بعد 20 عاماً على هجمات 11 أيلول/سبتمبر: محلل في شؤون الإرهاب في “مكتب التحقيقات الفدرالي” يتحدث عن حرب لا يمكن الفوز بها

 ماثيو ليفيت

 

في الوقت الذي تعيد فيه واشنطن ضبط استراتيجيتها الغالية التكلفة ضد المتطرفين العنيفين، يجب أن يكون هدفها تقليص الإرهاب إلى مستوى منخفض من التهديد بحيث يمكن لأجهزة إنفاذ القانون التعامل معه.

عندما وقعت هجمات 11 أيلول/سبتمبر، كنت محللاً أقدم لشؤون مكافحة الإرهاب في مقر “مكتب التحقيقات الفيدرالي” في العاصمة الأمريكية واشنطن، وركزتُ على الإرهاب في الشرق الأوسط ومنه. وكانت وتيرة التهديدات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» تتصاعد منذ مطلع هذه الألفية. وبحلول ربيع وصيف عام 2001، كان النظام [المتعلق بالإرهاب] يُطلق جرس الإنذار حيث جمعت وكالات الاستخبارات أخباراً عن مخطط وشيك، ولكنها عجزت عن الحصول على معلومات قيّمة يمكن البناء عليها لمواجهة التهديد.      

ومن المفارقات، إنني كنتُ خارج مكتبي في ذلك الصباح المشؤوم، بعد أن أفرغتُ جدول أعمالي قبل أشهر من ذلك اليوم لكي آخذ يوم إجازة للعمل على أطروحتي. ساعدتُ زوجتي وأولادي على ترتيب أمورهم للخروج من المنزل وجلستُ أمام حاسوبي ليظهر على شاشتي خبر مفاده أن طائرة مروحية اصطدمت بالبرج الشمالي من “مركز التجارة العالمي”. وفي الحال، قمتُ بتشغيل التلفزيون وشاهدتُ “الرحلة 175” لـ “الخطوط الجوية المتحدة” (شركة “يونايتد إيرلاينز”)  وهي تصطدم بالبرج الجنوبي. وفي غضون ساعات، جلستُ في “مركز المعلومات والعمليات الإستراتيجية” التابع لـ “مكتب التحقيقات الفيدرالي”، حيث كُلِّفتُ بقيادة فريق التحليل الموكل بالتركيز على “الرحلة 175” لشركة “يونايتد إيرلاينز”.   

أتذكر جيداً الشعور بالاستجابة الفطرية للخطر المتمثلة بـ”المواجهة أو الهرب”. فقد “التصق” الناس بأجهزة التلفزيون يشاهدون الطائرات وهي تصطدم بالأبراج مراراً وتكراراً على أخبار القنوات الفضائية، وشعرتُ بالامتنان لكوني جزءاً من استجابة “مكتب التحقيقات الفدرالي”. فبخلاف الكثيرين، كان يمكنني القيام بشئ ما فعلياً. عملتُ أنا وزملائي لمدة 15 ساعة في اليوم وستة أيام في الأسبوع في محاولتنا ليس لتحديد من نفَّذ الهجمات فحسب، بلن لكشف ومنع الهجمات اللاحقة التي كنا نخشى أن تكون قادمة. وكانت الاستخبارات والمعلومات من العامة وسُبل التحقيق تأتي مثل موجة المد والجزر، وكان فهم كل ذلك في الوقت المناسب مهمة ضخمة. 

ولكن مع تحوّل الأيام والأسابيع إلى أشهر وسنوات، لم يتطور ما قمنا به لمواجهة الإرهاب بشكل كبير. وكان من المنطقي أن ينصب تركيز كامل العمل البيروقراطي المعني بالأمن القومي في الولايات المتحدة والبلاد برمتها، مباشرةً بعد 11 أيلول/سبتمبر، فقط على جلب الجناة أمام العدالة ومنع وقوع هجوم آخر. ولكن بعد ذلك، كان يتعيّن علينا التكيّف – إلا أننا لم نفعل ذلك.  

وعلى الفور، أدرج مسؤولون أمريكيون، بدءاً بالرئيس جورج دبليو بوش، مساعي مكافحة الإرهاب في إطار حرب لا بدّ من الفوز بها. وكانت تلك خطوة ملائمة وسط حاجة الأمريكيين إلى السماع أن كل شيء سيكون على ما يرام، وأنه سيتمّ إيجاد الإرهابيين ومعاقبتهم، في وقت كان لا بدّ من تحفيز البيروقراطية الحكومية لضمان أمن البلاد على وجه السرعة. 

وخلال العقدين التاليين، بنت الولايات المتحدة مؤسسة لمكافحة الإرهاب من خلال معلوماتها الاستخباراتية وعمليات إنفاذ القانون والهيئات العسكرية التي حققت نجاحاً ملحوظاً من منظور تكتيكي – تمثّل بـ إحباط الهجمات وتعطيل الشبكات الإرهابية. ولكنها لم تكن ناجحة بنفس القدر من ناحية الميزة الاستراتيجية، نظراً إلى أن عدد الأفراد ذوي الفكر المتطرف العنيف يفوق اليوم ما كان عليه في عام 2001 كجزء من تهديد إرهابي أكثر تنوعاً وانتشاراً على الصعيد العالمي. وبعد مرور عقدين على أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، ازدادت قاعدة بيانات الحكومة الأمريكية عن الإرهابيين المعروفين أو المشتبه بهم بمقدار 20 ضعفاً تقريباً.  

والواقع أن الصراع مع الإرهاب ليس حرباً يمكن الفوز بها أو خسارتها. فالولايات المتحدة لم تخض مطلقاً “حرباً على الإرهاب” أكثر مما خاضت حرباً على الجريمة أو المخدرات. وبالتالي، لا يمكن قياس جهود مكافحة الإرهاب من حيث الانتصار أو الهزيمة. وبدلاً من ذلك، يجب أن يُنظر إليها على أنها جزء من جهد مستمر – بخلاف كل من الحرب والسلام – لتعطيل أعمال الإرهاب والتنافس مع الخصوم ومعالجة القضايا الأساسية التي تجعل أقلية خطيرة من الناس تعتقد أن السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها الاجتماعية أو السياسية هي من خلال العنف الذي يستهدف المدنيين.

ومن خلال حشد الكثير من الموارد لمهمة مكافحة الإرهاب لفترة دامت عقدين من الزمن، ذهبت جميع تلك الأموال والأصول الاستخباراتية وغيرها في المقام الأول لدعم الأعمال العسكرية. لقد طال انتظار هذه المهمة من خلال توسيع نطاق الأمن القومي لمواجهة تهديدات رئيسية أخرى، بدءاً من الأمن السيبراني إلى تغير المناخ، وتقليص برنامج مكافحة الإرهاب لجعله في متناول الجميع على المدى الطويل.

وسيتطلب ذلك استثماراً أقل في القوة الخشنة (العسكرية) الباهظة الثمن واستثماراً أكبر بكثير في القوة الناعمة غير المكلفة (الاستخبارات، والدبلوماسية، وبناء القدرات المدنية). إنه تَحوّل سيستلزم فترة من إعادة التوازن، إلى جانب انتقال العبء إلى الشركاء والحلفاء.

على الولايات المتحدة الاستفادة من إداراتها ووكالاتها المدنية لمساعدة الدول الأجنبية في التعامل مع التطرف بنفسها واعتقال المشتبه بهم ومحاكمتهم في إطار سيادة القانون مع احترام حقوق الإنسان، والعمل مع شركاء من القطاع الخاص وغير الحكوميين لبناء مجتمعات قادرة على الصمود. على واشنطن أن تستثمر في الإدارات والوكالات المدنية الخاصة بشركائها، مثل وزارات العدل والداخلية، والأمور المتعلقة بالإصلاحات.

وفي الوقت نفسه، يجب أن تسعى هذه التغييرات في السياسة إلى الحفاظ على الإنجازات العديدة في مكافحة الإرهاب التي تم إحرازها بالفعل. على سبيل المثال، يجب على الولايات المتحدة التفكير في الاحتفاظ بأعداد صغيرة من القوات في المواقع الرئيسية لنزع فتيل التحديات العالمية، وإن لم يكن ذلك بقصد إيجاد الحل لها. وقد تكون المهمات الصغيرة لمكافحة الإرهاب في العراق وسوريا وأفريقيا، ونعم، في أفغانستان، ضرورية لمنع الجماعات الإرهابية من السيطرة على الأراضي أو التخطيط لهجمات في الخارج من ملاذاتها الآمنة. ويمكن إدارة عمليات النشر هذه من قبل شركاء دوليين بدلاً من الولايات المتحدة، مثل “عملية برخان” التي تقودها فرنسا في منطقة الساحل بأفريقيا أو المهمة في العراق حيث يتزايد انتشار قوات حلف “الناتو”.

وعلى غرار جهود مكافحة الجريمة أو المخدرات أو الفساد أو غيرها من الأنشطة غير المشروعة، تُعد مكافحة الإرهاب جهداً مستمراً. وفي حين أنه لا يمكن هزيمة أي من هذه الأنشطة الخبيثة، إلا أن الجهود المستمرة لمكافحتها يمكن أن تكون فعالة للغاية. فقبل عشرين عاماً، وفي خضم الأحداث المتسارعة، كان رد الولايات المتحدة على مكافحة الإرهاب تكتيكياً بالكامل، بهدف منع الهجوم التالي. ثم أدت السياسة والتهديدات المستمرة والجمود البيروقراطي إلى منع أي إعادة تقييم جادة لتلك الاستراتيجية. واليوم، من الضروري أن تركز واشنطن ليس فقط على وقف المؤامرات التي يتم تخطيطها كل يوم، بل أيضاً على تقليص عدد مَنْ ينجذبون إلى الأيديولوجيات المتطرفة العنيفة.

وبخلاف الحروب التقليدية، ليست هناك نهاية أو استراتيجية خروج لهذا الصراع ضدّ الإرهاب. وبالتالي، يتعين على القادة إبلاغ الشعب أن الإرهاب هو تكتيك وأن دحره الكامل أمر مستحيل وغير ضروري على السواء. يجب أن يتجنبوا استخدام اللغة التي تلمّح إلى أن الإرهاب سينتهي أو يُهزم، وأن يتحدثوا بدلاً من ذلك عن الإرهاب على أنه خطر يجب أخذه على محمل الجدّ ولكنه لا يمثل تهديداً وجودياً للبلاد. يجب أن يكون الهدف هو الحدّ من الإرهاب إلى مستوى منخفض من التهديد يمكن لوكالات إنفاذ القانون التصدي له، تماماً كما تفعل عندما تواجه باقتدار التهديدات الأخرى. 

 

ماثيو ليفيت هو زميل “فرومر- ويكسلر” ومدير برنامج “راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب” في معهد واشنطن، ومؤلف مذكرته الانتقالية لعام 2021 “إعادة التفكير في جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب: نحو خطة مستدامة بعد عقدين من 11 أيلول/سبتمبر”. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع “إن بي سي نيوز”.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/bd-20-amaan-ly-hjmat-11-aylwlsbtmbr-mhll-fy-shwwn-alarhab-fy-mktb-althqyqat

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M