تحاشي عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى النشاط في العراق وسورية

الاستنتاجات الرئيسية

ا الجديد؟ في العراق وسورية، هُزم تنظيم الدولة الإسلامية لكنه لم ينتهِ؛ فما زال التنظيم نشطاً لكنه تقلص وبات محاصراً جغرافياً. إن إبقاءه على هذا النحو يتطلب جهوداً مستمرة؛ فمن شأن أي حدث، من بين عدة أحداث – التدخل التركي في شمال شرق سورية، وأيضاً انعدام الاستقرار في العراق أو اتساع تداعيات التوترات الأميركية-الإيرانية – أن يمكّنه من العودة.

ما أهمية ذلك؟ لقد دفع العراقيون، والسوريون وشركاؤهم الدوليون ثمناً باهظاً لإخراج التنظيم المسلح من “خلافته” المكانية. لكن حتى كحركة تمرد، فإنه لا يزال يهدد العراقيين والسوريين محلياً؛ وإذا تمكن من إعادة التجمع، فإنه يمكن أن يشكل خطراً متجدداً على المستوى العالمي.

ما الذي ينبغي فعله؟ سيتطلب إبقاء تنظيم الدولة الإسلامية ضعيفاً تحاشي نشوب صراع جديد سواء في العراق أو في سورية من شأنه أن يعطل الجهود المبذولة في محاربة التنظيم – وبشكل فوري وملحّ، التدخل التركي في شمال شرق سورية. السوريون والعراقيون بحاجة لفترة من الهدوء لملاحقة مسلحي تنظيم الدولة وتحقيق الاستقرار في بلديهما.

لملخص التنفيذي

لم يتمكن تنظيم الدولة الإسلامية من العودة إلى الظهور في العراق أو في سورية – حتى الآن. ما يزال التنظيم الجهادي موجوداً بوصفه حركة تمرد مسلح قوية في كلا البلدين، لكن بالمقارنة مع تجلياته السابقة، فإنه ضعيف ومحاصر جغرافياً. لقد ساعدت الظروف المحلية، خصوصاً في العراق، على منع عودته. إلا أن العراق وسورية يواجهان أخطاراً داخلية وتهديدات خارجية، أكثرها قرباً وإلحاحاً هو التدخل التركي في شمال شرق سورية، الذي من شأنه أن يزعزع استقرار كلا البلدين. إذا تدخل عدم الاستقرار الداخلي أو صدمة خارجية في جهود مكافحة تنظيم الدولة في أي من البلدين، يبدو من المرجح أن يحاول التنظيم العودة إلى النشاط. ويتطلب منع التنظيم من هذه العودة جهوداً محلية مستمرة لمحاربته وتحقيق الاستقرار؛ وينبغي على جميع الأطراف المنخرطة في جهود محاربته – محلياً ودولياً – تفادي نشوب صراعات جديدة معطلة فيما بينها، مهما كانت خلافاتها.

لقد سقط تنظيم الدولة الإسلامية بدرجة كبيرة من الذروة التي كان عليها في العام 2015، عندما كان في حالة هجوم ضد أعدائه الكثيرين وكان يسيطر على دولة بدائية مسلحة تمتد من العراق إلى سورية. وفي مواجهة حملة عسكرية كبرى شنتها مجموعة من أعدائه المحليين والدوليين، فقد التنظيم مواقعه في العراق في العام 2017 وفي سورية في مطلع العام 2019. لكن في كلا البلدين، ظل موجوداً عبر تحوله من الحرب شبه التقليدية إلى تمرد مسلح يعتمد على تكتيك اضرب واهرب.

في العراق، ينشط التنظيم على شكل وحدات منفصلة مستقلة بدرجة كبيرة وتنتشر في أقسى المناطق في البلاد، بما في ذلك الجبال والصحارى. ومن هذه المخابئ، يخرج مقاتلو التنظيم ليهاجموا المناطق الريفية، حيث يختطفون ويبتزون السكان ويقتلون ممثلي الدولة. عمليات التنظيم بسيطة؛ إذ لم يشن كثيراً من الهجمات الأكثر تعقيداً أو الأوسع نطاقاً. وحتى الآن، يبدو أنه لم يتمكن من اختراق المدن العراقية الكبرى.

لقد تغير العراق بأشكال من شأنها أن تمنع تنظيم الدولة من العودة بقوة. فالاستقطاب الطائفي الذي ساد البلاد بأسرها والذي استفاد منه التنظيم تلاشى. إضافة إلى ذلك، الآن وقد جرب العرب السنة الصدمة المزدوجة المتمثلة في إجراءات تنظيم الدولة المتسلطة في الحكم والحملة العسكرية لاستعادة مناطقهم من التنظيم، فإن معظمهم لا يريدون التعامل معه مرة أخرى. قوات الأمن العراقية، من جهتها، خففت من تجاوزاتها وأقامت علاقة أكثر إيجابية مع العرب السنة.

لكن ورغم هذه الأسباب التي تدعو إلى التفاؤل، هناك تهديدات أيضاً. فتأمين المناطق البعيدة التي لا تزال تعاني من وطأة تنظيم الدولة سيشكل تحدياً كبيراً. كما أن الحكومة لم تقم بعد بإعادة بناء وإطلاق اقتصادات هذه المناطق وغيرها التي تأثرت بالحرب ضد التنظيم، الأمر الذي لا يشجع النازحين منها على العودة. ويبدو أن معالجة ومداواة جراح المجتمع صعبة أيضاً. إن المقاربة العقابية التي يتبعها العراق في العدالة في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة تخاطر بتوسيع الانقسامات القائمة في البلاد. ويبدو أن “عوائل داعش” – وهم المدنيون الذين يدّعى بأن علاقات عائلية تربطهم بمقاتلي تنظيم الدولة والذين تم نفيهم من مدنهم وبلداتهم – يبدو أنهم يعانون من خطر تحولهم إلى طبقة دنيا تحمل وصمة دائمة. كما أن التوترات الأميركية-الإيرانية يمكن أن تمتد إلى العراق، ما يمكن أن يؤدي إلى هجمات تشنها الفصائل العسكرية المحلية شبه العسكرية المتحالفة مع إيران ضد أهداف أميركية. لا يمكن التنبؤ بالنتائج، لكن من شأن ذلك أن يعرض للخطر استمرار وجود قوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وأن يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار.

كما يمكن لتنظيم الدولة أن يعود في سورية المجاورة، التي يبدو استقرارها مهدداً بسبب تدخل تركي جديد في شمال شرق البلاد. في 6 تشرين الأول/أكتوبر، أعلن الرئيس دونالد ترامب أن تركيا ستطلق عملية عسكرية في شمال سورية وأن القوات الأميركية “لن تستمر في الوجود في المنطقة المحاذية”. بدا أن بيان ترامب – الذي أصبح منذ الإدلاء به أكثر تعقيداً وتشويشاً وتناقضاً – أعطى الضوء الأخضر لتدخل تركي أحادي في شمال شرق سورية ضد الشريك السوري الرئيسي للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة، أي قوات سورية الديمقراطية. تقود تلك القوات قوة كردية مرتبطة بشكل وثيق بحزب العمال الكردستاني، وهو تنظيم خاض حرباً دامت عقوداً مع تركيا. بعد مغادرة العدد القليل من القوات الأميركية الذي كان موجوداً على الحدود لمواقعه، أعلنت تركيا أن تدخلها قد بدأ في 9 تشرين الأول/أكتوبر، رغم أن نطاقه الكامل لا يزال غير واضح.

من شبه المؤكد أن الصراع بين تركيا وقوات سورية الديمقراطية على الحدود السورية-التركية سيخفف الضغط على تنظيم الدولة الإسلامية، الذي خسر المناطق التي كان يسيطر عليها في شرق سورية في أيار/مايو 2019 لكنه يستمر بالوجود كحركة تمرد قاتلة. منذ أيار/مايو، استمرت قوات سورية الديمقراطية في ملاحقة بقايا تنظيم الدولة في سائر أنحاء الشمال الشرقي وتحتجز الآلاف من أعضاء التنظيم وأفراد أسرهم. إلا أن قوات سورية الديمقراطية حذرت من أنها ستجبر على نقل قواتها إلى حدود سورية الشمالية إذا هاجمت تركيا. قد تكون التبعات كارثية بالنسبة للمناطق الواقعة إلى جنوب الحدود، حيث لا يزال التنظيم نشطاً، وبالنسبة للسجون والمخيمات التي تحتوي مقاتلي التنظيم والتي كانت أصلاً عرضة للهجمات قبل الأحداث الأخيرة.

حتى لو ظل تنظيم الدولة قائماً بشكل ما في العراق وسورية، فإن أعداءه الكثر ينبغي أن يكونوا قادرين على احتوائه أو إضعافه أكثر. لكن لهذا السبب فإن البلدين بحاجة لأن يتم تجنيبهما الصدمات الخارجية التي من شأنها أن تعطل جهود محاربته. يتمثل الإجراء الأكثر إلحاحاً في أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على إقناع تركيا بوقف غزوها لشمال شرق سورية، الذي سيلحق الضرر بالمكانة السياسية الدولية لتركيا ولأمنها الداخلي. من شأن ذلك أن يعطي بعض الوقت لترتيبات انتقالية جديدة وأن يعالج الهواجس الأمنية التركية بانتظار التوصل إلى اتفاق نهائي حول المنطقة. في حال فشل ذلك، فإن البديل هو أن تتفاوض قوات سورية الديمقراطية، على الأرجح بوساطة روسية، للتوصل إلى تسوية مباشرة مع النظام السوري من شأنها أن توقف الهجوم التركي. كما ينبغي على الحكومات أن تعيد أكبر عدد ممكن من مواطنيها المدنيين من مخيمات النازحين في شمال شرق سورية، قبل أن يغرق أطفال المخيمات في الصراع.

ويجب على اللاعبين المحليين أيضاً اتخاذ بعض الخطوات؛ فبمساعدة من الشركاء الدوليين، ينبغي على الحكومة العراقية أن تضاعف جهودها لتأمين المناطق الريفية المتأثرة بتنظيم الدولة الإسلامية إذا انزلقت سورية المجاورة إلى الفوضى. كما ينبغي على بغداد أن تعطي الأولوية لإعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب وإعادة المهجرين، بما في ذلك “عوائل داعش”. إذا كان بالإمكان وقف الهجوم التركي أو الحد منه، سيترتب على قوات سورية الديمقراطية أن تسمح لشركائها المحليين بلعب دور أكثر فعالية في الحكم والأمن، بما في ذلك في دير الزور، وأن تساعد في الدفاع عنهم ضد هجمات تنظيم الدولة.

ما يزال من الممكن منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الظهور في العراق وسورية. لكن ذلك يتطلب جهوداً متضافرة من قبل خصوم التنظيم المحليين والدوليين، الذين ينبغي أن يتجنبوا حدوث صراع مهلك فيما بينهم بشكل يمنح التنظيم حياة جديدة.

رابط المصدر:

https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/eastern-mediterranean/syria/207-averting-isis-resurgence-iraq-and-syria

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M