المسيرات في سماء أوكرانيا

بقلم : التجاني صلاح عبدالله المبارك – المركز الديمقراطي العربي

 

في الأسابيع الأخيرة أطلقت روسيا مجموعات متتالية من الطائرات المسيرة من شبه جزيرة القرم لضرب البنى التحتية للطاقة في العديد من المدن الأوكرانية، وبحسب ما ذكرته صحيفة “نيو يورك تايمز” فإن إيران أوفدت مدربين للعسكريين الروس في السابق لتدريبهم على استخدام المسيرات في أوكرانيا.

وفي الوقت الذي يحمي فيه الأوكرانيون قواعدهم وسماوتهم بأجنحة “بيرقدار تي بي-2” (Bayraktar TB-2) التركية، والتي تعدها تركيا أيقونة من أيقونات نجاحها العسكري، فإن روسيا وفقا للرواية الأوكرانية والغربية تعتمد على مسيرات إيرانية الصنع من نوعيات مختلفة.

بداية إيران في صناعة المسيرات كانت طائرات تلاش-1 التي تم تصنيعها في مصانع القدس العسكرية التابعة للحرس الثوري الإيراني، وتتميز هذه الطائرات بسرعة 120 كيلومتر في الساعة ومدى 5 كيلومتر وارتفاع 2700 متر، ثم تم تطويرها لاحقا إلى تلاش- 2 التي تعتبر أكثر حداثة وتميزا عن سابقتها بسرعة أكثر من 140 كيلومتر في الساعة، وقدرة أكبر على تنفيذ المناورات.

تتابعت بعد ذلك صناعة المسيرات الإيرانية، فظهرت إلى الوجود طائرات أبابيل بنسخها المختلفة مثل أبابيل 5 وأبابيل- تي وأبابيل بي، وأبابيل أس ومهاجر وشاهد 123 وشاهد 129 وشاهد 171 وكمان وكيان.

طائرات أبابيل تبلغ سرعتها 300 كلم في الساعة وتحتوي على مكونات للمراقبة الجوية، فهي تحمل كاميرا ومعدات للاتصالات الرقمية، وهذه الطائرة لديها قدرة على السفر بسرعة قصوى تبلغ 300 كلم في الساعة، وقادرة على الطيران بحمولة تبلغ 45 كجم، أما شاهد-129 فهي طائرة مقاتلة وقادرة على حمل صواريخ موجهة مضادة للدبابات، حيث بإمكانها حمل ثمانية صواريخ ذكية مثل صواريخ سديد، وتقوم بعمليات قتالية ضد الأهداف الثابتة والمتنقلة.

وتعتبر شاهد-171 نموذج إيراني خالص عن الطائرة الأمريكية “ار كيو-170” التي أسقطتها إيران عام 2011 والتي كانت تستخدم آنذاك لأغراض التجسس فوق سماء إيران، وتم السيطرة عليها إلكترونيا ومصادرتها من قبل الدفاع الجوي الإيراني، ثم صنعها باستخدام الهندسة العكسية!

أما مجموعة عائلة كيان المسيرة فهي تختلف عن المسيرات الأخرى بأنها تمتلك العديد من القدرات الهجومية، ويمكنها الطيران لأكثر من 1000 كيلومتر والتحليق على ارتفاع 5000 متر، ويمكنها ضرب وتدمير أهداف خارج حدود البلاد بدقة عالية جدا.

ومع افتراض صحة الرواية الأوكرانية والروايات الغربية بشأن انخراط مسيرات إيران في حرب أوكرانيا، فانه لا يعرف على نحو دقيق ومفصل أعدادها ولا نوعياتها، رغم أن المعلومات المتداولة تشير إلى بعض الطرازات من نوع “شاهد-136″، و”مهاجر-6”.

مع هذا فإن الولايات المتحدة اتهمت إيران بتزويد روسيا بمئات الطائرات المسيرة لاستخدامها في حرب أوكرانيا، فقد قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: “تعميق العلاقات بين موسكو وطهران يجب أن ينظر إليه على أنه تهديد”، وأن” الولايات المتحدة ستستمر في اتخاذ إجراءات عملية وخطوات صارمة لجعل مبيعات الأسلحة هذه أكثر صعوبة، بما في ذلك العقوبات ومراقبة أي كيانات متورطة في ذلك”.

في الطرف الآخر نفى وزير الخارجية الإيراني الاتهامات الموجهة لإيران بشأن تقديم أسلحة لأحد أطراف الحرب في أوكرانيا، وذكر أن بلاده لم تقدم أسلحة لأي طرف ولن تفعل، لأنه في اعتقاده تسليح أي طرف من أطراف الأزمة سيؤدي إلى إطالة أمد الحرب، وأن الحرب ليست هي الطريق الصحيح سواء في أوكرانيا أو أفغانستان أو سوريا أو اليمن، وبعد نفيه الواضح القاطع هذا فإنه لا يعلم أحد على وجه التحديد من هو الكذاب!

من الواضح أنه إذا كانت هوية المسيرات التي أطلقتها روسيا هي مسيرات إيرانية، فهذا من شأنه خلق حالة رعب من هذا النحل الطائر، ليس في أوكرانيا وحدها بل تمتد إلى إسرائيل، وتهديد وجودها بهذه القوة الإيرانية الجديدة المستحدثة

رئيسالوزراء السابق “بينيت” ذكر أمام الأمم المتحدة عام 2021 أن الإيرانيين يمكنهم أن يمدوا حلفائهم بهذه الطائرات، وهذا من شأنه أن يخلق حالة غير متكافئة، لأن تشغيلها لا يكلف الكثير إلا أن الحماية منها مكلفة جدا، وتهديد هذه الطائرات لا يستهدف إسرائيل وحدها بل يستهدف أي مكان، لأن إيران لديها وحدة مستقلة لتشغيل اسراب من هذه الطائرات.

“تال شنايدر” الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط أوضحت من باب التذكير، أنه في فبراير 2018، أسقط الجيش الإسرائيلي طائرة إيرانية بدون طيار دخلت الأجواء قادمة من مدينة تدمر السورية، وهناك حالتان في فبراير 2021 وفبراير 2022، شهدتا اعتراض طائرات إسرائيلية وأمريكية للمسيرات الإيرانية في طريقها لإسرائيل، ففي الحالة الثانية ضربها الطيران الأمريكي في المجال الجوي العراقي، لكن الهجوم الروسي المكثف باستخدام المسيرات الإيرانية يعتبر حدثا حاسما للجيش الإسرائيلي، ويمكن للمرء أن يتكهن بما سيحدث إذا لم يتم منع المسيرات الإيرانية من الوصول للمدن الإسرائيلية.

الأوساط العسكرية الإسرائيلية في تقديراتها أنه يمكن لهذه الطائرات بدون طيار أن تقطع مئات الكيلومترات في رحلة إلى الهدف في قلب إسرائيل، وفي مرحلة الطيران هذه يمكن من الناحية النظرية اعتراضها بصواريخ جو – جو، لكن السؤال هو: لماذا لم يتم اعتراضها في أوكرانيا وهي في طريقها إلى الهدف.

يمكن القول إنه ليس الملف النووي الإيراني هو وحده ما يصيب إسرائيل بالرعب والخوف على بقاءها، لكن استخدام روسيا للمسيرات الإيرانية بهذه الكثافة يزيد من رعبها، لذلك هي تسعى جاهدة لإقحام ملف المسيرات الإيرانية في المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ليس ذلك فحسب بل تحريض الفواعل على صد هذه القوة الإيرانية الجديدة وإفشالها، وعلى هذا فإن التساؤل الكبير هو كيف تستعد إسرائيل لمثل يوم أسود إذا غطت أبابيل وشاهد وكيان الإيرانية سماءها.

ربما يرجع السبب في لجوء روسيا إلى استعمال الطائرات المسيرة الإيرانية من نوع شاهد_136 لاستهداف البنى التحتية لأوكرانيا، إذا صحت الرواية الأوكرانية في تحديد هويتها، لأنه من الممكن تكون أكاذيب وتلفقيات ضد إيران وروسيا باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، ربما يرجع لعدة أسباب في تقديري، نستطيع أن نقرأها كما يلي:

    • 1_ نقص غير متوقع في الأسلحة الدقيقة بعيدة المدى، خاصة بعد أن تجاوزت الحرب شهرها الثامن، ربما يرجع إلى كثافة النيران غير الموجهة توجيها دقيقا للأهداف، مما ينتج عنه النقص والانقطاع في الأسلحة الدقيقة والذخائر.
    • 2_محاولة روسيا تصفير الخسائر البشرية ما أمكن، باستخدام المسيرات بدلا من الطائرات الحربية التي قد تتعرض طواقمها للقتل أو الأسر، فضلا عن الخسائر المترتبة على تدمير الطائرة المقاتلة نفسها، وربما تكون هذه الاستراتيجية الحربية من أفضل الاستراتيجيات التي يتم استخدامها، ومن غير المستبعد أن تدار الحروب مستقبلا بمثل هذه التقنيات زهيدة الثمن، مقارنة بتكلفة المقاتلة الحربية.
    • 3_الدقة في تحديد الأهداف خاصة الثابتة، وتدميرها تدميرا كاملا.
    • 4_صعوبة تتبع مسار الطائرات المسيرة وإسقاطها، خاصة لو كانت بأعداد كبيرة.
    • 5_تشكل المسيرات بأعدادها الكثيرة جيشا جديدا بكامل عتاده يضاف إلى جيش الدولة البشري، وهذه ميزة قد تستخدمها بصورة جيدة الدولة قليلة العدد لسد النقص البشرى، وتوفير النفقات المادية اللازمة من ناحية ثانية في حال تجهيز الجنود والآليات المقاتلة.
    • 6_يعتبر استخدام المسيرات دعما فعالا لسلاح الجو الروسي في تنفيذ العمليات، وسحق الروح المعنوية للطرف الأوكراني.
    • 7_من ناحية الحجم والوزن وأجهزة الاستشعار والتجهيزات القتالية، فإن المسيرات تعتبر من أهم احتياجات ومتطلبات العمليات القتالية، لضرب أهداف أرضية فردية باستخدام القنابل والصواريخ الموجهة.

  • 8_ تساعد المسيرات وحدات الجيش على تحديد أماكن العدو، وتحديد مواقع المدفعية وقادرة على اختراق الدفاعات الجوية بفعالية عند إطلاقها في مجموعات، ولها المقدرة على التصوير والبث المباشر لتجمعات العدو.

ورغم نفي روسيا وإيران للادعاءات الأوكرانية والغربية، وزعمهما أن كل ما جرى إنما هو يخضع لهدف واحد وهو الضغط على إيران، وأن الولايات المتحدة تقوم بدور التعبئة لدول الناتو والاتحاد الأوروبي، وترويج أن إيران انتهكت قرار مجلس الأمن رقم 2231 الذي وضع الإطار القانوني للاتفاق بشأن البرنامج النووي الموقع عليه عام 2015 بين إيران والفواعل الكبرى، وكان من أبرز بنوده حظر تصدير أسلحة مثل الطائرات المسيرة، بعد هذا يمكن القول أننا مقبلون على نظام عالمي جديد، يختلط فيه الواقع مع الخيال، والحقائق مع الفرضيات، والممكن مع المستحيل، وتدار فيه الحروب الكترونيا عن بعد دون مواجهات حقيقية أو منازلات مباشرة للطرفين المتصارعين.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=86150

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M