المصالح والقيم في العلاقات الدولية

مسلم عباس

 

ما هو الحق؟ وما هو ضده في العلاقات الدولية؟ وبتعبير أدق ما هي القيم التي تحدد الحق وضده، وما هي الجرائم المقبولة وغير المقبولة عالمياً؟

متى نطلق على قرار أو فعل سياسي تقوم به دولة معينة في إطار علاقاتها خارج الحدود على أنه قرار له ما يبرره، ومتى نطلق على قرار تتخذه ذات الدولة أو دولة أخرى بأنه غير مبرر ولا يتطابق مع قيم الحق، أي قرار باطل؟

لنأخذ مسألة الاعتراف بدولة جديدة على طريق الاستقلال أو الانفصال عن دولة قديمة، مثل هذه الحالة يجب الذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لكونها الجهة الممثلة لوفاق دول العالم المؤثرة على المستوى الدولي، ويمكن تشبيه الجمعية العامة للأمم المتحدة بمجلس نواب العالم.

يقوم مجلس الأمن برفع توصية باسم الدولة المراد الاعتراف بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة.

والدولة التي تريد الحصول على الاعتراف عليها ضمان دعم ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويشترط بالاعتراف عدم وجود نقض من أي عضو من الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (الولايات المتحدة الأميركية، روسيا الاتحادية، بريطانيا، فرنسا، الصين).

كوسوفو التي حصلت على استقلالها لم تتأهل إلى مستوى دولة معترف بها اعترافا كاملاً نتيجة نقض الصين وروسيا ضدها.

فلسطين هي الأخرى منقوصة الاعتراف الدولي بسبب نقض الولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا وفرنسا.

والدولة التي تصل إلى مرحلة اعتراف متقدمة كما في كوسوفو وفلسطين قد تكون أفضل حالاً من دول لم تتجاوز عتبة الاعتراف إلا من قبل عدد قليل من الدول لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة.

المثال هنا شمال قبرص التركية المعترف بها من دولة واحدة هي تركيا عام 1983، ولم تستطع حتى اللحظة الحصول على اعتراف أي دولة أخرى، بل يعتبرها الاتحاد الاوروبي جزءاً محتلاً من أراضي إحدى دوله.

في شمال قبرص التركية لم يكن المحتل قوياً بما فيه الكفاية ليكون على حق ويحصل على اعتراف أكبر عدد من الدول، بما فيها دول الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لو كانت تركيا مثل أميركا وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي سابقاً، لاستطاعت الحصول على اعتراف وعلاقات وطيدة مع دولة في جوف دولة أخرى.

عندما اجتمعت هذه القوى العظمى على كلمة واحدة سحقوا قيم الحق ورفعوا من شأن الاستغلال والاستقواء بالسلاح، فلم يعد الحق مجرداً لذاته، إنما بات مقروناً بالقوة ومرادفاً لها.

اعترفوا بسيادة الكيان الجديد المحتل لفلسطين عام 1948 كدول منفردة حيث اسسوا إسرائيل، وعام 1949 اعترفوا بقبولها عضوا في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

القوة فعلت كل شيء، وصهرت دولة فلسطين إلى شتات غير معترف به، وركبت قطع غيار مختلفة اللغات والألوان تحت راية دينية يهودية فصنعت دولة جديدة.

على هذه الطريقة يتم التعاطي مع جميع القضايا ذات الصبغة الدولية، فما هو قيمة من قيم الحق بالنسبة لدولة معينة، قد يكون باطلاً بالنسبة لدولة أخرى.

لا يوجد حق مجرد من التقييمات الذاتية، فالحق والباطل يصنعه قرار ولا ينبثق إلى الوجود لذاته.

ما تراه أنت احتلالاً يراه الآخر بشكل مختلف، وما تراه تدخلاً غير مشروع في شأن دولة معينة تراه الدولة المتدخلة حقاً مشروعاً لضمان أمنها أو حماية مواطنين يتحدثون بلغتها أو أي ذريعة أخرى.

ولكي تكون أفعال الدولة حق على المستوى الدولي يجب أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط:

1- صناعة ذريعة – غالباً هي أكذوبة- للقيام بالفعل.

2- التأثير على الدول الأخرى لتصديق الذريعة.

3- وجود قوة عسكرية واقتصادية وسياسية تكفي لترهيب أي رافض ودفعه إما للموافقة أو السكوت.

4- أن تكون أوروبياً أو أميركياً وتنتمي إلى حلف الناتو، لأن هذا الحلف هو الجامع لكل الشروط الثلاثة التي ذكرناها، ولا توجد أي قوة في العالم تستطيع صناعة الحق دولياً كما يفعل حلف الناتو والدول الغربية المنضوية تحت رايته.

جاءت الولايات المتحدة الأميركية على رأس حلف الناتو واحتلت العراق عام 2003، وهي مدججة بأحدث الأسلحة، وذريعتها حماية أمنها القومي من الأسلحة المحرمة دولياً التي يملكها زعيم النظام انذاك صدام حسين.

بعد الغزو تبينت الكذبة الكبرى لدرجة أن صدام الذي يفترض به تهديداً للأمن القومي الأميركي والعالمي لم يصمد لأسابيع قليلة، أما الأسلحة المحرمة فلا يوجد لها أثر.

رغم ذلك كان الغزو مبرراً ومقبولاً من قبل الدول الغربية وإن أبدت فرنسا اعتراضاً خجولاً.

مثل هذه الحالات غير المستندة إلى أي مسوغ قانوني أو إنساني تخلق من المحتل ممثلاً لكل ما هو حق، وكل من يعاديه يسجل في قاموس أعداء الحرية والإنسانية، لأن القوة ببساطة تصنع الحق وتنصب له زعيماً.

زعيم الحق هذا يسمى دولة عظمى يميل معها الحق حيثما تميل، ولا أريد منك الحديث عن مجازر وجرائم لأنها تغتفر وتغلف بطريقة تجعل ضحاياها مجرمين.

القوة هي معيار الحق والباطل في منظور العلاقات الدولية، والمصالح هي من تحرك القوة بدون أي أسس أخلاقية أو قانونية أو إنسانية.

وتحت معياري القوة والمصلحة يمكنك مشاهدة مآتم البكاء على ضحايا حرب معينة، كما يمكنك إدانة نفس الضحايا لأنهم لا يحققون المصلحة.

روسيا التي شاهدت الغرب يوزع صكوك الحق للجهات التي تحقق مصالحه ويبعثر كل من يعارضه بفعل قوته الهائلة، أرادت هذه الدولة (روسيا) تقليد الغرب وبدأت خطواتها منذ تقلد فلادمير بوتين مقاليد الحكم وهو يسعى جاهداً ليكون جورج بوش زمانه.

حلق بوتين بأحلامه عالياً بطائرات وصواريخ تدعمها دبابات وجحافل الجنود متوجها نحو أوكرانيا، الذريعة حماية سكان لوغانسك ودونيسك وإيقاف النازيين في البلاد، والواقع منع أوكرانيا من الانضمام إلى الاتحاد الاوروبي، فحماية السكان مجرد غلاف للاستهلاك الإعلامي.

لكن ليست كل الدول تستطيع أن تكون جرائمها مقبولة عالمياً، وليست كل الشعوب يمكن تقبل القيام بجرائم ضدها.

نوع الضحية ونوع الجاني هما المعيار في تحديد مدى مقبولية الجريمة، ويبدو أن روسيا لم تكن لها القدرة لتكون مجرماً مقبولاً عالمياً، كما أن الأوكرانيين لم يكونوا شعوباً سمراء ليتم القبول بسحقهم، إنهم ينحدرون من أوروبا ومن يعتدي عليها كأنما يعتدي على الإنسانية.

 

.

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/30369

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M