انسحبت حركة الشباب الصومالية من مواقعها وأماكن تمركزها وأعلنت إخلاءها العديد من القرى في وسط وجنوب وسط الصومال بصورة مفاجئة، وذلك بعد تعبئة المليشيات العشائرية ضدهم. وقد أثارت هذه التحولات العديد من التساؤلات حول دوافع الانسحاب للحركة من مواقع تموضعها، وما إذا كان ذلك سيكون انسحابًا استراتيجيًا بعد أن تلقت حركة الشباب هزائم متتالية على مدى الشهرين الماضيين، نتيجة التعاون والتنسيق الذي تم بين بعض العشائر الصومالية مع الحكومة الصومالية والقوات المتحالفة للقيام بهجمات متفرقة على مواقع حركة الشباب بغرض القضاء عليها، أم أن الانسحاب تكتيكي تستخدمه الحركة بغية الانتشار في مناطق ريفية أخرى من أجل لملمة صفوفها والعودة إلى تمركزاتها التي تراجعت عنها.
دور المليشيات العشائرية في مواجهة حركة المجاهدين
برر مقاتلو مليشيات العشائر انضمامهم إلى القتال ضد حركة الشباب، بالعديد من الدوافع، من ضمنها قيام الحركة بمصادرة المواشي باعتبارها مدخرات مهمة للقبائل، وعدم الانضمام للحركة، واختطاف الأطفال وتجنيدهم قسرًا كمقاتلين للحركة، وقتل الأقارب، والخلافات الدينية، والضرائب الباهظة التي فرضتها الحركة ضد السكان المحليين. كما ساهم تخلي العديد من مقاتلي حركة الشباب عن الحركة، خاصة بعد أن بدأت القوات المتحالفة في توفير الإمدادات ونشر قوات للقتال بجانب مليشيات العشائر. في الأشهر الخمسة الماضية، تمكنت القوات المتحالفة والمدعومة من مليشيات العشائر في استعادة أكثر من 40 قرية في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى بوسط البلاد، مما دفع حركة الشباب للانسحاب من منطقتين استراتيجيين كانت تتخذهما مقرًا رئيسيًا للحركة، كما سيطر الجيش الصومالي على الجسور والمدن الكبيرة.
ثارت العشائر ضد الحركة بعد الكمين الذي نصبته حركة الشباب، في سبتمبر 2022، ضد القوافل والمساعدات الإنسانية، للمتضررين من الصوماليين في أماكن سيطرتهم، والذي أدى إلى ثورة وانتفاضة حقيقية من مليشيات العشائر التي ضجت بالضغوطات المتزايدة من قبل حركة الشباب وعمليات التجنيد الإجباري، إذ اعتبرت مليشيات العشائر أن الهجوم يستهدفهم في المقام الأول ويهدد حياتهم واستقرارهم.
وبلا شك، لعبت مليشيات العشائر دورًا مهمًا في القتال، مما دفعها الحركة للانسحاب خلال المعارك التي دارت بينهما. بالإضافة إلى إعلان عشائر أبغال التعبئة العامة ضد حركة الشباب في سبتمبر الماضي. على إثره تمكنت من السيطرة على العديد من المناطق مثل (سبيلي الوسطى، مودج الجنوبية، جلجودود). كما أن انتفاضة العشائر القبلية ضد حركة الشباب في وسط البلاد، خاصة عشيرة هوادل، قد تفجرت انتقامًا لاغتيال حركة الشباب أحد أهم شيوخها في 27 من مايو الماضي. وتعتبر عشيرة هوادل جزءًا من عشيرة الهوية ذات الأغلبية في وسط الصومال.
ومع تقدم الحملة العسكرية، سيطرت المليشيات والقوات الحكومية على أكثر من 20 مستوطنة في منطقتي هيران وشبيلي الوسطى بوسط الصومال في الأشهر الخمسة الماضية، مما دفع حركة الشباب للخروج من منطقتين رئيسيتين. وقد نجحت القوات الصومالية في السيطرة على الجسور والمدن الكبيرة التي تمت استعادتها. وفي المقابل، نفذت حركة الشباب هجمات مضادة، وحرب شوارع أرهقت فيها القوات المتحالفة والمليشيات العشائرية.
لقد عملت بعض العشائر الصومالية منذ صيف 2022 على التخلص من ضغوطات حركة الشباب المتمثلة في فرض الضرائب ودفع الجزية، فقدمت العشائر الصومالية ثلاثة آلاف من مليشياتها في الحرب الدائرة محاولة منهم لدفعهم إلى الخروج من تلك المناطق. أيضًا نفذ الجيش الصومالي في ولاية غالمدوغ، في سبتمبر الماضي، تدريبات عسكرية مشتركة مع كل من مليشيات العشائر والسكان المحليين على كيفية القتال ضد حركة الشباب، وهو الأمر الذي جعل منطقة وسط البلاد في حرب مفتوحة مع حركة الشباب. وفي وقت سابق، انضمت مليشيات العشائر في القتال ضد حركة الشباب، ولكن هذه المرة الأولى التي تحصل فيها العشائر على الدعم العسكري الرسمي المباشر، مما شجع السكان المحليين والمتضررين في الصومال على الانضمام إلى المليشيات والقتال.
نتائج الحملة العسكرية على معاقل حركة الشباب
شكلت الجهود المشتركة من جانب القوات المتحالفة (قوات الاتحاد الأفريقي، والقوات الأمريكية) مع الجيش الصومالي ومليشيات العشائر استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب في الصومال، والاعتماد على تنفيذ حرب شاملة ضد حركة الشباب المجاهدين في مواقع مختلفة، بمساعدة بعض قوات ومليشيات العشائر (ماكاويسلي)، التي تمتلك خبرات ميدانية عسكرية واسعة في وسط وجنوب وسط البلاد في ممارسة مزيد من الضغط على الحركة.
إضافة إلى ذلك تلقت الحركة مواجهة نوعية عن طريق ضربات جوية من قبل الطائرات المسيرة من قبل بعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي ضد مواقع حركة الشباب، وهو ما أضعفها وشل قدراتها العسكرية. ولا يفوت التنويه إلى أن القوات الصومالية تلقت دعمًا استخباراتيًا وأمنيًا من الشركاء الدوليين في سبيل مواجهة تمركزات الحركة.
علاوة على هذا أسهمت جهود الحكومة في تضييق الخناق على الحركة، حيث وضعت مع الحكومة الصومالية الجديدة استراتيجية وخطة واضحة تنفذ على أرض الواقع، تضمنت التعاون الكبير بين زعماء العشائر الصومالية، مع القوات الحكومة والأجنبية في مناطق تواجد حركة الشباب، وهذه الجهود أثمرت عن ممارسة ضغوط غير عادية على الحركة وتمركزاتها مما ضيق عليها الخناق وفرض عليها الانسحاب.
وبالتزامن مع هذه الجهود العسكرية والميدانية، فتحت الحكومة الصومالية حوار بناء مع أعضاء سابقين منشقين عن حركة الشباب من أجل استيعابهم وضمهم إلى صفها، ونجحت السلطات الصومالية من خلال الناطق السابق باسمها الحركة الشباب مختار روبو الذي تم تعيينه وزيرًا للشئون الدينية في الحكومة الحالية في جذب هذه العناصر وإبعادها عن الحركة، مما أدى إلى زعزعة تماسكها ووحدتها، وأضعف الروح المعنوية بين مكوناتها.
واتصالًا بذلك أسهمت المصالحة الحكومية التي تبنتها الحكومة الحالية، مع مليشيات الصوفية وأهل السنة لإشراكهم في القتال ضد حركة الشباب، في ممارسة مزيد من الضغوط على الحركة، مما كثف عليها الضغط، ودفعها إلى إعادة التموضع في أماكن أخرى.
مستقبل مكافحة الإرهاب في الصومال
على الرغم من استعادة الجيش الصومالي والمليشيات القبلية العديد من القرى والمدن في وسط وشمال البلاد، إلا أن ثمة تحديات عديدة تتمثل في صعوبة حفاظ الدولة الصومالية على تلك الأراضي التي انسحبت منها حركة الشباب المجاهدين، لعدم قدرة الدولة على تقديم المساعدات للمدنيين وحمايتهم من هجمات انتقامية تنفذها حركة الشباب ضد تعاونهم مع القوات المتحالفة، فضلًا عن أن الحكومة الحالية تعاني من أزمة اقتصادية تجعلها غير قادرة على تنفيذ مشاريع تنموية ومشاريع إنسانية وهياكل للحكومات المحلية في المناطق المتضررة، تحفز المواطنين على البقاء في تلك المناطق. وفي 14 ديسمبر 2022، استعاد الجيش الصومالي والمليشيات العشائرية سيطرتها إلى منطقة (مسجد علي قدود) والمناطق التي حولها، ونقاط التفتيش التي كانت تستخدمها حركة الشباب لابتزاز القبائل وشن الهجمات.
ختامًا، فإن الانتفاضة الأخيرة التي تقوم بها مليشيات العشائر المدعومة من القوات المتحالفة لإجبار حركة الشباب، أحد أقوى فروع تنظيم القاعدة في شرق أفريقيا، على الانسحاب تحمل آثارًا مختلطة، فبينما يعول عليها في إضعاف حركة الشباب، إلا أن استمرار الحملة لوقت طويل سوف يفاقم من المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، كما يهدد البنية الاجتماعية والاقتصادية، من خلال إبراز دور المليشيات العشائرية التي قد تتحول فيما بعد لتبني مطالب سياسية خاصة.
.
رابط المصدر: