حيدر الحيدر الاجودي
يشهد العالم اليوم الكثير من المتغيرات الاجتماعية في المناطق التي تشهد نزاعات وصراعات، والتي احيانا او غالبا تكون بسبب التعددية والتنوع التي جاءت نتيجة السياسات الخاطئة او الفاشلة التي تتبعها الحكومات في تعاملها مع التنوع والتعددية. وأضحت تلك السياسات سببا في حدوث النزاعات وتغيير البنى التحتية الاجتماعية للكثير من البلدان ودول الربيع العربي على السواء ومنها العراق على وجه الخصوص.
فالمقصود بالنزاع السياسي هو حالة من التنافس الخاص بين الافراد على الحكـم أو السـلطة أو الحصـول على الميزات الخاصة، يكون أطرافه على علم بوجود الاختلافات في المواقف المستقبلية المحتملة ويضطر أحد الأطراف إلى تبني واتخاذ مواقف لا تتوافق مع مصالح الطرف الآخر، نظرا لاختلاف الأفكار السياسية، ويتأثر حجم النزاع بحجم أهدافه؛ فكلما كان الهدف كبيرا كان النزاع أكبر، كما تتحكم الإمكانيات والموارد المتاحة للأطراف في مدة النزاع واتجاهه، فهناك مجتمعات تكون قادرة على الصمود في النزاع بينما بعضها يتفكك وينهار أمام أول مواجهة، وبعضها يؤدي بها الى الصراع ولا يمكن الفصل بين أنواع الصراعات المختلفة، فالصراعات الاقتصادية تقـود إلى وجود نوع من الصراعات السياسية، كما أن وجود الصراعات السياسية يقود إلى وجود الصراعات الثقافية وهكذا، لذلك فالمجتمع وحدة متكاملة، وما يؤثر في أحد موازين القوى فيه يؤثر في القوى الأخرى.
وعلى هذا الاساس تشهد المجتمعات التي تخرج من النزاعات وتصبح في مراحل انتقالية طويلة كما هو الحال في العراق، تشهد الكثير من التأرجح وظهور اتجاهات فكرية وسياسية لا تراعي الوضع الذي عليه، فتظهر رؤى مختلفة، ويبتعد الفرد عن المؤسسات العلمية والفكرية، وتكون هناك اتجاهات فكرية مناهضة لتوجه المؤسسات، وتفعل وسائل الاعلام تأثيرها بالشكل السلبي لأنها تستخدم هذه الرؤى والافكار والتوجهات بأعتبارها توجهات الاكثرية.
قد تختلف النتائج المرتبطة بالنزاعات السياسية؛ وقد يكون بعضها إيجابياً مثل عدم احتكار السلطة بيد فئة فاسدة، فوجود الاختلافات في الأفكار السياسية يقود إلى عدم القبول بالسيادة للأشخاص غير المناسبين في المناصب، كما أنه يحفز ابناء المجتمع على البحث دائماً عن الحقيقة التي تلبي احتياجاتهم السياسية وتشحذ قدراتهم على القيادة، وقد تقود هذه النزاعات السياسية إلى انتشار العنف، والفساد، والفوضى، والنزاعات خاصة إذا كانت مصحوبة باستخدام السلاح، مما يفقد المنطقة الأمان والسلام، وهذا يؤدي إلى تدميرها اقتصادياً واجتماعياً، كما أن امتلاك أحد الأطراف للإمكانات أو دعمه من قبل جهات مختلفة يؤدي إلى حسم النزاع لصالحه على الرغم من فساده أو عدم صلاحية أفكاره وسلوكياته، وأثبتت الأيام هذه النتائج.
فعند التوصل لاتفاق بين القوى السياسية المتنازعة فإنّ ذلك قد يقود إلى نوع من الهدوء السياسي في المجتمع على الرغم من أنّ هذا الاتفاق يبنى على بعض التنازلات بين الأطراف المتخاصمة، كما ان استخدام العنف والقوة في فض النزاعات عبر التاريخ ادى إلى سقوط الحضارات والويلات والدمار، ولم يكن في يوم من الايام وسيلة لنشر السعادة بين الانسان واخيه الانسان، وقد ادرك أصحاب الرسالات خطورة استخدام العنف في عدم ايصال رسائلهم وانعكاساتها السلبية، وفي المقابل وجدوا أهمية ثقافة اللاعنف وتقبل الآخرين لرسالاتهم. وقد عانوا ما عانوا من اعدائهم شتى أنواع التعذيب والشتم حتى وصل الامر بهم إلى ترك موطنهم وبلدانهم. ولو رجعنا إلى النصوص الموجودة في الاديان السماوية نجد الكم الهائل من الآيات والادلة تحث أتباعها والمؤمنين على نبذ العنف وقبول الآخر, يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم لنبيه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
من الاسباب التي تؤدي الى نشوب النزاعات اما ان يكون سببها تعارض حقيقي أو متخيل للاحتياجات والقيم والمصالح، وتساعد النزاعات كمفهوم على تفسير الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية، مثل الاختلاف الاجتماعي وتعارض المصالح والتخاصم بين الأفراد والجماعات أو المنظمات. والصراع في البيئة الإجتماعية تمكن تأثير التوترات عند عدم وجود الحل السليم لها أو ترتيب للتعامل معها.
ومن الاسباب الشائعة لظهور النزاعات تتمثل بما يلي:
– اسباب تتعلق بالمشاعر أو الآراء أو الأفكار المتعلقة بإحترام الذات والكبرياء وهوية الشخص، وكذلك الفرق في العادات والمشاعر التي تمكن الاستياء والغضب بداية الى وقوع النزاع.- اختلاف الخلفيات الثقافية حيث يتشكل كل شخص داخل الأسرة والمجتمع ثقافيا وعلميا بشكل غير متساوي بعضهم لبعض، ولكل قبيلة او فرقة ثقافةٌ مختلفة، إذ لم تكن هذه كلها موحدة مما يؤدي الى اندلاع النزاع.
– الاختلافات في المصالح، فلكل فرقة مصلحة مختلفة مع الأفراد أو المجموعات الأخرى، كلهم يتوقف على احتياجات حياتهم، هذه الاختلاف متعلقة بالمصالح الاقتصادية والسياسية، والاجتماعية، والثقافية.
– عدم التطابق بين توقعات الأفراد أو الجماعات مع الواقع الاجتماعي التي تنشأ نتيجة للتغيير الاجتماعي.
– سوء الفهم بمعنى قد يساء فهم المخاطب بسبب فشل اسلوب المتحدث في ايصال رأيه.
اختلاف من هم برأس السلطة والمسؤولية لتنعكس على اختلاف افراد المجتمع.
– ربما يراد من النزاع هو الإساءة لشخصية معينة.
لا شك، أن العالم العربي، خاصة في المرحلة الجديدة، مرحلة ما بعد الربيع العربي، يحتاج بشكل خاص إلى الاتي:- بناء وتطوير منظومته الخاصة، لفك النزاعات، وإدارتها بين أعضائه بشكل حضاري، يعكس حجم التغيير الذي حصل في منظومته السياسية؛ التي اتسمت في غالبها، بالسلطوية والاستبداد، وقمع الحريات والإبداع. وهذا يتطلب جهودا ضخمة من الباحثين، وصناع القرار مع وجود إرادة سياسية، جادة لبناء هذه المنظومة عن طريق استخدام المعرفة العلمية والقيم الحضارية والتعددية الثقافية.
العمل على معالجة التحديات التي تواجه الجهود العلمية، في مجال دراسة النزاع، سواء على صعيد تحليل النزاع، وإدارة النزاع، وتسوية النزاع، وأشكال التدخل لتسوية النزاع، خاصة الوساطة، والمنع الوقائي لزيادة فاعلية هذه الطروحات النظرية.
– العمل على جعل ظاهرة فض النزاعات، نظاما عمليا ميدانيا سهل التطبيق، في طروحاته ومفاهيمه ومؤشراته، ولعل من أبرز التحديات، هو كيف يمكن الانتقال من الاطروحات النظرية الاكاديمية بشكل أكثر فاعلية، إلى الارتباط العملي الواقعي.
استثمار ثورة الاتصالات والتكنولوجيا من اجل صنع السلام ورفض النزاعات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي محاولة التقريب الجيلي بين الاباء والابناء.
– ضرورة توجيه الجهود البحثية واللجوء الى استخدام (الفرص الضائعة)؛ التي قد تؤدي إلى التسوية، بدلاً من التركيز على التهديدات وسيناريوهات أسوأ الخيارات في النزاع.
– تقديم المزيد من الافكار عن اهمية التربية والتعليم باعتبارهما من الاسانيد الرئيسة لنشر وتعزيز ثقافة السلام في اي مجتمع كان، كما ان لوسائل الاعلام الدور الكبير في ترسيخ مبدأ السلام ورفض العنف وشيوع ثقافة التسامح.
يتضح مما تقدم ان العمل على قضايا التماسك الاجتماعي بات الان من الضروريات الملحة في مجتمعاتنا بسبب التعددية والتنوع في بعض المناطق التي اصبحت مجتمعات ذات ملامح جديدة فيها الكثير من الاشياء والمظاهر الجديدة مما تتطلب اسس عمل جديدة وفق مهنية عملية لبناء منظومة حضارية تتسم بالحداثوية.
.
رابط المصدر: