مُنيت المعارضةُ التركية (تحالف الطاولة السداسية) بهزيمة غير متوقعة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو 2023، إثر فوز الرئيس رجب طيب أردوغان في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية على مرشح تحالف المعارضة كمال كليجدار أوغلو، وفوز التحالف الحاكم بأغلبية أصوات البرلمان (335 مقعداً من إجمالي 600 مقعد). وسيكون لهذه الخسارة تبعات على قوى المعارضة في تركيا، وعلى المشهد السياسي التركي برمّته.
نهاية تحالف الطاولة السداسية
بَنَت المعارضةُ آمالها للفوز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية على توحيد قوتها ضمن تحالف سداسي ضم ستة أحزاب مختلفة التوجهات أيديولوجياً وسياسياً، هي: حزب الشعب الجمهوري الأتاتوركي، وحزب الخير القومي اليميني، وحزب المستقبل اليميني المحافظ، وحزب السعادة الإسلامي، وحزب “الديمقراطية والتقدم” (دواء) الليبرالي، والحزب الديمقراطي اليميني. وحصل هذا التحالف في الانتخابات الرئاسية على دعم من حزب الشعوب الديمقراطية الكردي الذي دخل الانتخابات تحت اسم حزب آخر هو حزب اليسار الديمقراطي. وقدم هذا التحالف خطةً سياسية كاملة تقوم على إعداد دستور جديد أكثر ليبرالية وديمقراطية يعيد نظام الحكم البرلماني ويطيح بنظام الحكم الرئاسي المركزي الحالي، وخطة اقتصادية تشمل إصلاحات جذرية كبيرة، ووعد بالتقارب مع الغرب وخصوصاً الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من إعلان كمال كليجدار أوغلو، مهندس هذا التحالف، أنه سيستمر في نهجه السياسي حتى لو اضطر مستقبلاً لإنشاء تحالف أكبر، إلا أن حزب الخير القومي، ثاني أكبر أحزاب التحالف، أعلن انتهاء هذا التحالف بعيد انتهاء الانتخابات الرئاسية، فقد وجّهت زعيمة حزب الخير ميرال أكشنار انتقادات للتحالف خلال مؤتمر حزبها الذي جدّد لها زعامة الحزب في يونيو الماضي، وقالت إن دخول حزبها في هذا التحالف أثر سلبياً في أصوات حزبها، وأن القاعدة الحزبية الحالية لحزبها لم تدعم هذا التوجه خلال الانتخابات، وإنْ حاول بعض قيادات الحزب التخفيف من لهجة هذه الانتقادات، وترْك الباب مفتوحاً أمام تعاون جديد مع حزب الشعب الجمهوري مستقبلاً لكنْ بشروط جديدة، وأوضح هؤلاء أن حزبهم ليس ضد إقامة تعاون سياسي جديد مع حزب الشعب الجمهوري، لكنْ دون ضم الأحزاب الأخرى الصغيرة إليه.
الوضع داخل حزب الشعب الجمهوري
توقع كثيرون أن يُعلن زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو استقالته من زعامة الحزب بعد خسارته للانتخابات الرئاسية، إلا أن كليجدار أوغلو فاجأ الجميع ليلة الانتخابات وبعد الإعلان عن نتائجها بإصراره على البقاء في زعامة الحزب. وفي المقابل تعالت الأصوات داخل الحزب مُطالبةً “بتغيير” في قيادة الحزب، لكن هذه الأصوات تركت لكليجدار أوغلو إدارة هذا التغيير وحجمه. لكن كليجدار أوغلو اكتفى بتغيير المكتب التنفيذي للحزب من دون تغيير جذري في قواعده أو شعاراته، ورفض دعوات التنحي عن زعامة الحزب، ما أدى إلى ظهور تململ كبير داخل الحزب وظهور معارضة داخل صفوفه لزعامة كليجدار أوغلو على رأسها رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو.
في المقابل، دعا كليجدار أوغلو إلى بدء الانتخابات الداخلية للحزب، لتبدأ على مستوى المدن أولاً وتنتهي بمؤتمر حزبي عام في أكتوبر المقبل لانتخاب زعيم جديد للحزب، وذلك نزولاً عند رغبة قواعد الحزب بالتغيير المطلوب، لكن كليجدار أوغلو لا يُخفي رغبته في الترشح مجدداً لزعامة الحزب، بل بدأ في إقصاء العديد من كوادر الحزب المعارضة له واستبدالها بمقربين منه من أجل ضمان ولائهم له أثناء الانتخابات، وضمان إعادة انتخابه لزعامة الحزب.
كان من شأن هذه الخطوات زيادة التوتر داخل الحزب والدفع بأكرم إمام أوغلو إلى رفع صوته أكثر مُطالباً بالتغيير، لكن إمام أوغلو يرفض حتى الآن إعلان ترشحه لزعامة الحزب، وما زال يأمل بألّا يترشح كليجدار أوغلو للزعامة، مقابل بقائه في رئاسة البلدية ووصول شخصية متفق عليها للزعامة. وأنشأ إمام أوغلو موقعا إلكترونياً خاصاً به تحت اسم “التغيير” طالب فيه ناخبي الحزب بطرح آرائهم وأفكارهم بشكل التغيير المطلوب، على أمل أن يستند إلى ما سيجمعه من آراء من ناخبي الحزب لمواجهة كليجدار أوغلو. وهنا تبدو الخيارات أمام أكرم إمام أوغلو صعبة ومحدودة، وهي:
1. الإذعان لخطة كليجدار أوغلو وترك الزعامة له، والقبول بالترشح مجدداً لرئاسة بلدية إسطنبول في الانتخابات البلدية المقبلة في مارس 2024. فإن فاز في الانتخابات سيكون الزعيم السياسي الوحيد الذي انتصر على الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه في إسطنبول مرتين، وعليه سيكون باستطاعته الترشح لزعامة حزب الشعب الجمهوري بأريحية، خصوصاً في حال حصل حزبه على أغلبية أعضاء مجلس البلدية بشكل يؤمّن وصول شخص آخر محله من نفس الحزب لرئاسة البلدية في حال تركها. لكنْ في حال خسارته الانتخابات فإن مستقبله السياسي قد ينتهي، وهو احتمال وارد بسبب تشرذم المعارضة وضعفها، خصوصاً في حال تأكد الحديث داخل الحزب عن نية كليجدار أوغلو إقصاء إمام أوغلو من الحياة السياسية في حزب الشعب الجمهوري ليضمن بقاءه في زعامة الحزب مستقبلا، مما سيدفع كليجدار أوغلو إلى عدم تقديم الدعم السياسي المتوقع والمطلوب لأكرم إمام أوغلو في هذه الانتخابات.
2. ترْك رئاسة بلدية إسطنبول والترشح لزعامة الحزب في المؤتمر العام في أكتوبر المقبل، لكن قانون الأحزاب السياسية في تركيا يضع في يد زعيم الحزب قوةً كبيرة في اختيار قاعدة الحزب التي ستصوت في المؤتمر، وعليه فإن احتمال فوز إمام أوغلو بزعامة الحزب في هذه الظروف أمام كليجدار أوغلو ستكون صعبة للغاية. كما أنه يمكن تحميل إمام أوغلو نتيجة الانتخابات البلدية المقبلة في حال خسارتها بسبب تركه لرئاسة البلدية مبكراً.
3. بقاء إمام أوغلو في رئاسة البلدية والترشح مجدداً لانتخاباتها، مقابل أن يتراجع كليجدار أوغلو عن الترشح لزعامة الحزب، ودعم الطرفين لمرشح توافقي لزعامة الحزب من أجل بدء مرحلة جديدة.
ويبدو أن قيادات الحزب تأمل في تحقيق الاحتمال الثالث من أجل الخروج من هذه الأزمة، لكنّ تعنت كليجدار أوغلو، واحتمال فشل الوصول إلى حل توافقي، واستمرار الانقسام داخل حزب الشعب الجمهوري حتى الانتخابات البلدية المقبلة سيُنهي آمال التجديد ليس في الحزب فقط وإنما في أوساط المعارضة ككل، كما يقول المحلل السياسي المخضرم فكرت بلا.
وفي الأثناء، فإن أكرم إمام أوغلو لا يزال يواجه التهديد بالإقصاء عن الحياة السياسية لمدة خمس سنوات على الأقل، بسبب القضية التي حُكم عليه فيها بتهمة ازدراء وزير الداخلية خلال الانتخابات البلدية عام 2019، والتي تقضي بحبسه عامين وسبعة أشهر، وحرمانه من الترشح لأي منصب سياسي خلال خمس سنوات قادمة، وهو أمر ينتظر حكم محكمة الاستئناف النهائي والمتوقع أن يؤيد الحكم الابتدائي في ظل سيطرة الرئيس أردوغان على قضاة تلك المحكمة. وعليه فإنه حتى لو قَبِل إمام أوغلو بالترشح لبلدية إسطنبول مجدداً فإن صدور حكم نهائي بحبسه سيؤدي إلى إقصائه عن تلك الانتخابات ورئاسة البلدية، وعليه فإنه يسعى بقوة للفوز بزعامة الحزب، إذ إن وصوله إلى زعامة الحزب قبل صدور الحكم النهائي عليه سيجعل الحكم بإدانته سياسياً أصعب على الرئيس أردوغان الذي سيفكر في عواقب حبس زعيم أكبر حزب معارض في البلاد ورد فعل الشارع على ذلك.
هنا تجدر الإشارة إلى أمر مهم، وهو السبب في تعنُّت كليجدار أوغلو وإصراره على البقاء في زعامة الحزب على الرغم من أن سياساته السابقة كانت تشير إلى انتهاجه سياسة الإيثار وتقديم المصلحة العامة على مصالحه السياسية الشخصية، وهو ما ظهر بوضوح في مسيرة توحيد المعارضة وتقديمه تنازلات كبيرة لأحزاب المعارضة الصغيرة من أجل تشكيل تحالف أقوى، وهو أمر لا يظهر له أي سبب سوى حديث كليجدار أوغلو بعد الانتخابات “بأنه حقق نتيجة جيدة في الانتخابات الرئاسية بحصوله على نحو 47.5% من الأصوات، وأن هذه النتيجة لا يمكن اعتبارها هزيمة له”.
أحزاب المعارضة اليمينية الصغيرة في البرلمان تواجه خطر الاضمحلال
دخلت أحزاب المعارضة اليمينية الصغيرة الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الشعب الجمهوري، ووفقاً لنتائج الانتخابات حصل حزب دواء الليبرالي على 15 مقعداً، وحزبا السعادة الإسلامي والمستقبل اليميني المحافظ على 20 مقعداً، والحزب الديمقراطي اليميني على 3 مقاعد. وقد تمكّنت هذه الأحزاب من دخول البرلمان لأول مرة بفضل تحالفها مع حزب الشعب الجمهوري ضمن تحالف الطاولة السداسية. وقد شكّل حزبا السعادة الإسلامي والمستقبل اليميني المحافظ كتلة برلمانية، ومن ثمَّ فقد حصلا على الحق في التمثيل في اللجان الفرعية للبرلمان، وحق تقديم الاستجوابات البرلمانية للحكومة. فيما بقي حزب الدواء وحزب الديمقراطي محرومين من هذا الحق بسبب رفضهما الانضمام إلى هذه الكتلة البرلمانية، وبقي تأثيرهما بالتالي ضعيفاً داخل البرلمان. والسبب الأساسي في رفض حزب دواء والحزب الديمقراطي الانضمام إلى هذه الكتلة البرلمانية هو حرصهما على الحفاظ على هويتهما السياسية، وعدم الدخول في تحالف أقوى مع حزبين محسوبين على تيار الإسلام السياسي ولو في المعارضة.
هذا التشرذم بين أحزاب المعارضة اليمينية، وانقسامها على نفسها بين تيار إسلامي وآخر ليبرالي، أدى إلى إضعاف قوتها في البرلمان عموماً، لكن الأهم، أن هذا الوضع يفتح الباب أمام التحالف الحاكم لاستمالة هذه الأحزاب اليمينية، وخصوصاً التابعة لتيار الإسلام السياسي، للتعاون مستقبلاً في إقرار عدد من القوانين، أو حتى إقرار مشروع الدستور الجديد الذي يعمل التحالف الحاكم على إقراره، والذي لا يملك العدد الكافي داخل البرلمان لإقراره بشكل منفرد دون الحصول على دعم من جزء من المعارضة.
ومعروف عن الرئيس أردوغان براغماتيته وقدرته السياسية على تفريق أحزاب المعارضة من خلال طرح قضايا جدلية تتعارض آراء أحزاب المعارضة بشأنها. وسيكون أهم اختبار لذلك عندما يفتتح البرلمان دورته الجديدة في أكتوبر المقبل، حيث ينوي التحالف الحاكم طرح مسألة حرية ارتداء الحجاب على البرلمان، من أجل وضع مادة في الدستور تضمن ذلك، وعدم الاكتفاء بالقانون الحالي الذي يتيح هذه الحرية، بالإضافة إلى طرح مادة أخرى بشأن “تكوين الأسرة التركية” الذي يهدف إلى محاربة “الشذوذ الجنسي” في البلاد بجميع أشكاله. وينوي الرئيس أردوغان تضمين هذين الملفين ضمن حملته الانتخابية للانتخابات البلدية المقبلة. ومعروف أن حزبي السعادة والمستقبل –20 نائباً– لا يمانعان في هذا التوجه، بسبب سياساتهما الإسلامية العلنية، بل إن حزب الخير القومي المعارض لا يعلن رفضه بشكل علني لهذين المشروعين.
ومن شأن هذا الأمر عند طرحه في البرمان أن يزيد من تشرذم أحزاب المعارضة وانقسامها في حال أبدا حزبا السعادة والمستقبل تأييدهما له، ويفتح الباب أمام تعاون مستقبلي أكبر بين هذين الحزبين والتحالف الحاكم بشكل يُكسِب التحالف الحاكم 20 نائباً إضافياً في البرلمان لدعم توجهاته الإسلامية. والأهم، أنه في حال حصول التحالف الحاكم على دعم هذين الحزبين في التصويت على إقرار هاتين المادتين، فإن هذا الأمر سيؤثر سلبياً في احتمال عودة المعارضة إلى التعاون فيما بينها في الانتخابات البلدية، خصوصاً في حال قدَّم الرئيس أردوغان بعض الإغراءات لهذين الحزبين بالتنازل لهما عن عدد قليل من البلديات الصغيرة في الأناضول للفوز بها في الانتخابات البلدية مقابل دعم مرشحه لبلديتي إسطنبول وأنقرة. وقد يؤدي هذا التعاون –إن حصل– إلى تعاون أكبر بين الطرفين في مسألة إقرار دستور جديد للبلاد بعد الانتخابات البلدية.
وضع حزب الخير القومي
يُعد حزب الخير القومي أكبر حزب معارض في البرلمان حالياً مع 44 نائباً، وقد تخطى الحزب السجالات الداخلية بعد الانتخابات من خلال عقد مؤتمره الحزبي الذي جدد الثقة في زعامة ميرال أكشنار، لكنْ هناك أصوات داخل الحزب تنادي بالتعاون مع التحالف الحاكم مستقبلاً من أجل الحصول على امتيازات أكبر في التوظيف داخل أجهزة الدولة، والحصول على منافع اقتصادية أكبر تدعم قاعدته الحزبية.
وكما ورد سابقاً، فإن الحزب لا يزال منفتحاً على التعاون والتحالف مع حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات البلدية المقبلة لكنْ بشروط، أهمها عدم إشراك أي حزب آخر في هذا التحالف القادم المحتمل، وكذلك تنازل حزب الشعب الجمهوري عن الترشح لرئاسة بلديتي مرسين وأضنة في جنوب تركيا، مقابل دعم مرشح حزب الشعب الجمهوري في بلديتي أنقرة وإسطنبول. هذه الشروط تبدو صعبة بالنسبة لحزب الشعب الجمهوري الذي يعاني انقساماً داخلياً، كما شرحنا أعلاه، خصوصاً مع تصاعد الاتهامات لزعيم الحزب كمال كليجدار أوغلو بتقديم تنازلات كبيرة لأحزاب اليمين الصغيرة التي وصلت إلى البرلمان على قوائم الحزب، مما أفقد حزب الشعب الجمهوري نحو 35 مقعداً ذهبت إلى نواب تلك الأحزاب.
كما أن موقف حزب الخير المعارض بشأن “الاختبار” الذي سيقدمه الرئيس أردوغان في أكتوبر المقبل، من خلال طرح تعديل دستوري بشأن حرية ارتداء الحجاب وتكوين الأسرة التركية، ليس واضحاً بعد، وفي حال تعاون الحزب مع التحالف الحاكم في هذين الملفين فإن الفجوة بينه وبين حزب الشعب الجمهوري ستتسع أكثر.
وضع الأكراد داخل المعارضة
أدت سياسة الرئيس أردوغان المبنية على اتهام حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بدعم الإرهاب، إلى تجنُّب تحالف المعارضة السداسي الدخول في أي تعاون علني مع الحزب الكردي، وعلى الرغم من تصويت القاعدة الانتخابية الكردية لصالح مرشح المعارضة كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية، إلا أن نسبة المشاركة في المناطق ذات الغالبية الكردية في تركيا تراجعت بسبب انزعاج الأكراد من إدارة التحالف السداسي ظهرَه لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي، ما أدى إلى تراجع نسبة أصوات هذا الحزب وتراجع عدد مقاعده داخل البرلمان إلى 55 مقعداً.
كما أن النتائج المخيبة للآمال للمعارضة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، دفعت صلاح الدين دميرطاش، الزعيم السابق للحزب والمسجون حالياً بتهم دعم الإرهاب، إلى إعلانه اعتزال الحياة السياسية نهائياً. وعلى الرغم من وجوده داخل السجن فإن دميرطاش يُعد الزعيم الروحي للحزب والأكثر تأثيراً في الشارع الكردي، وخروجه من الساحة السياسية بهذا الشكل يؤثر بشكل كبير في معنويات الناخب الكردي المحبط أصلاً من نتائج الانتخابات، فضلاً عن أن الحزب يواجه حالياً قضية معروضة أمام المحكمة الدستورية العليا لحظره لم يُبتّ فيها بعد، ويُعتقَد أن المحكمة الدستورية قد تصدر حكمها بحل الحزب قبيل الانتخابات البلدية بشكل يؤثر وبقوة في مشاركته في هذه الانتخابات، حتى إنْ قدَّم مرشحيه بشكل مستقل.
ولا يمكن أيضاً تجاهُل أثر الشعور بالغبن والظلم بين ناخبي الحزب بعد أن أقصت الحكومة معظم رؤساء البلديات الذين فازوا في الانتخابات البلدية السابقة عام 2019 من قوائم الحزب عن تلك البلديات، والزج بهم في السجن بتهمة دعم الإرهاب، وتعيين الحكومة مقربين من الحزب الحاكم بدلاً عنهم في تلك البلديات. وهو أمر يدفع هؤلاء الناخبين إلى مقاطعة الانتخابات البلدية لشعورهم بأن أصواتهم، حتى لو أوصلت مرشحي الحزب إلى رئاسة البلديات، فإن الرئيس أردوغان قادر على إقصائهم من خلال استخدام نفس الحجة السابقة، ناهيك عن إحجام كثير من قيادات الحزب عن الترشح للانتخابات البلدية بعدما رأوا مصير سابقيهم.
وفي البرلمان تستمر عزلة النواب الأكراد في ظل استمرار سياسة الرئيس أردوغان باتهام حزبهم بدعم الإرهاب، واعتماد سياسة قومية متشددة ووصول عدد كبير من النواب القوميين واليمينيين للبرلمان بعد الانتخابات الأخيرة، وهو أمر يزيد من ضعف وتشرذم المعارضة داخل البرلمان بشكل عام.
خلاصة واستنتاجات
تُراهن فئة قليلة داخل المعارضة على أن وصول أكرم إمام أوغلو لزعامة حزب الشعب الجمهوري قد يُخرج المعارضة وناخبيها من حالة اليأس والتشرذم التي تعانيها، ويبدأ معه مسار جديد للمعارضة، لكن تحقيق هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً للغاية، والراجح أن يتم إقصاء إمام أوغلو من الحياة السياسية؛ إما بخسارته الانتخابات البلدية المقبلة إنْ ترشَّح لها، أو من خلال الحكم عليه بالسجن بشكل نهائي. كما أن الانقسامات الحاصلة داخل حزب الشعب الجمهوري ستحدّ من قدرته على جمع قوى المعارضة مجدداً، وقد تتجه الأحزاب اليمينية الصغيرة إلى التعاون بشكل تدريجي مع التحالف الحاكم مستقبلاً بشكل يدفع إلى غلبة التيار القومي الإسلامي على الحياة السياسية والبرلمانية في تركيا.
وعليه تبدو حظوظ المعارضة في تحقيق أي نصر سياسي محدودة للغاية، مما يُمهِّد لسيطرة أكبر للرئيس أردوغان والتحالف الحاكم على البرلمان والحياة السياسية، ويهدد بتراجع العمل السياسي المعارض في تركيا، ولعل أهم مؤشرات ذلك بدت واضحة في التصويت الذي جرى على رفع نسبة الضرائب في تركيا في منتصف شهر يوليو، والذي أحجم فيه نواب المعارضة عن المشاركة في التصويت بحجة أن النتيجة محسومة سلفاً لصالح التحالف الحاكم، وهو ما أثار غضباً واسعاً بين ناخبي المعارضة ربما ينعكس بإحجام الناخبين عن المشاركة في التصويت في الانتخابات البلدية المقبلة، وهو ما قد يُقوِّي عزم الرئيس أردوغان على إقرار دستور جديد يفتح الباب فعلياً أمام تغيير هوية تركيا العلمانية وظهور جمهورية جديدة أكثر ميلاً نحو هوية قومية إسلامية.
.
رابط المصدر: