لماذا وسّعت إسرائيل نطاق التصعيد مع إيران؟

د. محمد عباس ناجي

 

لم تعد مشكلة إسرائيل مع إيران منحصرة في برنامجها النووي، رغم الأهمية القصوى التي توليها تل أبيب لهذا البرنامج، وإنما بدأت تمتد إلى ملفات أخرى لا تقل أهمية بالنسبة للأخيرة. وفي الواقع، يمكن القول إن إسرائيل طورت استراتيجية مواجهتها مع إيران لتشمل معظم ما يمكن تسميته بـ”مصادر القوة” التي تمتلكها الأخيرة، إن لم يكن مجملها. وقد بدا ذلك جليًا فيما أشارت إليه تقارير عديدة من قيام إسرائيل بمهاجمة قاعدة للحرس الثوري تضم مئات من الطائرات المسيرة في محافظة كرمنشاه شمال غرب إيران في 14 فبراير الفائت (2022).

ويبدو أن إسرائيل تعمدت تسريب تلك التقارير في إطار ردها، الذي ربما لم يكتمل بعد، على الهجمات الصاروخية التي كان لافتًا أن الحرس الثوري الإيراني أعلن مسئوليته عنها، واستهدفت ما وصفه بأنه “قاعدة سرية” تابعة للاستخبارات الإسرائيلية في محافظة أربيل العراقية في 13 مارس الجاري.

أهداف عديدة

على مدى الأعوام الستة الماضية، اتسع نطاق الهجمات الإسرائيلية ضد أهداف تابعة لإيران، لتشمل إلى جانب المنشآت النووية، كلًا من برنامج الصواريخ الباليستية، والطائرات من دون طيار، والوجود الإيراني في أنحاء مختلفة من منطقة الشرق الأوسط. وفي الواقع، يمكن القول إن إسرائيل تسعى من خلال ذلك إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في:

توجيه الاهتمام نحو “خطورة” الصفقة النووية: ما زالت إسرائيل حريصة على شن حملة قوية ضد المفاوضات التي تجري في فيينا، من أجل تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي عبر عودة الولايات المتحدة الأمريكية للمشاركة فيه، مقابل عودة إيران للالتزام ببنوده. وهنا، فإن إسرائيل تسعى عبر تلك الهجمات إلى توجيه انتباه القوى الدولية المعنية بالمفاوضات والمنخرطة فيها إلى أن الوصول إلى صفقة جديدة في فيينا لن يحل المشكلات العالقة مع إيران، خاصة أن الأخيرة قد تحاول من جديد الالتفاف عليه عبر العودة إلى تخفيض مستوى التزاماتها مجددًا أو ممارسة أنشطة لها صلة بجانب عسكري للبرنامج بعيدًا عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

إظهار ضعف إيران من الداخل: ويكتسب هذا الهدف تحديدًا أهمية وزخمًا خاصًا من جانب إسرائيل، لا سيما أن إيران دائمًا ما تعتمد على الدعاية أو “البروباجندا” في الترويج لقدراتها وتضخيمها، فضلًا عن استقطاب متعاطفين مع خطابها الأيديولوجي من دول مختلفة. وهنا، فإن الرسالة تبدو واضحة، ومفادها أن إسرائيل تريد أن تؤكد أن إيران التي تتباهى بقدرتها على اختراق حدود الدول الأخرى، عبر المليشيات المسلحة الموالية لها وبعض الجماعات المحلية، هي نفسها تتعرض لاختراق واسع على ساحتها الداخلية، بدليل مستوى وتعدد العمليات الأمنية النوعية التي تعرضت لها في الأعوام الستة الأخيرة، بداية من الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني، في 31 يناير 2018، مرورًا بمهاجمة مفاعل ناتانز لتخصيب اليورانيوم مرتين، في 2 يوليو 2020 و11 أبريل 2021، واغتيال العالم النووي رئيس مؤسسة الأبحاث والتطوير محسن فخري زاده في 27 نوفمبر 2020، وأخيرًا الهجوم على قاعدة الطائرات المسيرة في 14 فبراير 2022.

تأجيج الاحتجاجات الداخلية: لا يبدو أن أهداف إسرائيل داخل إيران تقتصر على المنشآت النووية أو الصاروخية فحسب. فقد كان لافتًا أنها تعرضت لاتهامات من جانب إيران بالمسئولية عن الهجوم السيبراني الذي تعرضت له منظومة توزيع البنزين على مستوى الدولة بأكملها، في 26 أكتوبر 2021. ورغم أن إسرائيل لم تعلن، كما جرت العادة، مسئوليتها عن مثل هذه الهجمات، إلا أنها سمحت لوسائل إعلامها بالتلميح إلى ذلك. بل إن رئيس جهاز “الموساد” يوسي كوهين كشف في حوار مع القناة “12” الإسرائيلية، في 21 يونيو 2021، عن قيام إسرائيل بعملية الاستيلاء على الأرشيف النووي الإيراني، وألمح إلى مسئوليتها عن هجمات ناتانز واغتيال فخري زاده. وهنا، فإن الهدف يكمن في تأجيج الأزمة الداخلية التي تعبر عنها الاحتجاجات التي تحولت إلى ظاهرة متكررة داخل إيران بسبب تفاقم الأوضاع المعيشية نتيجة تصاعد حدة التأثيرات التي تفرضها العقوبات الأمريكية، وبالتالي وضع النظام الإيراني تحت ضغوط داخلية مستمرة يمكن أن تقلص من قدرته على إدارة صراعه معها، على مستوى المنطقة بأكملها.

لكن هذا الهدف لا يبدو أنه تحقق بشكل كامل. صحيح أن إيران تتعرض لاختراق أمني واسع، إلا أن ذلك لم يمنعها من مهاجمة أهداف ومصالح إسرائيلية، خاصة في المياه الإقليمية والدولية، فضلًا عما أشارت إليه بأنه “قاعدة سرية” تابعة لإسرائيل في أربيل. ولا ينفصل ذلك بالطبع عن إعلان حزب الله مسئوليته عن إطلاق مسيرتين لاختراق الحدود الإسرائيلية في 17 و18 فبراير الفائت، بالتوازي مع التهديدات التي توجهها المليشيات التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان، وربما اليمن في مرحلة لاحقة، بالانخراط في التصعيد ضد إسرائيل. وهنا، فإن هدف إيران يتمثل في إقناع إسرائيل بأن استمرار عملياتها الأمنية داخل وخارج إيران سوف تكون كلفته عالية.

استهداف “الأذرع الطولى” لإيران: استخدمت إيران صواريخها الباليستية أكثر من مرة لمهاجمة أهداف داخل كل من العراق وسوريا. فقد ادعت قبل ذلك أنها هاجمت قواعد لتنظيم “داعش” في سوريا بواسطة تلك الصواريخ، في 18 يونيو 2017. كما هاجمت قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية، في 8 يناير 2020، ردًا على مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري في عملية عسكرية شنتها الولايات المتحدة الأمريكية قبل ذلك بخمسة أيام أسفرت أيضًا عن مقتل نائب أمين عام مليشيا الحشد الشعبي العراقية أبو مهدي المهندس. وأخيرًا، استهدفت الموقع الذي وصفته بأنه تابع للاستخبارات الإسرائيلية في أربيل في 13 مارس الجاري. هنا، فإن إيران باتت تعتبر أن الصواريخ تمثل إحدى الآليات الرئيسية التي تستخدمها في إدارة علاقاتها، أو بمعنى أدق صراعاتها، مع خصومها الإقليميين والدوليين، وأنه إذا كان هناك احتمال لاندلاع مواجهة مباشرة بين الطرفين، فإن تلك الصواريخ سوف تكون الأداة الأساسية التي سوف تستند إليها إيران في رفع كُلفة أي عمل عسكري تنخرط فيه إسرائيل ضدها.

ويبدو أن إيران تسعى إلى الاعتماد أيضًا بشكل أكبر على المسيرات في استهداف مصالح خصومها وإدارة الصراع معهم. وقد اتهمت إيران بأنها مسئولة عن بعض الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفطية وناقلات في المنطقة باستخدام الصواريخ والطائرات من دون طيار. كما أنها حرصت على تطوير قدرات المليشيات الموالية لها في هذا الصدد، على غرار حركة المتمردين الحوثيين التي استخدمت هذا السلاح تحديدًا في شن هجمات متعددة على السعودية والإمارات، إلى جانب ما يسمى بـ”ألوية الوعد الحق” العراقية التي شنت هجومًا ضد الأخيرة في 2 فبراير الفائت.

في الأخير، يمكن القول إن ما سبق -في مجمله- يوحي بأن الحرب الخفية بين إيران وإسرائيل سوف تتصاعد حدتها خلال الفترة المقبلة، وربما تنتقل إلى مرحلة متقدمة خاصة بعد تعمد إيران إعلان مسئوليتها عن الهجوم الأخير في أربيل، على نحو سوف يدفع إسرائيل إلى اتخاذ مزيدٍ من الإجراءات للتعامل مع ما تعتبره تهديدات إيرانية مباشرة لأمنها ومصالحها، ولا سيما مع قرب انتهاء مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي، والتي سيترتب على نتائجها معطيات جديدة سوف تؤثر على مستوى هذا التصعيد في المرحلة القادمة.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18976/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M