تأملات قرآنية من الآية الرابعة والعشرين من سورة سبأ

بهاء النجار

 

قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24)

التأمل الأول :
من المعروف أن هناك رزقين ، مادي ومعنوي ، فالرزق المادي يشمل الجميع ، وذلك وفق الرحمة الرحمانية التي تشمل الجميع ، سواء كان مهتدياً أم ضالاً ، بل قد يكون الرزق المادي للضال أكبر مما هو للمهتدي ، لأن ذلك يعتمد على عدة أمور ، منها الحكمة الإلهية في أن يكون البعض مرزوقاً رزقاً كبيراً والبعض الآخر مرزوقاً رزقاً قليلاً ، فيكون الأول غنياً والثاني فقيراً .
أما الرزق المعنوي فلا يشمل الجميع ، لأنه رزق خاص ضمن رحمة خاصة ( الرحمة الرحيمية ) ، فمن شمله هذا الرزق كان مهتدياً ، ومن لم يشمله كان ضالاً ، وعلى المؤمن أن يهتم بهذا الرزق أكثر من اهتمامه بالرزق المادي .

التأمل الثاني :
يمكننا التمييز بين الرزق المعنوي ( أو الغيبي ) والرزق المادي ( أو الدنيوي ) من خلال ربط الأول بعالم الآخرة والثاني بعالم الدنيا ، فأحياناً يُفهَم من مفردة (السماوات ) على أنها تشير الى عالم الآخرة ، ومفردة ( الأرض ) تشير الى عالم الدنيا إذا لم تكن هناك قرينة تثبت عكس ذلك أو أن يكون هذا الفهم مخالفاً لثوابت الدين .
بالنتيجة فإن الرزق إذا كانت علاقته وانعكاساته على الآخرة – كالهداية والصلاح والإيمان وما شابه – فإنه رزق غيبي ، وإذا كانت علاقته وانعكاساته على الدنيا فهو رزق دنيوي كالأموال والأملاك والأولاد ، بل حتى الصحة والراحة وغيرها يمكن إلحاقها بذلك .

التأمل الثالث :
على المؤمن أن يعي جيداً أن الرزق ليس فقط رزقاً دنيوياً (أرضياً) وإنما هناك رزق معنوي (سماوي) وهو أوسع وأعم وأهم من الأول ، لأن الأول ينتهي بنهاية الحياة الدنيا بينما الثاني أبدي ، وهذا لا يعني أن نكتفي بالرزق المعنوي ونترك الرزق الدنيوي ، فالرزق الدنيوي إذا كان مقدمة وسبباً للرزق المعنوي فهو مطلوب من باب (الدنيا مزرعة الآخرة) ، ولكن أن لا نشغل أنفسنا بالرزق المادي ونترك الرزق المعنوي ، كما ورد في أحد الأدعية : ( اللهم فرّغني لما خلقتني له ولا تشغلني بما تكفلت لي به ) ، فالرزق المادي مكفول وإن قلّ ، أما الرزق المعنوي فهو أساس الخلقة ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) ، فالمهتدي يرزقه الله العبادة ، والضال يُحرَم من هذا الرزق .

التأمل الرابع :
إن الرزق المادي أو الدنيوي (الأرضي) مصدره سماوي أو غيبي ، فما يحصل عليه الإنسان من رزق – أموال وصحة وراحة وغيرها – هو ما يكتبه الرزاق جل وعلا وفق ما تقتضيه حكمته وعلمه ولطفه ، ولا علاقة لهدى المرزوق أو ضلاله بحجم ونوع الرزق (الأرضي) الذي يُكتَب له ، فقد يكون الهدى ( وهو رزق سماوي ) سبباً لنزول الرزق (الأرضي) وقد يكون سبباً لحجبه ، والضلال كذلك يمكن أن يكون سبباً لنزوله أو حجبه ، والغاية من ذلك هو معرفة من هو على هدى أو في ضلال مبين ، فمن كان على هدى استثمر رزقه إن كثُر وإن قلّ صبر ، أما من هو في ضلال مبين فيضيعه إن كثُر وإن قلّ كفر .

التأمل الخامس :
هناك روايات تدل على أن الرزق (الأرضي) يستجلب الرزق (السماوي) ، وإذ لا يمكننا سرد جميع هذه الروايات فسنأخذ مثالاً منها ، إذ روي أن ( الصدقة تطفئ غضب الرب ) ، فالصدقة تأتي نتيجة رزق أرضي، فلا يمكن لمن لا يملك شيئاً أن يتصدق ، فجاء الرزق (السماوي) – وهو إطفاء غضب الرب – نتيجة هذا الرزق (الأرضي) .
والملُاحَظ أن من استثمر الرزق (الأرضي) لاستنزال الرزق (السماوي) هو من كان على هدى ، أما من كان في ضلال مبين فسوف لن يُوفَّق لهذا الاستثمار ، لذا يكون مُعرَّضاً لغضب الرب والعياذ بالله .

 

للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M