في أواخر سبتمبر الماضي عزل التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش، بقيادة الولايات المتحدة، قائدَ فصيل “جيش مغاوير الثورة”، العميد مهند الطلاع، من منصبه على خلفية اتهامات عديدة منها التورط في تهريب المخدرات عبر الحدود الأردنية، وعيَّن بدلاً منه العقيد محمد فريد القاسم. وعلى الرغم مما نتج عن هذا القرار من احتجاجات داخل الفصيل ذاته، وعلى مستوى ضيّق في مخيم الركبان ممن يؤيدون القيادي المعزول، إلا أن الأمور استقرت الآن للقيادي الجديد. وتعكس هذه التطورات مدى اختراق شبكات التهريب في المنطقة الجنوبية من سورية لتشمل “جيش مغاوير الثورة” المدعوم أمريكياً، كما تشير إلى أن ما يحدث على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، التي توجد فيها قاعدة التنف وينتشر فيها “مغاوير الثورة”، مرتبط باعتبارات إقليمية مثل أمن الأردن الذي لعب دوراً مهماً في عزل العميد الطلاع.
تأسَّس فصيل “مغاوير الثورة” في مايو 2015، على أنقاض فصيل “جيش سوريا الجديد” التابع للمعارضة السورية، بتعداد 120 عنصراً، غالبيتهم من أبناء دير الزور والبادية السورية. وتلقى الفصيل طليعة تدريباته العسكرية على الأراضي الأردنية، وهو منذ ذلك الوقت يتلقى تمويلاً مالياً وعسكرياً من التحالف الدولي. ينتشر الفصيل في ما يسمى “منطقة الـ 55 كيلومتراً” الواقعة على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، وهي المنطقة التي توجد فيها قاعدة التنف التابعة للتحالف منذ العام 2014. كما تضم المنطقة مخيم الركبان الواقع على الحدود الأردنية السورية، والذي تبقى فيه اليوم قرابة 7500 نازح سوري من محافظات عدة، تقطَّعت بهم السُّبل عند المثلث الحدودي، بعدما غادرت مئات العائلات المخيم باتجاه مناطق النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة سوء الأوضاع المعيشية، ورفض الأردن إدخال المساعدات للمخيم عبر حدودها.
تأسست القاعدة وجيش مغاوير الثورة بهدف محاربة تنظيم الدولة (داعش) في البادية السورية، بالدرجة الأولى، وكذلك من أجل منع وصول داعش والمليشيات الإيرانية إلى منطقة المثلث الحدودي، لكن في السنوات الأخيرة باتت مهمة “المغاوير” المساعدة في مكافحة عمليات التهريب باتجاه الأردن، إحدى المهام الرئيسة للفصيل.
التورط في تجارة المخدرات
يُتهم العميد الطلاع باحتوائه مجموعة من الأشخاص الفاسدين داخل الفصيل، وبتقديمه لهم الغطاء والحماية أثناء عملهم في التهريب والاتجار بالمخدرات في البادية السورية وباتجاه الأردن، وعندما يُلقى القبض عليهم متلبسين بهذه القضايا، يتملَّص الطلاع من العلاقة بهم، لكنه يعمل على إعادتهم مجدداً إلى الفصيل بعد عدة أشهر مُستغلاً تغيير القوات الأميركية في قاعدة التنف كل ستة أشهر. هذا بالإضافة إلى تهم الفساد، وفشله في إدارة عدد من الملفات، وعدم امتلاكه المرونة اللازمة في التعامل مع التحالف الدولي والأردن والعراق، إضافة إلى ما شكَّله ذلك من تهديد أمني مباشر للأردن، العضو في التحالف، والذي كانت قد عوَّل على الفصيل في مساعدته في مهمة مكافحة عمليات التهريب عبر حدوده؛ كل ذلك كان سبباً في قرار التحالف الدولي عزل الطلاع من منصبه القيادي.
في مايو 2019، ألقى فصيل “قوات أحمد العبدو” (وهو أحد فصائل المعارضة التي كانت تنتشر في البادية السورية، وتلقى تمويلاً عسكرياً من غرفة عمليات الموك، التابعة لمجموعة أصدقاء الشعب السوري، وعرف عنه علاقاته الجيدة مع الأردنيين) القبض على غنام الخضير، المعروف باسم “أبو حمزة عشاير”، أبرز تجار المخدرات في البادية السورية، والذي يعمل قيادياً في صفوف “مغاوير الثورة”. سُلِّم الخضير إلى الاستخبارات العسكرية الأردنية، لغرض التحقيق معه، وهناك اعترف بارتباطه بالعميد الطلاع. دفعت هذه الاعترافات الأردن من جديد، آنذاك، للمطالبة بإقالة العميد الطلاع، وفي آخر لقاء جمع الطلاع بالأردنيين، يُقال إن القيادي الطلاع تعرَّض للتوبيخ من ضباط الاستخبارات العسكرية الأردنية، الذين وصفوه بـ”تاجر المخدرات”، بعدما أخبروه أن الخضير اعترف بكل شيء.
لم يَنفِ التحالف الدولي التهم التي وُجِّهت للقيادي الطلاع، الذي يعمل تحت أمرة التحالف بوصفه قائد قوة عسكرية محلية شريكة في محاربة الإرهاب، مؤكداً أنه على علم بهذه التهم الموجهة للقيادي المعزول، لكن التحالف لا يملك دليلاً ملموساً على ضلوع الطلاع أو حتى خلفه القاسم في نشاطات غير شرعية. ويكشف ذلك كيف استفادت شبكات تهريب المخدرات في البادية، التي ترتبط في غالبيتها بالنظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني، من قوة عسكرية صغيرة مدعومة من التحالف الدولي لأجل تنفيذ عمليات التهريب عبر الحدود، كما تكشف هذه الحادثة عن ضعف المراقبة الأمنية التي تجريها قوات التحالف الدولي للقوات المحلية الشريكة لها.
اختراق شبكات التهريب فصيل مغاوير الثورة الصغير، والذي من المفترض أن يكون تحت الرقابة الأمريكية ويعمل على تحقيق مصالح دول التحالف بما فيه الولايات المتحدة والأردن، يعكس مدى توسُّع واختراق، وربما أيضاً تجذُّر شبكات التهريب المحلية في جنوب سورية الممتدة من درعا إلى البادية مروراً بالسويداء
أبعاد خارجية
حمل قرار عزل الطلاع أبعاداً خارجية أكثر من كونه قراراً داخلياً ضمن فصيل “مغاوير الثورة” أو حتى المنطقة 55، فهو مؤشر لاستجابة التحالف الدولي لمطالب الأردن المتكررة بضرورة عزل الطلاع. وجاء اختيار القاسم لقيادة الفصيل لعدة عوامل تتعلق في كونه شخصية توافقية داخل “المغاوير”، ويمتلك علاقات جيدة مع العشائر والفعاليات المدنية في مخيم الركبان، والأهم من ذلك امتلاكه علاقات جيدة بالأردن ومرونة أكبر من سلفه في التعامل في الأمريكيين، كما أنه يحمل رتبة عسكرية بوصفه ضابطاً برتبة نقيب منشق عن النظام السوري، ويُعد صاحب السمعة الأفضل مقارنة بغيره في “المغاوير”، رغم أنه يُتَّهم أيضاً بالتورط في جرائم قتل وقضايا أخرى متعلقة بالتهريب وانتهاكات ضد المدنيين، ولكن على نطاق محدود مقارنة بالعميد الطلاع.
يُدرك القاسم العوامل التي أفضت إلى اختياره، وأنه يتوجب عليه تحسين علاقاته مع الجيران، وتحسين صورة مخيم الركبان، التي ساهم الطلاع بوصمها كـ”مركز لتجارة المخدرات في المنطقة”. ففي مقابلة صحفية مع القيادي الجديد، قال إن مهامه الرئيسة بعد تسلُّمه المنصب الجديد هي “العمل على بناء علاقات جيدة مع دول الجوار من أجل الاستفادة من الخدمات الطبية والإغاثية والتعليمية من خلال تلك الدول، بالإضافة إلى الحفاظ على أن تكون المنطقة آمنة للسكان المحليين، وعدم استغلال المنطقة لتهديد دول الجوار”.
إن اختراق شبكات التهريب فصيل مغاوير الثورة الصغير، والذي من المفترض أن يكون تحت الرقابة الأمريكية ويعمل على تحقيق مصالح دول التحالف بما فيه الولايات المتحدة والأردن، يعكس مدى توسُّع واختراق، وربما أيضاً تجذُّر شبكات التهريب المحلية في جنوب سورية الممتدة من درعا إلى البادية مروراً بالسويداء، والتي يرتبط غالبيتها بالنظام السوري وإيران وحزب الله اللبناني؛ ويعني ذلك أن القاسم -إن كان صادقاً في تحركاته- سيواجه تحدياً كبيراً في الأشهر المقبلة في مقاومة هذه الشبكات.
وتعكس تحركات القاسم منذ توليه قيادة جيش المغاوير النهجَ المختلف الذي يحاول أن يسلكه؛ فعلى مدار الأيام الماضية عمل على ترتيب وضع بيته الداخلي، من خلال مجموعة من القرارات والنشاطات، من قبيل: إلغاء الضرائب التي كان يفرضها الفصيل على السيارات والشاحنة التجارية الداخلة والخارجة من المنطقة 55، كما اجتمع مع القادة العسكريين في الفصيل وناقش معهم انتقال السلطة والخطوات المستقبلية، وزار عناصره في نقاط انتشارهم. وعلى صعيد مخيم الركبان، قام القاسم بتوزيع اللحم والخبز، ونقل المياه إلى سكان مخيم الركبان، والتقى بوفد من سكان المخيم والعشائر لمناقشة الأوضاع الإنسانية وسُبل تحسينها. ويبدو أن القاسم نجح حتى الآن في إعادة ترتيب بيته الداخلي، وكسب ود أهالي مخيم الركبان.
رغبة القاسم في التغيير وتحسين صورة الفصيل في مخيم الركبان وتحسين العلاقات مع عمّان، قد تكون رسائل إيجابية للأردنيين، من شأنها إعادة فتح أبواب التعاون بين الطرفين لمكافحة عمليات التهريب، وهو ما قد يدفع عمّان لتغيير سياستها تجاه المخيم، الذي سعت لسنوات إلى تفكيكه، من خلال السماح بإدخال المساعدات للركبان عبر أراضيها، وكذلك إدخال الحالات الطبية الحرجة إلى أراضيها لتلقي العلاج، غير أن ذلك يعتمد على مدى تمكُّن القائد الجديد من اجتثاث تجارة المخدرات من المنطقة، واستجابته لمطالب الأردنيين، لذا فإن قدرته على وضع المُهدِّدات الأمنية لعمَّان في الاعتبار سوف تنعكس إيجابياً على الركبان.
.
رابط المصدر: