انعكاسات الأزمة السورية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية

علي نجات


المقدمة
أصبحت سوريا -التي كانت واحدة من أكثر الدول استقراراً وتأثيراً في الشرق الأوسط حتى نهاية عام 2010- من أكثر دول المنطقة ضعفاً وعدم استقرار، وأحد بؤر الصراع والمنافسة بين الجهات الإقليمية والعالمية منذ بداية عام 2011. كانت بداية الأزمة السورية في عام 2011 حدثاً أثَّر على المعادلة الإقليمية برمتها في منطقة الشرق الأوسط؛ إذ تُعدُّ الأزمة في سوريا واحدة من أكثر الأزمات تحدياً في الشرق الأوسط في القرن الحالي. لقد تسبَّب وجود قوى إقليمية وعالمية لهذه الأزمة في اتخاذ أبعاد دولية وتعقيدات معينة.
لعلَّ أحد الأسباب الرئيسة لتعقيد الأزمة السورية واستمرارها هو تدخُّل جهات فاعلة مختلفة على ثلاثة مستويات: (محلي، وإقليمي، ودولي). أدَّتِ التصورات المختلفة، وتضارب المصالح، وتصلُّب المواقف بين الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية المؤثِّرة في سوريا، وتوازن القوى بسبب الدعم الكامل من قبل الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لمجموعاتهم المحلية، إلى تحويل الأزمة إلى أزمة عميقة ومعقدة.
كان للأزمة السورية -التي بدأت عام 2011 واستمرت أكثر من عشر سنوات بسبب تعدد الجهات المتدخلة- عواقب وخيمة على الشعب السوري. يصل عدد الضحايا بسبب الحرب إلى (500) ألف في عام 2021. كما أدَّتِ الاشتباكات إلى نزوح (13) مليون شخص. فوَفْقاً للأمم المتحدة، فرَّ أكثر من نصف سكان سوريا من ديارهم قبل الحرب الأهلية، ويعيش أكثر من (80%) من السكان تحت خط الفقر. كما يعاني (6.5) مليون سوري من انعدام الأمن الغذائي و (12) مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية.
أدَّتِ الحرب المستمرة في سوريا منذ (11) عاماً -فضلاً عن تداعياتها الداخلية الضارة- إلى تصعيد الانقسامات السياسية والمذهبية، وتصعيد التوترات، وانتشار الإرهاب في المنطقة. أدَّتِ الحرب -على الصعيد الدولي- إلى موجة جديدة من اللاجئين، وتكثيف العمليات الإرهابية في جميع القارات، وتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا. في الحقيقة أنَّ للأزمة السورية تداعيات عديدة على ثلاثة مستويات: (محلية، وإقليمية، ودولية). لذا تسلِّط هذه الورقة التحليلية الضوءَ على التداعيات الداخلية للأزمة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وانعكاساتها السلبية على المستويين الإقليمي والدولي.
1. التداعيات الداخلية للأزمة السورية
التداعيات السياسية
كان للأزمة السورية -التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان- عديد من التداعيات السياسية والأمنية والاقتصادية السلبية على البلاد. فعلى الصعيد السياسي، من نتائج الأزمة السورية ظهور تيارات وقوى معارضة سياسية مختلفة في داخل البلاد وخارجه. لقد كان المجلس الوطني السوري من أوائل تحالفات المعارضة وما يزال أكبر وأهمّ تجمُّع للمعارضة السورية في المنفى، والمرجع الرئيس للبلدان الأجنبية التي تدعم المعارضة. أُعْلِنَ عن تشكيل المجلس الوطني السوري في إسطنبول، في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر 2011. شُكِّل ائتلاف من الجماعات والأفراد، بمَن فيهم الموقِّعون على إعلان دمشق (2005)، وجماعة الإخوان المسلمين السورية، وفصائل كردية مختلفة، وممثّلي لجان التنسيق المحلية، وغيرها من الأحزاب السياسية أو المنابر مثل ربيع دمشق والكتلة الوطنية، وممثّلي الطائفتين العلوية والآشورية، وبعض الشخصيات المستقلّة. وبحلول آذار/مارس 2012، ادَّعى المجلس الوطني السوري أنَّه يضمّث (90%) من الأحزاب والحركات المُعارِضة، هذا مع اعتراض هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي وغيرها على هذا الادِّعاء.
يتصوَّر المجلس الوطني السوري أن تعقب إطاحة النظام السوري فمدَّة انتقالية يُشكِّل فيها المجلس حكومةً انتقاليةً، وينظِّم انتخابات برلمانيةً في غضون ستَّة أشهر، يليها انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد في عام واحد، وإطلاق سراح المعتقلين والسجناء، وإنشاء لجنة قضائية مستقلَّة لمعالجة المظالم ولجنة مصالحة وطنية، من بين مَهام أساسية أخرى. ووَفْقاً لرؤية المجلس، فإنَّ «سورية الجديدة» ستكون «دولة ديمقراطية تعدُّدية مدنية»، فضلاً عن أنَّها «جمهورية برلمانية تكون فيها السيادة للشعب، وتقوم على مبادئ المواطَنة المتساوية، وفصل السلطات، والانتقال السَلِس للسلطة، وسيادة القانون، وحماية حقوق الأقلِّيات وضمانها».
المجلس الوطني السوري منحاز إلى الولايات المتحدة وحلفائها الدوليين، ولا سيَّما أوروبا الغربية، وإلى القوى الإقليمية التي اتَّخذت موقفاً معادياً ضدَّ النظام السوري، وخصوصاً المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا. ومن بين دول المنطقة، تُعدُّ تركيا -في بعض النواحي- الأكثر أهميةً نظراً لحدودها المشتركة الطويلة مع سورية، التي تقدِّم مزايا مفيدة للمعارضة. كما أتاحت تركيا للمجلس الوطني السوري عقد اجتماعات، وإصدار تصريحات في إسطنبول، علماً أنَّ بعض مسؤوليه يقيمون هناك. أمَّا المملكة العربية السعودية وقطر، اللتان تدعوان علناً إلى تمويل المعارضة، فتعهَّدتا بتقديم مساعدات كبيرة تُسلَّم عبر المجلس الوطني السوري. وفي مقابل ذلك، التقى ممثِّلو المجلس الوطني السوري مع مسؤولين من روسيا والصين وبلدان أخرى متعاطفة مع النظام السوري. ومع برودة العلاقات، إلَّا أنَّ المجلس الوطني السوري اعترف بأنَّه سيكون لروسيا دور حاسم في أي حوار بشأن التوصُّل إلى تسوية سياسية مع النظام.
وأمَّا المجموعة الثانية من المعارضة السورية هي هيئة التنسيق الوطنية. وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي أو كما تعرف اختصاراً «هيئة التنسيق الوطنية» جماعة سوريَّة معارضة تتألَّف من أحزاب سياسيّة صغيرة عديدة، وشخصيَّات معارضة مستقلِّة من داخل سورية وخارجها، أُسِّست هيئة التنسيق الوطنية عقب اجتماع ممثلي بعض الأحزاب السياسيّة السورية، وبعض الشخصيات المعارضة المستقلَّة في بلدة حلبون التابعة لمحافظة ريف دمشق في تشرين الأول عام 2011.
أُسِّست هيئة التنسيق بهدف توحيد مطالب المعارضة، والسعي إلى الحوار السياسي، وسلمية الاحتجاجات المعارضة للسلطة. دعا بيانها التأسيسي إلى تنظيم احتجاجات سلمية لضمان المطالب الأساسية قبل أن تنخرط المعارضة في حوار مع الحكومة: إطلاق سراح الموقوفين السياسيين، والسماح بالتظاهر السلمي، وسحب الجيش من المدن، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور (إنهاء احتكار حزب البعث السلطة، والسماح للأحزاب الأخرى بالتنافس بحرية على المناصب العامة)، ورفع حالة الطوارئ، والسماح بدخول الإعلاميين الأجانب لتغطية الأحداث، وإحالة المسؤولين عن العنف إلى القضاء قبل البدء بالحوار. كما ضمَّ البيان التأسيسي برنامجاً سياسياً يدعو إلى قيام حكومة انتقالية، وإجراء إصلاحات أساسية، أبرزها وضع مشروع دستور جدي، وقوانين ديمقراطية للأحزاب السياسية، والمصالحة الشعبية، والتعويض للمتضررين من الثورة، والنظر في قضية الشعب الكردي. يتفق أعضاء هيئة التنسيق على ثلاثة مبادئ ثابتة تُعرف بـ(اللاءات الثلاث): لا للتدخُّل العسكري الأجنبي، لا للتجييش الطائفي والمذهبي، ولا للعنف وعسكرة الثورة.
والمجموعة الثالثة من المعارضة السورية هي الائتلاف الوطني السوري. فالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، المعروف باسم الائتلاف الوطني السوري، هو ائتلاف يضمُّ مجموعات معارِضة، شُكِّل في تشرين الثاني/نوفمبر 2012 أثناء اجتماعات المعارضة في الدوحة. انتُخِب معاذ الخطيب، وهو الإمام السابق للمسجد الأموي في دمشق، رئيساً للائتلاف الجديد. كما انتُخِب نائبان للرئيس هما رياض سيف، الذي كان أطلق الدعوة الأولى إلى مبادرة تؤول إلى توحيد المعارضة، وسهير الأتاسي، وهي ناشطة علمانية بارزة. وانتُخِب مصطفى الصباغ أميناً عاماً للائتلاف. لقي تشكيل الائتلاف الجديد عموماً استحسان الأوساط الدولية التي أشادت به واصفةً إيِّاه بخطوة إيجابية نحو جبهة أكثر توحيداً. ففي 12تشرين الثاني/نوفمبر، اعترفت الدول الأعضاء في الخليج بالائتلاف بصفته «الممثل الشرعي» للشعب السوري، منهيةً بذلك اعترافها بحكومة بشار الأسد. وسرعان ماتبعتها الجامعة العربية (ما عدا الجزائر والعراق ولبنان) في الاعتراف بالائتلاف بوصفه «الممثل الشرعي والمحاوِر الرئيس للجامعة العربية»، إلا أنَّ هذه الأخيرة لم تمنح المجموعة اعترافها الكامل بصفتها الممثل الوحيد للشعب السوري.

لقراءة المزيد اضغط هنا

 

.

رابط المصدر:

https://www.bayancenter.org/2022/04/8381/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M