وسط أزمات سياسية واقتصادية يمر بها العالم، وفي ظل المنافسة المتزايدة بين القوى العظمى، وتطلع الدول النامية عامّة، والأفريقية خاصّة، نحو البحث عن شركاء تنمويين، وخلق نافذة للعب دور أكبر على الساحة العالمية، أعلن زعماء دول البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)، توسيع عضوية المجموعة لتضم 6 أعضاء جدد، بينهم دولتان أفريقيتان هما مصر وإثيوبيا، إلى جانب الأرجنتين، وإيران، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، اعتبارًا من 1 يناير 2024، وذلك خلال قمة البريكس التي استضافتها جوهانسبرج في الفترة من 22 إلى 24 أغسطس 2023، تحت شعار “البريكس وأفريقيا: الشراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل، والتنمية المستدامة، والتعددية الشاملة”.
جاء قرار التوسع الثاني للمجموعة بعد 13 عام من قرار التوسع الأول، الذي ضم جنوب أفريقيا كعضو خامس في المجموعة، التي تأسست منذ عام 2001، وكانت تدعى «BRIC»، وهو اختصار للحروف الأولى من أسماء الدول الأربعة المؤسسة: البرازيل «B»، وروسيا «R»، والهند «I»، والصين «C»، وعلى الرغم من محاولة بكين طرح فكرة التوسع مرة ثانية في عام 2017، إلا إن دولًا مثل الهند والبرازيل رفضت مناقشة الفكرة آنذاك، خشية من أن يؤدي ذلك إلى إضعاف قوة البريكس. ولكن التوترات المتزايدة في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية، والتنافس المتزايد بين بكين وواشنطن، دفع الصين وروسيا نحو إعادة إحياء فكرة توسع البريكس مرة ثانية في عام 2022، مع ازدياد عدد الدول الراغبة في الانضمام، والتي تخطت 40 دولة بينهم عدة دول أفريقية، بما في ذلك، مصر، وإثيوبيا، وزيمبابوي، والجزائر، ونيجيريا، والمغرب، والسنغال، والسودان، وتونس.
أولًا: المكاسب المُرتقبة للقارة الأفريقية
احتلت القارة الأفريقية أهمية خاصّة في قمم البريكس، خاصّة تلك التي عقدت منها في دولة جنوب أفريقيا، حيث تصدر شعار “البريكس وأفريقيا” القمم الثلاث التي عقدت في جنوب أفريقيا في أعوام 2013 و2018 و2023. ومع إعلان دول البريكس عن نيتهم للتوسع نحو “بريكس بلس”، كان للقارة الأفريقية نصيب كبير من هذا التوسع، بإضافة دولتين أفريقيتين من أصل ست دول تم منحهم عضوية كاملة في المجموعة، هما مصر من إقليم شمال أفريقيا، وإثيوبيا من إقليم شرق أفريقيا، مما يبرهن على الأهمية المتزايدة للقارة الأفريقية لدى دول البريكس، ويحمل العديد من الدلالات، والفوائد المتبادلة للجانبين.
- تعزيز المكانة الأفريقية على الساحة العالمية
تسعى البلدان الأفريقية إلى الانتقال من الهامش إلى مركز صنع القرار عالميًا، ويأتي إنضمام أعضاء جدد للبريكس من أفريقيا في سياق دفع الدول الأفريقية للعب دور أكبر، وأكثر فعالية على الساحة الدولية، وكخطوة هامّة لكسب تأييد دول المجموعة في الحصول على مقعد دائم للاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، لا سيما في ضوء رئاسات الدول الأعضاء في السنوات الثلاث 2023-2025، حيث تتولى الهند رئاسة مجموعة العشرين في عام 2023، بينما تتولى البرازيل هذا الدور في عام 2024، وجنوب أفريقيا في عام 2025، وهو الأمر الذي نجحت أفريقيا في تحقيقه بالفعل، خلال القمة الثامنة عشر لمجموعة العشرين، التي استضافتها نيوديلهي في الفترة من 9 إلى 10 سبتمبر 2023.
ينظر إلى ذلك كجزء من خطة أكبر للمطالبة بإصلاح النظام المالي العالمي، ومؤسساته، بما في ذلك مجلس الأمن، وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، لتكون أكثر عدالةً، بما يتناسب مع المعطيات الجديدة للدول القارة الأفريقية، وبالشكل الذي يضمن للدول الأفريقية المشاركة في صنع القرارات، التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، خاصّة بشأن القضايا ذات التأثير المباشر على دولها، بما في ذلك، التغير المناخي، والأمن الغذائي، والهجرة، والطاقة، وإصلاح هيكل الديون الدولية، وهو أمر له أهمية خاصّة في ظل معاناة العديد من الدول الأفريقية من أزمة ديون كبيرة، فضلًا عن لعب دور أكبر في صياغة اتفاقيات تجارية أكثر عدالةً وإنصافًا مع دول القارة، باعتبارها شريكًا حقيقيًا، وليست مصدرًا للمواد الخام فقط.
ومن ثَمّ، يساعد إنضمام الدول الأفريقية إلى بريكس في تكوين جبهة تفاوضية، أكثر قوة للضغط في المنظمات المسئولة عن صياغة السياسات العالمية، بشأن القضايا محل الاهتمام، حيث سيشكل البريكس مرحلة تمهيدية لتقارب الرؤى بين الدول الأفريقية، ودول البريكس، والخروج بصوت موحد في المحافل الدولية الأوسع.
- تعزيز فرص التعاون الاقتصادي مع البريكس
تعد البريكس إحدى المنصات العالمية المهمة لتنظيم العمل متعدد الأطراف، حيث تجري الدول الأعضاء محادثات ثنائية، وتشارك في حوار جماعي بشأن القضايا العالمية. وباعتبارها تضم الشريك الاقتصادي الأكبر للقارة الأفريقية (الصين)، إلى جانب ثلاثة من أبرز الشركاء في عدة مجالات، الذين يولون إهتمام متزايد بالقارة الأفريقية الحاضرة بشكل وثيق في خططهم التنموية، وهم: الهند، وروسيا، والبرازيل. ويفتح الإنضمام إلى البريكس الباب أمام الدول الأفريقية لتعزيز تعاونها الاقتصادي مع هؤلاء الشركاء، بالإضافة للدول غير الأفريقية المنضمة مؤخرًا للمنظمة، وكذلك جذب مزيد من الاستثمارات إلى القارة الأفريقية، خاصّة في القطاعات ذات الأهمية، مما يسهم في خلق مصدرًا جديدًا لتمويل التنمية.
وفي سياق متصل، قد تساعد العضويات الموسعة لأفريقيا في البريكس في زيادة زخم التجارة، عبر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، بما يعزز التحول الاقتصادي والاجتماعي في القارة، حيث يمكن لدول البريكس صياغة تفاهمات أفضل مع دول القارة الأفريقية المنضمة للتجمع، لتعزيز التعاون معها في إطار منطقة التجارة الحرة الأفريقية، لتصبح بوابة لتعاون أوسع مع دول القارة ككل.
- تخفيف الضغوط على الاقتصادات الأفريقية
أدت الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي شهدها الاقتصاد العالمي من جراء جائحة كورونا، وتبعات الحرب الروسية الأوكرانية، إلى تزايد الضغوط على الاقتصادات الأفريقية، نتيجة التبعات المباشرة لهذه الأزمات من جهة، والاعتماد المفرط على الدولار في المعاملات المالية من جهة أخرى، والتوسع في الاستدانة من جهة ثالثة.
وفي إطار الجهد المستمر من دول البريكس لتحدي هيمنة الدولار الأمريكي، والدفع نحو بنية مالية عالمية أكثر عدالة، وموثوقية، واستقرارًا، اتفقت دول البريكس على تسريع استخدام عملاتها المحلية لتسوية المعاملات التجارية والاستثمارية فيما بينها، مع الاستمرار في تقليل اعتمادها على نظام الدفع العالمي القائم على الدولار الأمريكي. مما سيؤدي إلى إنخفاض الطلب على الدولار في دول المجموعة، والدول المنضمة حديثًا، ويفتح الباب أمام مزيد من الدول الأفريقية لإتباع ذات النهج، سواء عن طريق انضمامها إلى البريكس فيما بعد، أو عن طريق اتفاقيات ثنائية ومتعددة الأطراف مع دول المجموعة، ومن ثَمّ تخفيف الضغوط الاقتصادية على دولهم، وتخفيف الضغط على النقد الأجنبي، والدفع نحو تعزيز حركة التبادل التجاري مع دول المجموعة، والانفتاح على الاستثمارات المشتركة. فعلى سبيل المثال؛ ناقشت مصر، وروسيا، والهند، تداول القمح والأرز إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصري، والروبل، والروبية، ومن خلال الانضمام إلى مجموعة البريكس، يمكن أن تؤتي هذه المحادثات ثمارها.
بالإضافة لذلك، في ظل الاحتياجات التمويلية المتزايدة لأفريقيا لتحقيق التنمية المنشودة، والأمة التي تواجه الدول الأفريقية مع المؤسسات الاقتصادية المانحة، ذات المشروطيات السياسية، تمثل البريكس فرصةً واعدةً للدول الأفريقية، ومصدر بديل لتمويل المشروعات التنموية، من خلال الاستثمارات المباشرة، والقروض منخفضة الفائدة بدون مشروطيات كبيرة، التي يوفرها بنك التنمية الجديد التابع لبريكس. وتشكل سياسة عدم التدخل في الشئون الداخلية لشركائها في التنمية جانبًا مهمًا، بشكل خاص من ملف تعريف مجموعة البريكس، ما يجذب مزيد من الدول الأفريقية إليها، ويذكر أنه منذ عام 2021 تمت الموافقة على عضوية مصر، وبنجلاديش، والإمارات، وأوروجواي، في بنك البريكس، ومن المتوقع إضافة أعضاء جدد في السنوات القادمة.
ثانيًا: المكاسب المُرتقبة للبريكس.. نفوذ عالمي أكبر
إنّ توسع مجموعة البريكس لتشمل دولًا عبر آسيا، وأمريكا الجنوبية، وأفريقيا، يدل على الزخم نحو بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب أكثر عدلًا، وسيؤدي هذا التوسع إلى زيادة النفوذ العالمي لمجموعة البريكس، بفضل زيادة حصة التشكيل في الاقتصاد العالمي، أو السيطرة على الموارد، حيث تمتلك المجموعة بعد التوسع ما يصل إلى نصف الإنتاج العالمي لبعض الحبوب، وحوالي 42% من إنتاج النفط في العالم، بالإضافة لذلك، شكلت دول البريكس الخمس حوالي 40% من سكان العالم، مع نصيب يصل إلى 31,5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متفوقة بذلك على حصة مجموعة السبع البالغة 30,7%، مع توقعات بأن ترتفع حصة دول بريكس من الناتج الإجمالي العالمي إلى ما يقارب50% بحلول عام 2030؛ وهو هدف قد يتحقق قبل ذلك بسنوات مع توسع عضوية المجموعة، حيث سيؤدي التوسع إلى زيادة حصة المجموعة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى حوالي37%، وزيادة حصة المجموعة من الصادرات العالمية من 18% إلى 20,58%، فضلًا عن ارتفاع حصة دول المنظمة من الإنتاج اليومي العالمي للنفط من 20,4% إلى 43,1%..
وتؤكد هذه المؤشرات التنامي المتوقع لمكانة دول البريكس عالميًا، كما يمكن أيضًا اعتبار التوسع خطوة استراتيجية من قبل أعضاء البريكس الأصليين لتأكيد قيادتهم في العالم الناشئ، وزيادة التنسيق في المحافل متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة، ومجموعة العشرين، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لكسب دعم الدول الأفريقية في هذه المحافل، هذا إلى جانب المكاسب الاقتصادية الممكن تحقيقها من زيادة التعاون التجاري، والاستثمارات مع الدول الأفريقية المنضمة حديثًا للمجموعة، بما تحويه من موارد طبيعية وفيرة، وقدرات إقتصادية واعدة، والدول الأفريقية ككل في إطار منطقة التجارة الحرة الأفريقية.
ثالثًا: التحديات التي ينطوي عليها توسع البريكس
على الرغم من الفوائد المتوقعة لكل من القارة الأفريقية ودول البريكس، من توسع عضوية البريكس، يبرز العديد من التحديات التي قد تؤثر على تحقيق هذه الفوائد، منها:
- اتساع نطاق التناقضات الداخلية بين دول البريكس
تتمتع دول البريكس باقتصادات مختلفة إلى حد كبير من حيث الحجم، وتوجهات السياسة الخارجية لدول المجموعة في كثير من الأحيان، وهو عامل تعقيد لنموذج صنع القرار التوافقي للكتلة، وكذا تثير الخلافات الداخلية بين أعضاء مجموعة البريكس، والتي تشمل النزاع الحدودي المستمر بين الهند والصين، وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده البرازيل، وفرض العقوبات على روسيا، شكوكًا حول قدرتها على تنسيق المواقف. وقد يؤدي توسيع العضوية إلى زيادة خطر تباين المصالح، وإثارة المزيد من تحديات التنسيق، خاصّة وأنه على الرغم من أنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة صينية قد خفف التوترات، إلا أنّ المملكة العربية السعودية وإيران لا تزالان قوتين متنافستين في الشرق الأوسط.
- عقبات أمام تنسيق الإجراءات المالية
بينما تسعى دول المجموعة إلى إصدار عملة موحدة كبديل للدولار، وللعملات المحلية في التعاملات، على غرار اليورو في أوروبا، تثار شكوك كبيرة حول جدوى قيام البريكس بتطوير هذه العملة الجديدة على المدى القريب، حيث تشير التوقعات إلى أنّ عملية التخلص من الدولار من المرجح أن تكون أبطأ مما يعتقده الكثيرون؛ نظرًا للمتطلبات الاقتصادية اللازمة لإصدار مثل هذه العملة، خاصّة في ظل التفاوت الكبير في حجم الاقتصاد بين دول المجموعة وتنوعها. كما أنّ التبادل بالعملات الوطنية يتطلب أن يكون الميزان التجاري بين الدول على قدر من التكافؤ، لتجنب تراكم فوائض من عملات غير مطلوبة في السوق العالمية. فعلى سبيل المثال؛ باعت روسيا مؤخرًا كميات كبيرة من النفط إلى الهند، وتعاملت بالروبية، ولكن لأن صادرات الهند إلى روسيا أقل بكثير مما تستورده، فإنّ موسكو تحتفظ الآن بالروبيات التي لا تستطيع إنفاقها عالميًا، باستثناء استخدامها في شراء السلع من الهند.
- تحدي القوى الغربية
بالإضافة لذلك، يمكن النظر إلى توسع مجموعة البريكس على أنه تحدٍ للقوى الغربية، مما قد يزيد من العداء الجيوسياسي، والاستقطاب بين الجانبين. ففي الوقت الحالي، فرضت الحرب الروسية الأوكرانية حالةً من العداء المتطور بين روسيا ودول حلف الناتو، كما ترتفع التوترات تدريجيًا بين الولايات المتحدة والصين، وفي ظل ضم البريكس لدول مثل إيران، يمكن أن تتنامى مساحة التوتر بين دول البريكس والقوى الغربية الرئيسية، بقيادة الولايات المتحدة، وهو ما قد يحمل آثارًا سلبية على فرص تعزيز العوائد الاقتصادية، من تطوير منظمة بريكس على مستوى العضوية والنشاط كذلك. لكن تظهر عوامل أخرى قد تخفف من حدة هذا التوجه، أبرزها تركيز البريكس على بناء نظام مالي عالمي متعدد الأقطاب، أكثر عدلًا وشمولًا، دون أن تكون هذه الخطوات موجهة ضد أي طرف على نحو ما، أكدت عليه البيانات الرسمية أكثر من مرة.
في الختام، يعد التمثيل الأكبر للقارة الأفريقية في تجمع البريكس، وكذلك مجموعة العشرين خُطوة أولى هامة لوضع أفريقيا في مكانتها الصحيحة داخل النظام العالمي، وفي حين أنّ الانضمام إلى بريكس يقدم العديد من الفرص لدول القارة، فمن المهم كذلك بالنسبة للبلدان الأفريقية ألا تتخلى عن شركائها الغربيين لصالح شركاء البريكس، وإنما يتعين على الدول الأفريقية أن تقيم علاقات دولية متوازنة، كخيار أول يحقق مصالحها، وفقًا لأولوياتها القارية.
.
رابط المصدر: