إن مصطلح ( المرجع الأعلى ) عُرِف حديثاً فهو غير موجود حتى في الرسائل العملية للفقهاء المعاصرين فضلاً عن القدماء وقد أطلق مؤخراً لبيان أن مع اختلاف المراجع الدينية في العراق فإن هناك مرجعاً أعلى يمكن أن يمثل الرأي الأصوب والأكثر سداداً وحكمة وذلك في نية ربما لتوحيد رأي المرجعيات الدينية برأي المرجع الأعلى ، والمعلوم أن المرجعيات الدينية في العراق لا يجمعها نظام معين وإنما هي اتفاقات بالفحوى على آراء ومواقف معينة وربما اللقاء الذي جمع المراجع الأربعة المعروفين في النجف (السيستاني والحكيم والفياض والنجفي) بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين عليهما السلام هو الوحيد – على الأقل على المستوى العلني – ، وحتى لا تتشتت الرؤى وحتى تتوحد الآراء ظهر للسطح هذا المصطلح (المرجع الأعلى) ، أما من أطلق هذا المصطلح أو مصطلح (المرجعية العليا) فأنا شخصياً لا أعرف .
من هذا الباب دأب أصحاب القرار السياسي أن يركّزوا على هذا المصطلح (المرجع الأعلى) حتى تتوجه الأنظار باتجاه معين دون آخر ، ولا أعرف سبب اختيار مرجع معين من بين المراجع دون غيره وإن كانت هناك أسباب تُطرح منها أن السيد السيستاني (حامل لقب المرجع الأعلى حالياً) هو صاحب أكثر عدد من المقلدين ، وهذا طبعاً سبب غير دقيق وواضح فليس لدينا إحصائية واضحة ودقيقة حول مقلدي كل مرجع بل إن بعض المقلدين يقلدون مرجعاً معيناً بتأثير العقل الجمعي والدليل على ذلك أن باستقراء بسيط وسريع نستنتج أن أكثر من 80% من المقلدين لا يملكون رسائل عملية لمراجعهم فما فائدة التقليد وما فائدة هذه الكثرة خصوصاً إذا لم ترافقها طاعة للمرجعية ، فقد مرت علينا سنوات ونرى اختلاف السيد السيستاني عن باقي الفقهاء في تحديد هلال عيد الفطر فنرى الكثيرين يتخبطون ويحاولون أن يهربوا من هذه الفتوى لأنها تلزمهم بصيام يوم إضافي بل يقومون بالإفطار دون مبرر شرعي ، فهل يعتبر هذا مقلداً للمرجع الأعلى ؟! إضافة الى ذلك فإنه لا توجد آلية واضحة ومعلنة لتحديد (المرجع الأعلى) بحيث نطبقها على أي مرجع في أي زمان ومكان لنعرف من هو المرجع الأعلى حينها .
مع كل ما تقدم سنعتبر هذا المصطلح ثابتاً لغاية علمية ستتبين تلقائياً فإن الذين يحاولون – من العوام والنخب – أن يثبتّوا صفة (المرجع الأعلى) على أحد المراجع إنما يقلدوه مسؤولية عظمى بل هي المسؤولية الأعلى من بين باقي المسؤوليات ، لأن هذه الصفة (المرجع الأعلى) تعني أن أكثر الناس ترجع له وتقلّده وتنصاع لأوامره ومن دون ذلك سيتساوى مع غيره عندها لا معنى لعلويّته ، فإذا كان أكثر الناس يأتمر بفتاواه فهذا يعني أن كل انحراف في المجتمع يدفع (المرجع الأعلى) الى تقويمه وإصلاحه والقضاء عليه إما بفتوى أو ببيان أو بإرسال رجال دين أو أية آلية يراها مناسبة كي يقضي على هذا الانحراف بحكم مسؤوليته ، فإذا بقي الانحراف فهذا يعني إما أن (المرجع الأعلى) لم يساهم في القضاء على ذلك الانحراف وبذلك قد قصّر في مسوؤليته ، أو أنه وجّه بالقضاء على الانحراف إلا أن الأمة لم تلتزم بتعاليمه وبالتالي فإن (المرجع الأعلى) لم يصبح أعلى حينها لأنه لم يُطاع في أمره وبالتالي فهو لا يملك تابعين ومقلدين حقيقيين بحيث يجعلوه مرجعاً أعلى إذ لا أمر لمن لا يطاع .
لذا نستنتج أن (المرجع الأعلى) إما أن يكون مسؤولاً بالدرجة الأولى عن أي انحراف وفساد وهذا طبعاً لا يخلي الباقين من مراجع دين ومسؤولين ومثقفين من مسؤولياتهم فالكل يتحمل مسؤوليته في القضاء على الفساد والانحراف ولكن كل بحسب مسوؤليته ومكانته ونفوذه و (المرجع الأعلى) له حصة الأسد في هذه المسؤولية ، أو إنه ليس بمرجع (أعلى) لأنه لا يستطيع أن يصلح فساداً بسبب مخالفة المقلدين لأوامره وهذا يعني لا يوجد له مقلدون حقيقيون فيسقط سبب اتصافه بصفة (المرجع الأعلى) .
لذا أدعو من يروج ويدعو الى (المرجع الأعلى) و (المرجعية العليا) أن يتريث فإن هذا تحميل إضافي لمسؤولية المرجع لم يتحمله المرجع نفسه ، هذا إضافة الى مسؤولية الشخص نفسه (المروّج) لأنه ينتمي لهذا المرجع (الأعلى) ، لأن (المرجع الأعلى) يعتمد على أتباعه في تنفيذ رؤاه وأفكاره وخططه واستراتيجاته ، وعليه أن يضع كل شيء في مكانه فـ(المرجع الأعلى) الذي يدعو له أياً كان فسيحمله مسؤولية الفساد والانحراف في المجتمع .