كارولين باربر
بوصفي طبيبةً عمِلتْ وقتًا طويلًا في قسم الطوارئ، أود أن أشارككم دراسة حالة لمريضةٍ صادفتها في أثناء عملي، هذه المريضة كانت تعاني التهابًا وتورمًا وألمًا متكررًا في مفصل إبهامها اليُمنى، وكانت معاناتها تلك تزداد حِدةً قرب نهاية اليوم، كما كانت تشعر بتخدُّر في الجزء الداخلي من إبهامها، كان ثمة ضعف بسيط في قبضتها عندما تُمسك بالأشياء وأوجاع في راحة يدها، كذلك فقد عانت بشكلٍ متقطع مشكلةً أخرى، إذ كانت إصبعها الوسطى تَعْلَق عند ثنيها، أما البنصر والسبابة فكانتا متورمتين بعض الشيء.
سأخبركم بالتشخيص في غضون لحظاتٍ، لكن دعوني أخبركم أولًا أني كنت على معرفة وثيقة بتلك المريضة، لدرجة جعلتني أتساءل، في واقع الأمر، كيف لم أتوقع ظهور مثل هذه الإصابات.
طوال عقدٍ من الزمان، اعتدت استخدام هاتفي الذكي في إعداد تقارير مُستفيضة تُسلِّط الضوء على مجموعةٍ متنوعة من الحالات المرضية في مجال طب الطوارئ، وبعد ذلك كنتُ أعرض تلك التقارير على مجموعة كبيرة من الأطباء كل أسبوع، بهدف الإحاطة بأهم الموضوعات والاتجاهات الشائعة في مجالنا، ثم حلَّ الوباء، ما أدى إلى زيادة معدل استخدامي للهاتف، لأبلُغ مستوياتٍ جديدةً مذهلة.
بدأت أتابع أهم العلماء على موقع «تويتر»، وانغمست في قراءة المؤلفات العلمية التي تتناول مرض «كوفيد-19»، وطلبتُ سلعًا وخدماتٍ عبر الإنترنت، واطلعتُ على آخر المُستجدات الإخبارية، وراسلتُ أصدقائي، وكتبتُ رسائل بريد إلكتروني، وأسهبتُ في كتابة الملحوظات، وألَّفتُ خطاباتٍ تفصيلية، وبطبيعة الحال واصلتُ كتابة تلك التقارير الطبية الطويلة، كنت أُحرك أصابعي للسحب على الشاشة من أجل التصفح، وأُظلل أجزاءً من النص، وأستخدم الخط الأسود العريض، وأنسخ، وألصق، وأُنسق، كل هذا على هاتفٍ محمول يمكن استخدامه بيدٍ واحدة، ولو على نحوٍ أخرق.
كما توقعتم، المريضة هي أنا، أنا التي عانت يدها المهيمنة من هزيمةٍ ساحقة، التورم في إصبعي السبابة والوسطى -وهما الإصبعان اللتان أستخدمهما في السحب من أجل التصفح على شاشة الهاتف- يؤثر على قدرتي على ضم قبضتي بالكامل، إضافةً إلى ذلك، فإن إصبع السبابة تعلق بعض الشيء عند ثنيها، وفي بعض الأحيان تظل عالقةً في وضع الانثناء ثم تستقيم مُصدرةً صوت طقطقة.
النتيجة إذًا: التكنولوجيا 1، المستخدم 0
يؤكد لي جيفري ستون قائلًا: “لستِ وحدك في معاناتك”، ستون جراحٌ متخصص في الأطراف العلوية بمعهد فلوريدا لتقويم العظام، ويحكي أنه طالما عُرضت عليه هذه الإصابات الناتجة عن كتابة الرسائل النصية، والعمل على جهاز الكمبيوتر، وممارسة الألعاب الإلكترونية، وتسجيل الأطباء للمعلومات على شبكة الإنترنت، واستخدام الجراحين لأدواتٍ جراحية مثل المباعد أو الملاقط، وغير ذلك، لكنه يضيف قائلًا: “أصبح الجميع الآن يعانون من هذه الإصابات، لأنهم يتنقلون على الدوام بين الهواتف، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، ولا يكفون عن النقر على الشاشات ولوحات المفاتيح”.
قد لا يكون «إبهام الرسائل النصية»، الذي يُعرف أيضًا باسم «إبهام الهاتف الذكي» تشخيصًا طبيًّا رسميًّا، لكنه ظاهرةٌ حقيقية وإن كان تعريفها مبهمًا بعض الشيء، وهي ناتجة عن الاستخدام المفرط وما يترتب عليه من التهاب، والإبهام الزنادية (أو الإصبع الزنادية) -التي بدأ بعض مقدمي الخدمات الصحية يربطون بينها وبين مستخدمي الهواتف الذي لا ينقطعون عن السحب بأصابعهم من أجل التصفح على شاشة الهاتف، وكتابة الرسائل النصية- هي ظاهرة حقيقية أخرى، فالظواهر التي نعاني منها هنا -واستخدامي لصيغة الجمع مقصودٌ- تنتمي إلى فئةٍ أوسع، ألا وهي الإصابات الناتجة عن الإجهاد المتكرر، والتي قد تُصيب أي جزءٍ من أجزاء الجسم عندما يُطلَب منه فعل الشيء نفسه مرارًا وتكرارًا.
يقول ستون: عندما أقول لأحد الأشخاص إنه مصابٌ بإبهام الرسائل النصية، فإنني بهذه الطريقة أُخبره بأنه يُفرط في ممارسة نشاطٍ بعينه، فهذا المصطلح الشامل يُغنيني عن شرحٍ من قبيل “يبدو أن المتهم الرئيس وراء المشكلة التي تعانيها والتي لا تتوقف عن تنغيص حياتك هو كم الوقت الذي تقضيه في كتابة الرسائل النصية”.
جون إريكسون -الجراح المتخصص في جراحات اليد والأطراف العلوية في مركز رالي هاند تو شولدر- أخبرني بأنه “من منظور قواعد التصميم المريح، لم تُصمَّم الهواتف المحمولة على نحوٍ يُراعي اليدين والرسغين”، من جانبه يقول ستون إن مستخدمي الهواتف الذكية “يخوضون سباقاتٍ ماراثونيةً كل يوم بالإبهام”، وبما أن مفاصل اليد صغيرة للغاية، فإن مقدار الضغط عليها يكون هائلًا، ويضيف أن وجود ضغط على طرف الإبهام يقدر برطلٍ واحد يعادل وجود ضغط مقداره من 12 إلى 14 رطلًا على قاعدة مفصل الإبهام.
وفي هذا الصدد، يعلق ديفيد بوزينتكا، رئيس قسم جراحات اليد في جامعة بنسلفانيا، بقوله: “أرى أن إبهام الرسائل النصية نوعٌ من إصابات الإجهاد المتكرر”، ويعتقد الخبراء أن كتابة الرسائل النصية بسرعة كبيرة، وإبقاء اليدين في أوضاع خرقاء وغير مريحة، ومد الأصابع من أجل الوصول إلى مفاتيح الحروف البعيدة، جميعها عوامل تُسهم في حدوث المشكلة، جنبًا إلى جنب مع عوامل أخرى تجعل الفرد عُرضةً لهذه الإصابات.
تحدث الإصبع الزنادية عندما يصبح وتر العضلة القابضة ثخينًا وملتهبًا داخل مسار ضيق، أو غمد، ما يتسبَّب أحيانًا في أن تعلق الإصبع عند ثنيها، وغالبًا ما نلاحظ هذه الإصابة لدى الأفراد الذين يستخدمون أيديهم في حركاتٍ متكررة، كالإمساك المتكرر أو تحريك الإصبعين على الشاشة لتكبير النصوص والصور أو تصغيرها، أو عقب الاستخدام المكثف للأصابع والإبهام، تبدو كل هذه الأمور مألوفة، أليس كذلك؟
في حالتي، أُصبتُ بالتهابٍ وبالتهاب مفصلي خفيف في المفصل المشطي لإبهامي اليُمنى، ووافقتُ طبيبي الرأي أن الاستخدام المفرط للهاتف الذكي أدى إلى تفاقمه، أشعر بالألم وبالتغيرات التنكُّسية الناتجة عن التهاب المفاصل في إبهامي اليُمنى فقط (وهي الإصبع التي أستخدمها في كتابة الرسائل النصية)، والتي يزيد حجمها كثيرًا عن إبهامي اليُسرى، يتلاشى الألم تمامًا ليلًا عندما أُريح إبهامي اليُمنى، لكنه يعاودني في اليوم التالي عندما أستأنف النقر وتحريكها على الشاشة، وهو أمرٌ لا أنفك أفعله.
لقد أوضحت العديد من الدراسات التأثيرات التراكمية التي تشمل الجهاز العضلي الهيكلي من جَرَّاء استخدام الهواتف الذكية، وقد أشارت إحدى هذه الدراسات إلى أن نسبةً تصل إلى ثلثي مستخدمي الأجهزة المحمولة شكَواْ من تلك التأثيرات التراكمية المرتبطة بمعدل إجراء المكالمات الهاتفية، وكتابة الرسائل النصية، وممارسة الألعاب الإلكترونية، ووجدت دراسة أخرى أن الانتشار الأكبر لهذه الأعراض المرضية يكون في أعلى العنق، والظهر، والرسغين، واليدين.
علينا إذًا مواجهة الحقيقة: لم تُخلق أيدينا لتحمُّل كل هذا، يشير الخبراء كذلك إلى نوعٍ آخر من التهاب الوتر المؤلم عند قاعدة الإبهام ويُعرف باسم “إبهام اللاعب” أو داء «زَلِيل الوتر» De Quervain’s، ويرتبط هذا الداء فيما يبدو بكتابة الرسائل النصية على الهواتف الذكية أو ممارسة الألعاب الإلكترونية بكثرة، إضافةً إلى بعض المُسبِّبات الأخرى، وإن كانت هناك حاجةٌ إلى إجراء المزيد من الأبحاث، أما على المستوى التشريحي، فإن دراسات أشعة الموجات فوق الصوتية قد أظهرت ثخانةً وتغيراتٍ في أوتار الإبهام لدى مَن يرسلون الرسائل النصية بكثرة، وقد لُوحظ أن هذه الثخانة تتوازى مع عدد الرسائل التي تُكتَب يوميًّا.
يقول براندون دونلي، الجراح المتخصص في جراحات اليد بمركز بونتشارترين لتقويم العظام والطب الرياضي، في مدينة ميتري بولاية لويزيانا الأمريكية: “تُعرَض علينا كذلك إصاباتٌ أخرى ناتجة عن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية، مثل «مخلب الرسائل النصية»، الذي يتضمن ألمًا وتشنجًا عضليًّا في الأصابع، إضافة إلى متلازمة النفق الرسغي، و«مرفق الهاتف المحمول»، الناتج عن إبقائه في وضع الانثناء لفتراتٍ طويلة، فقد يثني المستخدم رسغه أو مرفقه وهو يشاهد أحدث مقاطع الفيديو الرائجة، أو المسلسلات التي تبث عبر الإنترنت، أو وهو يتصفح محتوى وسائل التواصل الاجتماعي”، ويُجمع الخبراء على الحاجة إلى إجراء مزيدٍ من الأبحاث من أجل توصيف الدور الذي تؤديه التكنولوجيا في هذه الحالات المرضية وفهمه على نحوٍ أفضل.
يقول ستون: “أنصح الأفراد بأن يضعوا هواتفهم على الطاولة كلما أمكنهم ذلك؛ فمجرد حمل الهاتف يتضمن الإمساك به بإصبعي الإبهام والخنصر، وهو ما يؤدي إلى إجهاد العضلات الداخلية والشعور بالألم في راحة اليد”، ومن المؤكد أنك لاحظت أن الكثير من الهواتف الذكية الجديدة ليست أصغر حجمًا بل أكبر، وتلك مشكلة، لا سيما لأصحاب الأيدي صغيرة الحجم.
تزداد معدلاتُ إدمان الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم، وبالأخص بين الشباب اليافع، وتلك الفئات العمرية ليست مُحصَّنةً ضد هذه الإصابات، يقول إريكسون: “الأمر لم يصل إلى حد الوباء، لكن ثمة تدفقًا مطَّردًا لهذه النوعية من المرضى”.
معظم حالات التهاب الإبهام الناتجة عن الإفراط في كتابة الرسائل النصية يمكن علاجها تحفظيًّا عبر إراحة الإبهام وحسب، غير أنه في ظل التوجه الحالي نحو زيادة استخدام الهواتف، فإن الالتزام بهذه النصيحة عمليًّا ليس بالأمر السهل، ومع ذلك، يُصر إريكسون على أن “الحل البدهي هو تعديل الممارسة”.
إليك بعض التدابير التي يمكنك تجربتها كي تريح إبهامك: استخدم إصبع السبابة أو أيًّا من الأصابع الأخرى في كتابة النصوص والتصفح، أضف برامج التعرف الصوتي إلى أجهزتك إن أمكن، استخدم جهاز الكمبيوتر المكتبي أو الكمبيوتر المحمول عند كتابة نصوص أطول من المعتاد، خصِّص وقتًا أقل للألعاب الإلكترونية، استخدم الأدوية المضادة للالتهاب إذا لم يكن لديك موانع لاستعمالها.
الغالبية العظمى ممن يعانون من مثالب التكنولوجيا المتقدمة سوف يجدون حلًّا لمشكلاتهم عبر اتباع تدابير العلاج التحفظي السابقة، وإذا لم تتحسن الحالة في غضون بضعة أسابيع، فعلى المريض التماس الرعاية الطبية، حسبما يوصي إريكسون، وقد يصف لك الطبيب في هذه الحالة دعامةً أو جبيرة لتثبيت الإبهام، أو بعض الأدوية غير الستيرويدية سواء كانت موضعية أو تُعطى عن طريق الفم، وقد يحيلك إلى أخصائي علاج اليد أو العلاج المهني، وربما يصف لك حقنة كورتيزون، وبالنسبة لي، فإني آمُل أن تعمل حقنة الستيرويد التي تلقيتها مؤخرًا على تقليل الالتهاب والتورم الناتجَين عن حالة الإصبع الزنادية، إذ تبلغ نسبةُ فاعلية هذا العلاج 70% من الحالات تقريبًا، وذلك وفق جراح اليد الذي يتابع حالتي، بَيد أن التدخل الجراحي يصبح ضروريًّا في بعض الأحيان لعلاج الحالات المستعصية.
نشرُ الوعي بهذه الحالات بين الأطباء خطوةٌ مهمة للمضي قدمًا؛ فأحيانًا يشخِّص الأطباء الحالات المرضية ويعالجون مرضاهم دون اهتمامٍ كافٍ بالعوامل المُسبِّبة للمرض، وبرغم أن تلك العوامل يمكن عكس تأثيرها بشكلٍ شبه كلي فور اتباع التدابير التصحيحية، وأعتقد أننا -نحن الأطباء- نُغفل أحيانًا تشخيص استخدام الهاتف المحمول بوصفه عاملًا مهمًّا على الأقل في ظهور العديد من أنواع الإصابات الناتجة عن الإجهاد المتكرر؛ فعلى مدار 20 عامًا قضيتها في قسم الطوارئ لم يخطر ببالي قط أن يكون هذا هو السبب وراء العديد من الشكاوى المرضية المتعلقة بالجهاز العضلي الهيكلي، لم أكن أعرف ذلك وقتها، لكني عرفت الآن.
بوجهٍ عام، أعتقد أنه من الأفضل لنا جميعًا أن نقضي بعض الوقت بعيدًا عن شبكة الإنترنت (وأنا أول مَن عليه تطبيق هذه النصيحة)، إذًا، لنضع هواتفنا في جيوبنا ونمارس المشي قليلًا، ولنمنح أصابعنا المشغولة بكتابة التغريدات بعض الراحة التي تحتاج إليها.
.
رابط المصدر: