المنافسة الاستراتيجية دولياً ومؤشرات «الكتلة العالمية الجديدة»: محاولة للفهم

أحمد حسين

هل ما زلنا نعيش في نظام عالمي أُحادي القطبية؟ أم انتهى عصر الدولة المهيمنة؟ فبالرغم من كل مظاهر نهايه دورتها التاريخية إلا أن العالم ما زال يستجيب لنظام الدولة المهيمنة وإن كان بدرجة أقل من العقدين الماضيين. فالدولة المهيمنة هي تلك القوة العظمى المنفردة بالتأثير والقرار في نظام دولي لا توجد فيه منافسه استراتيجية قادرة على إحداث توازن قوى، وليس معنى ذلك قدرة الدولة المهيمنة على سحق كل القوى الدولية، لكن لبقاء نفوذها وسيطرتها المنفردة يكفي أن تكون متفوقة بعناصر متنوعه بشكل يصنع فجوه كبيرة بينها وبين اقرب منافسيها.

لكن: هل ما زال النظام الأحادي القطبية قادراً على الاستمرار والبقاء؟ وما دور المتغير الاقتصادي كمحرك فاعل في تغير استراتيجية العلاقات بين الدول؟ وما دور العلاقات بين القوى العالمية الثلاث: الولايات المتحدة وروسيا والصين في دورة النظام العالمي المقبلة؟

ثم أين نحن من تلك الدينامية العالمية؟

بمطالعة التأثير في مجموع القضايا الساخنة دولياً يبدو أن آليات الحركة في النظام الدولي تتأثر بمنافسة دولية لنظام الدولة المهيمنة لكن بآليات وعوامل تأثير بطيئة أو نقول متحفظة؛ فديناميات التحول في النظام الدولي العالمي تعمل فعـلاً لكن ببطء، وهو ما يضع على النظام العربي الإقليمي مسؤولية التفاعل والدخول في استراتيجية التنافس الاستراتيجي بمحددين (التحرر من منطلقات الاستقلال الوطني والاقتصادي وتحرير فلسطين ثم السلام العالمي).

فالسلام العالمي محدِّد أساس في أي تحول بالنظام العالمي، لأنه لو انتهى عصر الدولة المهيمنة فهذا لا يعني نهاية أو زوال هذه الدولة، ولكن تراجع دورها من الهيمنة إلى مرحلة المنافسة ثم مرحلة التوازن الاستراتيجي بين القوى العالمية؛ فلا يوجد من يرغب في حرب عالمية واسعة إلا ويرغب في انتحار جماعي عالمي، بل أن أي نظام عالمي قادم تحدده حتماً استراتيجية إطفاء الحرائق والمرور إلى حالة سلام عالمي.

فلا استجيب صراحة لنظرية تصادم القوى ومقدمات حرب عالمية واسعة حتى مع وجود مؤشرات لها عسكرية وتجاذبات في المشهد الإقليمي والدولي لكن ما أميل إلى التفكير في سياقه، وعلينا الدفع كنظام إقليمي عربي في اتجاهه، هو العمل في سياق نظرية أو استراتيجية توازن القوى.

فالفراغ الإقليمي العربي (استسلام العرب) والمنافسة الاستراتيجية دولياً على الأرض العربية (روسيا ضد الولايات المتحدة الأمريكية – أقلّه في سورية) والحلفاء الإقليميين للمتنافسين الدوليين (إيران وتركيا والكيان الصهيوني وأوروبا، ونضيف إلى ذلك الارتباك الخليجي والتردد المصري)، هذا كله خلف تصدعاً هائلاً في بنيه النظام الإقليمي العربي؛ حتى باتت قضايا أساسية ومصيرية مثل تحرير فلسطين خارج دائرة التفكير الجمعي العربي وبالتالي العالمي.

هذا يضعنا أمام حتمية نظام إقليمي عربي يتخلص من دائرة التبعية ويدفع في اتجاه توازن القوى في العلاقات الدولية ويؤثر بقدر تعبئه إمكاناته في انطلاق «الكتلة العالمية الجديدة»، وهو ما نحاول رصده في هذا المقال؛ كتلة جديدة تضمن بقاء وجود النظام الإقليمي العربي بضوابط الأمن القومي وتحرير فلسطين وإرساء قواعد سلام عالمي، ذلك يمر عبر مجموعة من المحددات المؤثرة، منها المتغير الاقتصادي العالمي وتأثيره في المنافسة الاستراتيجية دولياً، والنظر في معوقات التحول نحو نظام عالمي جديد – التعددية القطبية -، التفاعل بين القوى العالمية الكبرى الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا، فنحاول التعرض لاستراتيجيات التمدد الروسية والصينية وما يقابلها من استراتيجيات احتواء وحصار تحاول الولايات المتحدة إنفاذها، ثم تحديد دور النظام العربي الإقليمي وهل تستمر عملية استسلام العرب لوظيفة إطلاق النار عالمياً أم تنتقل نحو استراتيجية عربية تعمل بالتضامن لوقف الحرائق العربية وحل إشكاليات التدمير الذاتي ثم النشاط إقليمياً ودولياً لإزالة معوقات التحول نحو التعددية القطبية.

أولاً: المتغير الاقتصادي العالمي
تداعيات الأزمة العالمية

تبدو أهمية هذا المتغير من خلال الدور الذي أثرت فيه الأزمة المالية العالمية في تغيير خارطة توزيع القوى دولياً انسجاماً مع نظام أحادي القطبية. انتشرت تداعيات الأزمة إلى أغلب دول العالم بقدر مدى انسجام هذه الدول في الدوران والاستسلام للدولة المهيمنة عالمياً (الولايات المتحدة).

كانت النقطة المفصلية هنا في تراجع اقتصاديات وصعود اقتصاديات، وبالتالي تزايد المكانة أو تراجعها وتأثير ذلك في حركة صعود أو نزول مستويات النمو لاقتصاديات الدول الأساسية في النظام العالمي: الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها الدوله المهيمنة أو القوة العالمية الأساس، ثم الصين باعتبارها القوة الاقتصادية التالية على مستوى العالم، ثم روسيا) والاتحاد الأوروبي من منطلقات البعد الجيوستراتيجي نظرياً (أوراسيا) كمؤثرات في النظام العالمي مستقبـلاً.

1 – مؤشرات تأثر الولايات المتحدة بالأزمة الاقتصادية

  •  تزايد قيمة الدين العام: عرف الدين العام الأمريكي تزايداً مطّرداً منذ الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 ليعرف أعلى نسبة له عام 2016 حيث بلغ 19 تريليون دولار، أي بنسبة 78.9 بالمئة حيث تزايدت النسبة خلال عشر سنين من 35 بالمئة إلى ما يقارب 75 بالمئة.
  •  تزايد قيمة التضخم: تزايدت نسبة التضخم لتصل إلى 1.5 بداية سنة 2017.
  •   تزايد نسبة البطالة: تزايدت نسبة البطالة لتصل إلى 4.7 عام 2017.
  •  تدني مستويات المعيشة: حيث بلغ حجم الطبقة التي تخطت مستوى المعيشة الجيدة 86 مليون نسمة من 324 مليون نسمة.

تلك المؤشرات ترصد تراجعاً مستمراً لا يمكن إلا أن يؤثر في مدى استمرار الولايات المتحدة كدولة مهيمنة في نظام أحادي القطبية.

2 – مؤشرات تأثر الصين بالأزمة الاقتصادية

صحيح أن الناتج الصيني بدأ يهبط منذ الأزمة المالية العالمية، فبعدما بلغ معدل النمو 14.2 بالمئة عام 2007 تراجع في عامي 2008 و2009 على التوالي ليصل إلى 9.6 بالمئة و9.2 بالمئة. إلا أنه منذ عام 2010 عاد ليرتفع إلى 10.6 بالمئة، ثم كانت الفترة من 2011 وحتى نهاية 2015 حيث انخفضت معدلات النمو إلى ما دون 7 بالمئة نهاية عام 2015. ومع ذلك يظل الاقتصاد الصيني أقل تضرراً من انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية.

تعتبر الصين الأولى عالمياً من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة إلى البلاد والتي بلغت 129 مليار دولار عام 2014، كما تمتلك أكبر احتياطي نقدي بالعملة الأجنبية نحو 3.2 تريليون دولار. وفي مجال خفض مستويات الفقر نجحت الصين في رفع الناتج المحلي الإجمالي للفرد بأكثر من 40 ضعفاً في عشرين عاماً من 155 دولاراً للفرد إلى نحو 6400 دولار عام 2015.

ورغم تراجع التوقعات بمعدلات النمو الحالية عام 2016 يمكن أن تصنَّف الصين كأكبر اقتصاد عالمي خلال عشر سنين متفوقة على الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يضع أمامنا تفسيرات تراجع اهتمام الولايات المتحدة بمكافحة الإرهاب ليحل محله التفكير الاستراتيجي في الحد من المنافسة الصينية وكيفية احتوائها.

ثانياً: المنافسة الاستراتيجية دولياً
(معوقات التحول نحو نظام عالمي جديد)

حركة التاريخ ليست حركة تحكمية تفرضها إرادة واحدة مقابل استسلام إرادات بل غالباً ما تكون سجـلاً من الأوراق البيض مفتوحة؛ فالتحول نحو نظام عالمي جديد وإن كان يكافح تاريخياً منذ سنوات إلا أنه بات قريباً جداً من التمكن، رغم أن كثيراً من المعوقات ما زالت في سبيله، منها طبيعة العلاقات المتداخلة بين القوى الكبيرة في العالم (الولايات المتحدة والصين وروسيا) ومنها المحيط الإقليمي للصين في الشرق الأقصى مثل الهند والمحيط الإقليمي في أمريكا الجنوبية والمحيط الإقليمي لروسيا أوروبا ووسط آسيا. كما أن بؤرة الصراع وموقع الحسم تتمثل بالإقليم العربي وجواره التركي والإيراني وأفريقيا.

فأي قراءة استراتيجية للتحول نحو عالم أكثر توازناً يعتمد على التعددية القطبية والمنافسة الاستراتيجية لا تستقيم من دون تعرضها لطبيعة التفاعل بين الولايات المتحدة والصين وروسيا ولا تستقيم قراءة طبيعة التفاعل من دون التركيز على النظام الإقليمي العربي ودوره في المستقبل.

1 – الصين وروسيا

التقارب الروسي – الصيني أو التركيز الروسي نحو التعاون مع الدول الشرقية في مقدمتها الصين يتطور نحو شراكة استراتيجية، لأن كلاً من الصين وروسيا في حالة وعي بالذات يستوجب استرداد المكانه ووعي بالجغرافيا يستوجب التعاون الإقليمي ووعي بالمستقبل يستوجب التمدد ولا يمكن لقوة واحدة من القوتين العمل حالياً بمفردها، فنجد أن اتجاه روسيا نحو الشرق هو استراتيجية إعادة توازن روسي للتخلص من عبء الغرب دائمة النظر إلى روسيا نظرة القلق.

ومن أهم مشاريع التعاون الاستراتيجي مع الصين مشروع اتفاق لشراء وبيع الغاز الطبيعي بين شركة الطاقة الروسية «غازبروم» وشركة النفط الوطنية الصينية (سي. إن. بي. سي) بقيمة 400 مليار دولار لمدة 30 عاماً، ومشروع إنشاء خط جديد فائق السرعة لسكك الحديد بين موسكو وبكين الذي يخفض مدة الرحلة من ستة أيام إلى يومين فقط بتكلفة متوقعة للمشروع بما يتجاوز 230 مليار دولار، فروسيا والصين تريان من أهم عوامل التحول نحو التعددية القطبية تحويل مراكز السلطة باستحداث مؤسسات عالم جديد متعدد الأقطاب وهو ما تحاول الولايات المتحدة عرقلته.

2 – الصين وأمريكا

بعد الحكم الصادر عن محكمة التحكيم الدولية بشأن نزاع بحر الصين الجنوبي رفضت الصين الحكم بشأن القضية وتعهدت اتخاذ إجراءات لحماية مطالبها الإقليمية وطرقها البحرية ليظل حلم الصين في ربط العالم بالجسور البرية والطرق البحرية متجسداً في المشروع الأسطوري (طريق الحرير الجديد).

في مواجهة ذلك، تحاول الولايات المتحدة تأجيج نزاعات إقليمية حول الصين وضدها، فبدأت تسعى إلى الاتفاق على ميثاقها الأمني لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ مع حكومات اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا. كما أن رابطة دول جنوب شرق آسيا ورابطة جنوب آسيا ليستا بعيدتين من هذا الميثاق. ثم طورت الولايات المتحدة استراتيجيتها لوقف تمدد الصين باستقطاب الهند لتكون في مواجهة الصين، فالاتجاهات الهندية الحالية تميل إلى أنها ستنضم إلى المشروع الذي تقوده الولايات المتحدة ضد الصين في آسيا. فالهند بالرغم من كونها عضواً في المؤسسات العالمية المتعددة الأقطاب (بريكس)، لكنها تنتقل إلى الخط الداعم للدولة الأمريكية المهيمنة.

عنصر آخر قد يعوق الصين نحو استكمال تمددها وهو المفهوم الحديث للمنطقه الاقتصادية البحرية فهو المفهوم الذي يعطي الدولة حقاً في 200 ميل بحري تبدأ من خطوط القاعدة. فالنظر في ذلك يرشح لحدوث مصادمات قوية بين اقتصادات ودول كانت مؤهلة أن تكون حليفة لبعضها، وقد يؤدي إلى تسميم العلاقات بينها، منها الصين واليابان وإندونيسيا وتشيلي والأرجنتين… وهو ما قد يدعم خطة الولايات المتحدة الأمريكية في استيعاب تمدد الصين بحصار هذا التمدد في شرق آسيا وأمريكا الجنوبية.

التوتر الحالي بين الولايات المتحدة والصين وإن كان متعلقاً باتفاقية التجارة الجاري توقيعها إلا أنه يتعلق في جزء كبير منه أيضاً باستراتيجية الولايات المتحدة لاستخدام هذه الدول ضد الصين، في محاولة لإنشاء مشروع في آسيا يشبه حلف شمال الأطلسي، وفي مقابل ذلك تقترب تركيا التي هي عضو في حلف الناتو من الانضمام إلى روسيا والصين. فبين توجهات الهند التي تعد جزءاً من مجموعة دول البريكس نحو التوافق مع سياسة الاحتواء الأمريكية ضد الصين نعتقد أن باكستان أقرب حلفاء أمريكا قد تتحرك نحو التقارب مع روسيا والصين دعماً لنظام عالمي جديد.

ومع كل هذه المعوقات حول الصين إلا أن آلية القيادة الصينية – الروسية الناشطة في آسيا لا تهمل المنطقة العربية وجوارها الإقليمي وأفريقيا بل يستمر التمدد والاشتباك لتمديد نفوذها فيها.

ثالثاً: المنطقة العربية وجوارها الإقليمي
(الشرق الأوسط)

إن صراعاً عربياً – عربياً تحكمه مراكز الثقل بين حقول غاز شرق المتوسط الشام ومصر من جانب وبين حقول النفط والغاز الخليجي من جانب آخر، صراع تم استثمار الانتفاضات العربية منذ 2011 فيه لتحقيق أهداف استراتيجية منها خلخلة عناصر التأثير عربياً وسحبها من الجمهوريات العربية لصالح الممالك الخليجية، أي تنافس استراتيجي آخر لكنه داخل الإقليم العربي اتخذ طابع الانتحار الجماعي وتفجير الذات.

  • من استسلام العرب إلى الناصرية
    وتغليب التضامن على سياسة المحاور

استجاب الوطن العربي بدرجات كبيرة استسلاماً ليتحول من حصاره للكيان الصهيوني بقيادة ناصرية إلى كونه الفضاء الاستراتيجي لأمن الكيان الصهيوني الاستيطاني – إسرائيل – الآن.

فالواقع أن التفكيك السياسي العربي حل بعد التفكيك الجغرافي. فتفكيك الإقليم العربي إلى مشرق ومغرب يفصل بينهما الكيان الصهيوني في الموقع الاستراتيجي حقق استنزاف مقدراته ومنع تطوره عبر الزمن حماية للمصالح الغربية. فتوقف تأثير الإقليم في دوائر التنافس الدولي لمنع تكرار تجربة جمال عبد الناصر المعاصرة، أو حتى محمد علي في أبسط تقدير؛ فيبقى الوطن العربي الكبير دائراً إذاً بين كونه قاعدة إطلاق النار في استراتيجيات التنافس العالمي أو قاعدة عسكرية متقدمة لمحاور هذا التنافس، وفي الأخير فضاء إقليمي هادئ لتحقيق أمن الكيان الصهيوني ومشروعه الذي تطور من استراتيجيته «الفرات والنيل» إلى هدف «من المحيط إلى الخليج».

تعرضت جزئيات الإقليم العربي إذاً المتمثلة بدوله القطْرية لوقف قدراتها العلمية وتطورها عند حدود حاكمة لعملية التقدم، ففي خلال أكثر من 40 عاماً وضعت الاستراتيجيات في عالم الحرب الباردة ثم القطب الواحد والدولة المهيمنة، ليحصل عقاب جماعي للوطن العربي على استراتيجيات التحرر الوطني التي قادتها مصر وعلى استراتيجيات التضامن العربي التي أنتجتها التجربة الناصرية والتي تفجرت بتضامن فذ في حرب العرب الكبرى حرب اكتوبر، فمنذ لحظة التضامن العربي الاستثنائي والفذ تلك كانت استراتيجيات العقاب وتفكيك عناصر التضامن، فكانت كامب دايفيد الأولى خطوة مبكرة في فض هذا التضامن، وشهدنا خلال العقود التالية تجريد القدرة العربية من مقوماتها بالتدريج. حتى وصلت إلى نقطة تصدع النظام الإقليمي العربي بين الاحتراب الأهلي العربي – العربي و«التفكيك الجيوسياسي لفلسطين» وإهدار حقوق شعبها، فتحولت قضية فلسطين من محرك فاعل لتعبئة طاقات الإقليم العربي ورافعة لتحقيق تنميته المستقله إلى النظر إليها كونها عبئاً ثقيـلاً لا بد من التخلص منه، فكان تفكيك فلسطين (الفصائل) من الداخل ليحل محلها قضية الإرهاب وداعش.

لم تكن داعش سوى اسم كودي لعملية معقدة استخباراتية (أبلكيشن بلغة السيولة التقنية المرحلية الحالية). تقوم الأبلكيشن بمهمة تسهيل تجميع عناصر الانهيار الذاتي للوطن العربي وتسريع وتعبئة التخلف واستغلال التجزئة نحو انتحار جماعي حتى يتم إنجاز الهدف فيتم تجميد نشاط الأبلكيشن أو القيام بعملية تحديث له لتطوير مهماتها في اتجاه مختلف ومن ثم تنشيطها في وقت لاحق. إذاً العملية داعش تمت ونجحت مرحلياً في إنقاذ النظام الاقتصادي العالمي مؤقتاً بتشغيل مصانع السلاح الغربية واستنزاف موارد الوطن العربي بإحراق الجمهوريات العربية وتدمير بنيتها الأساسية.

من هذا المنطلق نعتقد أن التركيز على فلسطين كقضية تحرر فيها إنقاذ للوطن العربي وفي قلبه مصر وكل أقطاره من التفكيك والتذويب، بل ودافع لاستراتيجيات تنموية تأخذ في الحسبان أن المعركة عملية اقتصادية تحررية لا يمكن أن تتم حال وجود كيان عنصري غاصب – إسرائيل – (وهو التفكير الذي يعيد ترميم مؤسسات العلم العربية المفككة، ويعيد ربط الوطن العربي مركزاً وأطرافاً بنهوض وتكامل يوقف حالة التطبيع ويضع استراتيجية تنمية نحو نهوض وتحرير).

فالاستراتيجية الأحادية القطبية الأمريكية تجاه الإقليم العربي وجواره الإقليمي – الشرق الأوسط – تعتمد مرتكزين: الأول، يعتمد على دور المؤسسات الأمنية والاستخباراتية، وليس الدور العسكري المباشر الآن وهذه المؤسسات تعمل انطلاقاً من ثوابت هدفها الرئيس هو خدمة المصالح الأمريكية بغض النظر عن مصالح دول المنطقة. والثاني، هو المحافظة على مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني – إسرائيل – وهي مقدمة على مصالح كل أصدقاء الولايات المتحدة.

فانشغال الولايات المتحدة الآن بالمنافسة الاستراتيجية بين دول العالم فرصة يجب ألّا تمرّ من دون أن يستغلها النظام الإقليمي العربي.

فاستراتيجية التحول إلى عالم متعدد الأقطاب بقيادة مشتركة من الصين وروسيا معاً، ومع محاولات الولايات المتحدة احتواء هذه الاستراتيجية باحتواء وتطويق روسيا بحلف الناتو ومحيطها الملتهب مثل أوكرانيا، وكذلك احتواء الصين بمشاريع آسيوية مشابهة لحلف الناتو، يفرض دوراً أساسياً وحتمياً على النظام الإقليمي العربي.

نعم النظام الإقليمي العربي مريض عملياً، لكنه رغم ذلك هو الأكثر قدرة على حسم كثير جداً من إشكاليات النظام العالمي الجديد إذا نجح في ترميم بنيته ووقف التدمير الذاتي واستعادة حركته نحو المجموعة الكلاسيكية لعدم الانحياز، أمريكا اللاتينية والهند وأفريقيا كأطراف حاسمة في اتجاه نظام عالمي متعدد الأقطاب يقوم على التنمية بمنهجية السلام العالمي. ووقف نزيف الحروب اذن ضرورة تنشيط استراتيجية عربية ترجح تغليب التضامن على سياسة المحاور ثم تنتقل إلى العمل في اتجاه التعاون الاستراتيجي نحو التعددية القطبية بقيادة الصين وروسيا، وبخاصة مع التشابه بين المصالح الصينية والأمريكية في (الإقليم العربي وجواره الإقليمي) – الشرق الأوسط – الذي يفرض على الإقليم العربي تعزيز روابط اقتصادية قوية مع الصين وروسيا.

في الأخير، فإن استراتيجية تضامن عربي مع الذات وتنافس رشيد مع الجوار الإقليمي (إيران وتركيا)، ثم تعزيز روابط اقتصادية وسياسية استراتيجية مع روسيا والصين وتفعيل عناصر التمدد العربي والتأثير باستراتيجية تقارب عربي – هندي – أفريقي لاتيني نحو نهوض أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

نشاط عربي يستطيع دخول معادلة التأثير عبر استراتيجيات التنافس العالمي إلى مرحلة توازن القوى نحو عالم التعددية القطبية من جديد.

 

رابط المصدر:

https://caus.org.lb/ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%81%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D9%85%D8%A4%D8%B4%D8%B1%D8%A7/?fbclid=IwAR2GuKN3m4jQp9fpq4n1Em19DzEyXEdOnR0xgFKgtEgiVA43izwVpwMnyRE

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M