الميليشيات في الدول الهشة، المخاطر والتهديدات

سمحت العديد من دول المنطقة بدمج مقاتلي الميليشيات داخل مؤسساتها المدنية والعسكرية وأصبحت تلك المليشيات تتمتع بعلاقات وروابط قوية مع بعض عناصر قوات الأمن الرسمية. وأصبح لها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية والمدنية لتحقيق مكاسب سياسية والتوغل إلى داخل الدوائر والوكالات الحكومية، وغالباً ما تتورط الميليشيات في عمليات قتالية وتهريب للبشر ما يفسد سمعة المؤسسات الرسمية ويضعف من عملها.

مخاطر دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة

ليبيا

اتفق طرفا الصراع في ليبيا على دمج الميليشيات في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية وخروج “المرتزقة” والقوات الأجنبية من ليبيا في 18 يونيو 2022. وتأتي عملية دمج الميليشيات في القوات المسلحة الليبية في إطار خطة شاملة لمعالجة ملف المليشيات وفقا لشروط العمل في القوات المسلحة الليبية ومن خلال لجنة التجنيد العسكرية، وذلك بأن يتم تفكيك المليشيات وإدماجهم بشكل فردي في الجيش الوطني الليبي بشرط ألا يحمل أي فكر متطرف ولا يتبع لتنظيم “داعش” أو “القاعدة” وعدم صدور أي حكم قضائي ضده في جميع الجهات العسكرية في 21 مارس 2021.

اليمن

 الحوثيون حركة سياسية دينية اجتماعية مسلحة تأسست عام 1992 وباتت تتخذ رسميا اسم “أنصار الله”، وتمت تسميتهم بالحوثيين نسبة إلى مؤسسهم حسين الحوثي الذي قتل في 2004 ووالده المرشد الروحي للحركة بدرالدين الحوثي. وبدأ الحوثيون في 2014 حملة توسعية وضعوا يدهم خلالها على معظم معاقل النفوذ للقوى التقليدية في شمال اليمن، لاسيما آل الأحمر زعماء قبائل حاشد النافذة، وسيطروا على صنعاء في 21 سبتمبر  2014 . سيطروا ايضا على دار الرئاسة وحلوا البرلمان ومؤسسات الدولة وفرضوا الإقامة الجبرية على الرئيس عبدربه منصور هادي الذي تمكن من الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية وأعلنها عاصمة مؤقتة. رتباط الحوثيين بإيران إذ تملك الحركة الحوثية ،وإن ارتباطهم بإيران ازداد بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

سوريا

أعدت  بعض الأطراف القليمية والدولية  قوائم من أكثر من (40) ألف مقاتل ينتمون إلى ميليشيات وأُنشئت مراكز تجنيد في سوريا بالتعاون بين عسكريين روس وسوريين وميليشيات في محافظات عدة أبرزها في دمشق وريفها وفي حمص. ومنذ نهاية 2019، أرسلت تركيا وروسيا آلاف المقاتلين السوريين كمرتزقة لصالح أطراف تدعمها كل منهما في ليبيا. وتشير التقديرات إلى أن المجندين ينضوون في “الفرقة 25 المهام الخاصة” والفيلق الخامس، وتشترط روسيا أن يكون المجندون تلقوا تدريبات عسكرية من القوات الروسية وشاركوا في القتال إلى جانبها في سوريا وأن يكونوا من أصحاب الخبرة في حرب الشوارع. تتنافس الدول في استقطاب وتجنيد مقاتلي الميليشيات عبر تقديم إغراءات مادية لهم، ففي سوريا يترواح راتب الجندي السوري بين (15و35) دولاراً بينما وعدت القوات الروسية المجندين للالتحاق في الميليشيات التي تدعمها في سوريا براتب شهري يعادل نحو (1100) دولار أميركي، كما يحق للمقاتل تعويض قدره (7700) دولار في حال الإصابة.

لبنان

حزب الله، سبق الوجود التنظيمي لحزب الله في لبنان  والذي يؤرخ له بعام 1982 وجود عقائدي يسبق هذا التاريخ، وكانصعود خميني للحكم عام 1979 دافعا قويا لنمو حزب الله، وذلك للارتباط المذهبي والسياسي بين الطرفين.جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير  1985؛ أن الحزب ملتزم بأوامر ولاية الفقيه. معظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين  المرتبطين مذهبياً، بمرشد الثورة علي خامنئي  ويعتبر  حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعي لخامنئي؛ هذا الارتباط الأيديولوجي والفقهي بإيران سرعان ما وجد ترجمته المباشرة في الدعم السريع والمباشر من إيران وعبر حرسها الثوري للحزب.

العراق

كشف “البنتاغون” في 15 فبراير 2022 أن المليشيات الإيرانية في العراق لديها نفوذ واسع داخل الأجهزة الأمنية العراقية وتستفيد من أموال دافعي الضرائب. وأفاد “البنتاغون” أن إيران والميليشيات المتحالفة معها ما زالت تتمتع بعلاقات قوية مع بعض عناصر قوات الأمن العراقية التقليدية، وخاصة الشرطة الفيدرالية العراقية وقوات الطوارئ وكذلك الفرقتان الخامسة والثامنة في الجيش العراقي.

تنفي إيران باستمرار الاتهامات الموجهة إليها بدعم الميليشيات في المنطقة، فنفت طهران اتهامات واشنطن لها بأنها قدمت الدعم لهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا. وأكدت الحكومة الإيرانية أن إى ادعاء ينسب إلى إيران في أي هجوم يُنفذ ضد أفراد أو منشآت أميركية في العراق خطأ في الحقيقة ويفتقر إلى الحد الأدنى من متطلبات الصحة والدقة.تسعى الميليشيات إلى تحقيق مكاسب سياسية والتوغل إلى داخل الدوائر والوكالات الحكومية، فعلى سبيل المثال سيطرت بعض الميليشيات على هيئة الطيران المدني في العراق وعلى مناولة الأمتعة في مطار بغداد واستهداف الشركات والأشخاص.

وتجني الميليشيات دخلاً من مجموعة من المصادر والأنشطة التجارية غير المشروعة وتسمح سيطرتها المتزايدة على عناصر في الحكومة والمؤسسات العراقية باستغلال عائدات نقاط التفتيش ومراقبة الحدود في 12 أبريل 2021.أشار “أليكس ألميدا” مستشار الأمن الإقليمي في شركة “هورايزون كلاينت أكسس” في 30 أغسطس 2022 إلى أن الاقتتال بين الميليشيات في العراق أدى إلى تدمير البنية التحتية، وتسبب في كوارث إنسانية وتورط البلدان في نزاعات طويلة الأمد ومعقدة.زادت ميزانية رواتب الميليشيات في العراق سنوياً من (1.3) تريليون دينار عراقي (1.1 مليار دولار) في عام 2018 إلى (3.5 ) تريليون دينار عراقي في عام 2021، وتنفق الحكومة العراقية الآن (2%) من الناتج المحلي الإجمالي على قواتها المسلحة غير الرسمية. هذا لا يشمل الأموال التي تجنيها الميليشيات من التهريب والابتزاز، بالإضافة إلى أن الكثير من هذه الميليشيات ليسوا موالين للدولة في 19 يونيو 2021.

السودان

بدأ الجيش السوداني في 16 يناير 2022  تطبيق الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقية السلام الموقعة  لدمج الميليشيات، فتشمل القوة المشتركة في المرحلة الأولى (3300) عنصر تحت قيادة ضباط من القوات المسلحة وتضم (1500) جندي من قوات الدعم السريع ومثلها من الميليشيات بواقع (300) مقاتل من كل حركة. وذلك على الرغم من تورط بعض الميليشيات في عمليات نهب لممتلكات تركتها بعثة الأمم المتحدة، ما جعل هناك مخاوف من عدم القدرة على ضبط تحركاتها في ظل السيولة السياسية والأمنية في البلاد.

الكونغو

نص اتفاق بين الحكومة الكونغولية وميليشيا “إم23″على دمج مقاتلي الميليشيا في صفوف الجيش على الرغم من أن الميليشيا هي واحدة من أكثر الميليشيات التي تنشط في شرق جمهورية الكونغو الديموقراطية في 19 يونيو 2022،  وتعد ميليشيا “إم23” من أخطر الميليشيات ومعظمها من أفراد ينتمون إلى عرقية “التوتسي”.

نشوب صراعات تهدد الأمن القومي

تهدد الميليشيات الأمن القومي للبلاد من خلال نشوب صراعات بين بعضها البعض، ففي ليبيا تشارك عدة فصائل وميليشيات في الصراع على السلطة، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات عنيفة  في 27 أغسطس 2022 نتج عنها أضرار جسيمة تهدد المؤسسات الحكومية، مما أثار مخاوف من اندلاع حرب أهلية طويلة الأمد.

وفي نفس السياق، اندلعت مواجهات عنيفة أشبه بحروب صغيرة بين مليشيات ليبية تسيطر على مسارات تهريب البشر والسلاح والمخدرات والوقود، والتي تتيح لها عوائد تقدر بعشرات الملايين من الدولارات في 3 يوليو 2022، كما وقعت (30) مواجهة مسلحة بين الميليشيات الليبية للسيطرة على مسارات التهريب خلال الفترة من 2014 وحتى 2020. وفي 20 مايو 2022 اندلعت اشتباكات بالأسلحة الثقيلة بين ميليشيات في مدينة الزاوية غرب العاصمة الليبية طرابلس.

فيما لا تزال يسيطر مشهد الإقتتال بين المليشيات الصومالية  في صراعها على السلطة منذ عقدين من الزمن حتى اللحظة، ففي 18 سبتمبر 2022 قامت ميليشيا صومالية معروفة بـ”معويسلي”  متحالفة مع الحكومة بقتل ما لا يقل عن (45)  من مقاتلي حركة الشباب، وقطعت رؤوس بعضهم، في إقليم هيران بولاية هيرشبيلي، في ظل حمل المواطنين في مناطق وسط البلاد السلاح على نحو متزايد في وجه المسلحين.

تشكل الميليشيات خطراً داهماً على المؤسسات الأمنية داخل الدول، وذلك من خلال خوضها حروبا ضد القوات المسلحة للدول. ففي 21 مارس 2021 دقت الأمم المتحدة جرس الخطر بسبب تنامي أنشطة الميليشيات في السودان وعدّتها أكبر خطر يهدد الانتقال الديمقراطي في السودان وتشير التقديرات إلى وجود (4) ملايين قطعة سلاح بيد مقاتلي الميليشيات وبعض المدنيين في السودان، وتعد ميليشيا “أنانيا” أول حركة تقاتل الجيش السوداني وخاضت حرباً ضد القوات الحكومية.

جهود أممية لتفكيك الميلشيات ونزع السلاح

نص القرار (1559) لعام (2004) الذي اتخذه مجلس الأمن في 2 سبتمبر 2004 على حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها وتأييد بسط سيطرة حكومة لبنان على جميع الأراضي اللبنانية. ودعت الأمم المتحدة في بيان في 11 يونيو 2022 إلى “وقف فوري” للهجمات التي تشنها الميليشيات على المدنيين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. كما بدأ فريق من الأمم المتحدة بمكتب سيادة القانون والمؤسسات الأمنية بدعم عمليات نزع سلاح الميليشيات والتسريح وإعادة الإدماج للميليشيات في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى.

التقييم

تحاول بعض دول المنطقة حل معضلة الميليشيات بدمجها في مؤسسات الدولة مدنياً وعسكرياً ويعني دمج هذه الميليشيات في الجيوش النظامية حصولهم على الخبرات وعلى السلاح والمال، والأكثر خطورة هو أن ولاءهم يكون إلى أحزابهم وأيديولوجياتهم وليس للدولة، ما يترتب عليه إضعاف المؤسسات الدولة الرسمية العسكرية والمدنية.

يفسد دمج الميليشيات بعد حصولهم على دورات مكثفة وقصيرة ومنحهم رتب ومهام عسكرية سمعة المؤسسات الأمنية الرسمية في الدول، كمؤسسات الأمن والدفاع ويجعلها ضعيفة ومفككة من الداخل ناهيك عن التناحر الذي يمكن أن يحدث بين هذه العناصر والجيوش النظامية.

توجد قواعد وسياقات في العمل داخل المؤسسات المدنية فلا يمكن لعناصر ومجموعات تؤمن بالقوة والسلاح أن تتعامل مع المؤسسات المدنية والمدنيين، وهذا ما يفسد أيضاً سمعة المؤسسات المدنية ويضعف من عملها ناهيك عن تنمر عناصر الميليشيات على رؤسائهم.

يجب على المجتمع الدولي إصلاح القطاعات الأمنية ورسم خرائط لأماكن الميليشيات المنتشرة على المستويين الدولي والإقليمي، وتقديم المشورة بشأن كيفية التعامل معها من خلال وضع استراتيجيات لنزع الأسلحة وحل وتفكيك الميليشيات بما لا يعرقل أداء الحكومات وبما لا يمنع الاستقرار وأداء المؤسسات المدنية والعسكرية لمهامها.

 

الهوامش

“هناك سبب للأمل”.. تقرير: 3 خطوات ضرورية لإعادة بناء العراق
https://arbne.ws/3QW27Cm

الجيش الليبي يوضح حيثيات دمج الميليشيات في القوات المسلحة
https://bit.ly/3xtf6V9

اجتماع لقادة دول شرق إفريقيا الإثنين للبحث في الأوضاع الأمنية في الكونغو الديموقراطية
https://bit.ly/3dkSm2U

Iraq’s militias could push country into prolonged conflict, experts warn
https://bit.ly/3S9LTGX

تقارير عن عمليات تجنيد وتسجيل آلاف السوريين للقتال في أوكرانيا الى جانب الجيش الروسي
https://bit.ly/3xxBlJX

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%b4%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b4%d8%a9%d8%8c-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d9%88%d8%a7/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M