دينس روس
قبل وقت قصير من قيام الولايات المتحدة بتقديم معايير كلينتون بشأن السلام للإسرائيليين والفلسطينيين في كانون الأول/ديسمبر 2000، قَدّمتُ طلب إحاطة إلى السفير السعودي في الولايات المتحدة بندر بن سلطان. وبعد قيامي بإطلاعه على تلك المعايير، أردت من المملكة العربية السعودية أن تحث الزعيم الفلسطيني آنذاك ياسر عرفات على قبول الاقتراح الأمريكي لتقريب [شدة الخلاف] لإنهاء الصراع. وبقي رد بندر محفور في ذاكرتي: “إذا رفض عرفات ذلك، فلن يكون [قراره] خطأ، سيكون جريمة”.
قال بندر لي ذلك على انفراد.
وبعد أن رفض عرفات معايير كلينتون، ردّد لي مسؤولون عرب آخرون وجهات نظر مماثلة، وإن كانت أقل حِدّة. لكن لم يكن أي منهم مستعداً لقول أي شيء علناً. لم يكن أحد مستعداً لانتقاد قرار عرفات علناً أو مواجهة القصة الفلسطينية من خلال تحريف ما تم عرضه.
كان ذلك حينها – عندما كان بإمكان الفلسطينيين تصوير الدبلوماسية باتجاه واحد، ولم تكن الشخصيات العربية البارزة تتحدى روايتهم، حتى عندما كانوا يعرفون أنها خاطئة.
لكن عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، فإن المشهد الشرق أوسطي آخذ في التغير في الوقت الحاضر.
ما كان لا يمكن تصوّره من قبل لم يعد كذلك. لقد تلاشى الخوف من أن يثير الفلسطينيون معارضة القادة العرب بالادعاء بأنهم يخونون التطلعات الوطنية الفلسطينية.
في الأسبوع الماضي – وفي مقابلة من ثلاثة أجزاء: على شبكة العربية، ومن خلال التحدث إلى جمهور سعودي وآخر إقليمي – كشف بندر بن سلطان الحقائق عن الإخفاقات التاريخية للقيادات الفلسطينية. بدءاً من التصريح بأن القادة الفلسطينيين “يختارون دوماً الانحياز للجانب الخطأ”، وصولاً إلى التحسّر على أن “الفرص كانت دائماً متوفرة، ولكنها كانت تُضاع في كل مرة”، فضح بندر بن سلطان الرواية الفلسطينية. فتحدّث عن الانقسامات الدائمة بين الفلسطينيين أنفسهم، وذكر كيف [كانت] السعودية “تبرر للعالم أجمع أفعال الفلسطينيين” حتى عندما “كنا نعلم فعلياً [أنها] غير مبرَّرة”. لكن السعودية فعلت ذلك لأنها، على حد تعبير بندر، لم “تشأ أن تقف مع أي طرف ضدهم، ولم تشأ أن ترى تبعات أفعالهم تترتب على عاتق الشعب الفلسطيني”. بعبارة أخرى، وقفت السعودية إلى جانب القادة الفلسطينيين حتى عندما كانوا على خطأ، مما أوصل على حد تعبير بندر، إلى “اللامبالاة” الفلسطينية والاعتقاد “بأنهم لن يدفعوا ثمن أي أخطاء يرتكبونها”.
غير أن السعوديين وغيرهم لم يقدّموا للفلسطينيين معروفاً. فإذا لم يضطر القادة الفلسطينيون قط إلى الاعتراف بأخطائهم أو تحمّل المسؤولية عن سبب ضياعهم للفرص [التي أُتيحت أمامهم]، فلن يتعلّموا الدروس أبداً ولن يعدّلوا سلوكهم [على أساس ما تعلّموه]. لكن مفاوضيهم عرفوا ذلك. وفي العام الماضي، قال لي مفاوض فلسطيني سابق، يائساً من الواقع الحالي، بحزن: “هل يمكنك أن تتخيل أين [كنّا] سنكون إذا قبلنا معايير كلينتون؟”
لقد كانت رسالة بندر واضحة: لن نتستّر عليكم بعد الآن، فنحن لدينا احتياجاتنا الخاصة. وعلى حد قوله: “في رأيي الشخصي، مع كل الأحداث التي شهدها العالم، نحن في مرحلة تستوجب منّا الاهتمام بأمننا القومي ومصالحنا الوطنية بدلاً من الاهتمام بكيفية مواجهة التحديات الإسرائيلية من أجل خدمة القضية الفلسطينية”.
لقد دفع هذا المنطق نفسه إلى قيام الإمارات العربية المتحدة بإضفاء الطابع الرسمي على السلام مع إسرائيل حالياً. ولم تعد الإمارات تسمح للفلسطينيين بحرمانهم مما يرون أنه في مصلحتهم – وبالنظر إلى التحديات الصحية والاقتصادية لفيروس “كوفيد -19″، وظروف الجفاف التي تهدد احتياجات الأمن المائي والغذائي، والتهديدات الأمنية من إيران ووكلائها من الميليشيات الشيعية، وغيرها من التهديدات من الإسلاميين السنة المتطرفين الآخرين، فسوف تحذو دول عربية أخرى حذو الإمارات.
والمؤسف هو أن رد الفعل الفلسطيني على الإمارات هو العودة إلى الاستعارات [المبتذلة] نفسها – لقد خانونا، لقد كانت طعنة في الظهر. إذا يشعر الفلسطينيون بالاستياء من حصول إسرائيل على ما تريده بينما يظلون تحت الاحتلال، لكنهم يتجاهلون واقع أن الإمارات أوجدت ترابطاً بين التطبيع وضم الأراضي حيث كان التطبيع مشروطاً بعدم ضم إسرائيل للأراضي المخصصة لها في خطة ترامب. وصحيحٌ أن هذا الرابط الإماراتي صُمم لمنع حدوث عمل إسرائيلي سلبي، لكن يمكن للدول العربية الأخرى الضغط على إسرائيل لاتخاذ خطوات إيجابية تجاه الفلسطينيين مقابل اتخاذ هذه الدول خطوات نحو التطبيع. واستناداً إلى نطاق التطبيع، يمكن أن تتراوح هذه الخطوات بين العملية والملموسة (مثل الموافقة على مشاريع معالجة المياه ومياه الصرف الصحي) وبين مشاريع أكثر سياسية ورمزية (مثل توسيع مساحة الضفة الغربية الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، أو وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية إلى الشرق من الجدار الأمني، أي 92 في المائة من الأراضي).
وبينما يبدو أن الأمور التي كشف عنها بندر تمهد الطريق أمام قيام السعودية باتخاذ خطوات تجاه إسرائيل، فمن غير المرجح أن تقوم المملكة بقفزة كبيرة واحدة. فالإمارات لم تفعل ذلك، بل عملت على بناء علاقاتها مع إسرائيل على مدار العقد الماضي، حيث بدأت بهدوء وأخذت تتواصل بصورة متزايدة مع الجمهور في عام 2015 مع إنشاء وجود دبلوماسي إسرائيلي في مكتب “الوكالة الدولية للطاقة المتجددة” في أبوظبي.
وعلى الأرجح، ستتحرك الدول العربية الكبرى كالسعودية والمغرب على مراحل، وهذا أمرٌ يمكن أن يستفيد منه الفلسطينيون، ولكن يجب عليهم أن يتحركوا ويشاركوا في اللعبة. إذ لا يمكنهم تكرار نمطهم المعتاد في رفض مفاتحات الآخرين بصورة دائمة (مثل مصر والإمارات) والاصطفاف إلى جانب مَن يرفض مثل هذه المفاتحات – صدام حسين رداً على السلام الذي وقّعه السادات، وتركيا وإيران رداً على الإمارات حالياً.
والواقع أن خسارتهم لن تكون مكسباً لإسرائيل لأن الفلسطينيين لن يرحلوا، وستبقى المشكلة الفلسطينية قائمة أمام إسرائيل.
من هنا، تُعتبر السياسة الأمريكية الذكية هي تلك التي تتوسط في تواصلٍ عربي مع إسرائيل، وقيام إسرائيل باتخاذ خطواتٍ تجاه الفلسطينيين ردّاً على ذلك، مع استخدام هذه الخطوة لإعادة فتح الآفاق وإتاحة الإمكانيات. وفي النهاية، سوف يسدي بندر خدمةً للفلسطينيين إذا أرغمهم على مراجعة أنفسهم والإدراك بأن الوقت قد حان لاتخاذ الخيار الصائب.
دينيس روس، المساعد الخاص السابق للرئيس باراك أوباما، هو مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن. وهو مؤلف مشارك للكتاب “كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها“.
رابط المصدر: