الورقة البيضاء هل هي نعمة أم نقمة؟

رائد الهاشمي

 

هناك حقيقة يجب أن نعترف بها جميعاً وهي ان وضع الاقتصادي العراقي لن تُحلّ مشاكله بسهولة لا بورقة بيضاء ولا سوداء وانما يحتاج الى استراتيجية علمية دقيقة تثبت فيها الحلول الناجعة وتثبت بها التوقيتات الزمنية وبصورة تدريجية لأن اصلاح الاقتصاد بشكل كامل يحتاج الى فترة زمنية طويلة لكبر حجم الخراب ولتعاظم المشاكل الاقتصادية التي خلفتها سوء ادارة الحكومات المتعاقبة فالحلول اذا جاءت سريعة ومستعجلة فستكون النتائج عكسية، لذا يجب أن تكون عملية الاصلاح على مراحل تدريجية حتى يكون العلاج ناجحاً للنهوض باقتصاد منهك في كل مفاصله.

ان الورقة البيضاء التي أعدتها حكومة السيد الكاظمي هي ليست حلاً سريعاً لمشاكل الاقتصاد العراقي بل يجب التعامل معها بأنها خارطة طريق طويلة الأمد، والذي يطلع على تفاصيلها يتعرف بسهولة على بصمة صندوق النقد الدولي فيها وإجراءاته التي يؤكد عليها مع كل الدول التي تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة والدول التي تقترض منه.

بشكل عام تحتوي هذه الورقة على اجراءات وحلول كثيرة تنفع للتعامل مع المشاكل الاقتصادية وتنقذ الاقتصاد من وضعه المتردي ولكنها بنفس الوقت تحتوي على ألغام كبيرة لو انفجرت فأنها ستخلف ثورة غضب شعبي كبير ستطيح بالأخضر واليابس.

الايجابيات كثيرة أهمها انه ولأول مرة اعترفت حكومة عراقية بخطأ الاعتماد على النفط بشكل أساسي لرفد موازنة البلد ووضعت حلولاً للنهوض بالقطاعات الاقتصادية المهمة مثل الصناعة والزراعة والسياحة والكمارك والمنافذ الحدودية وكذلك اعترافها بأهمية دور القطاع الخاص العراقي وضرورة دعمه بشكل كبير لأخذ دوره المطلوب، وكذلك تفعيل دور مجلس الخدمة الاتحادي والتعاون الذي حددته الورقة بين هذا المجلس وبعض الوزارات مثل العمل والشؤون الاجتماعية والتخطيط، وكذلك العمل على تهيئة قاعدة بيانات كاملة ودقيقة للعاطلين عن العمل في عموم البلد عبر النافذة الالكترونية الجديدة التي تم تفعيلها في الأيام الماضية لغرض ايجاد فرص عمل مستقبلية لهم في القطاع الخاص أو العام، وعلى العموم فان هذه الورقة تحتوي على ايجابيات كثيرة لايمكن حصرها في هذه الأسطر القليلة لأنها شاملة لجميع مفاصل الاقتصاد العراقي ومن أهدافها اعادة هيكلته بالكامل.

أهم السلبيات في الورقة وأخطرها انها أخذت تعليمات الصندوق الدولي بحذافيرها دون أن تدرس عواقب تطبيق بعض الفقرات الخطيرة فيها، حيث كما معلوم للجميع بأن الشعب العراقي ناهز تعداد سكانه على الاربعين مليوناً ولو قمنا بتقسيمهم بعجالة وبشكل تقريبي لوجدنا ان الطبقة الغنية (الارستقراطية) والتي تمثل الطبقة السياسية بأكملها وكبار التجار والمستثمرين لايتجاوز عددها المليون نسمة.

أما الطبقة الوسطى والتي يمثلها الموظفون والمتقاعدون في محافظات العراق ومحافظات اقليم كردستان والتي من الممكن تقديرها بتسعة مليون نسمة. أما الثلاثون مليون نسمة المتبقية فهم يمثلون الطبقة الفقيرة والتي تمثل أكثرية الشعب من عاطلين عن العمل وكسبة وأجراء يوميين وموظفين في القطاع الخاص مهددين بأية لحظة بفقدان فرص عملهم وكذلك المسجلين في شبكة الحماية الاجتماعية ويتقاضون رواتب قليلة لاتكاد تسد رمقهم.

هذه الطبقة الفقيرة والتي تمثل الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي هي التي يجب الوقوف عندها كثيراً من قبل الحكومة والبرلمان قبل اتخاذ أي اجراء أو اصلاح، ودراسة تأثير هذا الاجراء على معيشتهم وعلى سبيل المثال لا الحصر بعض الاجراءات المثبتة في الورقة البيضاء هو رفع الدعم الحكومي عن بعض الخدمات المقدمة للمواطنين مثل الكهرباء والماء والمحروقات والنقل والخدمات الصحية فهل تم التفكير بعواقب هذا الاجراء على الفقير وكيف سيتمكن من دفع الفواتير العالية للكهرباء والماء والخدمات الصحية وهو الذي يشتري ماء الشرب من الأسواق لأن ماء الاسالة غير صالح للشرب ويدفع مبالغ كبيرة لأصحاب المولدات الأهلية الذين يتفننون باستغلال المواطن تحت أنظار الحكومة التي لم تتمكن من ردعهم والسيطرة عليهم لحد الآن.

من الاجراءات الأخرى التي وردت في هذه الورقة هو توقيف التعيينات وتخفيض رواتب الموظفين وهذا الاجراء وحده يعتبر مشكلة كبيرة فكيف سيكون موقف جيش العاطلين عن العمل والذي تزداد أعداده سنوياً مع كل وجبة تخرج جديدة، وكيف سيكون موقف الموظف في ظل الوضع الاقتصادي الحالي وارتفاع الأسعار والذي لن يتحمل أي تخفيض في راتبه الشهري وسيخلق امتعاضاً وسخطاً كبيران في الشارع.

أما لو أردنا مناقشة العقبات التي تقف أمام تنفيذ هذه الورقة فهي عديدة أهمها قصر فترة حكومة السيد الكاظمي والسخط الشعبي المتوقع للطبقات الفقيرة من جراء رفع الدعم الحكومي عن الأمور التي ذكرناها وكذلك الخلافات الكبيرة بين الكتل السياسية فكيف ستتفق هذه الكتل على هذه الورقة التي تشمل كل تفاصيل الاقتصاد العراقي والتي معظمها يضرب مصالحهم وامتيازاتهم وبالتالي سيقفون حجر عثرة أمام تمريرها، وباعتقادي المتواضع فان هذه الورقة لن ترى النور اذا دخلت في دهاليز البرلمان وستدخل في نقاشات وصراعات عقيمة كما عودنا برلماننا العراقي.

الحل الأمثل هو عقد جلسة خاصة للبرلمان العراقي أو عدة جلسات تكون مخصصة فقط لمناقشة هذه الورقة وبحضور وزير المالية والمتخصصين في هذا المجال ويكون النقاش بشكل تفصيلي دقيق بحيث يتم الأخذ بنظر الاعتبار كل النتائج التي ستفرز من تطبيق أي بند في الورقة على أرض الواقع ومدى تأثيره على المواطن العراقي وتحديد الوقت المناسب لتطبيق كل فقرة بانسيابية وتدرج منطقي وبذلك نحقق الأهداف المرجوة من هذه الورقة في اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بصورة سليمة ومتسلسلة وبنفس الوقت نحمي المواطن الفقير من قرارات سريعة ومستعجلة تهدد أمنه واستقراره العائلي.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/24960

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M