المقدمة
بدأت شرارة أزمة اتفاق أوكوس بإعلان أستراليا، في الخامس عشر من الشهر الجاري، إبرامها اتفاقية شراكة دفاعية مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة في منطقة المحيطين الهادي والهندي. وبموجب الاتفاقية ستتمكن كامبيرا من الحصول على اثنتي عشرة غواصة تعمل بالطاقة النووية، وتتمتع بتكنولوجيا متطورة للصناعة العسكرية الأمريكية والبريطانية.
في المقابل، ستتمكن واشنطن من رعاية مصالح أمنها القومي التواجد ولا سيما بالحضور في منطقتي المحيط الهادي والهندي للتصدي للهيمنة الصينية المتزايدة. أما لندن، فإنها بلا شك ستتمكن من تحقيق صفحة جديدة في رعاية مصالحها الإمبريالية تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
يبحث تقدير الموقف في سياقات أزمة اتفاق أوكوس وانعكاساتها على مستقبل حلف الناتو، بالإضافة إلى انعكاسات الأزمة على مستقبل الأمن الدولي واستقرار منطقة المحيط الهادي والهندي.
سياقات أزمة اتفاق أوكوس
في عام ٢٠١٦ وقعت حكومتا فرنسا وأستراليا عقد اتفاقية، على أن تسلم شركة “نافال” الفرنسية 12 غواصة من تصميمها لأستراليا، وقد بلغت قيمة الصفقة بين البلدين عشرات المليارات من الدولارات، وهو ما أسس لأفق تعاون استراتيجي عسكري بين باريس وكانبيرا ربما كان ليمتد لأكثر من خمسين عاماً، إلى أن جاء إعلان كانبيرا، في منتصف الشهر الجاري، رغبتها في الدخول في تحالف عسكري أمريكي بريطاني سيمكنها من الحصول على غواصات تعمل بالدفع النووي، بديلة عن صفقة الغواصات التقليدية الفرنسية.
كان الاتفاق بمنزلة صفعة كبرى لفرنسا، القوة المقيمة في المحيط الهادي، إذ حُرمت امتيازات كانت ستحصل عليها من “صفقة القرن”؛ بتعزيز هيمنتها ووجودها العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي.
لذلك سارعت فرنسا إلى اعتبار ما حدث طعنة في الظهر من قبل الحلفاء، وخيانة كبرى لها، مصوبة أصابع اتهامها نحو كانبيرا وواشنطن، وواصفة المملكة المتحدة بـ”الانتهازية الدائمة”. وقد وصف وزير الخارجية الفرنسي لودريان تصرف أستراليا بأنه ينم على “الازدراء والازدواجية والأكاذيب”، واعتبر اتفاق أوكوس بمنزلة كسر الثقة بين الحلفاء، وسينعكس على مستقبل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لم تكتفِ الخارجية الفرنسية بالإدانة والتصريحات الإعلامية، فاستدعت حكومة باريس سفيريها لدى الولايات المتحدة وأستراليا للتشاور، وأعلنت باريس إلغاء اجتماع كان مقرّراً عقده نهاية الشهر الجاري بين وزيرة الجيوش الفرنسيّة بارلي ونظيرها البريطاني والاس.
إلا أن إجراءات فرنسا قوبلت بتصريحات هادئة من الولايات المتحدة وأستراليا، وتفهم إدارة كل من واشنطن وكامبيرا لخيبة أمل فرنسا بعد قرار التخلي عن صفقة الغواصات، والتأكيد أن فرنسا حليف استراتيجي، فضلاً عن تصريحات إدارتي البلدين حول استمرار الاتصال مع باريس لحل الخلاف الجاري، ومواصلة العمل المشترك مع فرنسا في مختلف القضايا المشتركة.
في جانب آخر، انتقدت الصين ما سمته تشكيل “التكتلات الإقصائية”، ودعت الدول إلى “التخلص من عقلية الحرب الباردة” و”التحيز الإيديولوجي”، ورفضت محاولات الولايات المتحدة لحشد العالم ضدها، مشيرة إلى أن اتفاق أوكوس لن يؤدي إلا إلى تسارع سباق التسلح في المنطقة، وأنه لن يجلب سوى الإضرار بالاستقرار العالمي والإخلال بأمن دول المنطقة المطلة على المحيط الهادي والهندي.
انعكاسات أزمة اتفاق أوكوس على سياسات الدفاع المشترك لدول حلف الناتو
لم ينشأ اتفاق أوكوس بين ليلة وضحاها، بل كان نتيجة مفاوضات استمرت أشهراً بين الأطراف الأمريكية والبريطانية والأسترالية، وحظيت المشاورات الخاصة بالاتفاق بالسرية التامة، ولم يبلغ الأطراف المشاركون الجانب الفرنسي بالاتفاق إلا قبل ساعات فقط من الإعلان الرسمي عنه، وهو ما سبب أزمة دبلوماسية بين فرنسا وأطراف الاتفاق.
لا تقتصر آثار اتفاق أوكوس على الأطراف المتنازعة فيه، بل إن آثاره وانعكاساته تمتد لتشمل عدداً من المكونات والدول على الساحة الدولية، وأبرز انعكاسات الاتفاق تتمثل في الآتي:
التحالفات الدولية
إضافة إلى اتفاق أوكوس توجهت الولايات المتحدة إلى إنشاء تحالف رسمي لكبرى الدول المطلة على المحيطين الهادي والهندي للحد من نفوذ الصين، وضم التحالف الهند واليابان وأستراليا وأمريكا، تحت اسم “كواد” (Quad). وقد اجتمع رؤساء الدول الأربعة يوم الجمعة الموافق ٢٤ سبتمبر/أيلول الجاري، “في أول قمة يشاركون فيها بأنفسهم، عقب قمة مماثلة جمعتهم افتراضياً قبل 6 أشهر”.
ربما تحاول الولايات المتحدة من خلال إجراء عقد لاتفاقيتين متتاليتين التخفيف من وطأة الانسحاب التاريخي لها من أفغانستان، فضلاً عن إعادة الحضور في منطقة قريبة من حدود الصين، التي أصبحت يُشار إليها في تقارير الأمن القومي الأمريكي الأخيرة بالمنافس الوحيد للولايات المتحدة القادر على تحدي النظام الدولي “المنفتح والمستقر”.
بدت واشنطن في خطواتها الأخيرة تتجه أكثر نحو إعادة ترتيب تحالفاتها القديمة لكي تناسب الواقع الجديد، إذ أخذت على عاتقها حماية مصالحها الاستراتيجية بدلاً من الحفاظ على مراكز حلفائها الأوروبيين التقليديين في القيادة العالمية إلى جانبها، وأدوارهم في التنافس مع الصين وروسيا. وربما يعزز ظهور الحلف الأمني بين واشنطن ولندن وكامبيرا فجأة ودون تنسيق مع الحلفاء الآخرين حالة انعدام الثقة المتزايدة في العقد الأخير، وهو ما يرجح أفقاً مجهول المعالم في خارطة التحالفات القديمة.
كذلك يعد وجود أكثر من نصف العدد العالمي للغواصات النووية (حوالي 152 غواصة) لدى دول اتفاق أوكوس (الولايات المتحدة 70 غواصة، والمملكة المتحدة 10 غواصات، وبعد الاتفاق أستراليا 12 غواصة)، تهديداً للأمن والاستقرار العالمي، ولا سيما في مناطق التماس البحري مع دولة الصين.
تشكيل التحالفات لن يقتصر على منطقة التماس فقط، إذ من الممكن أن يمتد إلى دول أخرى حول العالم، سعياً من الولايات المتحدة إلى جلب مصالح خاصة بها، أو دفع تهديدات قد تشكلها حالة الاستقطاب المستقبلية؛ إذ من المحتمل أن تتوجه الدول الأوروبية، بالإضافة إلى عدد من دول قارة آسيا (روسيا وإيران وتركيا على رأسها) إلى تحديد موقفها، والدخول في تحالف اقتصادي أو سياسي أو عسكري مع أحد المتنافسين، أو حتى التوجه إلى إنشاء تحالف آخر مستقل رعاية للمصالح الخاصة به، وبأمنه القومي.
العلاقات الثنائية
أصبحت المصالح الاقتصادية مؤخراً تهيمن وبقوة على تحركات دول القوى العظمى وغيرها من دول العالم المحورية، فلم تعد دول الاتحاد الأوروبي تشارك الولايات المتحدة النظرة المبنية على التنافس والخطر القادم من الصين، بل أصبحت ترى ضرورة خلق قنوات للتعاون بدلاً من التنافس معها، لذلك توجهت إلى إنشاء اتفاقية صينية أوروبية للاستثمار.
إلا أن شعور واشنطن بتهديد أوروبي لمصالحها الاقتصادية أدى إلى تجميد توقيع الاتفاقية بسبب انزعاج إدارة بايدن منها. الحال قد يتغير بعد اتفاق أوكوس، وهو ما قد يجعل دول الاتحاد الأوروبي تحلق بعيداً عن درب واشنطن والدول المتحالفة معها في مواجهة الصين.
لا يعني ذلك أن الدول الأوروبية، ومن بينها فرنسا، ستتجه إلى معسكر مختلف تماماً عن الولايات المتحدة؛ فهي تتشارك نفس القيم السياسية والاقتصادية، بل يقصد بذلك أن التنسيق الأمريكي مع دول الاتحاد الأوروبي سينخفض إلى مستويات أقل عما كان في السابق بعد حلف أوكوس، وستُمنَح الأولوية للمصالح الخاصة، وهو ما قد يؤدي إلى تشابك التحالفات والاتفاقيات لتعدد المصالح والأهداف القومية للدول.
بالنسبة لأستراليا فقد رفع الاتفاق من مكانتها في المنظومة الدفاعية الأمريكية في منطقة الشرق الأقصى وجنوب شرق آسيا، وهو بلا شك سوف يعود إيجاباً على القدرة العسكرية الأسترالية، وموضعها في الشبكة السياسية لدول المنطقة. إلا أن الاتفاق سيجعل أستراليا أيضاً على خطر النار المباشر مع أعداء الولايات المتحدة في المنطقة، وعلى رأسهم الصين وكوريا الشمالية.
فضلاً عن كونه يجعل أستراليا في موضع الشك لدول الجوار، خصوصاً إندونيسيا وماليزيا التي أبدت انزعاجها الشديد من اتفاق أوكوس، وأكدت أن ذلك إخلال من الحكومة الأسترالية بالتزاماتها المرتبطة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، وذلك نظراً إلى أن تسليح أستراليا بغواصات ذات تقنية نووية أمريكية سيجعل دول المنطقة مهددة من أي نزاع نووي محتمل.
حلف الناتو
أظهرت طريقة الانسحاب من أفغانستان أن الولايات المتحدة تتجه أكثر نحو الاستقلالية الاستراتيجية عن دول حلف الناتو، وهو ما قد يجعل فرنسا والاتحاد الأوروبي تتجه إلى تبني فكرة بناء دفاع أوروبي مشترك وبمعزل عن الولايات المتحدة الأمريكية.
إن التحرك الفرنسي لإجراء تعديلات على مبادئ حلف الناتو، وإن كان مدفوعاً بالخسارة الاقتصادية الضخمة التي تسببت بها أستراليا على الجانب الفرنسي، فإنه أظهر حجم الشعور الفرنسي بالخيانة من حلفائها في الناتو، وربما يظهر للعيان أن قدر امتعاض فرنسا من الولايات المتحدة وبريطانيا يفوق بكثير امتعاضها من أستراليا؛ فحكومة باريس ترى أن مصالحها ووجودها العسكري في منطقة المحيط الهادي والهندي قد ضُربت بشدة من حلفائها الاستراتيجيين في حلف الناتو.
أنشئ حلف الناتو في 4 أبريل/نيسان 1949 لمواجهة التهديد الروسي آنذاك، إلا أن آلياته ومنهجياته لم تتطور بشكل كافٍ للتعامل مع التحديات المتزايدة للدول الأعضاء، ولا مع تشابك المصالح والأهداف لدول الحلف مستقبلاً، لذلك كان من الضروري إعادة تصميم الحلف ليشمل كل التحديات الجيوسياسية لدول الحلف.
وفي حال مراجعة المبادئ الأساسية لحلف شمال الأطلسي لتشمل بنوداً أكثر صرامة بين أعضائه، وآلية عمل مشتركة تحمل رؤية واضحة لجميع الأعضاء، فإن الحلف قد يشهد ازدهاراً بعد حالة الركود التي يعيشها مؤخراً، أما في حال لم يتفق الأعضاء على رؤية واضحة للمبادئ الأساسية للحلف فإن مسألة انهياره لن تكون سوى مسألة وقت.
محددات نتائج اتفاق أوكوس على مستقبل حلف الناتو والاستقرار في منطقة المحيطين
على الرغم من ردة الفعل الدبلوماسية الشديدة للحكومة الفرنسية على اتفاق أوكوس فإن الأطراف الثالثة لاتفاق أوكوس التزمت الهدوء التام في الرد، وتجنب اتخاذ إجراءات مماثلة، وهذا ما دل على عدم رغبة هذه البلدان في تصعيد الموقف إلى أزمة عميقة. وقد اتخذت واشنطن عدداً من الإجراءات الرامية إلى حلحلة الخلاف مع فرنسا، إلا أن وزير الخارجية الفرنسي أعرب لنظيره الأمريكي أن الخروج من الأزمة الحالية يتطلب “وقتاً وأفعالاً”، وهو ما يوحي أن أزمة اتفاق أوكوس لم تنته بعد، ولا تزال المناورات قائمة لحلحلة ملفاته.
لقد أضاف اتفاق أوكوس أزمة جديدة لدول حلف الناتو الذي أصبح يعاني كثيراً في الفترة الأخيرة من غياب التنسيق للموقف الموحد بين أعضائه، وأزمات أخرى تتعلق بالتمويل وحصص الدول المشاركة فيه، بالإضافة إلى التحديات الأمنية المتزايدة التي خلفتها الهجمات الروسية على جورجيا وأوكرانيا وتهديدها للكيان الأوروبي بأسره، وظهور التنظيمات الإرهابية على مسافة قريبة من دول حلف الناتو.
ومن أبرز المحددات التي تظهر مستقبل حلف الناتو والاستقرار في منطقة المحيطين، الآتي:
العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا
يجتمع البلدان في عدد من الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية المشتركة، ولعل لذلك ما جعل الولايات المتحدة تحاول امتصاص الامتعاض من خلال عدد من المشاورات التي جمعت دبلوماسيي الطرفين الأمريكي والفرنسي، بالإضافة إلى اللقاء الرئاسي الذي سيجمع الرئيس بايدن بالرئيس ماكرون نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.
فالولايات المتحدة لا تسعى إلى تعميق الخلاف مع فرنسا، وإن رأت أن مصالحها الاستراتيجية يجب أن تسير وفق ما تخطط له، ولذلك من المرجح أن تسعى واشنطن إلى مشاركة فرنسا في ملفات استراتيجية أخرى، وفي حال تمكنت من ذلك فإن العلاقات الأمريكية الفرنسية وما يتبعها من علاقات في حلف الناتو ربما تشهد حالة من الاستقرار النسبي.
العلاقة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي وأمريكا
يتوقف مستقبل حلف الناتو وسياسة الدفاع المشترك على مدى قدرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على المحافظة على روابط الشراكة بينهم. المهمة ليست بالسهلة، ولا سيما مع محاولة فرنسا تصوير اتفاق أوكوس بأنه لا يمثل خطراً على مصالحها فقط وإنما على التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يفرض ضرورة اتخاذ موقف دبلوماسي مشترك، وهو ما سيناقَش في اجتماع أعضاء الاتحاد الأوروبي منتصف الشهر القادم في لوكسمورج.
وفي حال تم التوصل إلى اتفاق مرضٍ فإن حالة الانزعاج والقلق من انهيار التحالفات الأمريكية الأوروبية ربما تزول، وقد تتجه العلاقات المشتركة بينهم إلى تبني مواقف أكثر تنسيقاً، أما في حال عدم التوصل إلى حلول مرضية فإن مآل العلاقات الأمريكية الأوروبية قد تدخل مرحلة جديدة مختلفة تماماً عن السابق، بحيث تُبنى على الاستراتيجيات الفردية المستقلة.
العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين
قد تقود خيبة أمل فرنسا من اتفاق أوكوس إلى آثار سلبية على العلاقات الأمريكية الأوروبية، ولا سيما مع تصعيد الخطاب السياسي لدول اتفاق أوكوس بشأن عدم التردد في حماية المصالح الفردية الخاصة بها، لذلك ربما تتوجه فرنسا إلى عقد اتفاقات اقتصادية مع الصين رعاية لمصالحها الخاصة تحت مظلة معاهدة الاستثمار الصيني الأوروبي.
وفي حال قررت فرنسا والدول الأوروبية اتخاذ هذا الاتجاه فإن مسار العلاقات الأمريكية الأوروبية للدفاع المشترك قد تتجه إلى مزيد من التأزم والفرقة، وهو ما يجعل واشنطن تتجه إلى التحرك منفردة، وتبني سياسات أمنية خاصة بها لمواجهة منافسها الحالي في النظام الدولي، وفي حال حصول ذلك فإن مسألة الحفاظ على اتحاد حلف الناتو ستكون مهمة صعبة للغاية في ظل ارتفاع مؤشرات تفكك الحلف العديدة.
العلاقات الصينية مع دول المحيط الهادي والهندي
على الرغم من توسع نفوذها في المنطقة فإن الصين لا تتمتع بالقدر الكافي من الاتفاقات المتينة مع الدول المطلة على المحيط الهادي والهندي، لذلك توجهت الصين بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن اتفاق أوكوس بطلب الانضمام إلى اتفاقية التجارة الحرة لدول آسيا والمحيط الهادئ المعروفة باسم الشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي انسحبت منها الولايات المتحدة الأمريكية عام 2017، لكونها مجحفة بالمصالح الأمريكية.
وفي حال قبول الصين في عضوية الاتفاقية، التي تتكون من إحدى عشرة دولة، ومنها كندا واليابان وأستراليا، فمن المتوقع أن يسهم ذلك في إبعاد شبح المواجهة العسكرية عن منطقة المحيط الهادي والهندي، ودخول الصين في اتفاقات تجارية عديدة مع دول العالم، ولا سيما دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤدي إلى إفشال الخطط الأمريكية في فرض حصار اقتصادي على نفوذ الصين في الاقتصاد العالمي، وبما يؤثر سلباً في اتحاد دول حلف الناتو في تبني سياسات دفاع مشتركة.
أما في حال رفض انضمام الصين إلى الاتفاقية، ربما لعدم رغبة أطراف الاتفاقية في إثارة غضب واشنطن، فإن المنطقة ستتجه نحو مزيد من التصعيد، وهو ما قد يؤدي إلى مشاركة دول حلف الناتو في شراكات جديدة مع الولايات المتحدة للحماية من آثار التصعيد في تلك المنطقة.
الخاتمة
يشهد النظام الدولي تغيراً جذرياً في مفهوم العلاقات المتشابكة بين أعضائه، فلم تعد التحالفات الكبرى تحمل قيمة مقارنة بالاتفاقات المتولدة عن رعاية مصالح محددة. وقد أظهر اتفاق أوكوس الأخير بمدى قابلية الولايات المتحدة للتخلي عن مبادئ تحالفاتها التقليدية في سبيل رعاية مصالحها الاستراتيجية.
كذلك، أظهرت طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وترك دول الاتحاد الأوروبي تدبر نفسها مع تداعيات الانسحاب، ولا سيما الهجرة غير الشرعية، عدم وضوح طبيعة علاقة الولايات المتحدة مع دول الاتحاد الأوروبي، وأن روابط العلاقات بينهم لم تعد تملك الأساس المشترك في الدفاع والأمن والاقتصاد كما كان في السابق، وهو ما يهدد مستقبل وجود حلف الناتو، واستمرار دوره في النظام الدولي.
تحاول واشنطن من خلال تبني استراتيجية نقل التكنولوجية العسكرية، وليس نقل المعدات والقوات العسكرية، إلى مناطق التماس مع منافستها الصين، إلى تبني آليات جديدة للإحاطة بالمشروع الصيني، دون أن تضيف أعباء على ميزانيتها العامة، مستفيدة بذلك من تجربتها في أفغانستان، التي خسرت فيها حوالي ترليونَي دولار خلال العشرين عاماً الماضية، دون تحقيق أي انتصارات تذكر.
من المحتمل أن تكون المواجهة القادمة في مناطق التماس اقتصادية، وبعيدة عن المواجهة العسكرية، إلا أن ذلك يتوقف على مدى محافظة الدول المتنافسة على حدود عدم المواجهة. كذلك، من المحتمل أن تحاول واشنطن استجلاب رضى حلفائها في الناتو وعدم إثارة غضبهم أو تخوفاتهم على مصالحهم، في نفس الوقت الذي تبذل فيه استراتيجياتها المختلفة لمواجهة الصين.
.
رابط المصدر: