بين طهران ومجموعة الدول الست الكبرى، الذي بدأ في فبراير/شباط 2014، بأنه يضيف مكاسب لصالح الدول الغربية؛ ويُعَرِّض مصالح ومكانة إيران للخطر، ووصفه علي رضا زاكاني، النائب الأصولي في مجلس الشورى، بأنه يُدخل إيران في حقل ألغام(5) . واستقبل عشرات من المتظاهرين الأصوليين روحاني عقب عودته من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة؛ محتجين على مكالمته مع أوباما؛ ومرددين شعار: “الموت لأميركا”(6).

خفَّف الدعم الذي قدمه مرشد الثورة لروحاني طوال عملية التفاوض حتى الوصول إلى الاتفاق النووي في صيف 2015، من حدة الهجمة الأصولية بشأن التفاوض مع الغرب، لكن خامنئي لم يُجر أي تغييرات على صعيد الخطاب فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، وقال إنه وافق على التفاوض رغم عدم تفاؤله بذلك، لأن رؤوساء الجمهورية (أحمدي نجاد وروحاني) أكدوا مرارًا أن التفاوض المباشر مع الولايات المتحدة الأميركية سيصب في مصلحة إيران، وسيحل مشكلة الملف النووي، يقول خامنئي: “تصور بعض أعضاء الحكومة السابقة وكذلك بعض أعضاء الحكومة الحالية أنه لو تفاوضنا مع أميركا حول القضية النووية فإن هذه القضية ستُحل، وبسبب إصرارهم على التفاوض حول القضية النووية قلت بأنني لا أعارض ولكن أكدت في ذلك الوقت أيضًا أنني لست متفائلًا”(7). كان من الواضح أن خامنئي لا يريد أن يُسجَّل أنه حال دون خطوة قادرة على حل مشاكل إيران.

ويمكن القول: إن ثلاثة تطورات محورية عزَّزت من توجه خامنئي وأعطت دفعًا للتيار المعارض بقوة للتفاوض مع واشنطن في الساحة السياسية الإيرانية، وهذه التطورات هي:

  • تعثر تطبيق الاتفاق النووي وانسحاب الولايات المتحدة منه رغم التزام إيران ببنوده.
  • عجز الأوروبيين عن حماية الاتفاق وتقديم ما من شأنه أن يقنع الإيرانيين.
  • اغتيال قاسم سليماني.

وهذه التطورات شكَّلت بصورة واضحة لُبَّ خطبة خامنئي في صلاة الجمعة التي أمَّها، في 17 يناير/كانون الثاني 2020، ولعل المسألة الأبرز التي تتعلق بموضوع بحثنا هنا، أن الخطوط التي رسمها خامنئي قد جعلت مهمة روحاني لإيجاد حل للمشكلات التي يواجهها سياسيًّا واقتصاديًّا عسيرة للغاية وقد لا تمر السنة الباقية من حكمه بسلام.

في خطاب الاعتدال: كيف يتحرك روحاني؟

مبكرًا، دخل اسم حسن روحاني في سجل التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية؛ ففي 27 مايو/أيار 1986، جلس روحاني، مستشار الشؤون الخارجية في الحكومة الإيرانية البالغ من العمر 37 عامًا آنذاك، مع وفد من مسؤولي البيت الأبيض برئاسة مستشار الأمن القومي حينها، بوب ماكفرلين(8)، في الطابق العلوي لفندق هيلتون في طهران والذي صار يُعرف باسم استقلال بارسيان. كان روحاني مفاوضًا سريًّا للاتفاق مع الأميركيين. كان الهدف الظاهري للفريق الأميركي هو إقناع الزعماء الإيرانيين بالمساعدة في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين المحتجزين في لبنان، وهو ما كان روحاني على استعداد للقيام به في مقابل بيع الولايات المتحدة صواريخ وأنظمة أسلحة لإيران التي كانت تعاني نقصًا حادًّا في السلاح وتخوض حربًا ضروسًا مع العراق. لكن المجموعة، التي كانت تتألف من كبار موظفي مجلس الأمن القومي، بمن فيهم ضابط برتبة مقدم مشاة البحرية، أوليفر نورث، كان لها هدف ثان أكبر يتجاوز قضية الرهائن وهو: تشكيل تحالف سياسي جديد مع القادة الإيرانيين المعتدلين(9).

(الجزيرة)
روحاني يواجه معركة صعبة في الداخل بعد تعثر الاتفاق النووي (الجزيرة)

ولعل “زيارة بوب ماكفرلين السرية” إلى طهران والتي كشفها تحقيق لمجلة الشراع اللبنانية(10)، تُظهر بصورة جلية وجود تيار قديم في إيران يميل إلى حل معضلة العلاقة مع واشنطن، وأن هذا التيار جاء من قلب الثورة ومؤسسة النظام.

كان روحاني وكذلك الفريق الذي فاوض الأميركيين من المقربين لهاشمي رفسنجاني الذي تولى مناصب كثيرة في الجمهورية الإسلامية من أهمها رئاسة إيران في الفترة التي أعقب الحرب مع العراق وأُطلق عليها فترة إعادة الإعمار، ولعل موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية كان سببًا للخلاف بين رفسنجاني وخامنئي قبل سنوات من رحيل رفسنجاني عام 2017، وهو الخلاف الذي ظهر جليًّا عقب العام 2009، وإن كان موضوع إعادة انتخاب أحمدي نجاد عنوانًا بارزًا في خلاف الرجلين اللذين جمعتهما صداقة طويلة. ولاحقًا، وقبل الدخول في مفاوضات معلنة مع الطرف الأميركي، وتوقيع الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1، سعى رفسنجاني إلى تقديم رواية جديدة لموقف آية الله الخميني من العلاقة مع واشنطن، ورافق ذلك محاولة للقول بأن الإمام الخميني كان معارضًا لاقتحام السفارة الأميركية وهو ما يتناقض بصورة واضحة مع الرواية المعتمدة في الجمهورية الإسلامية.

دخل موضوع العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية في صلب الخلاف بين روحاني والحرس الثوري؛ إذ لم تمض شهور قليلة على انتخابه رئيسًا لإيران، حتى كان روحاني يضع نفسه في مرمى انتقاداتهم، ففي سبتمبر/أيلول 2013، وأثناء توقفه في مطار جون كينيدي عائدًا إلى إيران، بعد أن ألقى كلمة في اجتماعات الأمم المتحدة، أجرى روحاني مكالمة هاتفية لمدة 15 دقيقة مع الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وأثارت المكالمة ردود فعل مؤيدة ومعارضة في طهران. ومع أن القائد العام للحرس الثوري في ذلك الوقت، محمد علي جعفري، قد أثنى على أداء حسن روحاني في الأمم المتحدة ووصفه بالمقتدر إلا أنه لم يُظهر رضى عن مكالمة روحاني-أوباما(11) ، وقال: كان من الممكن تأجيلها لما بعد المحادثات النووية. وفيما كانت لهجة جعفري يغلب عليها التأييد لروحاني، إلا أن نائبه في ذلك الوقت، حسين سلامي (القائد الحالي للحرس الثوري)، وجَّه نقدًا مباشرًا، فالخلاف مع واشنطن لا يقتصر على الملف النووي والعداء معها لا نهاية له(12) .

لم تهدأ حدَّة النقاش والتجاذب بشأن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وحاول الراحل، هاشمي رفسنجاني، أن يقدم الدعم لروحاني، فنشر بعضًا من يومياته التي سماها (صراحت نامه/ رسالة الصراحة) وقال فيها: إن الإمام الخميني كانا موافقًا على حذف شعار “الموت لأميركا”(13) ، وفيما دافعت مؤسسة نشر آثار الخميني عن رفسنجاني، مؤكدة أن يومياته المكتوبة بخط يده موثوقة ويمكن الأخذ بها(14)، وصف جعفري ما صدر عن رفسنجاني بأنه “خداع”(15).

في وقت سابق على انتخابه رئيسًا لإيران في عام 2013، وجَّه روحاني نقدًا لاذعًا للسياسة الخارجية لحكومة محمود أحمدي نجاد ودعا إلى سياسة خارجية جديدة: “نحتاج إلى واحدة جديدة(16).. ليست كلامًا كبيرًا يتم إطلاقه.. هؤلاء لا يمارسون سياسة خارجية صحيحة.. السياسة الخارجية تعني جذب المنافع والفرص ودفع التهديد”(17).

وقد عرَّف رموز تيار الاعتدال الذي يتزعمه روحاني سياستهم الخارجية من خلال التأكيد على إخفاقات السياسة الخارجية على مدى ثماني سنوات من حكم أحمدي نجاد: “يستند برنامج روحاني للسياسة الخارجية إلى نقد مبدئي ورصين وحكيم لسلوك العلاقات الخارجية خلال السنوات الثماني الماضية في ظل الإدارة السابقة”(18). وعند مراجعة طروحاتهم الفكرية نجدهم يرون ضرورة حل معضلة العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية كشرط لازم لإحداث التقدم في إيران، بل إن بعضهم يرى أن هذا الحل يقتضي إجراء تعديلات جوهرية في الدستور الإيراني.

وضع اغتيال سليماني الفريق المنادي بالتفاوض مع واشنطن في الزاوية، لكن مع الإعلان عن أن إسقاط الطائرة الأوكرانية لم يكن نتيجة عطل بل بواسطة دفاعات الحرس الجوية تهامس البعض عن إمكانية أن يكون ذلك فرصة مناسبة لروحاني لتحجيم دور الحرس سياسيًّا واقتصاديًّا، وطرح مسألة التفاوض مع واشنطن كضرورة لتجنيب البلاد ويلات المواجهة.

وفي وقت لم تهدأ فيه الأصوات الرافضة للتفاوض مع واشنطن، خرج حسن روحاني ليقول بلهجة غاضبة: “أنا لا أعرف طريقة لحل مشكلات الاقتصاد الإيراني دون علاقات مع الخارج”، وفي ذلك اعتراض مبطَّن على مجمل خطة مرشد الثورة المدرجة تحت اسم “الاقتصاد المقاوم”، وأعاد الكرة إلى ملعب الشعب الإيراني في لعبة خطرة عندما قال: الناس صوَّتوا لي حتى أنزع فتيل التوتر مع العالم، في إشارة إلى فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2013 و2016 على منافسيه من التيار المعارض للتفاوض مع واشنطن، وفي مقدمتهم رئيس السلطة القضائية، حجة الإسلام إبراهيم رئيسي. لكن روحاني الذي جعله فشل الاتفاق النووي عاجزًا عن تنفيذ أي من وعوده، لا يتمتع اليوم مع تياره المعتدل بنقاط قوة تجعله قادرًا على مواجهة التيار الأصولي وكذلك الحرس على الرغم من خبرته الأمنية وحنكته في إدارة معركته معهم، فالعقوبات التي وعد بإزالتها تفعل فعلها في المجتمع الإيراني، ورهانه على الأوروبيين أثبت فشله، وكل نقاط القوة التي كسبها مع توقيع الاتفاق النووي وجعلت اسمه يدخل في قائمة المرشحين بقوة لخلافة علي خامنئي كمرشد قادم خسرها بفعل سياسة ترامب تجاه إيران.

وقبل أن تنتهي موجة النقد لروحاني كونه “لا يعرف حلًّا” وهو الذي قدم وعودًا بحل جميع مشكلات الاقتصاد الإيراني، كان وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، يثير موجة نقد جديدة عندما قال في مقابلته مع “دير شبيغل” الألمانية: “إن احتمال المفاوضات مع أميركا بعد اغتيال سليماني ليس أمرًا مستحيلًا وأنا لا أنفيه أبدًا” وربط ذلك بإزالة العقوبات، وهو شرط إيراني سابق على اغتيال سليماني. وقد تسببت المقابلة بجدال عبر تويتر بين ظريف وترامب الذي رد برفض التفاوض، ليجيبه ظريف بضرورة أن يقرأ المقابلة كاملة بدلًا من الاعتماد على موجز فوكس نيوز أو مترجميه عن الفارسية.

(الجزيرة)
هجوم غير مسبوق على ظرف بسبب تصريحاته المتعلقة بالتفاوض مع واشنطن (الجزيرة)

ردود الفعل على مقابلة ظريف وتصريحاته حملت هجومًا أصوليًّا غير مسبوق عليه، ولم تقف الصحف المحسوبة على التيار الإصلاحي بعيدة عن المعركة إذ هاجمته أيضًا لكنها اعتبرت أن تصريحاته تصعِّد مع الأوروبيين، متسائلة إذا كانت لغة التهديد ستساعد إيران وهو ما طرحته صحيفة “آفتاب يزد” على صفحتها الأولى تحت عنوان “غضب ظريف”، ونقلت عن الدبلوماسي الإيراني السابق، فريدون مجلسي، قوله بأن تصريحات الوزير ظريف غير احترافية ولا تمتُّ للدبلوماسية بصلة، موصيًا بعدم المضي في نهج التهديد مع أوروبا؛ لأن عواقبه ستكون سلبية على البلاد. وأضاف مجلسي أن “ظريف أصبح يتحدث باسم مجموعة أخرى تسعى وراء أهداف بعيدة عن التفاوض”. وتحت عنوان لاذع “أي إيران أنت وزير خارجيتها؟” وقع ظريف في مرمى نقد صحيفة كيهان(19) ورئيس تحريرها، حسين شريعتمداري، الذي تساءل مشككًا عن هدف ظريف من المفاوضات مع قاتل سليماني، واعتبر أن “ظريف يسير في اتجاه معارض لملايين الإيرانيين الذين شيَّعوا سليماني وطالبوا بالانتقام له. ورأى شريعتمداري أن أي هدف للتفاوض مستقبلًا لن يتعدى استهداف القدرة الصاروخية لإيران، وقال: “إذا افترضنا أن ترامب رفع العقوبات وعاد إلى طاولة المفاوضات، ما هي المواضيع التي ستُطرح على طاولة الحوار؟ هل سيكون هناك ملفات أخرى غير توقيف الصناعة الصاروخية ووقف الدعم لجبهة المقاومة؟”.

وهاجمت صحيفة “وطن أمروز” ظريف في افتتاحية حملت عنوان “أنت تخطئ العنوان! وتساءلت مستنكرة: “مفاوضات مع قاتل الحاج قاسم؟!”، ثم ألحقت ذلك بعنوان على صفحتها الأولى “العار”، وقالت الصحيفة عن تغريدة ترامب “لا، شكرًا” في الرد على ما قاله ظريف بشأن التفاوض، أن تصريحات ظريف هي ما سمحت لترامب بالحديث بهذا الشكل المهين للشعب الإيراني.

خلاصة

تعكس الهجمة التي يتعرض لها روحاني وكذلك وزير خارجيته جواد ظريف حالة رفض قوية للتفاوض بصيغته المباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية وعلى وجه التحديد مع الإدارة الأميركية الحالية. على الأقل في المدى المنظور لا يبدو أن روحاني يملك القوة التي تمكِّنه من أن يخوض لعبة التفاوض الخطرة هذه وإذا حدث فإنه يقامر بمستقبل تياره السياسي. ومع ذلك، فإن السؤال الملحَّ اليوم يتعلق بمدى استشعار الطبقة الحاكمة في إيران بوجود خطر يهدد بنية النظام، والجواب على ذلك يجعلنا نتحفظ على إسقاط الاحتمال التفاوضي بشكل كامل، فالحاجة الإيرانية الملحَّة دفعت الإيرانيين، وحفاظًا على النظام، إلى التفاوض مع واشنطن، عام 1986، في فترة تاريخية كان فيها شعار “الموت لأميركا” تسنده حالة زخم ثوري قلَّ مثيلها. لكن هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر قد تنقض إجابته الاحتمال السابق، وهذا السؤال هو: أيهما يهدد بنية نظام الجمهورية الإسلامية: رفض التفاوض مجددًا دون نقاط قوة واضحة أم الدخول في عملية تفاوضية متعددة الملفات؟

وأيًّا يكن الجواب على الأسئلة السابقة فعلينا أن نلاحظ أن مرشد الثورة في خطبة الجمعة التي أشرنا إليها في مقدمة هذه الورقة، وإن كان قد انتقد الدول الأوروبية ووصفها بأن خادم للولايات المتحدة الأميركية وتنفذ أجندتها إلا أنه لم يقفل باب التفاوض معها على غرار ما فعل تجاه الطرف الأميركي، مما يُبقي احتمال التفاوض من خلال طرف ثالث قائمًا. لكن ما تعرفه إيران وتتحسب له هو الملفات التي سيطولها أي تفاوض جديد، ولعل روحاني يعرف جيدًا أن المفاوضات القادمة ستكون أصعب بمرات مقارنة بتلك الخاصة بالاتفاق النووي، وأنها ستتعداه إلى ملفات إيران الحساسة، وهي البرنامج الصاروخي ونفوذ إيران الإقليمي وهي ملفات الحرس الثوري بصورة مباشرة، وإذا ما قرَّر فعل ذلك فعليه أن يتجاوز عقبة الحرس وقبل ذلك مرشد الثورة، وهي مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة.

مراجع

1- مجموعه بیانات سالهای اخیر رهبر انقلاب درباره پیامدهای مذاکره با آمریکا + فیلم (مجموعة تصريحات قائد الثورة خلال السنوات الأخيرة، حول نتائج التفاوض مع أميركا+ فيلم)، موقع “باشگاه خبرنگاران جوان”« 5 أبان 1398 (تاریخ الدخول: 26 يناير/کانون الثاني 2020):https://bit.ly/38EOzp9

2- پرونده ويژه “تجربه برجام” (1) چرا رهبر انقلاب علي‌رغم عدم‌ خوش‌بيني با مذاکرات برجام موافقت کردند؟ (ملف خاص حول تجربة الاتفاق النووي(1) ما الذي جعل قائد الثورة وعلى الرغم من عدم تفاؤله بالمفاوضات يوافق على الاتفاق؟)، وكالة تسنيم، 26خرداد 1395 ش (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/2RR06eo

3- در آستانه‌ روز ملی مبارزه با استکبار جهانی و روز دانش‌آموز و در دیدار دانش‌آموزان و دانشجویان رهبر انقلاب: برخی که مذاکره با آمریکا را حلّال مشکلات می دانند، صددرصد اشتباه می کنند (في اليوم الوطني لمقاومة الاستكبار العالمي ويوم التلاميذ والطلبة، قائد الثورة: البعض يرى العلاقة مع أميركا حلالة للمشكلات، مخطئون مئة بالمئة)، موقع ايران ديپلماسی، 12 آبان 1398 ش(تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/2NZQH38

4- چرا رهبر انقلاب علي‌رغم عدم‌ خوش‌بيني با مذاکرات برجام موافقت کردند؟ (ملف خاص حول تجربة الاتفاق النووي(1) ما الذي جعل قائد الثورة وعلى الرغم من عدم تفاؤله بالمفاوضات يوافق على الاتفاق؟)، مرجع سابق.

5- ادامه انتقاد برخي از اصولگرايان از توافق اتمي ژنو در آستانه اجرا، (استمرار بعض الأصوليين بانتقاد توافق جنيف النووي حتى بعد أن بدأ تنفيذه)، موقع فردا، 28 من دي 1392، (تاريخ الدخول: 22 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/36t2InK

6- مصطفى داننده، چرخش بزرگ اصول‌ گرايان واصلاح‌ طلبان درباره «رابطه با آمريکا»، (التحول الكبير لوجهة نظر الأصوليين والإصلاحيين حول العلاقة مع أميركا)، موقع نامه نيوز، 5 من بهمن 1392، (تاريخ الدخول: 22 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/3aFHWER

7-  بیانات در دیدار مردم آذربایجان (“تصريحات خلال لقاء أهل أذربيجان”)، الموقع الرسمي لمرشد الثورة الإسلامية، 28 بهمن 1392 (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):

https://bit.ly/2vgFKU2

8- كان ماكفرلين كبيرًا لمستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض عندما كان رونالد ريغان رئيسًا.

9-  Shane Harris ,When Rouhani Met Ollie North, foreign policy, September 26, 2013:https://bit.ly/2GkXHDo

10- حسن صبرا، بين منطق الثورة ومنطق الدولة، هذا ما جرى في طهران، هل صحيح أن ماكفرلين زار طهران سرًّا؟ وماذا فعل؟، مجلة الشراع اللبنانية، العدد 242، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1986، صص 24-26.

11- “”محمدعلی جعفری٬ فرمانده کل سپاه پاسداراناشتباه تاکتیکی گفتگو با اوباما قابل جبران است” (“محمد علي جعفري، القائد العام للحرس الثوري: محادثة أوباما خطأ تكتيكي يمكن تعويضه”)، موقع دیگربان، 8 مهر 1392 ش (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/36sZjFI

12- “انتقاد جانشین سپاه پاسداران از تماس تلفنی روحانی و أوباما”(“انتقاد نائب قائد الحرس الثوري للمكالمة الهاتفية بين روحاني وأوباما”)، موقع پارسینه، 10 مهر 1392(تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/2tRgOCm

13- “هاشمی رفسنجانی: امام(ره) موافق حذف “مرگ بر آمریکا” بودند” (“هاشمي رفسنجاني: الإمام رحمه الله كان موافقًا على حذف شعار “الموت لأميركا”)، موقع انتخاب، 9 مهر 1392 (تاريخ الدخول: 26 يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/310Fm83

14- “اسناد موافقت امام با حذف مرگ بر أميركا” (وثائق موافقة الإمام على حذف “الموت لأميركا”)، صحيفة اعتماد، العدد 2801 ،21/7/92ش، الصفحة الأولى.

15- “فرمانده سپاه پاسداران: ادعای موافقت امام با حذف شعار مرگ بر آمریکا، فریبکاری است” (“قائد الحرس الثوري: الادعاء بموافقة الإمام، مع إزالة شعار الموت لأميركا، خداع”)، راديو فردا، 21 مهر (تاريخ الدخول: يناير/كانون الثاني 2020):https://bit.ly/2O15qdT

16- من ملاحظات الباحثة حول كلمة روحاني في مؤتمر التنمية، طهران، فبراير/شباط 2008، وحضرته الباحثة: أشار روحاني الى التناقض وغياب التوافق بشأن تعريف التعامل مع الغرب، واستذكر بداية المحادثات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومهاجمة الصحافة الإيرانية لهذه الخطوة، “لقد اتهمونا بأننا ننقل أسرار إيران إلى الخارج”، و”وحذَّروا من فتح الباب للبرادعي”، واستخدم روحاني تعبير “ابن نساج الخرج” في إشارته إلى وصف البعض لمحمد البرادعي عندما كانوا يهاجمونه ويطالبون بعدم إعطائه أية قيمة، لكنهم باتوا يرون أن “ما يقوله البرادعي صحيح، ومن كانوا يحرِّمون الحديث مع الغرب الكافر يتحاورون اليوم معه”. صحيح أن الغرب لا يحبنا ولكن التحدي هو كيف نتعامل مع العدو فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وقَّع اتفاقية مع الكفار.

17- من كلمة روحاني في مؤتمر التنمية، طهران، فبراير/شباط 2008، من ملاحظات سجلتها الباحثة.

18- Mohammad Javad Zarif, What Iran Really Wants:Iranian Foreign Policy in the Rouhani Era, Foreign Affairs, May/June 2014 Issue(accessed 26 Jan 2020):  https://fam.ag/2Rq1RQB

19- حسین شریعتمداري، وزیر خارجه کدام ایران؟! (أي إيران أنت وزير خارجيتها؟!)، صحيفة كيهان،6 بهمن 1398، (26 يناير/كانون الثاني 2020)، العدد 22391، ص 2.

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4550

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M