تُوجت سلسلة من الجهود الدبلوماسية على مدار العامين الأخيرين هدفت إلى تلطيف الأجواء بين مصر وتركيا وإنهاء عقد من العلاقات المتوترة والتحرك نحو إعادة إطلاق العلاقات الطبيعية بين البلدين، بإعلان القاهرة وأنقرة يوم الثلاثاء 4 يوليو 2023 رفع مستوى علاقاتهما الدبلوماسية إلى مستوى السفراء، مع ترشيح الجانب المصري السفير عمرو الحمامي سفيرًا محتملًا لها في أنقرة، وترشيح الجانب التركي السفير صالح موتلو شين سفيرًا محتملًا لها في القاهرة. وكان الحمامي وموتلو شين قائمين بالأعمال في أنقرة والقاهرة خلال الأشهر القليلة الماضية التي استمرت خلالها المشاورات الدبلوماسية والأمنية بين مصر وتركيا.
مسار دبلوماسي ممتد
إن قرار ترفيع مستوى العلاقات الدبلوماسية ليس وليد اللحظة الراهنة وكان محل تجادل ومناقشة خلال الفترة الأخيرة بعدما تصاعدت وتيرة المؤشرات الممهدة له والتي اتخذت مجموعة من المظاهر، ظهرت بوادرها في مارس 2021 بإعلان وزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو وجود اتصالات دبلوماسية مع مصر على مستويات وزارة الخارجية. ثم أعقبها خلال الشهر التالي مباشرة موافقة البرلمان التركي بالإجماع على اقتراح بإنشاء مجموعة صداقة برلمانية مع مصر؛ وهي إعلانات مهدت الطريق لانعقاد أولى جلسات المحادثات الاستكشافية في أوائل مايو 2021 حيث تناولت قضايا ذات أهمية ثنائية وإقليمية، وعلى الأخص فيما يتعلق بليبيا وسوريا وشرق المتوسط. وخلال أربعة أشهر عُقدت الجولة الثانية من المحادثات الاستكشافية في أنقرة يوم 7 سبتمبر 2021.
وقد أسهمت تلك العملية في اتخاذ خطوات حاسمة تجاه حل العديد من القضايا الإشكالية لعل أهمها ملف جماعة الإخوان وعناصرها المقيمة داخل تركيا ومنصاتها الإعلامية، حيث أعلنت أنقرة إغلاق ثلاث قنوات تليفزيونية عملت كمنصات لعناصر جماعة الإخوان لمهاجمة سياسات القاهرة ونظامها السياسي، وهي قنوات: الشرق، ومكملين، والوطن. لكن استمرار السياسات التركية الإقليمية غير المرحب بها من قِبل القاهرة، وتباين مواقف الأطراف تجاه قضيتي ليبيا وشرق المتوسط أدى إلى تجميد مسار المحادثات وأبطأ خطوات التطبيع وأعاد التوتر لأجواء العلاقات وأفشل جهود تنسيق اجتماعات على مستويي وزراء الخارجية أو الرئاسة، مع استمرار تصريحات المسئولين الأتراك المتكررة بشأن وجود ترتيبات وتفاهمات ثنائية عبر مسارات أمنية ودبلوماسية أقل لمعالجة القضايا الخلافية.
ووصل التقارب الدبلوماسي بين البلدين إلى مرحلة مفصلية في أبريل 2022 عندما قررت أنقرة لأول مرة منذ تدهور العلاقات، تعيين سفير لشغل منصب القائم بالأعمال في القاهرة. وهكذا استمرت الترتيبات وراء الكواليس بين البعثات الدبلوماسية المخصصة ورجالات السياسة والاستخبارات، إلى جانب الجهود الإقليمية التي قادتها بعض البلدان لتقريب وجهات النظر وتسريع عملية المصالحة التي تحركت بوتيرة أبطأ مقارنة بمثيلاتها مع السعودية والإمارات وإسرائيل، وبدا خلال مراحلها التأني المصري لاستكشاف المواقف والنوايا وجدية الطرف التركي مقابل استعجال الأخيرة عملية استعادة العلاقات الطبيعية، ولعل أحد ثمار التحركات الدبلوماسية والإقليمية لقاء المصافحة الشهير بين الرئيسين المصري والتركي في نوفمبر 2022 خلال حفل افتتاح كأس العالم لكرة القدم بقطر الذي أعقبته جلسة مباحثات مدتها 45 دقيقة ناقشا خلالها الآفاق المستقبلية للعلاقات.
وأعطت دبلوماسية الكوارث والتضامن فرصة لتراجع أولوية القضايا الخلافية لصالح الأبعاد الإنسانية وحفز مستوى من التواصل الدبلوماسي تعثر بلوغه لسنوات، حيث زار وزير الخارجية المصري سامح شكري مدينة مرسين التركية الجنوبية في فبراير 2023 لتقديم التضامن والدعم في أعقاب زلازل 9 فبراير المدمر، وأعقبها زيارة عكسية لوزير الخارجية التركي السابق مولود تشاويش أوغلو إلى القاهرة في مارس الفائت كشف خلالها استمرار العمل لإعادة تبادل السفراء متعهدًا بتعزيز التعاون على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وكان هذا المستوى من التبادلات الدبلوماسية قد تأخر كثيرًا ولم يكن ليتم دون محفزات خارجية.
سياق محفز
حملت البيئة الجيوسياسية الدولية والإقليمية وتطورات الأوضاع المحلية وما تفرضه من فرص وتحديات اقتصادية في طياتها عناصر تحفيز التقارب المصري التركي، ويُمكن إبراز سياق المصالحة كالتالي:
• تراجع البُعد الأيديولوجي: أدى فشل التعويل التركي على مشروع جماعة الإخوان لإقامة حكومات موالية تتيح لها قدرًا أوسع من النفوذ الإقليمي، وتراجع قابليته للاستمرار حتى داخل دول كانت تُمثل معاقل تقليديه ذات ثقل له كتونس والمغرب، وعدم قدرة الجماعة في مصر على استعادة السلطة إلى إضعاف البُعد الأيديولوجي الذي هيمن على السياسة الخارجية التركية طوال العقد الماضي، والعودة للسياسة الواقعية والنهج البراجماتي، وإضعاف عامل الإخوان كمحدد لمستوى العلاقات المصرية التركية. وأدرك البلدان ضرورة تبني ترتيبات تعاونية تحكمها قاعدة تقبل الخلافات وإدارتها عبر مسارات الحوار بهدف التوصل إلى بعض التفاهمات المتبادلة، وتحييد القضايا التي لا يُمكن التوصل إلى تفاق بشأنها، وتوسيع القواسم المشتركة، لا سيّما أن التنافس بلغ أقصاه ولم يعد استمراره يخدم مصالحهما.
• إدارة مرحلة ما بعد الانتخابات: أتاح انتهاء مرحلة الانتخابات الفرصة لأردوغان لتقديم المصالح الاستراتيجية للدولة فوق الحسابات الانتخابية ومواصلة سياسة التهدئة والتقارب الإقليمي دون حساسيات تتعلق بموقف فئة القوميين والمحافظين، ويُعتبر قرار رفع مستوى العلاقات الدبلوماسية من أوائل قرارات السياسة الخارجية الرئيسية التي اتخذها وزير الخارجية التركي الجديد هاكان فيدان، الذي لعبت دبلوماسيته عبر القنوات الخلفية أثناء عمله كمدير للاستخبارات دورًا في كسر الجمود بين البلدين، كما أنه يشكل ترجمة عملية لشعار مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك “السلام في الداخل.. السلام في العالم” الذي أعلن أردوغان تبنيه خلال ولايته الثالثة، ويعني الحفاظ على السلام والاستقرار والتنمية داخل الدولة عن طريق تعزيز العلاقات السلمية مع الدول الأخرى على مستوى العالم.
• الانتقال من “الوحدة الثمينة” إلى “صفر مشاكل”: ساق المتحدث السابق باسم الرئاسة التركية وكبير مستشاري السياسة الخارجية لأردوغان، إبراهيم كالين، مصطلح “العزلة الثمينة” في أغسطس 2013 لتبرير سياسة التدخلات والعسكرة التركية في الشرق الأوسط التي أفضت إلى تدمير إرث مبدأ “صفر مشاكل” الذي حكم تحركات البلاد الخارجية خلال العقد الأول من القرن العشرين، وقد جاء هذا التصريح قبل حوالي 3 أشهر فقط من قرار طرد السفراء المتبادل بين البلدين في نوفمبر 2013، ليكون بذلك إيذانًا لمرحلة قطيعة دبلوماسية ومؤسسية مع الدول الرئيسية بالمنطقة والوقوع رهينة لعزلة إقليمية، لكن التكلفة السياسية والاقتصادية الباهظة لسلوك السياسة الخارجية دفعت الدولة إلى تصفير المشكلات بهدف نزع فتيل التوترات لتحقيق المصالح السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للبلاد.
• تحولات البيئة الدولية: تأتي المصالحة المصرية التركية ضمن تحركات أوسع لتقييم العلاقات الإقليمية البينية وإعادة صياغتها بشكل يُتيح لدول المنطقة مساحات تنسيق وحركة أكبر على المستوى الإقليمي تضمن تبينها نهجًا أكثر استقلالًا يراعي مصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية ويحررها من كونها مجرد بيادق على طاولة الشطرنج العالمية التي يُعاد تشكيلها الآن وصياغة موازين قواها الجديدة داخل الساحة الأوكرانية، وبما يتيح لهم الاستفادة من الفرص الاقتصادية للتعاون المشترك لدعم خطط التنمية والإصلاحات الاقتصادية المحلية.
• الاتجاه التصالحي الإقليمي: أدرك قادة المنطقة أن المباريات الصفرية لن تخدم مصالحها الوطنية فعمدوا إلى تطوير مبادرات إقليمية وتحسين علاقات دولهم مع الأطراف الإقليمية الأخرى، وكانت قمة العُلا 2021 ومخرجاتها التي أسفرت عن إنهاء مقاطعة الرباعي العربي لقطر، بوابة المصالحات الإقليمية وعمليات التطبيع بين الدول العربية وغير العربية في المنطقة، حيث أعقبها توقيع اتفاقيات إبراهام بين الإمارات والبحرين والسودان والمغرب من جانب وإسرائيل من جانب آخر، كما مهد قرار إنهاء مقاطعة قطر الطريق أمام تحسين العلاقات التركية بدول المنطقة وعلى رأسها السعودية والإمارات ومصر بعدما اصطفت إلى جانب الدوحة طوال سنوات المقاطعة، هذا إلى جانب المصالحة التركية الإسرائيلية، وكان ذروة الدبلوماسية الانفتاحية في مارس 2023 عندما أعلنت أكبر دولتين إقليميتين متنافستين (إيران والسعودية) استعادة العلاقات الدبلوماسية بوساطة صينية. ويُعتبر هذا الحراك الإقليمي ذا أهمية كبيرة للاستقرار السياسي وازدهار المنطقة، وهو ما تدركه أيضًا القاهرة وأنقرة من أن فوائد المصالحة والحاجة للتعاون في ملفات ليبيا والسودان وسوريا والقرن الأفريقي والغاز واستغلال المياه الاقتصادية دون مناوشات وتوسيع حجم التجارة وجذب الاستثمارات لإنعاش الاقتصادات، يتفوق على مسببات الخلاف، ومع ذلك هذه الدوافع القوية للمصالحة لا تعني وجود خلافات وقضايا أمنية وسياسية لم تحل.
مكاسب متوقّعة
أبدت القيادتان السياسيتان في البلدين اهتمامًا بتحسين العلاقات الثنائية وفي ذهنية كليهما مبررات منطقية لمتابعة التقارب حفزتها تغيرات البيئة الجيوسياسية، وهو ما يُمكن استعراضه كالتالي:
• إيجاد صيغة تفاهمية لإدارة القضايا الإشكالية (ليبيا – شرق المتوسط): يعكس قرار ترفيع العلاقات الدبلوماسية إدراكًا من قبل البلدين لمكانتهما الإقليمية وإمكانية توظيفها من خلال التشاور وإدارة الخلافات والتوافقات وليس التنازع، واستغلال نفوذهما السياسي والاقتصادي لتعزيز السلام والاستقرار الإقليمي وتبريد الساحات المشتعلة بما ينعكس بشكل إيجابي على العالم العربي. ومع ذلك يضع المستوى الحالي من العلاقات بين البلدين عددًا من القضايا الإقليمية أمام صانعي القرار لإيجاد صيغة تفاهمية ما تضمن تفهم كل طرف لمصالح الطرف الآخر، وإدارة تصوراتهما المختلفة تجاه بعض القضايا الإقليمية المهمة مثل ليبيا وشرق المتوسط.
فبالنسبة لمسألة الثروات الغازية في البحر المتوسط، فإنها المحرك الرئيسي لتركيا باتجاه استعادة العلاقات مع القاهرة، فقد أدركت أنقرة أن التهدئة هي المسار الوحيد لاختراق شبكة التعاون الإقليمية التي نشأت مما يسمى بالشراكات الثلاثية (مصر-قبرص-اليونان، وقبرص-اليونان-إسرائيل) وكسر الاصطفاف السياسي ضدها ضمن منظمة غاز شرق المتوسط، إذ تتيح المصالحة الفرصة أمام دخول دول حوض شرق المتوسط في مفاوضات جماعية وهي خطوة حاسمة نحو تسوية خلافاتها، كما تطمح أنقرة بالحصول على دعم مصري لانضمامها إلى منتدى غاز شرق المتوسط، كذلك تُبدي تركيا اهتمامها بتوقيع معاهدة ثنائية لترسيم الحدود البحرية مع مصر، وبحسب تصريحات لدبلوماسيين مصريين لصحيفة الأهرام المحلية، فقد كانت قضية ترسيم الحدود البحرية على طاولة المحادثات الفنية منذ الإعلان عن المباحثات رفيعة المستوى بين البلدين في مايو 2021، لكنه لم يطرح على جدول أعمال اللقاء القصير بين السيسي وأردوغان في الدوحة، ولا يُتوقع طرحه خلال أي لقاء قريب متوقع بين الرئيسيين، وفي كل الأحوال لن تتنازل القاهرة عن إتمام أي ترسيم حدودي وفق المعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة، وبما لا يتعارض مع مصالح شركائها في المنطقة، فقد سبق ورفضت اقتراحًا تركيًا لترسيم الحدود البحرية يدعي منحها منطقة اقتصادية أكبر من تلك التي اتاحتها اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان، وهذا يعني أن المصالحة لن تغير معادلة التوازن القائمة في شرق المتوسط.
أما بخصوص القضية الليبية، فيُمكن أن يسهم تقريب المواقف ووجهات النظر المصرية التركية في دفع العملية السياسية الليبية قدمًا وتسهيل عملية الانتقال السياسي عبر إنجاح الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة، والاستفادة المشتركة للشركات المصرية والتركية من عملية إعادة الإعمار. ومع ذلك يظل استقرار التفاهم في المسألة الليبية مرهونًا بتفهّم كل طرف لمصالح ومخاوف الطرف الآخر والعمل على صيغة تسوية تضمن بقاء النفوذ العسكري التركي ومراعاة المخاوف المصرية من العناصر المرتزقة المسلحة التي تعتبرها القاهرة تهديدًا أمنيًا.
• تسريع مناقشة الملفات الخلافية: يعد رفع مستوى البعثات الدبلوماسية إلى مستويات السفراء أمرًا مهمًا لتسريع وتسهيل المناقشات حول القضايا الثنائية والإقليمية التي تشهد مواقف متعارضة بين الدولتين؛ فحتى الآن كانت البعثات الدبلوماسية المشتركة في كلا البلدين محدودة من حيث الحجم والنطاق إلى مستوى القائم بالأعمال. لذلك، جرت معظم المفاوضات بين البلدين من خلال القنوات الأمنية الاستخباراتية والدبلوماسية منخفضة المستوى، ويُمكن لترفيع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء أن يسمح للقنوات الدبلوماسية الطبيعية بأخذ زمام المبادرة في العمليات التفاوضية، وبالتالي تسريع عملية التقارب وتحسين جودة نتائج المفاوضات.
• إعطاء دفعة العلاقات الاقتصادية: هناك إمكانات اقتصادية ضخمة يُمكن إطلاقها بين مصر وتركيا انطلاقًا من حقيقة الفصل بين التوترات السياسية والعلاقات الاقتصادية والتجارية التي نمت بشكل كبير على مدى السنوات العديدة الماضية، ففي عام 2018 تجاوز حجم التجارة الثنائية بين البلدين عتبة 5 مليارات دولار لأول مرة، وارتفع إلى 6.7 مليارات دولار عام 2021، وبلغ بنهاية عام 2022 نحو 9.7 مليارات دولار، منها 4.5 مليارات دولار صادرات تركية إلى مصر، بينما تجاوزت الصادرات المصرية إلى تركيا 5 مليارات دولار.
ويتطلع البلدان إلى رفع حجم التبادلات التجارية إلى 20 مليار دولار سنويًا خلال السنوات القليلة المقبلة، وتنشيط الاستثمارات التركية في مصر التي تبلغ حاليًا 2.5 مليار دولار من خلال 200 شركة تركية عاملة في مصر، وقد تعهدت الشركات التركية باستثمارات جديدة بقيمة 500 مليون دولار في مصر بعد لقاء جمع وفدًا تجاريًا تركيًا برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في فبراير 2023، إذ يُمكن الاستفادة من فرص توافر الغاز الطبيعي والعمالة الرخيصة لجذب المستثمرين الأتراك وتصدير المنتجات إلى الأسواق الأفريقية بالاستفادة من اتفاقيات الإعفاء الجمركي، ويُمكن أيضًا الاستفادة من خبرة رجال الأعمال الأتراك لتطوير صناعة النسيج المصرية.
كما يطمح البلدان إلى إعادة تفعيل اتفاقية روما الملاحية المجمدة منذ عام 2015 بهدف الاستفادة من الموانئ المصرية لنقل الصادرات التركية من ميناءي مرسين وإسكندرونة التركيين إلى موانئ دمياط المصرية وبورسعيد على البحر المتوسط قبل نقلها لاحقًا إلى ميناء العرب على البحر الأحمر، ثم نقلها على متن السفن التركية إلى دول الخليج. كذلك، يشكل قطاع الطاقة مجالًا حيويًا للتعاون الاقتصادي حيث أصبحت مصر موردًا رئيسيًا للغاز الطبيعي المسال لتركيا بحلول نهاية عام 2021، وخلال النصف الأول من 2022 تصدرت تركيا قائمة أعلى الدول استيرادًا للغاز الطبيعي المسال من مصر بقيمة إجمالية تقدر بحوالي 1.1 مليار دولار.
استنتاج ختامي، تقبع العلاقات المصرية التركية حاليًا في مربع الانفراج وليس الوفاق، الأمر الذي يتطلب المزيد من الجهود الدبلوماسية لتعزيز الثقة وتصفية الملفات الخلافية، وبالتالي فإن الارتقاء الدبلوماسي للعلاقات بين البلدين هو خطوة في هذا الاتجاه تحتاج البناء عليها، ويُمكن تقييم المرحلة المقبلة على النحو التالي:
• رغم تراجع أولوية ملف توظيف جماعة الإخوان كعنصر للخلاف على أجندة العلاقات الثنائية لصالح القضايا الإقليمية، يظل فك الارتباط بين أنقرة وجماعات الإسلام السياسي يدور في فلك المناورة التكتيكية وليس التوجه الاستراتيجي نظرًا لرغبة تركيا في إبقاء ورقة الجماعات الإسلامية كإحدى أدواتها لتحقيق مصالحها الخارجية، ولا يتوقع تسليمها عناصر جماعة الإخوان المطلوبين لدى القاهرة، فقد أحجمت أنقرة عن صياغة مقاربة واضحة للتعامل مع قضية العناصر الذين يعيشون داخل أراضيها، ولم تطرد كبار أعضاء الجماعة المقيمين لديها.
• لا يتوقع تخلي الدولتين عن مصالحهما الأمنية والاستراتيجية في ليبيا، فمن المستبعد أن تُبدي أنقرة استجابة فورية لرغبة القاهرة في انسحاب المليشيات السورية المدعومة من تركيا، التي تعتبرها مصر تهديدًا أمنيًا، لكن يتوقع قدر أكبر من التنسيق الأمني ومراعاة الحساسيات المصرية ومحاولة إيجاد حلول مشتركة.
• سيظل القلق قائما من التحركات التركية في السودان عقب الاضطرابات الأخيرة بما يسمح لأنقرة بترسيخ موطئ قدم في البحر الأحمر وإحياء طموحات تأجير ميناء سواكن لإقامة قاعدة عسكرية.
• ترسيم الحدود البحرية، فأي تقارب بين البلدين لا يعني تخليًا عن التحالف المصري-اليوناني-القبرصي الاستراتيجي، وبالتالي فإن التفاهمات المستقبلية لن تغير الوضع القائم بشرق المتوسط ولن تأتي على حساب حقوق دول حوض شرق المتوسط.
• يشكل القطاع العسكري والدفاعي مجالًا محتملًا للتعاون ولا سيمَّا فيما يتعلق بالطائرات بدون طيار، ولكن ليس على المدى القريب، حيث يتطلب هذا الشكل من التعاون الاستراتيجي سواء على مستوى الصفقات الشرائية أو التصنيع المشترك تسوية القضايا الخلافية أولًا، وبالتالي لن تترجم التطورات الدبلوماسية الأخيرة بشكل فوري إلى تعاون دفاعي وإنما سيتوقف الأمر على حجم التقدم المحرز على صعيد العلاقات الثنائية، ومع ذلك ربما يشهد الأجل الطويل مناقشات لإحياء اتفاقية سابقة بين أردوغان والسيسي في مايو 2013، عندما كان الأخير وزيرًا للدفاع، لفتح خط ائتمان تركي بقيمة 200 مليون دولار لتمويل مبيعات أسلحة تركية إلى مصر ومشاريع إنتاج عسكري مشترك.
• تمهد خطوة ترفيع العلاقات الدبلوماسية المصرية التركية الطريق أمام الإعداد للقاء مُرتقب تُشير المعلومات المتواترة عن احتمالية كبيرة لعقده قبل انتهاء هذا العام بين السيسي وأردوغان، كإعلان عن إعادة إطلاق العلاقات الثنائية على هذا المستوى السياسي الرفيع، ومناقشة خطط التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري والأمني والثقافي.
.
رابط المصدر: