إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (24)
التأمل الأول :
إن الرسالة السماوية الحقة – كرسالة الإسلام – لا بد أن يكون لها مساران لتحقيق أهدافها ، مسار للتبشير ومسار للإنذار ، التبشير بالثواب والرحمة والمغفرة والجنة ، والإنذار من سوء العاقبة والمصير في الآخرة ، فالتبشير لوحده يخلق جيلاً يأمن مكر الله وبالتالي تكون الذنوب التي يرتكبها هذا الجيل سهلة يسيرة معوّلين على الرحمة والمغفرة ، والإنذار لوحده يخلق جيلاً قانطاً من رحمة الله آيساً من النجاة ، لا يرى طعماً للحياة وينظر الى ربه نظرة مقت وكره ، أما إذا جمعنا بينهما فسيتولد جيلٌ متوازن يحب ربه ويخاف منه ، يعمل الصالحات لاستثمار فضل ربه ويترك السيئات لتجنب عقوبته ، حتى قيل أن قلب المؤمن يُقسَم الى نصفين بالتساوي لا يزيد أحدهما على الآخر ، نصف يملؤه الرجاء لرحمة الله تعالى ، ونصف يملؤه الخوف من عذابه .
التأمل الثاني:
إن الرسالات الأرضية لا بد أن تستمد قواها وعوامل نجاحها من الرسالة السماوية ، ونقصد بالرسالات الأرضية ما يسعى الإنسان لإنجازها في حياته الدنيا ، كسعي الأب في بناء أسرة سعيدة أفرادها فاعلون في المجتمع ، أو كسعي رب العمل أو مدير مشروع أو مؤسسة في إنجاح عمله ومشروعه ومؤسسته ، فَعلى رَبُ الأسرة أن يوازن بين (الثواب) باعتباره أحد أشكال البشارة والمكافأة لأي عمل و (العقاب) الذي يمثّل أحد تبعات مخالفة الإنذارات والتنبيهات والتحذيرات ، فالاهتمام بالمكافآت والتشجيع المطلق والمفتوح من دون تقديم التحذيرات والإنذارات سيجعل أفراد الأسرة مُدلَّلين خاملين لا يرون من الحياة سوى الأخذ والربح والتكسب ، ولا يجدون معنى للمسؤولية تجاه المجتمع وأفراده ، والتركيز على الإنذارات والتنبيهات من دون التشجيع وتقديم المكافآت سيجعل الأفراد أشخاصاً مُعقّدين بعُقدٍ نفسية تنعكس على المجتمع . وهذا ما يجب أن يهتم به رب العمل ومدير أي مشروع أو مؤسسة .
التأمل الثالث:
من مشاكل المؤسسات عموماً ( الحكومية والأهلية ، الثقافية والإنسانية والتجارية والبحثية وغيرها ) أن العامل في هذه المؤسسات لا يجد ما يُبشِّره بخير يجعله أكثر إنتاجاً وحيوية ، وليس بالضرورة أن ما يُبشَّر به مادي – كما في المؤسسات الإنسانية التطوعية – وإنما المهم أن يكون هناك تشجيع على العطاء والبذل بأقصى طاقة العامل .
هذا من جانب ، ومن جانب آخر أنه لا توجد ضوابط صارمة تمنع تسيُب العاملين والموظفين وعدم قيامهم بواجباتهم على أكمل وجه ، إضافة الى غياب العدالة التي تعطي كل ذي حق حقه ، فمن يسيء إما أنه لا يُنذَر على إساءته ، أو يُنذَر ولكن لا يُطبَّق الإنذار عملياً ، وبالتالي يتساوي المجتهد مع المتكاسل ، فتفشل المؤسسة .
للمزيد من التأملات القرآنية انضموا الى قناة ( تأملات قرآنية ) على التلغرام :
https://t.me/quraan_views