رسائل كلينتون: تطورات الثورة المصرية ما قبل التنحي

عادل رفيق

 

هاتان وثيقتان تضمنتهما إيميلات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون؛ وكلاهما أرسلهما سيدني بلومنتال، المسؤول السابق في مكتب الرئيس بيل كلينتون. وأحد المقربين من هيلاري كلينتون لفترة طويلة، إلى هيلاري رودهام كلينتون، وزيرة الخارجية. الوثيقة الأولى جاءت في ثنايا رسالة أرسلها سيدني بلومنتال إلى كلينتون بتاريخ 2 فبراير 2011، وجاءت بعنوان: “معلومات استخباراتية جديدة”. أما الوثيقة الثانية فقد جاءت من خلال رسالة قام بلومنتال بإرسالها إلى وزيرة الخارجية الأمريكية بتاريخ 10 فبراير 2011 تحت عنوان: “ما وراء خطاب مبارك”.

تتناول كلا الوثيقتين معلومات حول بعض أحداث الثورة المصرية التي سبقت إعلان تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك عن حكم البلاد في الحادي عشر من فبراير 2011. فبينما تتحدث الوثيقة الأولى عن حيادية الجيش في التعامل مع أحداث العنف التي اندلعت في ذلك الوقت، سواء في موقعة الجمل أو في حوادث أخرى، تتناول الوثيقة الثانية طبيعة الصراع الذي كان دائراً بين مبارك والمجلس العسكري والذي كان وراء تأخير خطاب مبارك الأخير.

الوثيقة الأولى (بتاريخ 2 فبراير 2020):

معلومات استخباراتية جديدة:

أولاً: معلومات استخباراتية جديدة من مصادر تايلر درامهيلر، الضابط السابق في وكالة “سي آي ايه”:

1- يظل الجيش بعيداً عن قتال الشوارع (بخصوص أحداث ما عُرف باسم “موقعة الجمل” وغيرها). فالمجموعة المؤيدة لمبارك التي كانت تحرض على القتال هي مجموعة صغيرة من منسوبي الأمن والشرطة السابقين؛ وبالرغم من أنها عنيفة للغاية ولكن ليس لها أهمية سياسية. أما الجيش، فهو لا يتدخل في هذه الأحداث.

2- الجيش لا يريد إهانة مبارك. ولن يجبره على فعل أي شيء آخر. لكن هناك نقطة إنذار تبدو في الأفق. فلا يمكن أن تصمد التدابير الغذائية المتخذة في مصر سوى لبضعة أيام أخرى قبل حدوث أزمة غذائية في البلاد. وبالتالي، فإن الجيش يركز اهتمامه على توزيع الغذاء. وفي خلال أيام معدودة، ونتيجة لأزمة الغذاء (التي تلوح في الأفق)، سيشعر الجيش أنه يجب أن يكون هناك حل لما يحدث على الأرض. وفي غضون ذلك، لن يفعل الجيش أي شيء آخر. لقد كان موقف مبارك متعنتاً. نعم كان الجيش يريد إبعاده، لكنه لن يفعل المزيد ضده. وفي نفس الوقت، فالجيش لا يزال على اتصال بجماعة الإخوان المسلمين التي لا تقود الثورة بل تنتظر. والجيش لا يزال مسيطراً على الموقف.

ثانياً: خيارات جديدة:

1- كان الدستور القديم (دستور 1979 الذي تم تعديله أكثر من مرة) ينص على أن الرئيس يمكن أن يظل رئيساً مدى الحياة. فيستطيع مبارك أن يدعو إلى تشكيل لجنة دستورية على الفور تضم جميع أطياف السياسة المصرية لتعديل الدستور وإلغاء هذا البند. وفي الحقيقة، فإن مبارك كان قد ذكر ذلك في خطابه، لكنه فشل في تضمين أي آلية في خطابه لتحقيق ذلك بالفعل. إن الدعوة إلى تشكيل لجنة دستورية ستبني على ما قاله بالفعل ويبدأ في إنهاء حكمه على أرض الواقع. ويمكن أن يعلن كذلك أن عمر سليمان سيكون رئيسا لهذه اللجنة، ويمكن أن يكون البرادعي نائبا لرئيس اللجنة.

2- بعد ذلك الإعلان والتحرك نحو اللجنة الدستورية، ولكن بعد ذلك فقط، يمكن لسليمان واللجنة الدستورية من التواصل مع الأمم المتحدة لمطالبتها بالحضور بناء على طلب مصري لتكون بمثابة الضامن لإجراء انتخابات حرة ونزيهة وطمأنة الجميع في مصر أنه لن يحظى أي حزب أو مجموعة بميزة غير عادلة دون الآخرين. والمصريون حساسون للغاية من أن يُنظر إليهم على أنهم دولة من العالم الثالث أو مستعمرة، أو أن ينظر إليهم الأوروبيون بازدراء. لذا فإن المراقبة الدولية للانتخابات يجب أن تأتي بناء على طلب مصري ـ وحسب تتابع الإجراءات، فإنها ستأتي بعد التعديلات الدستورية.

الوثيقة الثانية (بتاريخ 10 فبراير 2020):

ما وراء خطاب مبارك

أحدث المعلومات الاستخباراتية من مصادر لها اتصالات على الأرض في مصر بمستوى فوق العادة:

تسبب الصراع الذي كان تدور رحاه بين حسني مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، في تأخير إلقاء مبارك لخطابه. فمبارك كان يطالب بضمانات للحفاظ على ممتلكاته وشرفه بعد أن يترك منصبه. وبما أن نجله جمال لا يستطيع الآن أن يحل محله، فقد كان مبارك مُصرّاً على أن يخلفه اللواء عمر سليمان في السلطة. لكن اللواء حسن الرويني، قائد المنطقة المركزية العسكرية آنذاك (والتي تشمل منطقة القاهرة الكبرى) والمشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع آنذاك والقائد العام للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، كانا يقفان في ذلك ضد سليمان الذي كان ضابطاً في القوات الجوية ثم (رئيس) المخابرات العامة، وأنه ليس من الجيش؛ وكانا يعتبران أن سليمان هو امتداد لمبارك الفاسد. وقبل كل شيء، فقد كان هؤلاء القادة (قادة المجلس العسكري بما فيهم الرويني وطنطاوي) يريدون الحفاظ على مؤسسة الجيش وسمعتها. وكانوا يرغبون في تجنب إراقة الدماء (في هذا الوقت) ويميلون إلى رفع حالة الطوارئ، وهي نقطة شائكة أخرى. وكان القادة العسكريون يريدون من مبارك نقل السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وليس لعمر سليمان.

توقف الصراع بين مبارك وشخصيات الجيش القوية بشكل مؤقت بسبب رئيس أركان القوات المسلحة آنذاك الفريق سامي عنان، الذي يبدو أنه كان يتقبل وجود عمر سليمان حالياً. وكان عنان يواصل العمل مع مبارك فيما يتعلق بكيفية التصرف والمضي قدماً (في ظل الأحداث الجارية) وصرح بشكل خاص أنه كان يحذر مستشاري الرئيس من أن حالة الارتباك التي تنشأ عن التصريحات الغامضة – يقصد خطاب مبارك – قد ينجم عنها أحداث عنف شديدة. وأضاف عنان أنه على الحكومة أن تعمل على توضيح الموقف، ويجب ألا يعتمد مبارك على إمكانية إطلاق الجيش النار على المتظاهرين لفترة طويلة. وتقول تقارير أن عنان كان يعتقد أنه لا يمكن لمبارك أن يجبر نفسه على القول بأنه قد استسلم للضغوط. ويشعر عنان بالقلق من أنه إذا خرج الوضع عن السيطرة، فقد يضطر الجيش إلى التحرك لإخراج مبارك (بالقوة)، وهي خطوة لا يريد أن يتخذها.

وبالنسبة لخطاب الرئيس باراك أوباما اليوم (10 فبراير 2011)، الذي ناقش فيه الوضع في مصر؛ وشهادة مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ليون بانيتا، التي توقع فيها رحيل مبارك، فقد تم استقبالهما في كل مكان بشكل سيئ، حيث رأى الناس أنهما (خطاب أوباما وشهادة بانيتا) غير مفيدين على الإطلاق.

تنويه: هذا النص العربي هو ترجمة دقيقة للأصل المنشور باللغة الإنجليزية في رسائل هيلاري كلينتون التي تم كشف السرية عنها على أن يتم التعامل مع كامل النصوص، وفق معايير الضبط العلمي والمنهجي عند الدراسة والتحليل.

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M