براءة ترامب: قرار ستحدده الانتخابات

عبد الامير رويح

انتهت المحاكمة الخاصة بعزل الرئيس الامريكي دونالد ترامب والتي بدأت في 24 أيلول/سبتمبر 2019 على يد رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي كما كان متوقع لها، حيث برأ مجلس الشيوخ الأمريكي الذي يسيطر عليه الجمهوريون، ساحة ترامب من تهمتي إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس لينهي بذلك محاولة عزله من منصبه. ووجه الديمقراطيون لترامب تهمة الضغط على الرئيس الأوكراني من أجل تشويه سمعة منافس له في الانتخابات الرئاسية.

ويتمتع الديمقراطيون بأغلبية في مجلس النواب، ما جعل التوصية بعزل ترامب مضمونة، في خطوة وصفها الإعلام بأنها مجرد استعراض قوة. نتيجة التصويت دفعت زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي ميتش ماكونيل لأن يصف تبرئة ترامب في قضية عزله بـ”هزيمة سياسية” للحزب الديمقراطي. في المقابل، اعتبرت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي أن ترامب يبقى “تهديدًا للديمقراطية الأمريكية”، منتقدةً تبرئته من جانب مجلس الشيوخ.

وينص الدستور الأمريكي على وجوب أن يؤيد ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ، أي 67%، عزل الرئيس، وهو سقف لا يستطيع المعسكر الديمقراطي بلوغه، كونه لا يملك سوى 47 صوتا في المجلس. وشكلت هذه المحاكمة محطة تاريخية في الولايات المتحدة، إذ إنها ثالث مرة في تاريخها يقوم فيها الكونجرس بمحاكمة الرئيس ضمن آلية عزل، بعد أندرو جونسون عام 1868 وبيل كلينتون عام 1999. وقالت حملة ترامب في بيان: “تمت تبرئة ساحة الرئيس ترامب تماما. وحان الآن وقت الاهتمام بشؤون الأمريكيين. لم يستطع الديمقراطيون الذين لا يفعلون شيئا أن يهزموه فحاولوا عزله”.

ويرى مراقبون أن تبرئة ترامب أظهرت وبشكل واضح عمق الخلافات السياسية وسيطرة المصالح الحزبية في البلاد، وعلى الرغم من اعتراف العديد من الجمهوريين بأن سلوك ترامب خطأ، لكنهم عبروا عن ولائهم له في النهاية وصوتوا لصالح براءته. كما ان هذه القضية سوف تكون اهم القضايا الانتخابية التي سيستغلها ترامب في سبيل اسقاط باقي الخصوم، واستنادا إلى سجل وسمعة ترامب وكما نقلت بعض المصادر، لن يستغرب أحد لجوء ترامب إلى سياسة الأرض المحروقة في التعامل مع قادة الحزب الديموقراطي، كما يتبين من الرسالة السافرة والمهينة التي بعثها إلى رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي عشية إحالته إلى المحاكمة والتي ادعى فيها أن الديمقراطيين يقوضون الديمقراطية في البلاد ويقومون بمحاولة انقلابية ضده.

الحكم النهائي

وفي هذا الشأن انتهت محاكمة الرئيس دونالد ترامب بنهاية لم تحفل بأي مفاجآت. فقد كان القرار براءته. لكن نهاية القصة على أرض الواقع سوف تتكشف في نوفمبر تشرين الثاني عندما يتوجه الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم. فعندها سيدرك الديمقراطيون أخيرا ما إذا كانت مقامرتهم لعزل الرئيس، في خطوة هي الثالثة من نوعها في التاريخ الأمريكي، قد أتت ثمارها وحققت لهم مكاسب انتخابية في الفوز بأصوات الناخبين الذين لم يحسموا رأيهم بعد.

وقد أشارت استطلاعات الرأي خلال المحاكمة إلى أن ترامب لم يلحق به ضرر سياسي يذكر إذ كانت آراء الجمهوريين والديمقراطيين ثابتة إلى حد كبير منذ البداية. وفي شهر نوفمبر تشرين الثاني أيضا ربما يدرك نواب الحزب الجمهوري في الكونجرس الأمريكي خاصة في الدوائر والولايات غير المحسومة الثمن السياسي لإقامة حائط بشري للتصدي للمساعي الرامية لإخراج ترامب من المكتب البيضاوي.

جادل محامو ترامب بأنه يجب في ضوء إجراء الانتخابات بعد تسعة أشهر أن يُترك للناخبين إصدار الحكم النهائي على ما إذا كان ترامب قد أساء استخدام سلطاته بالضغط على أوكرانيا للتحقيق في تصرفات منافسه السياسي الديمقراطي جو بايدن. وأثر المحاكمة على الانتخابات أبعد ما يكون عن الوضوح. وعندما يحين موعد الانتخابات ربما تكون محاكمة ترامب والمعركة الحزبية التي دارت حولها مجرد ذكرى بعيدة عند عدد كبير من الناخبين المهمومين بدرجة أكبر بأرزاقهم.

ومع ذلك فقد هزت محاكمة واحد من أكثر الرؤساء إثارة للخلافات في التاريخ الأمريكي الحديث السباق الانتخابي وذلك باستنهاض همم قواعد الحزبين. وقال لاري ساباتو مدير مركز الدراسات السياسية بجامعة فرجينيا ”أعتقد أنها حققت أمرا طيبا واحدا للديمقراطيين. فقد أيقظت بعض الناشطين على مدى واقعية احتمال فوز ترامب بولاية ثانية“. وقد جمع ترامب ملايين الدولارات لحملة إعادة انتخابه من جراء المحاكمة فبلغ حجم التبرعات لحملته 46 مليون دولار في الربع الأخير من العام الماضي محققا أكبر قدر من التبرعات حتى الآن. وقال مسؤولون جمهوريون إن هذه الأموال، التي تجمعت خلال فترة التحقيق بهدف عزل ترامب، جاءت في أغلبها من مؤيدين له غاضبين من مساعي الديمقراطيين لعزله من منصبه.

كما شهد الديمقراطيون الذين تقلقهم أيضا الأغلبية الهشة التي يتمتعون بها في مجلس النواب جمع تبرعات ضخمة للمرشحين الديمقراطيين للرئاسة وللكونجرس. وقال بعض المحللين السياسيين إن من المرجح أن يوجه الجمهوريون والديمقراطيون سهام النقد إلى تصويت خصومهم في المحاكمة بمجلس الشيوخ ومجلس النواب في إعلانات عبر وسائل الإعلام خلال الحملة الانتخابية. وقد بدأ ذلك يحدث بالفعل في بعض المناطق.

فقد نشر النائب الديمقراطي جو كاننجهام، الذي انتزع دائرة ساوث كارولاينا في 2018 بعد أن ظلت في أيدي الجمهوريين لعشرات السنين، إعلانات في دائرته هذا الشهر للتأكيد على إنجازاته التشريعية وذلك للرد على موجة إعلانات هجومية مناهضة للمحاكمة نشرها الجمهوريون. ويردد نهج كاننجهام أصداء كثيرين من الديمقراطيين ولا سيما في الدوائر المعرضة للخطر. وقال النائب لرويترز ”لا أريد سوى التأكد من من وضوح السجل تماما فيما نفعله ومحور تركيزنا“.

وعندما أعلنت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، أرفع الديمقراطيين مقاما في الكونجرس، فتح التحقيق بهدف عزل ترامب في سبتمبر أيلول الماضي راود الأمل عددا كبيرا من الديمقراطيين في الفوز بنصيب أكبر في استطلاعات الرأي. بل إن بيلوسي نفسها استشهدت بزيادة التأييد بين الأمريكيين لإجراء التحقيق في تصرفات ترامب. وعلى مدار شهور مال الرأي العام لتأييد التحقيق لكن الموجة الكبيرة المأمولة لم تتحقق رغم بث التحقيق في الكونجرس على شاشات التلفزيون في جلسات كشف فيها مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون عن تفاصيل حملة ضغط لدفع أوكرانيا لإجراء التحقيق الذي طلبه ترامب.

وأخمد قرار بيلوسي إجراء التحقيق ضجة متنامية في صفوف حزبها لا سيما من تيار اليسار وذلك بعد أن ظلت تقاوم الاتجاه للتحقيق شهورا وسط مخاوف من أن يرتد بالوبال على الديمقراطيين في الانتخابات. وأظهر قرارها الحزب متحدا في مواجهة ما اعتبره الديمقراطيون مسلكا مشينا من جانب ترامب وهو موقف يمكنهم استغلاله في مواجهة الجمهوريين حتى نوفمبر تشرين الثاني.

ويمكن لترامب أيضا الآن أن يتباهى بخروجه سالما من التحقيق الذي أجراه المحقق الخاص روبرت مولر في التدخل الروسي في الانتخابات عام 2016 لمساعدته في الفوز بالانتخابات ومن محاكمته في الكونجرس. وكان ترامب قد وصف التحقيقين بأنهما مساع تبذلها عناصر في ”الدولة العميقة“ معارضة لرئاسته داخل الحكومة الأمريكية. وتبين استطلاعات الرأي أن إجراءات المحاكمة لم يكن لها أثر على شعبية ترامب بين الأمريكيين. وأوضح أحدث استطلاع، أجري يومي الثالث والرابع من فبراير شباط الجاري، أن 42 في المئة من البالغين الأمريكيين يقرون أداء الرئيس بينما يستنكره 54 في المئة. وتلك النسبة لم تتغير تقريبا عما كان عليه الحال عندما بدأ مجلس النواب التحقيق في سبتمبر أيلول حيث كان 43 في المئة يقرون آداءه و53 في المئة يرفضونه. بحسب رويترز.

وقال السناتور الجمهوري تيم سكوت من ولاية ساوث كارولاينا حيث حقق ترامب نصرا كبيرا في 2016 ”أصحاب القرار النهائي هم الناخبون المستقلون الذين انقسموا فيما يبدو بالتساوي إن لم يكن بدرجة طفيفة لصالح الرئيس في قضية الإنصاف“. وقال النائب جيف فان درو من ولاية نيو جيرزي، الذي دفعته هواجسه فيما يتعلق بمحاكمة الرئيس للتخلي عن الحزب الديمقراطي والاتجاه للجمهوريين، ”لا أعتقد أن أي شخص معصوم. لا أعتقد… ذلك أبدا“.

احتفال خاص

الى جانب ذلك احتفل الرئيس الامريكي دونالد ترامب بتبرئته من تهمتي المساءلة في خطاب مرتجل في الوقت الذي تباهى فيه البيت الأبيض بحقيقة أنه ظل في منصبه. وبعد السير على سجادة حمراء وسط تصفيق حار من العشرات من المشرعين الجمهوريين ومسؤولي الإدارة والشخصيات الإعلامية المحافظة في الغرفة الشرقية للبيت الأبيض، عاود ترامب الحديث عن مظالم قديمة واتهم الديمقراطيين بالقيام بمساع ”فاسدة“ لتقويض رئاسته في خطاب استمر أكثر من ساعة.

وقال ترامب وهو ممسك بنسخة من صحيفة واشنطن بوست حملت عنوان ”تبرئة ترامب“ ”لقد ارتكبت أشياء خاطئة في حياتي، سأعترف بذلك … لكن هذه هي النتيجة النهائية“. ثم سلم الرئيس الجمهوري الصحيفة إلى زوجته ميلانيا قائلا لها إنهما ربما يضعانها في إطار. وتحدث ترامب من دون شاشة تلقين، وأشار إلى التحقيق الذي دام 22 شهرا بقيادة المحقق الخاص روبرت مولر في الاتصالات المحتملة لحملته الانتخابية مع روسيا خلال الحملة الانتخابية لعام 2016، مستخدما الألفاظ النابية. وقال ”كان كل هذا هراء“.

والبراءة أكبر انتصار لترامب حتى الآن على خصومه الديمقراطيين في الكونجرس، الذين هاجموا الجمهوريين في مجلس الشيوخ لرفضهم استدعاء الشهود أو طلب أدلة جديدة في المحاكمة. وانتقد ترامب، الذي يحظى بدعم قوي من المسيحيين الإنجيليين والكاثوليك المحافظين، بعض خصومه لاستخدام معتقداتهم الدينية خلال معركة المساءلة. وفي ديسمبر كانون الأول قالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، وهي كاثوليكية أطلقت التحقيق في قضية المساءلة في سبتمبر أيلول، إنها لا تكره ترامب وإنها تصلي من أجله. وساق السناتور الجمهوري ميت رومني، المورموني، إيمانه الديني ذريعة لتصويته لإدانة ترامب بتهمة إساءة استخدام السلطة. وكان رومني هو الجمهوري الوحيد الذي صوت للإدانة. ولم يصوت أي ديمقراطي لتبرئة ترامب.

وقال ترامب ”لا أحب الناس الذين يستغلون معتقداتهم ذريعة للقيام بما يعلمون أنه خطأ. كما لا أحب الناس الذين يقولون.. أنا أُصلّي من أجلك.. بينما تعلم أن هذا غير صحيح“. وأشار إلى الأمر مرة أخرى في تصريحاته في الغرفة الشرقية قائلا ”أشك في أنها (بيلوسي) تصلي أصلا“. وقالت بيلوسي إن تعليقات ترامب كانت غير لائقة. وقالت”إنه يتحدث عن أشياء لا يعرف عنها سوى القليل… الإيمان والصلاة“. ودعا ترامب الكونغرس الى “شطب” عزله بتهمة استغلال السلطة بعدما تمّت تبرئته في مجلس الشيوخ. وقال للصحافيين في البيت الأبيض “هل عليهم شطب العزل في مجلس النواب؟ عليهم القيام بذلك لأنه كان خدعة”. وشن ترامب منذ هجمات ضد منتقديه السياسيين. بحسب فرانس برس.

واعتبر الرئيس الأميركي، أن ما حصل “عار” و”كارثة” و”ترهات” ووصف خصومه بأنهم “كاذبون” و”أشرار”. ووجه ترامب شكرا شخصيا للنواب الجمهوريين في الكونغرس الذين حضروا الخطاب، ووصفهم بأنهم “محاربون”. من جانبه اعتبر رئيس مجلس الشيوخ الجمهوري ميتش ماكونيل، أحد أبرز داعمي ترامب، ان الديمقراطيين ارتكبوا “خطأ سياسيا هائلا” بمحاولتهم عزل الرئيس.

تمزيق خطاب

على صعيد متصل قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي لزملائها النواب الديمقراطيين إنها لم تكن تنوي تمزيق خطاب حالة الاتحاد للرئيس دونالد ترامب لكنها قررت ذلك عندما لم تجد فيها صفحة ”لا تضم كذبة“. ومزقت بيلوسي نسخة مطبوعة من خطاب ترامب بعد ثوان من انتهاء الرئيس الجمهوري من إلقائه. وقال معاونون ديمقراطيون إنها استُقبلت بحفاوة بالغة من المشرعين الديمقراطيين في تجمع انتخابي لهم.

وقالت بيلوسي، حسبما ذكر معاون سجّل ملاحظات أثناء التجمع الذي كان مغلقا، رأينا رئيس الولايات المتحدة يمزق الحقيقة أمامنا. يمزق الحقيقة“. وأوضحت بيلوسي أن ترامب كذب بتأكيد أنه سيحمي تغطية التأمين الصحي للمرضى الذين يعانون من مشاكل صحية بالفعل بينما تدعم إدارته دعوى قضائية تسعى لإلغاء قانون يحمي هؤلاء المرضى. وأضافت، وفقا للمعاون، ”حاولت العثور على صفحة واحدة لا تحوي كذبة“.

وبينما كانت تنظر في النص المكتوب للخطاب ترامب قالت للمشرعين، حسبما قال المعاون الذي اشترط عدم ذكر اسمه، ”عندما بلغت ربعها، فكرت، أتعلمون.. إنه يبيع مشروع قانون سلع مثل بائع زيت ثعابين. لا يمكننا السماح بذلك…لذا … بدأت في جمع أوراقي بطريقة تجعلها قابلة للتمزق“. وذكرت بيلوسي لزملائها المشرعين أن امتناع ترامب عن مصافحة يدها الممتدة وهو يعطيها نسخة من خطابه ليس سبب تمزيقها الوثيقة قائلة ”من يهتم؟“. بحسب رويترز.

ولرئيسة مجلس النواب الأمريكي، التي تقود حملة مساءلة ترامب، علاقة متوترة منذ شهور مع الرئيس. وقال جمهوريون من أعضاء مجلس النواب إنهم شعروا بالغضب بسبب تصرف بيلوسي الذي تم تصويره على الهواء مباشرة على شاشات التلفزيون بينما كانوا هم (النواب الجمهوريون) لا يزالون يصفقون للرئيس. وقال كيفن مكارثي زعيم الجمهوريين بمجلس النواب ”إنه لأمر مؤسف أن يقوم شخص في هذا المنصب، الذي يلي الرئاسة بعد نائب الرئيس“ بتمزيق الخطاب. وأضاف ”لا علم لديّ أن رئيسا آخر لمجلس النواب تصرف على الإطلاق بهذا الشكل“. وأوضح النائب حكيم جيفريز الذي يرأس المجلس الانتخابي للحزب الديمقراطي أنه ليس لديه مشكلة مع تصرف بيلوسي. وقال ”فيما يعنيني، لم تكن هناك آلة لفرم الورق، لذا فعلت ما تحتاج لفعله“.

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M