المجتمع والرموز الدينية في عصر العولمة

د. أسعد كاظم شبيب

 

بعد أن أصدرت صحيفة الشرق الأوسط السعودية قبل أيام رسوما كارتونية أساءت إلى أحد الرموز الدينية الشيعية البارزة، اختلف الجمهور والصحيفة حول انتساب الصورة هذه إلى المرجع الديني السيد علي السيستاني في العراق أم إلى مرشد جمهورية إيران السيد علي الخامنئي، وبذلك عد هذا النشر الذي ليس الأول من نوعه في إطار نظرة الإعلام والجانب السياسي في السعودية، كالرسوم الكارتونية المسيئة التي صدرت من دول أجنبية ولاسيما رسوم الكارتون المسيئة للنبي محمد (ص) الصادرة عن إحدى الصحف الدانماركية قبل سنوات قليلة.

أعادت هذه الرسوم الجدل والبحث عن نظرة المجتمع العراقي بصورة خاصة والمجتمع الإسلامي بصورة عامة إلى الرموز الدينية ومكانة السلطات الأبوية في عصر العولمة، العصر الذي عد متغير بكل تفاصيله وانقلابه على أساليب الحياة واعتبارية السلطات الأبوية ومن ضمنها الرمزية الدينية، صحيح أن المجتمع الغربي قد حجم من السلطة الأبوية الدينية منذ بداية عصر النهضة على اعتبار أن العولمة منتج غربي بامتياز، لذا فرضت العولمة بمتغيراتها الحالية تأثيرات كبيرة على المجتمعات العربية والإسلامية على مقاييس الحياة فيها.

وفي ذلك نحاول هنا أن نبين نظرة المجتمعات الإسلامية إلى الرمز الديني في ظل تأثيرات العولمة، حيث فرضت العولمة بأدواتها المختلفة، ومنها الأدوات الناعمة المتمثلة بالتقنيات التكنولوجية والانترنت بجميع تفرعاته ومن ضمنها وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب تأثيرات الإعلام والموضات والحريات اللامحدودة المتاحة على المستوى الشخصي والاجتماعي وكذلك فرض الأنماط السياسية، كل هذه بدأت تأثيراتها في التزايد يوما بعد آخر.

إلا أن هذا التأثير وإن اختلف من مجتمع إسلامي إلى آخر إلا أنه لم يدخل في مختلف مرتكزات البنية الاجتماعية في هذه المجتمعات أو على الأقل تتباين من مجتمع إلى آخر، وأن طالت قيم العولمة بتأثيراتها على مستوى الموضات، والحريات الشخصية، والإعلام، وحتى على اعتبارية السلطات الدينية، والشخصيات الرمزية في المجتمعات الإسلامية إلا أن هذه الرمزية في إطار منظومة القيم الاجتماعية ولاعتبارات دينية ومذهبية، هي الأقل تأثراً بإفرازات العولمة حتى في إطار الإخفاق والفشل الذي حصل مع مسك الأحزاب الدينية للسلطة وإخفاقها في تقديم برامج تنموية، وخطط في النهوض ببناء الدولة في أكثر من بلد عربي وإسلامي ومنه العراق، إلا أن اعتبارية الرمزية الدينية لا تزال في هذه المجتمعات، تحظى بقدر كبير من الرمزية والاحترام، لاسيما في البيئات الاجتماعية المحافظة سواء في المدن الشعبية أو الأرياف.

ومثلما أشرنا ان إخفاق الأحزاب السياسية الدينية أثر بدرجة كبيرة في محاكاة معاناة مجتمعاتها رغم التعاطف الذي كانت تحظى به خلال سنوات معارضتها للأنظمة السياسية الحاكمة آنذاك، إلا أن المجتمعات الإسلامية غير التقليدية أي خارج تلك التي لا تعترف بالطاعة العمياء للآمر والحكام كما في السعودية ذاتها، إلا أنها بدأت تبحث عن البدائل وبالتأكيد هي ترى البلدان المصدرة للعولمة على أنها بلدان ناجحة اجتماعيا وسياسيا، وهنا لا بد أن نميز بين نظرة المجتمع إلى الأحزاب الدينية ككل وبين الرمزيات الدينية سواء على مستوى المرجعيات الدينية ورجال الدين وحتى زعماء الأحزاب والتيارات السياسية الدينية.

ومما تقدم نستنتج في تحليل نظرة المجتمعات إلى تقديرية الرمزية الدينية رغم تأثيرات العولمة قد تكون راجعة إلى عدد من المنطلقات أبرزها ما يلي:

– إن هناك مسلك ديني ومذهبي ذات أبعاد عبادية ومعاملاتية تحصر العلاقة بين الفرد وبين الفقيه في إطار ما يعرف المكلف والمجتهد، حيث يكون هذا المجتهد إذا وصل إلى نيل ثقة العلماء الأعلم منه يكون مرجعا للإفتاء.

– إن الرمزية الدينية تعود إلى مرتكزات أخرى منها ما يعرف بحفظ تعاليم الدين ونهج الأئمة والصحابة عبر طريق المشايخ والسادات.

– مسألة علاقة الدين بالدولة ومركزية الإسلام في التشريع وهنا يدخل الفقيه كمشرع بالإفتاء في المسائل الشرعية فيما يخص الزواج والطلاق والأحكام الجنائية، إذ أن أغلب القوانين المنظمة وحتى الدستور كأعلى قانون في البلد يرتكز في تعاطيه مع المسائل المذكورة في نظرة الفقيه المستنبطة من النصوص الدينية التأسيسية إلى جانب الرؤية الاجتهادية المعتمدة على القياس والمتغيرات.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/23834

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M