تطبق الصين منذ نحو عامين إجراءات وتدابير صارمة بحق أقلية الأويغور التي تقطن في إقليم شنجيانع شمال البلاد، بذريعة مكافحة التطرف والأنشطة الإرهابية التي تمس الأمن القومي الصيني في الإقليم الذي تعتبره حكومة بكين مصدراً لنشر الفكر المتطرف.
بالمقابل فإن السياسات الحكومية في هذا الصدد وصلت إلى حد انتهاك حقوق الإنسان واتباع خطوات توصف بالقمعية والمجحفة بحق الأويغور، في ظل تكتيم إعلامي من قبل السلطات عن حقيقة هذه التجاوزات، لكن المنظمات الدولية كشفت عن حقائق مروعة تٌمارس بحق المدنيين بما يهدد وجودهم وانتماءهم وعقيدتهم الإسلامية.
تنتمي أقلية الأويغور إلى أصول تركية وسكنت واستوطنت في تركستان الشرقية التي تقع على طريق الحرير التجاري العالمي وتدين بالإسلام ويبلغ تعدادها حوالي 13 مليون شخص. في عام 1949 احتلت الصين هذا الإقليم وضمته بالقوة لأراضي الدولة وأطلقت عليه تسمية “شينجيانغ” التي تعني الحدود الجديدة بالصينية، وكان الأويغور يمثلون غالبية السكان آنذاك بنسبة 75%، لكن قامت حكومة بكين بتوطين سكان جدد من عرقية “الهان” الصينية من المدن الساحلية في الشرق؛ لتحدث توازناً عرقياً وإثنياً من أجل إحكام السيطرة الأمنية على الإقليم ومنع استقلاله عن الدولة مع منحه الحكم الذاتي كإقليم التبت الذي يقع جنوب شنجيانغ. وأصبح الأويغور يمثلون نسبة 45% من السكان.
أبقت حكومة بكين على مر عقود تركيزها على نشاط الأويغور، لا سيما بعد حرب الشيشان وأفغانستان إذ انضم عدد منهم لصفوف الجهاديين، وبعد أحداث 2009 التي قتل فيها حوالي 200 شخص وجرح ما يقارب 1700 بسبب وقوع اشتباكات عرقية بين السكان([1])، بدأت الحكومة بوضع استراتيجية أمنية قمعية لضبط الإقليم عبر تكثيف المراقبة على تحركات وأنشطة الأهالي وملاحقة المشتبه بهم ومن له صلة بجماعات متطرفة لكن هذه الإجراءات بقيت خارج الإطار القانوني وتحولت بشكل واضح إلى سياسات قمعية ضد الأويغور، وفي عام 2014 حصلت عمليات تفجير في الإقليم أدت لمقتل 50 شخصاً([2])، وكانت هذه الحادثة هي نقطة الانعطاف الأساسية التي دفعت الحكومة لبناء استراتيجية سياسية وأمنية وثقافية لتغيير وضع الإقليم من خلال التضييق على أقلية الأويغور المسلمة التي تعتبرها بكين أحد مصادر التطرف في البلاد، وقد بدأ العمل على تطبيق تلك الاستراتيجية منذ عام 2017 وحتى الآن حيث تم رفع الميزانيات المخصصة للأمن، وتمت زيادة دعم الشرطة الخاصة وأجهزة مكافحة الشغب، وقد وصلت هذه الإجراءات إلى حد خطير من الانتهاكات، لذلك يثار التساؤل حول الجدوى من هذه التدابير، كما يسود اعتقاد عن وجود هدف بعيد المدى لهذه الخطة الحكومية مرتبطة بموقع إقليم شيجيانغ الحيوي على طريق الحرير الجديد الذي تريد الصين بناءه ضمن استراتيجية “الحزام والطريق”.
الخطة الحكومية والسياسات المتبعة ضد الأويغور
في عام 2014، أقر مجلس منطقة شنجيانغ قانوناً لإصلاح اللوائح التنظيمية الدينية الإقليمية والعائدة إلى عام 1994 وتمت إضافة 18 فصلاً للقوانين السابقة من أجل “عصرنة”” نظام اعتماد الأئمة، ونظام مراقبة المساجد وما تبقى من هياكل التعليم الديني. وفي عام 2017 تم سن سلسلة جديدة من الإجراءات تركز على مراقبة الوسائط الجديدة لنشر المحتوى الديني والسياسي([3]). حيث تحاول بكين إحداث تغيير أمني وأيديولوجي وسياسي على الأقلية ومن أمثلة تلك التدابير:
– إنشاء مراكز تأهيل فكري أشبه بمراكز الاعتقال يتم فيها احتجاز النساء والرجال وتلقينهم الفكر الشيوعي وتعليمهم اللغة الصينية وإجبارهم على الاندماج في التقاليد الصينية حتى وإن كانت منافية لدين الإسلام الذي يدين به الأويغور، وتشير الأرقام الدولية إلى وجود أكثر من مليون شخص محتجزين ضمن تلك المراكز، ويتعرضون للاضطهاد وللتعذيب في حال إبداء معارضتهم لتلك الممارسات. وتشير التقديرات إلى أنه تم إنشاء 8334 مركزاً للاحتجاز بُنيت في أماكن نائية بعيدة عن المدن ويصعب الوصول إليها([4]).
– أمرت السلطات بتسليم جميع المصاحف وسجادات الصلاة وغيرها من المتعلقات الدينية الإسلامية، وإلا سيتم تطبيق عقوبات بحق المخالفين.
-حظر إرسال الأطفال إلى المدارس الحكومية الصينية، وعدم الامتثال لسياسات تنظيم الأسرة المتعلقة بتحديد النسل وغيرها، والإتلاف المتعمد للوثائق الحكومية والأوراق الثبوتية، والزواج من خلال الإجراءات الدينية فقط، وتطويل اللحى، والحجاب بالأماكن العامة تحت طائلة الغرامة. بالإضافة إلى منع تغطية كامل الجسم بالنسبة للنساء في أماكن العمل([5]).
– طُبقت استراتيجية مراقبة متطورة للإنترنت والهواتف الذكية، حيث تشغل السلطات تطبيق هاتف خلوي يٌستخدم للاتصال “بمنصة العمليات المشتركة المتكاملة”، وهو برنامج شرطة شنجيانغ لجمع البيانات عن الناس للإبلاغ عن الذين يُحتمل أنهم يشكلون تهديداً. ويعمل عبر جمع معلومات لفصيلة دم الأشخاص وطولهم، مروراً بوسطهم الديني وانتمائهم السياسي. عبر تصنيفهم على 36 فئة من الأشخاص، تشمل من توقفوا عن استخدام الهواتف الذكية، ومن لا يختلطون بالجيران، ومن جمعوا المال أو المعدات بحماسة للمساجد. بالإضافة إلى مراقبة تحركات الأشخاص عبر تتبع هواتفهم ومركباتهم وبطاقات هوياتهم. كما تتتبّع استخدام الناس للكهرباء ومحطات الوقود([6]).
واستدعت الإجراءات السابقة تحركاً دولياً لمنع هذه الانتهاكات، إذ قامت 22 دولة بتوقيع رسالة موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر تموز/يوليو من بينها فرنسا وأستراليا والمملكة المتحدة وسويسرا والدنمارك ونيوزيلندا والنروج وهولندا، انتقدوا فيها سياسة الصين تجاه الأويغور مطالبين بضرورة التحرك لإيقاف هذا التوجه.
لكن بالمقابل قامت 35 دولة أخرى من بينها دول إسلامية بتأييد إجراءات الصين القمعية ومواجهتها للتطرف في إقليم شينغيانغ من بينها السعودية وروسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا وكوبا وروسيا البيضاء وميانمار والفلبين وسوريا وباكستان وسلطنة عمان والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والبحرين. ما أثار موجة من الاستغراب حول موقف دول إسلامية أيدت الصين بسياستها وقد يكون هذا الأمر مرتبط بتطلعات تلك الدول للعب دور مستقبلي في طريق الحرير الجديد وبناء تحالفات اقتصادية قوية مع بكين([7]).
وبالنسبة لتركيا فقد اتخذت موقفاً أحادياً منفصلاً مسانداً لقضية الأويغور([8])، لكنها منذ زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الصين مؤخراً خففت من حدة خطابها ضد سياسات الحكومة الصينية تجاه الأقلية المسلمة في سبيل إيجاد حل لهذه القضية التي تعتبر من الملفات الهامة لدى أنقرة بحكم أصول الأويغور التي تعود إلى تركيا.
أهداف الحكومة الصينية بعيدة المدى في شنجيانغ
بناء على موقع الإقليم الحيوي والحدودي مع ثمان دول (روسيا، منغوليا، كازخستان، قرغيزستان، كازخستان، طاجكستان، أفغانستان، باكستان، والهند) ترى بكين أنه سيكون بوابة اقتصادية رئيسية لتطبيق استراتيجية “الحزام والطريق” التي أعلنت بكين عنها في عام 2013([9])، وتهدف إلى إعادة إحياء طريق الحرير التجاري في القرن التاسع عشر والذي ربط الصين ببقية دول العالم، عبر تشييد عدة شبكات من الطرق والموانئ والمرافق الأخرى عبر بلدان عديدة في آسيا وإفريقيا وأوروبا؛ لذلك يمكن اعتبار موقع الإقليم أحد عقد الطرق البرية لطريق الحرير، بالتالي فإن السلطات ترغب بإنهاء قضية الأويغور وحقوقهم بشكل شبه نهائي لتأمين هذه العقدة ولقمع أي محاولة تمرد قد يقوم بها السكان، إلى جانب عزلهم عن محيطهم الخارجي لمنع أي اتصال بينهم وبين حركات جهادية متمردة في وسط وشرق آسيا، خصوصاً بعد توجه العديد من الأويغور نحو سورية وانضمامهم “للحزب الإسلامي التركستاني” المصنف على قوائم الإرهاب الصينية والذي تخشى الحكومة من تفعيل أنشطته داخل حدود البلاد بعد نمو نفوذه في سورية وتطور بنيته التنظيمية لتصبح عابرة للحدود.
بالتالي فإن الإجراءات القمعية للسلطات لن تتوقف بحق السكان إلى حين تحقيق أهدافها بالكامل والتي قد تستغرق عدة سنوات أخرى أمام عدم جدية بالمواقف الدولية لإيقاف هذه الانتهاكات على الرغم من المناشدات المستمرة التي تطلقها منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان حول العالم والتقارير اليومية الصادرة والموثقة لحجم القمع الذي يتعرض له الأويغور خصوصاً في مراكز إعادة التأهيل، وعليه فإن السؤال المطروح كيف تبنت دول إسلامية وعربية مواقفاً مؤيدة لسياسات الصين ربما تكون على حساب تحصيل مكاسب اقتصادية بعيدة المدى؟ وكيف ستتمكن الصين من طمس هوية واعتقاد أكثر من 13 مليون أويغوري داخل حدود الدولة؟
خريطة رقم (1) توضح موقع الإقليم
([1]) “عام على اضطرابات «شينجيانغ»… نظرة واقعية”. صحيفة الاتحاد الإماراتية، 26-7-2010. https://bit.ly/32ukgiL
([2]) “الصين تحدد هويات منفذي تفجير شنغيانغ”. الجزيرة نت، 24-5-2014. https://bit.ly/2XWvAAC
([3]) “الأويغور في مواجهة النموذج الأمني الصيني الجديد”. أوريان 21، 14-2-2019. https://bit.ly/32xVGNO
([4]) “الأويغور.. شعب المليون سجين”. الحرة، 15-1-2019. https://arbne.ws/2xOt6Kd
([5]) “من هم الإيغور الذين “تحتجز الصين مليوناً منهم”؟”. بي بي سي، 31-8-2018. https://bbc.in/2DMdM5D
([6]) “China’s Algorithms of Repression”. Human Rights Watch, 1-5-2019. https://bit.ly/2Lk0PVd
“الصين: كيف تجري المراقبة الجماعية في شينجيانغ”. هيومن رايتس وتش، 1-5-2019. https://bit.ly/2JApXEk
([7]) “دول عربية تعلن تأييدها لإجراءات الصين ضد مسلمي الأويغور”. عربي 21، 12-7-2019. https://bit.ly/2LVO81G
([8]) “تركيا تطالب الصين بوقف انتهاك حقوق أتراك الايغور في تركستان الشرقية”. ترك برس، 25-2-2019. https://bit.ly/2Z71sEl
([9]) “مبادرة الحزام والطريق الصينية: “فخ أم فرصة” للدول العربية؟”. بي بي سي/ 27-4-2019. https://bbc.in/2L8odoR
رابط المصدر: