في محاولة يائسة للضغط على روسيا ودفعها نحو وقف حربها على أوكرانيا، وافق الكونجرس الأمريكي في 28 أبريل على مبادرة تشريعية تدعو الرئيس جو بايدن إلى بيع الأصول الروسية المصادرة وتحويل عائداتها إلى أوكرانيا. وتعزيز صلاحيات حكومة الولايات المتحدة لمحاسبة الحكومة الروسية والأقلية (الأوليجارشية) الحاكمة على الحرب الروسية ضد أوكرانيا.
فرضت أوروبا والولايات المتحدة، عقوبات اقتصادية على روسيا، استهدفت بنوكًا وشركات وأفرادًا، لا سيما من المقربين لدائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بمصادرة ممتلكاتهم وأصولهم. ومع ذلك، تجد الولايات المتحدة وأوروبا صعوبة في تحديد القيمة الحقيقية لأصول الرئيس الروسي، بسبب الغموض الذي يحيط بها، الرئيس بوتين على الورق “لا يمتلك إلا القليل”، وفقا للإفصاحات المالية العامة، يقدر دخل بوتين بحوالي 140 ألف دولار سنويًا، ويمتلك شقة صغيرة. إلا أن تقديرات أخرى تشير إلى أن ثروة بوتين قد تصل إلى 200 مليار دولار، وهو مبلغ استثنائي يجعله أغنى رجل في العالم.
لذا، تنظر الحكومات الغربية إلى طبقة الأوليجارشية على أنهم عوامل التمكين الرئيسية لحكم بوتين. وفي أعقاب غزو أوكرانيا، فرضت الدول ضغوطًا اقتصادية مؤلمة على النخبة التي خبأت الكثير من ثرواتها في العقارات والفرق الرياضية واليخوت والاستثمارات التجارية في المدن الغربية مثل نيويورك ولندن وبرشلونة. وتأمل الحكومات الغربية في أن تؤدي العقوبات إلى إحداث شرخ بين النخبة الروسية وبوتين، الأمر الذي من شأنه أن يضعف استبداده.
وعلى الرغم من أن الحكومات الغربية قد فرضت بالفعل عقوبات واسعة النطاق ضد النظام المالي الروسي وطرده من نظام المدفوعات العالمي SWIFT، والذي قد يكلف الاقتصاد الروسي 5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي لا يزال المشرعون يطالبون بعقوبات أكثر تحديدًا ضد الأوليجارشية. وفي هذا الصدد، في 26 فبراير، اقترح عضو الكونجرس الأمريكي “دون يونج” قانونًا لمصادرة اليخوت والسفن التجارية الروسية في المياه الأمريكية، كما يطالب المشرعون البريطانيون حكومتهم بتجريد الأوليجارشية من ممتلكاتها مثل رومان أبراموفيتش.
قانون المصادرة الأمريكي
فرضت الولايات المتحدة في السابق رقابتها وسيطرتها على مليارات الدولارات من الأصول المملوكة للبنك المركزي الأفغاني، وذلك لاستخدامها جزئيًا للتعويضات المحتملة لضحايا الإرهاب، فضلًا عن المساعدات الإنسانية للبلاد. والآن، تنظر الولايات في خطوات مماثلة للتصرّف مع الاحتياطيات الروسية. سبب هذا الاتجاه يعود في مجمله إلى حزمة المساعدات العسكرية الهائلة التي أقرها مجلس النواب الأمريكي والبالغ قيمتها 40 مليار دولار أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي للكاميرون في 2020.
من الأهمية بمكان أن تنظر الولايات المتحدة في كل من مخاطر وتكاليف تقديم هذا المقدار الاستثنائي من المساعدة العسكرية. وبموافقة الكونجرس على هذه الحزمة ستكون الولايات المتحدة قد سمحت بمبلغ 54 مليار دولار من إجمالي الإنفاق لأوكرانيا هذا العام حيث سبق أن تم إقرار حزمة مساعدات أوكرانية بقيمة 14 مليار دولار في شهر مارس الماضي. وهو أكثر مما تلتزم به إدارة بايدن لوقف تغير المناخ وتقريبًا بقدر ما تلتزم به وزارة الخارجية بالكامل وهي أكثر من المبلغ الإجمالي للأموال التي تنفقها جميع دول العالم باستثناء 13 دولة على جيوشها.
ويأتي التشريع في الوقت الذي تواجه فيه إدارة بايدن ضغوطًا متزايدة لتشديد العقوبات على روسيا وتعزيز جهود المساعدات لأوكرانيا. ومن المفترض أن تؤسس الحزمة الجديدة من مقترحات الكونجرس لسلطات جديدة تسمح للحكومة الأمريكية بمصادرة الممتلكات المرتبطة بحكم KleptoCapture أو “حكم اللصوص”، وتمكن الحكومة من استخدام العائدات لدعم أوكرانيا وزيادة تعزيز أدوات إنفاذ القانون ذات الصلة وذلك من خلال:
- إنشاء هيئة إدارية قادرة على حجز أصول الأوليجارشية الروسية ومصادرتها، وتوصيف جريمة جنائية جديدة، يجعل من غير القانوني لأي شخص الحصول عمدًا أو عن معرفة على أي أرباح تأتي من التعاملات الفاسدة مع الحكومة الروسية، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
- تمكين تحويل عائدات الممتلكات المصادرة من الكليبتوقراطية الروسية إلى أوكرانيا لإصلاح الضرر الناجم عن العدوان الروسي. سيؤدي هذا الاقتراح إلى تحسين قدرة الولايات المتحدة على استخدام أموال الأوليجارشية المصادرة لإصلاح الضرر الذي لحق بأوكرانيا بسبب العدوان الروسي. بموجب هذا الاقتراح، ستعمل وزارات العدل والخزانة والدولة معًا لاستخدام الأموال المحجوزة المتعلقة بالفساد والعقوبات وانتهاكات مراقبة الصادرات وغيرها من الجرائم المحددة لإصلاح الضرر الناشئ عن العدوان الروسي على أوكرانيا.
- تضييق الخناق على تسهيل التهرب من العقوبات. سيسمح هذا الاقتراح بحجز الممتلكات التي تستخدمها الأوليجارشية الروسية لتسهيل التهرب من العقوبات. بموجب القانون الحالي، يمكن للولايات المتحدة أن تحجز العائدات الناجمة عن انتهاكات العقوبات، لكنها لا تستطيع حجز الممتلكات المستخدمة لتسهيل انتهاكات العقوبات، ولذلك سيعالج هذا الاقتراح تلك الفجوة.
- الاستفادة من قدرة الشركاء الأجانب على تجميد ثروات الأوليجارشية ومصادرتها. سيؤدي هذا الاقتراح إلى تحسين قدرة الولايات المتحدة على العمل مع الشركاء الدوليين لاستعادة الأصول المرتبطة بالفساد الخارجي. ومن شأنه إجراء العديد من التعديلات لتحسين القدرة على إنفاذ أوامر التقييد والمصادرة الأجنبية في الولايات المتحدة.
مصادرة الأموال الروسية في أوروبا
دفع الغزو الروسي الحكومة البريطانية لمراجعة برنامج حكومي اجتذب على مدى عقود أموال روسية بعضها مشبوهًا إلى المملكة المتحدة، مع فرض عقوبات على الأوليجارش ووضع حد لنظام “التأشيرات الذهبية” وإصدار قانون لمكافحة الجرائم الاقتصادية. وأعلنت كندا أنها تدرس إمكانية مصادرة الأصول الروسية المجمدة لديها لدعم أوكرانيا، كما أنها فرضت عقوبات على 40 مواطنًا روسيا من بينهم رجال أعمال وعسكريين. أما بولندا تتزعم الدعوة بقوة لمصادرة الأصول الروسية المجمدة إما لتمويل استقبال اللاجئين الأوكرانيين أو دعم كييف عسكريًا أو حتى استعدادًا لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب.
وألغت مالطا، التي تعد أحد الملاذات الضريبية المفضلة للأموال الروسية، مخطط “جواز السفر الذهبي” الذي سمح للأوليجارش بشراء الجنسية. وأعلنت إيطاليا عن استعدادها للمضي نحو مصادرة ممتلكات الأوليجارشية الروسية بقيمة تبلغ 140 مليون يورو (153 مليون دولار). وجمدت السلطات السويسرية حتى الآن حوالي 5.75 مليار فرنك سويسري (6.2 مليار دولار) من أصول النخبة الروسية الخاضعة للعقوبات، وقدرت جمعية المصرفيين السويسريين أن الخزائن السويسرية تحتوي على أصول روسية تصل إلى 200 مليار فرنك سويسري
ودعا أعضاء في البرلمان الأوروبي إلى استخدام 300 مليار دولار من الأموال والأصول الروسية المصادرة من هيئات وأشخاص خاضعين للعقوبات، لتمويل الجيش الأوكراني وإعادة إعمار البلاد. ووفقا لبيانات أعلنتها الإدارة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين صادروا وجمدوا 30 مليار دولار من الأصول التي يملكها أثرياء لهم صلات بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بما في ذلك اليخوت والمروحيات والعقارات. ومع ذلك، تبقى هذه الأموال نقطة في بحر ثروات الأثرياء الروس في الخارج، والتي يقدرها المكتب الاقتصادي الوطني في الولايات المتحدة بأنها وصلت إلى 800 مليار دولار في عام 2017.
تحديات قائمة
أدخلت الحرب الأوكرانية النظام المالي العالمي مرحلة الانهيار، والتي يمر معها الغرب بأصعب أنواع نقص الموارد. وتؤكد موسكو أن قرار مصادرة الأموال الروسية المجمدة وتحويها لأوكرانيا غير قانوني ويقوض الثقة في أوروبا والغرب بشكل عام، لأنه يعد خروجًا تامًا عن القانون. وسيواجه بمزيد من التحديات التي قد تحول دون تنفيذه.
عدم جدوى العقوبات: تظل كل الدعوات الحالية لمصادرة الأموال الروسية في إطار الجدل القانوني والدستوري والقوانين والأعراف الدولية. فمن غير المعروف قيمة الأصول الروسية في الولايات المتحدة والغرب. في المقابل، ستتحرك روسيا لمصادرة الأصول المملوكة للغرب على أراضيها، وقد حذر بوتين من أن موسكو سترد بالمثل، على الرغم من أن رد الكرملين الاقتصادي الأكثر صرامة حتى الآن كان قطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا والمطالبة بخطة دفع جديدة للمشترين الأوروبيين للغاز تكون بالروبل. ومن غير الواضح حتى الآن مدى التأثير المحتمل لفرض العقوبات على طبقة الأوليجارشية على تصرفات بوتين. فهذه النخب لا تسيطر على بوتين بل هي تحت سيطرته، وبالتالي فإن الاستيلاء على أصول الأوليجارشية واتخاذ إجراءات صارمة ضد “جوازات السفر الذهبية” لن توقف العدوان العروسي على أوكرانيا.
تداعيات اقتصادية: سيعمل قرار مصادرة الأموال الروسية على خسارة الولايات المتحدة والغرب سمعتهم كملاذ آمن لرؤوس الأموال، وقد يتحول هذا القصور إلى ميزة تنافسية للدولة الروسية، التي سيتعزز لديها المزيد من الفرص لعدم خروج الأموال منها. خصوصًا بعدما فقدت دول الاتحاد الأوروبي الثقة العالمية في نظامها المصرفي وسياساتها الاقتصادية بعدما أيدت بريطانيا وفرنسا قرار استبعاد البنوك الروسية من النظام المالي العالمي سويفت (SWIFT). كل هذا سيدفع العديد من الدول إلى التفكير حول إيجاد أنظمة بديلة مثلما فعلت روسيا عندما أطلق البنك المركزي الروسي نظامًا مشابهًا لنظام ” SWIFT” في عام 2014 عرف باسم SPFS، وتم استخدام النظام بشكل فعلي، وتم الإعلان عن عدد الدول المشاركة في النظام، والتي تتعامل من خلاله وبلغت 23 دولة من الدول الحليفة صاحبة المصالح المشتركة. كما أطلقت الصين نظامها في عام 2015، وهو ما يعرف باسم CIPS، وتم الإعلان عن الربط الفعلي بين النظامين في 2019، إلى جانب إعلان روسيا عن دخولها سوق العملات الرقمية.
الالتفاف على العقوبات: كانت وما زالت تركيا الملاذ الآمن للالتفاف على العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية. وتخشى الولايات المتحدة وحلفاؤها من أن الشراكة التكتيكية الوثيقة بين موسكو وأنقرة، وعضوية أنقرة في الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، أن تساعد رجال الأعمال الروس على إخفاء الأموال أو الالتفاف على العقوبات الغربية. واعتمدت تركيا على الخطاب الإعلامي المتوازن تجاه الغزو الروسي لأوكرانيا، وفضلت الظهور بموقف الحياد في الصراع، في ظل علاقاتها الجيدة مع كلا البلدين. وسهل أردوغان وصول الأوليجارش الروس لتركيا، وقال إن “بلاده مفتوحة لجميع المستثمرين الأجانب، لا سيما رجال الأعمال الروس.” للاستفادة من حجم الأموال الضخمة التي يمتلكها الأوليجارش لردم التضخم والمشاكل الكبيرة التي يعاني منها الاقتصاد التركي.
.
رابط المصدر: