المحكمة الاتحادية تصفع الإقليم: ما السر؟

مصطفى ملا هذال

 

لم تدم الفرحة الكردية طويلا حتى تلقت حكومة إقليم كردستان العراق ضربة قاصمة من المحكمة الاتحادية، يوم الثلاثاء المنصرم، عندما أصدرت حكما يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز المتعلق بحكومة الإقليم، الصادر عام 2007، وإلغائه لمخالفته أحكام مواد دستورية، فضلا عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.

وشمل القرار إلزام حكومة الإقليم بتسليم “كامل إنتاج النفط من الحقول النفطية في الإقليم والمناطق الأخرى، التي كانت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كردستان تستخرج النفط منها، وتسليمها إلى الحكومة الاتحادية والمتمثلة بوزارة النفط العراقية، وتمكينها من استخدام صلاحياتها الدستورية بخصوص استكشاف النفط واستخراجه وتصديره”.

هنالك إشكالية كبيرة لا يمكن حلها، وجعلت من ملف النفط أحد أبرز الملفات العالقة بين بغداد واربيل منذ تغيير النظام ولغاية الآن، ويعود ذلك الى التفسيرات الفردية التي تتبعها الحكومتين في بغداد والاقليم، وتحتدم بينهم حدة الخلافات وتوجيه الاتهامات حتى وصلت التعقيدات أقصاها عندما اخذت حكومة الإقليم التصرف ببيع النفط بمعزل عن الحكومة الاتحادية ابان دخول تنظيم داعش الإرهابي الى بعض المدن العراقية.

حتى دفعت الحكومة المركزية الى إيقاف دفع مستحقات الإقليم المالية بعدما امتنع الأخير عن الالتزام بالاتفاقات الحاصلة مع حكومة الإقليم، ويعتبر التعنت الكردي منذ قرابة العقدين هو السبب الرئيس لما يمر فيه الاكراد من أوضاع اقتصادية متردية وتراجع ملموس في الرضى الشعبي عن حكومة الإقليم.

وبحسب الاتفاق المبرم بين بغداد والعاصمة الكردية أربيل، تسلم المنطقة الكردية 250 ألف برميل نفط من أصل ما يزيد على 400 ألف برميل يوميا إلى بغداد، مقابل حصتها في الميزانية الاتحادية، وحتى هذا الاتفاق لم ينصف المناطق الأخرى المنتجة للنفط مثل البصرة وكركوك.

وبصرف النظر عن مضمون الاتفاق بين الطرفين ومن صاحب الاحقية فيه يبقى التساؤل المشروع هو لماذا تصلان حكومتا بغداد والاقليم الى طريق مسدود بمجرد الخوض بموضوع توحيد جهة البيع وحصر الموارد بيد الحكومة الاتحادية ليتم توزيع الثروات بالتساوي على بقية المحافظات؟

فالمؤشرات المتوفرة حاليا تشير الى عدم وجود اتفاقات رصينة بين الحكومتين قائمة على الثقة المتبادلة، وكل طرف ينظر الى الآخر على انه آكل لحقه ويتيحن الفرصة لإخراج الحق المُضيع، وجاءت هذه الضربة من المحكمة الاتحادية في توقيت غير محبب مطلقا بالنسبة للشركاء والغرماء في كردستان، لا سيما وانهم يحثون الخطى باتجاه الاقتراب من الصدر للإسهام في الحصول على مزيد من الحقوق.

اغلب الاتفاقات السياسية التي جرت طوال الخمسة عشر عام الماضية من قبل الحكومات السابقة كانت مجرد استهلاك للوقت، وأصبحت في الغالب مادة إعلامية رائجة، ولم تدخل حيز التنفيذ يوما، وهذا ما شعرت به الحكومة الحالية بمعية الأحزاب المشاركة في العملية السياسية، وربما تريد تعديل المسار الخاطئ منذ سنين والى اليوم.

فالقرار لا يخلو من نزعة سياسية على الرغم من ايجابيته في الوقت الذي توجد خشية من تطاول الإقليم والتمادي كثيرا على قرارات وحقوق الشعب في المدن الأخرى، فما يصدر في إقليم شمال البلاد من حق أبناء المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية التمتع فيه، كما يتمتع ابناء الشمال بخيرات الجنوب ويأخذون حصتهم من الموازنة العامة.

ونتيجة لهذه الخشية وعدم جدوى الأساليب القديمة في التعاطي مع المشكلات القائمة، وجدت الحكومة الحالية في المحكمة الاتحادية الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق العدالة المطلوبة وإعادة التوازنات بين جميع المكونات، ففي السابق لم تكن قرارات المحكمة تحمل هذا الكم من الهيبة والقدر من القوة لتطبيقها، اما اليوم فهي صاحبة الصوت المرتفع، ويعود ذلك الى دعمها من الجهات الحزبية المتكونة منها لتكون هي اليد الضاربة لمن يحاول الخروج عن السرب.

في السنوات الماضية تمكن الاكراد من شخصنة قضيتم ومن يطالب بإرجاع الحقوق الى الحكومة المركزية يدخل ضمن دائرة التسقيط السياسي من قبل الساسة الكرد، وهو ما حدث بعهد المالكي والعبادي ايضا، ولم تعد هذه الطريقة مجدية، اذ يتمثل الحل الأمثل في استمرار الدعم للمحكمة الاتحادية وإعطائها المزيد من الصلاحيات لتكمل مسيرة التصحيح التي وضعت أولى خطواتها في اتخاذ القرار الجريء مع حكومة الإقليم.

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M