كَنزي سيرِج
تؤثر الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد المصري عن طريق أكثر من محور. إحدى الطرق التي تساهم في قياس تأثير هذه المحاور هي سعر الصرف الذي يتم تحديده عن طريق العرض والطلب. يُعد سعر الصرف أحد المحددات لصحة الاقتصاد واستقراره. ويتم تعريف سعر الصرف على أنه المعدل الذي يُمكن على أساسه تحويل عملة محددة إلى عملة أخرى. يعتمد سعر الصرف بشكل كبير على العرض والطلب، كما يؤثر فيه عناصر أخرى أيضًا كالاستقرار السياسي الداخلي والخارجي وغيره. يُناقش هذا المقال كيفية تأثر الاقتصاد المصري بالحرب الروسية الأوكرانية، ويوضّح الوضع الحالي لسعر الصرف وصافي احتياطي النقد الأجنبي المصري.
أولًا: تأثر السوق المحلية بالحرب الروسية الأوكرانية
تأثرت السوق المحلية المصرية بالحرب الروسية الأوكرانية من عدة جوانب والتي تشمل السياحة والطاقة والغذاء. فبالنسبة للسياحة، فإن السياحة الأوكرانية والروسية تعد من أهم مصادر السياحة في مصر، حيث لعبت السياحة الأوكرانية دورًا أساسيًا في الأعوام الماضية مع بداية تعافي السياحة المصرية من الأوضاع السياسية وتليها أزمة كورونا. هذا بالإضافة إلى عودة السياحة الروسية إلى مصر في العام الماضي بعد اتفاق الرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس روسيا “فلاديمير بوتين” على ذلك بعد أن تم حظر السفر من قِبَل روسيا إلى منتجعات البحر الأحمر بسبب تحطم الطائرة الروسية في سيناء عام 2015. وبناء على رئيس “جمعية مسافرون للسياحة”، عاطف عبداللطيف، فإن السياحة الروسية والأوكرانية تمثل من 60% إلى 65% من إجمالي السياحة الوافدة إلى مصر. ومنذ بداية العام الحالي تم إلغاء عدد ضخم من الرحلات إلى مصر من الدولتين مع تفاقم الوضع، ومن المتوقع أن يظل الوضع كما هو عليه حتى انتهاء الحرب. وبالتالي فإن السيناريوهات الحالية لوضع السياحة في مصر تعتمد على مدة هذه الحرب وتأثر الدول الأوروبية واستجابتها لها.
من جهة أخرى، تعد روسيا قوة عالمية فيما يخص السلع الأساسية والطاقة؛ فهي مُصَدِّر أساسي لكليهما. وتعد روسيا أكبر مورد للقمح لمصر. هذا بالإضافة إلى أن الدولتين تسيطران على حوالي 29% من إجمالي تجارة القمح عالميًا. وبالتالي فمع تدهور الوضع في أوكرانيا وإعلان روسيا توقفها عن تصدير القمح عالميًا، فإن المخاوف تتأتى من حدوث نقص شديد عالميًا في المعروض من القمح وزيادة أسعاره بشكل مستمر ترتفع. هذا هو الحال أيضًا لأسعار الوقود التي ارتفعت ومن المتوقع ارتفاعها مرة أخرى. ومع إعلان الدولة المصرية عن تحرير سوقها، أي ارتفاع الأسعار المحلية مع ارتفاعها عالميًا وانخفاض الأسعار محليًا مع انخفاضها عالميًا، فمن المتوقع أن ترتفع الأسعار محليًا في الفترة الحالية مع انخفاضها في حال انخفاض الأسعار عالميًا. الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى زيادة الطلب على العملة الأجنبية بسبب زيادة الأسعار.
وبالتالي، مع انخفاض العوائد من القطاع السياحي فإن المعروض من العملة الأجنبية ينخفض. هذا بالإضافة إلى ارتفاع الطلب نتيجة لارتفاع أسعار النفط والمنتجات النفطية وكذلك ارتفاع أسعار القمح وغيرها من السلع الغذائية.
ثانيًا: سعر الصرف منذ بداية الجائحة
مع مقارنة سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار (وهذا بسبب ربط بقية العملات بقيمة الجنيه المصري مقابل الدولار)، وفقًا لبيانات البنك المركزي (وبأخذ أول يوم من كل شهر متاح فيه البيانات لسعر البيع “selling price”)؛ فإن الاقتصاد المصري كان قد بدأ في النمو والاستقرار في عام 2020. هذا بالإضافة إلى تحسن وضع السياحة وغيرها من مصادر العملة الأجنبية لترتفع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بشكل طفيف لتصل إلى 15.68 جنيهًا مقابل الدولار في 1 مارس 2020 من 16.09 جنيهًا مقابل الدولار في 1 يناير 2020. ولكن مع بداية الجائحة، أخذت قيمة الجنيه مقابل الدولار في الانخفاض بشكل طفيف لتصل إلى حد أقصى 16.15 جنيهًا مقابل الدولار المسجلة في 5 أغسطس 2020. ولكن بعد ذلك بدأت قيمة الجنيه المصري في الارتفاع بشكل طفيف لتستقر عند معدلات تتراوح بين 15.7 جنيهًا مقابل الدولار و15.8 جنيهًا، ليكون المتوسط حوالي 15.76 جنيهًا مقابل الدولار، الأمر الذي يُشير إلى استقرار الاقتصاد إلى حد ما أثناء الجائحة واستقرار الطلب على الدولار والمعروض منه.
المصدر: بيانات البنك المركزي لسعر الصرف.
يأتي ذلك الاستقرار بسبب استقرار وتحسن وضع محددات سعر الصرف “the factors affecting the exchange rate”. وتشمل هذه المحددات معدل التضخم؛ إذ إن الدولة ذات معدل التضخم الأقل عادة ما تشهد ارتفاعًا في قيمة عملتها مقارنة بالدول التي تشهد معدلات تضخم أعلى، فترتفع أسعار السلع والخدمات بمعدل أبطأ. وبلغ معدل التضخم المصري المقدر في العام الماضي (2021) 4.5%، وفقًا لمتوسط بيانات التضخم الشهرية، وهي ضمن النطاق المستهدف من البنك المركزي. وتعد أقل نسبة معدل تضخم في الاقتصاد المصري منذ عام 2006 عندما بلغ معدل التضخم 4.2%. علاوة على ذلك، يعد معدل التضخم المقدر للاقتصاد المصري في عام 2021 أفضل من متوسط معدل التضخم المقدر العالمي في العام نفسه، حيث بلغ متوسط معدل التضخم المقدر العالمي أعلى من 5%، وفقًا لبيانات البنك الدولي.
وبالنسبة إلى الطلب على العملة الأجنبية؛ فقد انخفض ضغط الطلب على العملة الأجنبية إلى حد ما. يأتي ذلك لعدة أسباب والتي تشمل انخفاض أسعار النفط مع بداية الجائحة بسبب السياسات المتبعة من قبل عدة دول لحظر التجول والتباعد السكاني ووقف حركة التجارة وغيرها. وبالتالي انخفض الطلب على الدولار وانخفض عجز الموازنة بشكل ملحوظ. إضافة إلى ذلك، انخفض عجز الموازنة إلى 7.4% المحققة في العام المالي المنتهي 2020/2021 من 8% المحققة في العام المالي المنتهي 2019/2020، وفقًا لمؤشرات الأداء المالي للموازنة. وجاء ذلك التحسن بسبب زيادة الإيرادات بنحو 119 مليار جنيه في العام المالي 2020/2021- أي زيادة بمعدل 12.2% عن العام الذي سبقه- في حين ارتفعت المصروفات بنسبة 9% بسبب الحزم التحفيزية التي قدمتها الدولة أثناء الجائحة. وبذلك، فقد حققت الدولة فائضَا أوليًا في الموازنة بحوالي 93.1 مليار جنيه- أي 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي.
أما بالنسبة إلى المعروض من العملة الأجنبية، فقد زاد المعروض أو المتوفر من العملة الأجنبية مع زيادة حجم الإيرادات المصرية من العملة الأجنبية. وتمثل السياحة حوالي 12% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الجائحة بناء على البنك المركزي، كما أنها تمثل حوالي 19% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية. وارتفعت إيرادات السياحة إلى حوالي 13 مليار دولار في عام 2021 من حوالي 4 مليارات دولار في عام 2020، وفقًا لنائبة وزير السياحة والآثار في مصر، غادة شلبي، لتعود إلى مستوياتها قبل الجائحة، حيث سجلت إيرادات السياحة المصرية حوالي 13.03 مليار دولار في عام 2019. إضافة إلى ذلك، وبناء على رئيس هيئة قناة السويس، فقد ارتفعت إيرادات قناة السويس بنسبة 12.8% في عام 2021 عن العام الذي سبقه. إذ ارتفعت حصيلة إيرادات القناة إلى حوالي 6.3 مليارات دولار في عام 2021 من حوالي 5.6 مليارات دولار، حيث حققت زيادة بنحو 720 مليار دولار. هذا بالإضافة إلى زيادة تحويلات العاملين بالخارج بنسبة 12.9% لتسجل 31.4 مليار دولار في العام المالي 2021/2022 مقارنة بنحو 27.8 مليار دولار في العام المالي 2020/2021، وهي ما تعد أعلى قيمة تحويلات عاملين بالخارج خلال عام مالي، وفقًا لسلسلة تقارير حصاد قطاعات الدولة في 2021 المقدمة من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
ثالثًا: احتياطي النقد الأجنبي المصري
وفقًا لبيانات البنك المركزي، تحسن وضع احتياطي النقد الأجنبي المصري بشكل ملحوظ على مدار الاثني عشر شهرًا الماضية. وارتفعت قيمة احتياطي النقد الأجنبي المصري من 40.34 مليار دولار المحققة في مارس 2021 إلى 40.99 مليار دولار المحققة في فبراير 2022.
المصدر: بيانات البنك المركزي لاحتياطي النقد الأجنبي المصري.
في النهاية، تعد توقعات سعر الصرف غير واضحة إلى حد كبير، فمن ناحية، تتحسن المؤشرات الحالية المصرية. على سبيل المثال، توقع صندوق النقد الدولي أن تنخفض نسبة عجز الموازنة إلى 6.3% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية 2021/2022. وفي حين أن هذه النتيجة تبدو إيجابية، إلا أنها أعلى بنسبة 0.5% عن توقعات صندوق النقد الدولي السابقة. ومن ناحية أخرى، فإن جميع السيناريوهات مرتبطة بالمدى الزمني للحرب وتأثيرها على روسيا وأوكرانيا والدول الأخرى العالمية الكبيرة المُؤثرة في السوق العالمي وعلى مصر بشكل مباشر.
.
رابط المصدر: