عادل رفيق
نشر المجلس الأطلسي – وهو مؤسسة بحثية أمريكية غير حزبية – في 16 يونيو 2022 مقالاً للسفيرة راما ياد، مدير المجلس الأطلسي وكبير باحثي مركز أفريقيا ومركز أوروبا (التابعين للمجلس)، وذلك تحت عنوان: “الحرب الأوكرانية تمنح أوروبا فرصة لإعادة ضبط علاقاتها مع أفريقيا”، تناولت فيه الحاجة إلى قيام أوروبا بإعادة ضبط علاقاتها مع أفريقيا لمواجهة التداعيات التي تفرضها الحرب الروسية-الأوكرانية، حيث أصبح بناء علاقات قوية بالنسبة لكل من أوروبا وأفريقيا أكثر إلحاحاً لكلا الطرفين من أي وقت مضى، في ظل “التحديات المشتركة المتصاعدة وغير المسبوقة” التي تواجههما. وقد جاء المقال على النحو التالي:
في الثامن عشر من فبراير، اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي مع قادة الاتحاد الأفريقي في بروكسل للإعلان عن “شراكة متجددة” ورؤية مشتركة لعام 2030. ولكن بعد ستة أيام فقط، كان الغزو الروسي لأوكرانيا الذي قلب مثل هذا التخطيط طويل الأمد لأوروبا ومعظم دول العالم رأساً على عقب.
لقد أدت الحرب على أوكرانيا إلى زعزعة استقرار أوروبا وأرسلت موجات من الصدمات عبر النظام الدولي. ومع ذلك، فإن “التحديات المشتركة غير المسبوقة والمتنامية” المشار إليها في الرؤية المشتركة قد تعززت مع نشوب الصراع الجديد. وأصبح بناء علاقات قوية بين أوروبا وأفريقيا أكثر إلحاحاً لكلا الطرفين من أي وقت مضى.
التحديات المتبادلة، الدعم المتبادل
بينما كان المسؤولون الأوروبيون بالفعل يتعاملون مع الانتكاسات الوبائية لجائحة كوفيد-19، وجدوا أنفسهم فجأة مضطرين إلى مواجهة خصم نووي، وحالة طوارئ جديدة لنزوح اللاجئين قد تؤدي إلى فرار أكثر من ثمانية ملايين شخص من أوكرانيا، في ظل مستويات قياسية من التضخم. وحتى قبل نشوب الحرب، تسبب ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، وانخفاض مستويات الدخل، وعدم كفاية الطاقة في جعل ثمانين مليون أسرة أوروبية تكافح من أجل توفير تدفئة منازلها الشتاء الماضي.
وعلى الجانب الآخر من البحر المتوسط ، شهدت الاقتصادات الأفريقية ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية والوقود والأسمدة في ظل توقف الواردات التي كانت تأتيها من أوكرانيا وروسيا. وأدى ارتفاع معدلات التضخم إلى تعميق أزمة ندرة الغذاء في جميع أنحاء القارة مع تعرض ملايين الأشخاص في منطقة الساحل والقرن الأفريقي لخطر الجوع الشديد.
وفي خضم سعي أفريقيا للتعافي من التداعيات الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوفيد -19، اتجه القادة الأفارقة إلى المجتمع الدولي في محاولة لتعزيز الوعي بالتأثير الخطير المترتب على بلدانهم جراء تلك الحرب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل. وفي 3 يونيو، التقى رئيس الاتحاد الأفريقي، ماكي سال، رئيس السنغال، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين طالباً منه الإفراج عن إمدادات الغذاء التي تم حظرها في البحر الأسود.
وقد احتل هذا الاجتماع عناوين الصحف في جميع أنحاء العالم لتأثيره الدبلوماسي غير المسبوق.
يتخطى هذا اللقاء بشكل كبير النظر إليه باعتباره مجرد طلب إنساني عبَّر عنه بعض الأفارقة الذين يتوسلون المساعدة من الرئيس الروسي، وذلك لعدة اعتبارات، منها:
أولاً، كان اللقاء إشارة إلى حقيقة وجود أفريقيا على الساحة الدولية كلاعب مهم. فالسيد ماكي سال لم يكن ببساطة يمثل بلاده فقط، بل كان يمثل 54 دولة باعتباره رئيس الاتحاد الأفريقي.
ثانياً، كان صوت سال يمثل دول عدم الانحياز. فقد تحدثت أفريقيا للتعبير عن مصالحها الخاصة، وليس مجرد قارة تابعة للقوى العالمية.
ويمكن أن تكون نزعة تأكيد الذات الجديد عبر العالم بمثابة بذرة تدفع لتجديد التعاون بين أفريقيا وشركائها، بما في ذلك أوروبا.
ومن المرجح أن تؤدي عقوبات الاتحاد الأوروبي الجديدة على روسيا، والتي تحظر واردات النفط من موسكو، إلى تفاقم ندرة الوقود في أوروبا، خاصة على المدى القصير. ومع أن الولايات المتحدة تصدر كميات كبيرة من النفط والغاز عبر المحيط الأطلسي، فإن لدى أوروبا أيضاً مصادر بديلة لتوريد الطاقة في أفريقيا يمكن للقارة العجوز الاستفادة منها.
قد تسمح احتياطيات الوقود الأحفوري المكثَّفة في أفريقيا وكذلك قربها من أوروبا بمساعدة دول الاتحاد الأوروبي على التخلص من إمدادات الطاقة الروسية، حيث لا تضيع الحكومات الأوروبية أي وقت في سعيها لتقوية علاقاتها مع الموردين الرئيسيين للطاقة بالقارة السمراء.
وقد أبرم المسؤولون الإيطاليون بالفعل صفقات جديدة مع الجزائر ومصر وأنجولا وجمهورية الكونغو لتحل محل ما يقرب من ثلثي إمدادات الغاز الروسي للبلاد، بينما زار المستشار الألماني أولاف شولز داكار في مايو لمناقشة تطوير مشاريع الغاز الطبيعي قبالة سواحل السنغال.
لكن هذه الموارد لا يمكن أن تُؤخذ على حساب الاحتياجات الماسة للأفارقة من أجل التنمية. وهذا هو السبب في أنه باسم المنافع المتبادلة والمشتركة، يجب أن تنظر أوروبا في مزايا تمويل مشاريع الوقود الأحفوري الأفريقية، لا سيما بالنظر إلى مساهمة أفريقيا الصغيرة نسبياً في انبعاثات الكربون والطلب العالمي المتزايد على الوقود الأحفوري. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى بدء تطوير البنية التحتية الحيوية وتوسيع نطاق الوصول المحلي إلى الطاقة في العديد من الدول الأفريقية التي حققت بالفعل اكتشافات في مجال الغاز الطبيعي.
ويجب أن تظل الرؤية طويلة المدى للتعاون في مجال الطاقة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي حول تسهيل الانتقال الكامل إلى صافي صفري لانبعاثات الكربون. وبينما يتطلع وزراء الاتحاد الأوروبي إلى تسريع تنفيذ الصفقة الأوروبية الخضراء، يمكن للدول الأفريقية أن تعمل من جديد كشركاء تجاريين واعدين للمساعدة في جعل هذه الخطة حقيقة واقعة.
كما أن جغرافية القارة الأفريقية توفر إمكانات هائلة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية والطاقة الكهرومائية، بينما تعد في نفس الوقت موطناً لبعض أغنى رواسب المعادن المهمة والمعادن الأرضية النادرة الضرورية للتكنولوجيا الخضراء.
وكما هو الحال مع الوقود الأحفوري، باعتبار أن هذا التعاون لا يُعد طريقاً باتجاه واحد. فقد تأثرت القارة الأفريقية بشدة بالأزمات البيئية، مما يؤكد الحاجة الملحة للتنمية المقاومة للمناخ بالتعاون مع الدول التي تُعتبر هي الرائدة في لتسبب بالتلوث من هذا القبيل على مستوى العالم. حيث تمثل الاستثمارات الأوروبية في قدرات الطاقة النظيفة الأفريقية وبرامج التكيُّف فرصة للقارة الأكثر ثراءً لتأمين مستقبلها المتجدد من خلال استيراد الطاقة الخضراء مع الحرص على المساءلة الفعّالة عن دورها في انبعاث غازات الاحتباس الحراري.
يعد الإعلان عن “حزمة استثمار البوابة العالمية” بقيمة 150 مليار يورو العام الماضي التزاماً مشجعاً من الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا، ولكن يجب أن تتبعه دبلوماسية متسقة ومسؤولة وصادقة للتأكد من أن الاستثمارات تقدم بطريقة شفافة.
المطلوب: نموذج جديد
ولكي تنجح مواءمة المصالح الأوروبية-الأفريقية – سواء في مجال الطاقة أو في تغير المناخ – فإن الأهم هو ضبط طريقة تفكير أوروبا حول أفريقيا، بالنظر إلى ما قام به الاستعمار الأوروبي من النهب والعبودية في أفريقيا، بالإضافة إلى سلب رجالها ومواردها الطبيعية. ومع ذلك، فإن هناك تغير يجري على قدم وساق في أفريقيا:
فبالإضافة إلى أن جنوب الصحراء الكبرى بأفريقيا تُعتبر بالفعل موطناً لأصغر سكان العالم، فإنها تستعد لأن تصبح أيضاً موطناً لما يقرب من ربع سكان الكوكب خلال عشرين عاماً. وكذلك تشهد أفريقيا ظهور منطقة تجارية قوية من الطبقة المتوسطة قوامها ثلاثمائة مليون فرد في العالم من حيث عدد البلدان المشاركة بها، منذ بداية الألفية.
فالقارة لا تحتاج فقط إلى المساعدة والمساعدات الإنسانية. حيث يشير تحولها الاستراتيجي إلى بداية نشوء نظام جيوسياسي جديد لا انعكاس له في هيكل التنمية الدولية. فإذا وقفت أوروبا إلى جانب أفريقيا في الدعوة إلى إصلاحات عميقة لمؤسسات بريتون وودز (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، فسوف تعزز القارة العجوز علاقاتها مع جارتها المتنامية.
وهذه مساحة يتعين على أوروبا العمل به – بالإضافة إلى قربها الجغرافي وروابطها التاريخية. وبصرف النظر عن فرنسا والصين والولايات المتحدة، فقد قامت مجموعة من اللاعبين الآخرين – الهند وروسيا والبرازيل وتركيا ودول الخليج – بتوسيع وتنويع شراكاتهم مع قارة أفريقيا.
وفي حين لا يزال الاتحاد الأوروبي هو الشريك متعدد الأطراف الرائد للقارة السمراء، حيث بلغ حجم التجارة بينهما إلى 245 مليار دولار بحلول عام 2018، فإن الصين تحكم صدارتها للمشهد على المستوى الثنائي، حيث بلغ حجم التجارة مع الدول الأفريقية 254 مليار دولار في عام 2021. كم أن الصين تُعتبر أيضاً أكبر مانح للمساعدات الخارجية لأفريقيا، مما يدل على أنها لم تعد تكتفي ببناء الجسور والفنادق.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن التهكمات الأوروبية التقليدية التي تستهدف أفريقيا بشأن علاقتها مع الصين أصبحت لا جدوى لها. إن مجرد المخاوف من أن تكون للديون الصينية أهداف سامة، وأن الحرب الروسية يمكن أن تشكل سوابق خطيرة، هي في ليست كافية لثني الدول الأفريقية عن اختيار شركائها بحرية وفقاً لتصوراتهم لمصالحهم، كما أظهرت أصواتهم المتباينة في الأمم المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا.
فالدول الأفريقية ترى أن إساءة معاملة طلابها على الحدود الأوكرانية- البولندية في وقت مبكر من الحرب وإحجام الغرب عن مشاركة اللقاحات في بدايات تفشي جائحة كوفيد -19 هي أمثلة على الأسباب التي توجب بقاءهم على الحياد.
ففي قلب الخطاب الشعبوي والإجراءات الشعبوية التي غالباً ما يواجهها المهاجرون، على سبيل المثال، عندما يسعون إلى الانتقال إلى أوروبا، هناك نهج متشائم وأبوي تجاه أفريقيا. وعلى مدى عقد من الزمان حتى الآن، تجاوزت التحويلات المالية من المغتربين الأفارقة المساعدات الدولية للقارة. وفي نفس الوقت، لا يهدد مواطنو الدول الأفريقية بغمر أوروبا بالهجرة: حيث لا يزال 70 % من المهاجرين الأفارقة داخل القارة.
وحتى مع ارتفاع معدلات المواليد هناك، فإن الكثافة السكانية في أفريقيا أقرب إلى الكثافة السكانية في أوروبا منها إلى الدول المكتظة نسبياً مثل الصين والهند.
وهذا لا يعني غض الطرف عن مآسي المهاجرين الذين يعبرون البحر المتوسط للوصول إلى أوروبا. فبدلاً من ذلك، من المهم التعرف على التحيزات التي يواجهها الأشخاص الذين يفرون من أفريقيا وكيف تؤثر هذه التحيزات على العلاقات بين القارتين.
وفي ظل انحصار معظم الهجرة الأفريقية الآن داخل القارة وليس إلى أوروبا، فهناك دلائل على أن تلك المواقف (المتحيزة ضد الأفارقة) تقلل من جاذبية أوروبا بالنسبة للأجيال الشابة في أفريقيا. لقد كان تعاطف أوروبا “الرائع” تجاه اللاجئين الأوكرانيين بمثابة تذكير للمهاجرين الأفارقة بأنهم لم يتلقوا أبداً نفس القدر من الإحسان أثناء هروبهم من صراعات محفوفة بالمخاطر في بلادهم.
هل أوروبا جاهزة؟
لقد التزم قادة أوروبيون مثل المستشار الألماني أولاف شولتز بالعمل على إعادة تنظيم عملية تصدير الحبوب إلى أفريقيا حيث يركز مسؤولو الاتحاد الأفريقي على الحيلولة دون حدوث انعدام للأمن الغذائي، وسط الحرب الدائرة في أوكرانيا. وفي سبيل مكافحة انتشار الإرهاب، وهي قضية رئيسية أخرى للاتحاد الأفريقي، وافق الاتحاد الأوروبي على مواصلة دعمه “لعمليات دعم السلام التي تقودها أفريقيا”. وقد دعا الأوروبيون في مجلس الأمن هذا الأسبوع إلى تجديد العمل لبعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) التي ستنتهي ولايتها في 30 يونيو، وذلك على الرغم من تدهور العلاقات بين باريس وباماكو.
ومع ذلك، فلا تزال المنغصات للعلاقات الأوروبية-الأمريكية قائمة: فعلى سبيل المثال، يواصل الاتحاد الأوروبي مقاومة مطالب قادة الاتحاد الأفريقي الداعية إلى السماح بإعفاءات قصيرة الأجل من حقوق الملكية الفكرية لتوسيع الوصول إلى لقاح كوفيد-19 في أفريقيا.
ورغم ذلك، فلا تزال فرص تجديد التعاون بين أوروبا وأفريقيا وفيرة. إن آثار جائحة فيروس كورونا، وكذلك حالات تفشي مرض جدري القردة مؤخراً في أوروبا، تذكرنا بأن كلا القارتين لا تزالان معرضتين بشدة لحالات الطوارئ الصحية.
وقد يشير نجاح إنتاج اللقاح في أوروبا وقدرة السلطات الصحية الأفريقية على احتواء تفشي مرض جدري القرود دون استخدام اللقاحات أو الأدوية المضادة للفيروسات، إلى الحاجة إلى مزيد من التبادل البحثي والتعاون العلمي بينهما. كما أن الأمن الغذائي في أفريقيا يصب في مصلحة أوروبا، حيث سيساعد في الحد من الهجرة الجماعية.
وإلى جانب حالات الطوارئ، فهناك فرصة غير مسبوقة لإعادة تشكيل الهيكل المالي الدولي والتصدي بشكل أفضل للتحديات الأفريقية. ففي مؤتمر وزراء لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا لعام 2022، دعا ماكي سال، رئيس الاتحاد الأفريقي بشدة إلى تجديد النظام متعدد الأطراف، مشدداً على ضرورة إنشاء وكالة تصنيف ائتماني أفريقية لمكافحة التحيز ضد أفريقيا بين وكالات التصنيف العالمية التي تبالغ في التأكيد على المخاطر الأفريقية، مما يمنع الدول من الاقتراض بمعدلات مقبولة.
ودعا سال أيضاً إلى اتفاقية جديدة بشأن حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، والأصول الاحتياطية التي يمكن استبدالها بالعملة الصعبة والتي يتم تخصيصها بناءً على حجم اقتصاد البلد – مما يعني أن القارة بأكملها تلقت مساعدات أقل من الولايات المتحدة واليابان والصين وألمانيا كل على حدة، من أجل التعافي من فيروس كورونا.
وفي الوقت الذي تعيد أوروبا فيه ضبط علاقاتها مع أفريقيا، فإنه يتعين عليها أن تقف إلى جانب الأفارقة للمشاركة في هذه الإصلاحات المهمة وبناء نظام مالي دولي أكثر عدلاً وحوكمة دولية أكثر ديمقراطية. وإذا لم يتم الأمر بهذا الشكل، فإن الخطر يكمن في السماح لأفريقيا ببناء نظام بديل متعدد الأطراف بدون شركائها التقليديين.
فمن الصين والولايات المتحدة إلى روسيا والهند، هناك لدى القادة الأفارقة شركاء محتملون متعددون يتنافسون على الحصول على حصة في مستقبل القارة.
والكرة الآن في ملعب أوروبا لكسب اهتمام و وُد القارة السمراء. لذلك، فإنه يتعين عليها أن تفعل شيئاً لم تفعله من قبل: وهو الوقوف مع الدول الأفريقية جنباً إلى جنب كشركاء متساوين.
.
رابط المصدر: