انهت المحكمة الاتحادية العراقية الثلاثاء تمثيل رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، في حكم مفاجئ، إثر شكوى تقدم بها النائب السابق في البرلمان العراقي ليث الدليمي، بدعوى تزوير تأريخ استقالته المقدمة الى رئيس حزبه سابقاً محمد الحلبوسي.
وقد نشرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها في يوم الثلاثاء 14 تشرين الثاني 2023 متضمناً انهاء عضوية محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب العراقي، وليث الدليمي من عضوية المجلس، وبهذا انتزعت المحكمة صفة رئيس مجلس النواب منه بعد انهاء هذه العضوية، دون ان يتضمن القرار المسببات والتفاصيل او اي اشارات قانونية او جنائية اخرى، لاسيما وان مدار الدعوى تتعلق بتهمة تزوير التاريخ المسطر على اصل الاستقالة المقدمة من النائب الى الحلبوسي.
وفقا لذلك سنبين خلفيات هذا القرار وردود الافعال والمسارات السياسية القادمة المترتبة على ذلك كالاتي:
اولا: الخلفيات
من الواضح جدا تتبع خلفيات تفسير ما حصل، اذ ان الخلاف والتقاضي ومجريات الدعوى ومحركاتها دارت حول جنبات سياسية ناتجة عن خلافات داخل حزب تقدم ووجود رفض لطريقة ادارة الحزب من قبل الحلبوسي وتمرد بعض النواب والاعضاء على ذلك، في مقابل ذلك ضمن الحلبوسي منعاً لذلك الى كتابة استقالات مبكرة له من المرشحين معه، من عضوية البرلمان في حال فوزهم لضمان الولاء السياسي، وتحريكها خلافا لذلك، وهذا ما حصل مع النائب ليث الدليمي، وحسب ادعاء الاخير ان الحلبوسي وضع تاريخا بخط يده على اصل استقالته حينما اصبح نائباً، في حين ان الاستقالة سابقا بوقت سابق لهذا التاريخ.
ان ازمة الثقة بين قادة ونواب المكون السني متفاقمة وتتفاقم بشكل طردي نظرا للممارسات السابقة للنواب والساسة السنة في تغيير التموضع بين الكتل والاحزاب وعدم انسجام المواقف السياسية داخل الكتلة الواحدة في البرلمان وخارجه، وخاصة ان النائب السابق ليث الدليمي لديه سوابق وتهم واعترافات تتعلق بالإرهاب وكان موقوف قانونيا لمدة خمس سنوات، واطلق سراحه بسبب عدم كفاية الأدلة ولم يصدر حكما بالبراءة. وهنالك من استغل هذه الخلفيات والخلافات، بعد ان اصدر الحلبوسي امرا نيابيا بقبول استقالة الدليمي على خلفية عدم الالتزام بأوامر وسياسات المجلس القيادي لحزب تقدم ومخالفة النظام الداخلي للحزب، والدفع باتجاه الشكوى القانونية ودعمها وتسليط الضوء الاعلامي على مخالفات الحلبوسي والتغاضي عن تهم واعترافات الدليمي، في تفسير واضح ان ابعاد هذه القضية سياسية يرتبط بالمصالح الحزبية لجهات ضد جهات اخرى اكثر منه حرصا على مسألة دعم القانون والقضاء وتصحيح مسار العمل النيابي، والهدف واضح: اسقاط الحلبوسي ليس من رئاسة البرلمان فحسب انما من الواقع الانتخابي والسياسي، بسبب تزايد مقاعده النيابية وجمهوره الانتخابي ليس في المحافظات السنية بل المختلطة، خاصة انه حقق مقاعد في بغداد انتزعت من جرف قوى تقليدية معروفة، ودخوله بقوة في انتخابات مجالس المحافظات، خاصة في العاصمة شكل تهديدا خطيرا لمواقع هذه القوى التي شعرت بتنامي الوزن السياسي للحلبوسي وحزبه، ما دفعها الى مواجهته وانهاءه، والتفكير في مسألة اللجوء للمحكمة الاتحادية يخدم هذا الطرح، كونه سيقضي عليه من منصبه، والمكون السني دائما ما يرتبط بالزعامة من خلال المواقع العليا واستحصال المنافع والمكاسب عبر ذلك، وتجريده من منصبه دون عودة او قدرة على الطعن، يعد مسار ضروري لإضعافه مستقبلا وانهاء طموحاته السياسية المتعلقة بزعامة المكون السني سياسياً. لاسيما ان انتخابات مجالس المحافظات ستشهد مقاطعة شيعية واسعة لها، سيعطي فرص اوسع لحزب تقدم استغلال ذلك وفق معطيات القانون الانتخابي لتحقيق نتائج متقدمة في المحافظات المختلطة اغلبها حسب المتوقع ستذهب لتقدم.
ثانيا: ردود الافعال
اول رد فعل ممكن تتبعه والتركيز عليه هو تصريحات الحلبوسي من جهة وموقفه من قرار المحكمة الاتحادية، وتصريح رئيس الاخيرة حول تبعات القرار، ومواقف القوى السنية والاطار التنسيقي. فقد ابلغ الحلبوسي بقرار المحكمة الاتحادية اثناء ترأسه لجلسة اعتيادية للمجلس واعتبره قرار غريب وانه سيتخذ اجراءات ورفع الجلسة، ثم اعقب ذلك عقده لقاء صحفي فند فيه قرار المحكمة بعدم استناده للدستور والقانون، اذ ليس من مهامها النظر بالاتهامات والخلافات المتعلقة برئيس مجلس النواب واختصاصها في هذا السياق حددته المادة ٩٣ من الدستور التي تتمحور حول عدة اختصاصات من بينها الفصل في مثل هكذا امور تخص منصبي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء حصرا، وان ما ورد من تهم في الدعوة المقامة ضد الحلبوسي في المحكمة من اختصاص المحاكم العادية التي تستلزم في حال حصول مبررات التعمق بالدعوة واستقدامه حول جريمة التزوير طلب رفع الحصانة عنه داخل المجلس ثم استئناف مقاضاته.
وهذا فيه وجهات نظر قانونية قد تكون مقبولة الى حدٍ ما، خاصة ان اصل الدعوة لا يمكن من خلالها اعتبار المحكمة الاتحادية محكمة موضوع، كما اثار الحلبوسي معلومة مهمة وهي ان اصل القرار لا يرتبط بموضوع التزوير وحاولت المحكمة ربط القرار برد طلبات الشكوى المقدمة من قبل النائب باسم خشان المتعلقة بقضايا الارتباط بجهات اسرائيلية وقضايا اخرى، وكأن الدعوة جديدة، اذ ان المحكمة حسب قوله قررت غلق الدعوة يوم ١٣/١١/٢٠٢٣، ثم تدخل طرف ثالث لم يسميه لإعادة نطق حكم في اليوم التالي مباشرة، متهما المحكمة بالتسييس لإعادة فتح الدعوة وانهاء عضويته، واوضح انه سيبين لاحقا هذه التداعيات، تبع ذلك ضمن ردود الافعال طرح استقالة الوزراء الثلاثة المرتبطين بالحلبوسي في الحكومة العراقية اضافة الى استقالة رؤساء اللجان النيابية داخل البرلمان.
ومع كل هذا لم يستنفذ الحلبوسي كل ما لديه ويبدو ان لديه امل بالعودة للمنصب ويحاول تجريد الصفة القانونية للقرار والضغط على المحكمة الاتحادية بكل السبل المتاحة، اما حزب تقدم الذي يرأسه الحلبوسي فقد اصدر بياناً اوضح فيه إنه متمسك بكل الاتفاقات السياسية إلا أن حكم المحكمة الاتحادية خالفه، وقد تم اعتباره انتهاكاً واضحاً للدستور واستهدافاً سياسياً، وعقد قادة وممثلو هذا الحزب اجتماعا بعد صدور هذا الحكم وقرروا مقاطعة اجتماعات ائتلاف ادارة الدولة، وبحسب قرار حزب تقدم فإن ممثلي هذا الحزب في البرلمان سيقاطعون كافة جلسات البرلمان.
بالمقابل فقد كان اول رد فعل لرئيس المحكمة الاتحادية بتصريحه أن هذا الحكم نهائي وملزم، ولا يخضع لطرق الطعن القانونية، ما يعني انها لن تتراجع في قرارها او توضيح اكثر بشأنه. اما موقف ورد فعل القوى السياسية السنية الأخرى فكان مُرحباً بشكل مطلق للقرار واعتبروه انتصارا سياسيا لهم مؤكدين على دعم القضاء العراقي وعدالته بشكل مغاير لما كانوا يطرحوه سابقا ازاءه، اذ لم يكن هذا الموقف مفاجئاً في هذه الأثناء وقدموا الدعم الكامل لهذا الحكم.
وأصدر ائتلاف الأنبار الموحد في محافظة الأنبار، مسقط رأس ومكان نشاط الحلبوسي السياسي، بيانا أكد فيه أن هذا القرار يدل على استقلالية النظام القضائي وأن هذا النظام هو صمام الأمان والضامن لاستقرار الوطن والأمة ويدعم الدستور والعملية السياسية في البلاد.
اما جمال الكربولي أحد الشخصيات السياسية السنية العراقية المؤثرة والمعتقل سابقا بتهم فساد، دعم هذا القرار في إشارة وصف الحلبوسي بالشخص الذي “اعمت عيونه السلطة”، في غضون ذلك، دعا تحالف السيادة برئاسة خميس الخنجر المتحالف مع الحلبوسي، على احترام قرارات القضاء العراقي، والدعوة الى عقد اجتماع عاجل للقادة السياسيين السنة العراقيين لبحث الخطوات المقبلة. ولم يعلن هذا التحالف عن خطواته المقبلة، لكن من المحتمل أن تكون قرارات تحالف السيادة مرتبطة بانتخاب رئيس مجلس النواب بديلا للحلبوسي والمضي بالمشاركة بقوة في انتخابات مجالس المحافظات دون فك الشراكة معه وهذا إجراء من شأنه أن يسبب أزمة سياسية في العراق، لان الحلبوسي يراهن على عودته لمنصبه عبر التأكيد على عدم قانونية قرار المحكمة الاتحادية واستخدام كل ما لديه من اوراق وادلة وجمهور سياسي وعلاقات داخلية وخارجية لتحقيق ذلك او على الاقل عدم استبعاده من المشهد السياسي وتصحيح الاوضاع لاحقا عند اجراء انتخابات مجلس النواب.
اما الاطار التنسيقي فقد دعا الى احترام القرار ما يعزز فرضية تبني دعم سحب منصب رئاسة البرلمان من الحلبوسي بأي طريقة كانت، وخاصة ان بعض قواه دخلت بمشاكل سياسية وادارية ومالية مع الحلبوسي في ملفات الانبار والتعامل مع هيئة النزاهة بطريقة غير مقبولة، كما ان رئيس الوزراء لم يصرح حول الموقف او الاستقالات المقدمة من وزراء تقدم، والتقى بالحلبوسي وصدر الخبر لقاءه برئيس مجلس النواب وليس السابق او زعيم كتلة، وبعدها التقته جينين بلاسخارت دون الاشارة اليه بهذه الصفة.
اما الحزب الديمقراطي الكردستاني فقد دعم الحلبوسي واشار الى اهمية التوافق والشراكة في العملية السياسية وهذا الموقف ناتج عن علاقات الحزب الجيدة مع الحلبوسي والعلاقة المتوترة مع المحكمة الاتحادية التي اصدرت عدة قرارات ضد حكومة الاقليم خاصة ما يتعلق بتصدير النفط وغيرها، ما يعطي زخماً ودعما للحلبوسي، ما يعني انه سيراهن على العودة عبر سياق قانوني او سياسي، يمكن اتباعه من قبل المحكمة وهو ظهور ادلة جديدة او تفسير مغاير لحيثيات الدعوة واصل النظر فيها بما يعرف (بالعدول القضائي)، او من خلال ارادة قادة الكتل السياسية وترجمتها داخل مجلس النواب لصالحه.
ثالثا: المسارات القادمة
حقيقة ان تداعيات هذا الحكم لن تمر دون تبعات لان إجراء انتخابات مجالس المحافظات العراقية، المقرر إجراؤها في 18 كانون الأول القادم وفق هذه المعطيات، سيؤدي بلا شك إلى تعقيد الوضع السياسي في البلاد، لان الحلبوسي يمتلك جمهور وحلفاء، وفوزه فيها يشكل تحدي جديد كمعارض سياسي يمتلك الكثير من ادوات المعارضة والرفض والتصعيد التي بالإمكان ان تجعله يتصرف كما يتصرف القادة الكرد اتجاه الحكومة الاتحادية انطلاقا من محافظة الانبار والمدن المحررة، بدءا من المطالبة بالاقليم السني او الدولة السنية او التحفظ على كل قرارات خصومه بما يؤجج مشاعر ومواقف اعوانه وحلفاءه وجمهوره. فبعد ان كان شريكا في تحالف ادارة الدولة ويتبنى مواقفها ومواقف الحكومة ومن يقف خلفها، رغم تحفظاته غير المعلنة طالما انه يحقق مصالح جمهوره، اصبح بعد قرار المحكمة دون هذه القيود او العوائق لتبني سياسات وخيارات وتصريحات كاشفة لأمور لا تناسب متبنيات الحكومة وسياساتها وتنسجم مع طموحات المكون السني في دعم مواقف مضادة من مواقف الحكومة ومن يسيطر عليها في سياقات داخلية وخارجية لها مساس مباشر بمتبنيات المكون السني القومية والسياسية والامنية والاجتماعية ما يعني ان شعبيته ورصيده السياسي سيزداد حتى وان كان خارج المنصب.
المصدر : https://www.mcsr.net/news857