يومًا بعد يوم، يتزايد الاعتراف بأن النساء أكثر عرضة للتأثيرات السلبية الناتجة عن الكوارث التي تجتاح العالم سواء كانت كوارث طبيعية أو تلك التي تحدث من صنع الإنسان. ولنا في جائحة كورونا مثال؛ فقد رأينا تأثير الجائحة في تكريس عدم المساواة، وزيادة الفقر والعنف ضد النساء والفتيات، وتقليص تقدمهن في التوظيف والصحة والتعليم، إضافة إلى تأثير التداعيات الاقتصادية والاجتماعية غير المتناسب، مما زاد من التحديات أمام قدرتهن على تحمل آثار أزمات البيئة والمناخ.
ذلك علاوة على ضغوط التوفيق بين العمل والأسرة، إلى جانب إغلاق المدارس، وفقدان الوظائف التي تُهيمن عليها النساء، مما أدى إلى مشاركة عدد أقل من النساء في القوى العاملة، حيث شهد عام 2020 خروج حوالي 113 مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين 25 و54 عامًا لديهن أزواج وأطفا صغار من القوى العاملة بحسب منظمة الأمم المتحدة للمرأة.
يضاف إلى ذلك كله ما يحدث اليوم من تفاوت الاستجابة للتغير المناخي بين الذكور والإناث، فوفقًا لبيان الأمم المتحدة الصادر في اليوم العالمي للمرأة مارس 2022، فإن النساء أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ من الرجال؛ لأنهن يُشكلن غالبية فقراء العالم، ويعتمدن بشكل أكبر على الموارد الطبيعية التي يهددها تغير المناخ أكثر من غيرها.
فيؤدي تغير المناخ إلى زيادة التعرض للعنف القائم على النوع الاجتماعي، ويعود ذلك إلى أنه في مختلف أنحاء العالم تتحمل النساء مسؤولية غير متكافئة عن تأمين الغذاء والماء والوقود، وهي مهام تُصبح أكثر صعوبة واستهلاكًا للوقت مع تغير المناخ. وقد تؤدي ندرة الموارد وضرورة السفر لمسافات أبعد للحصول عليها إلى تعريض النساء لمزيد من العنف، بما في ذلك عوامل الخطر المتزايدة المرتبطة بالاتجار بالبشر، أو زواج الأطفال، أو وصولهن إلى الموارد اللازمة لحمايتهن من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
لماذا النساء هن الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية؟
الفقر: قد يعود تصدر النساء للفئات الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي إلى زيادة معدلات الفقر بينهن، فهناك 118 امرأة مقابل كل 100 رجل تتراوح أعمارهم بين 25 و34 عامًا يعيشون في فقر مدقع (1.90 دولار في اليوم أو أقل). ومن المتوقع أن تزداد الفجوة إلى 121 امرأة لكل 100 رجل بحلول عام 2030، وبعد تداعيات جائحة كورونا؛ فإنه من المرجح إضافة 47 مليون امرأة أخرى إلى الفقر، ووفقًا لدراسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فمن المتوقع زيادة معدل الفقر بين النساء بنسبة 9.1 %، وهناك أكثر من 160 مليون طفل معرضين لخطر الاستمرار في العيش في فقر مدقع بحلول عام 2030.
العدالة الاجتماعية: في العديد من المجتمعات، يقتصر دور النساء على رعاية الأطفال وتوفير الماء والغذاء للأسرة، يحدث ذلك بالتوازي مع فرض العديد من القيود: كمنعها من التعليم أو العمل في أغلب الأحيان وإن أُجيز لها العمل فيتم تخصيص أعمال معينة خالية من وسائل الأمان كالعمل في الحقول مثلًا، أيضًا يتم منعها من حيازة الأراضي لضمان مصدر رزق لها ولأسرتها.
وكذلك يُحظر على النساء في مثل تلك المجتمعات الحصول على تدريبات بدنية خاصة في الدول الأكثر عرضه للكوارث الطبيعية كتدريبات السباحة وتسلق الأشجار للهروب من منسوب المياه المرتفع في حالات الأعاصير أو ركوب الماشية للعبور الآمن من الأودية أو السيول.
وكنتيجة حتمية لتلك القيود، ترتفع أعداد الضحايا من النساء والأطفال في الكوارث الطبيعية؛ فوفقًا لدراسة “حتى التغير المناخي يظلم النساء” الصادرة عن منظمة “نساء من أجل عدالة مناخية دولية” فإن نسبة تأثر النساء والبنات بالتغير المناخي وما ينجم عنه من كوارث طبيعية تزيد بمقدار 14 ضعفًا عن تأثر الرجال، فمثلًا عدد النساء اللواتي قتلن في تسونامي 2004 في إندونيسيا بلغ ثلاثة أضعاف عدد الرجال لأن عددًا قليلا من النساء يُجدن السباحة مقارنة بالرجال.
وأشارت الدراسة إلى أن مشاكل العديد من النساء تبدأ بعد انحسار مياه الفيضانات؛ إذ يتم تزويج البنات قسرًا لأنهن فقدن ذويهن، وكذلك تم تسجيل زيادة ملحوظة في عدد أحداث العنف ضد النساء بعد هذه الكوارث وزيادة حالات اغتصاب البنات اللواتي تم إنقاذهن.
محدودية مشاركة النساء في جهود مكافحة التغير المناخي
بالرغم من زيادة تمثيل النساء في مواجهة التغير المناخي بصفتها أكثر الفئات تضررًا، إلا أن العدد يظل محدودًا، فوفقًا لتقرير على دويتش فيله بعنوان “النساء في مواجهة التغير المناخي”؛ تصل نسبة النساء ضمن الموفدين للمشاركة في مؤتمرات المناخ من جميع بلدان العالم إلى الثلث فقط، بجانب أن وفدًا واحدًا فقط من بين كل خمسة هو بقيادة امرأة. وبقي هذا الوضع ثابتا خلال السنوات الخمس الماضية ولم يتغير تقريبًا.
وتناولت دراسة أخرى بعنوان “مشاركة المرأة في مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ” مستوى مشاركة النساء في المفاوضات، وقد استنتجت الدراسة أنه كلما زاد تأثر البلد بظاهرة التغير المناخي، كلما قلّ تمثيل النساء من البلد المعني في وفود مفاوضات الأمم المتحدة للمناخ.
تداعيات أزمة التغير المناخي على النساء
- الصحة
تمتد تداعيات أزمة التغير المناخي لتؤثر على صحة الأفراد بشكل أساسي، ويتباين التأثير السلبي لتلك التغيرات بين الذكور والإناث وفقًا للبلد ومستوى الدخول؛ فوفقًا لتقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان أغسطس 2021، تكون النساء والفتيات الأكثر ضعفًا وتأثرًا، ويعود ذلك لأنهن يشكلن غالبية الفقراء في العالم، وغالبًا ما يتحملن العبء الرئيس في جلب الماء والغذاء وغير ذلك من المؤن الضرورية لأسرهن، وذلك اعتمادًا على الموارد الطبيعية التي تتعرض للتآكل نتيجة تأثيرات تغير المناخ.
يحدث ذلك بالتوازي مع عدم حصولهن على خدمات الرعاية الصحية الكافية، بما في ذلك خدمات الصحة الجنسية والإنجابية وتنظيم الأسرة، والخدمات التعليمية والغذاء وذلك في الأوضاع العادية مما يقوض حياتهن وحياة أسرهن ومجتمعاتهن. ويزداد الأمر سوءًا في الأوضاع الإنسانية، مثل الكوارث المناخية؛ إذ يؤدي النزوح القسري والهجرة إلى زيادة تفاقم الظلم الذي تتعرض له النساء والفتيات، ويجعلهن عرضه لخطر أكبر وهو الاغتصاب والتحرش والاستغلال الجنسيين، والاتجار بالبشر، والاستغلال نتيجة تعطل خدمات الحماية والشرطة الأساسية. وبالتالي، فهم أقل قدرة على مواجهة تأثيرات تغير المناخ.
- الأمن الغذائي
وفقًا لدراسة المفوضية السامية لحقوق الانسان “الإجراءات المناخية المراعية للاعتبارات الجنسانية“، فإن النساء الحوامل والمرضعات أكثر الفئات عرضةً لانعدام الأمن الغذائي الناتج عن تغيّر المناخ. وقد تتسبّب مياه الشرب الأكثر ملوحة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر، في ولادات مبكرة ووفيّات أمهات وأطفال حديثي الولادة. علاوة على أن المخاطر العارمة التي تهدّد الأرض والمياه والكائنات وسبل العيش تؤثّر بشكل كبير على النساء اللواتي يعملن في الأرض أو يعتمدن على النظم الإيكولوجية لإعالة أسرهنّ.
- العمل الآمن
تكمن الآثار السلبية للتغير المناخ في استنزاف الموارد وتدمير البنية التحتية، وهو ما يزيد من نسب البطالة، وبالتالي تزداد الفجوة بين الجنسين في العمل، فتواجه المرأة بالفعل عقبات عديدة في الحصول على عمل آمن بمقابل مادي مناسب في الظروف الطبيعية، وقد لا تتاح تلك الفرص من الأساس بمعايير أمان أقل أو معدومة في أوقات الكوارث. وعليه؛ فقد تجد الأسر التي تعولها نساء مثلًا صعوبات في الحصول على المساعدة الإنسانية أو الاستفادة من البرامج المنفذة في أعقاب الكوارث التي تستهدف في العادة رب الأسرة “الرجل” وذلك وفقًا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان 2019.
- العنف القائم على النوع الاجتماعي
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة عام 2018، فإن 80% من النازحين بسبب التغير المناخي كن من النساء، وبالتالي تتعرض المرأة النازحة إلى مخاطر كبرى تتمثل في الضرب والخطف و التنكيل بأطفالها، علاوة على الاعتداءات الجنسية المصنفة بالعنيفة وفقًا للأم المتحدة والتي ينتج عنها عمليات الحمل غير المرغوب فيه، وعادةً تحدث عمليات الاغتصاب كمقابل تدفعه المرأة النازحة لتمكينها من استكمال هجرتها دون قتلها أو خطف أولادها مثلًا أو حتى لتمكينها من الغذاء والماء، في ظل غياب تام لنظم الحماية الاجتماعية، بجانب الحالات التي يقترن فيها انعدام الأمن الغذائي بإفلات مرتكبي العنف من العقاب وضعف مؤسسات إنفاذ القانون.
ووفقًا لدراسة المفوضية السامية لحقوق الانسان “الإجراءات المناخية المراعية للاعتبارات الجنسانية”، فإن الضغوط الاقتصادية التي تسببها الكوارث وتغير المناخ قد تؤدي إلى زواج الأطفال والزواج المبكر والزواج القسري بوصف هذه الممارسات استراتيجية من استراتيجيات التكيف.
ووفقًا لما سبق، تتضح ضرورة تبني الدول سياسات مناخية مراعية للنساء، مع العمل على سن أُطر قانونية داعمة ومؤسسة للمنظور الجنساني في تناول قضية تغير المناخ، وكذلك نظر إمكانية تحديد “كوتا” للنساء في لجان المكافحة، مع ضرورة نشر الوعي الكافي بمخاطر التغير المناخي وأساليب الحماية والتعايش للنساء، خاصةً في الدول النامية والأكثر تعرضًا لخطر التغير المناخي.
.
رابط المصدر: