الانفراطُ العظيم: تنامي مخاطر تفكُّك العولمة

عمر طاش بينار

 

اتسم الاقتصاد العالمي على مدى العقود الماضية بالتحرر والترابط والتكامل. وفي أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن الماضي أدت الصفقات التجارية، والابتكار في مجال تكنولوجيا الاتصالات، وتحسين عمليات الشحن إلى تقليص الحواجز أمام التجارة الدولية. واتسمت فوائد هذا التحول في نظر المؤيدين بالوضوح إلى درجة أنها أصبحت ضرورةً سياسية توفر الفرص للدول الغنية والفقيرة على حد سواء؛ فقد سمحت العولمة للدول الغنية في جني ثمار العمالة الرخيصة في الدول الفقيرة، كما سمحت للدول الفقيرة بتحقيق التنمية بشكل أسرع مما لو ظلت معزولة.

 

لكنَّ الصورة على أرض الواقع لم تكن زاهيةً تماماً، فقد أدت العولمة إلى وجود خاسرين ورابحين على مستوى الدول، وفي إطار العلاقات الاقتصادية الدولية على حد سواء؛ ففي الولايات المتحدة، حيث دولة الرفاه أضعف منها في أوروبا، جاءت موجة المنتجات الاستهلاكية الرخيصة على حساب مناطق وطبقة عاملة في الولايات المتحدة تعتمد على وظائف التصنيع. واتسعت الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة في غياب الحمائية الاقتصادية والسياسات الصناعية، ووجود مزايا البطالة وفرص التعليم الجديدة والمتاحة بكلفة معقولة والضرائب التصاعدية. وسارت الأمور من سيء إلى أسوأ في أعقاب الأزمة المالية 2007-2008 التي نجمت عن تراجع القيود التنظيمية، وضعف الإشراف، وقوة شارع المال “وول ستريت” في انتهاج نظام مالي رأسمالي جشع دون احترام القواعد الأساسية للعمل المصرفي.

 

ومع ذلك عملت الحكومة الأمريكية على إنقاذ شارع المال “وول ستريت”، في الوقت الذي تَعيَّن فيه على الشعب الأمريكي التعامل مع الركود العظيم والبطالة وثبات الأجور. وأدت كل هذه الديناميات إلى تأجيج الشعبوية ومناهضة العولمة داخل الولايات المتحدة، والتي أدت بدورها إلى وصول دونالد ترمب إلى السلطة، والاشتراكي بيرني ساندرز إلى مقدمة صفوف الحزب الديمقراطي. كما شهد عام 2016 حدثاً تاريخيا آخر تَمَثَّلَ بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست). وبدت الأممية الليبرالية، التي اعتمدت تاريخياً على بعض القيادة الاستراتيجية الأنجلو-سكسونية، تحت الحصار. ولم تتعافَ العولمة منذ الأزمة المالية عام 2008 إذا ما أخذنا في الاعتبار التجارة الدولية كحصة من الاقتصاد العالمي، فبعد أن تضاعفت حصة التجارة الدولية من الاقتصاد العالمي خلال الفترة 1975-2008، نجد أنها شهدت خلال السنوات الأربع عشرة الماضية ثباتاً عند نسبة 50% تقريباً، باستثناء التراجع السريع خلال ذروة جائحة كورونا.

 

وبدأت حربٌ تجارية بين الولايات المتحدة والصين بعد وقت قصير من وصول ترمب إلى البيت الأبيض عام 2016. وجرى استبدال ديناميات الترابط الاقتصادي الخَيِّر ببيئة مسمومة من الاستياء الاقتصادي القومي. وأصبحت جائحة كورونا الفتاكة الوجهَ القبيح للعولمة عام 2020، وكأن ديناميات “الانفصال” الاقتصادي بين واشنطن وبيجين لم تكن ضارة بما يكفي للعولمة. وأدت جائحة كورونا إلى تفاقم الأزمة في العلاقات الأمريكية-الصينية من خلال اتهامات متبادلة لا أساس لها من الصحة حول كيفية ظهور الفيروس وانتشاره.

 

في غضون ذلك اتضحت هشاشة سلاسل الإمداد العالمية التي تعتمد عليها سرعة إنتاج السلع وتدفقها بسلاسة حول العالم. ولم تتمكن فكرة استخدام سلاسل الإمداد الفورية والخارجية من الحلول محل إجراءات المرونة التي تضع في مقدمة أولوياتها سيناريوهات إقامة سلاسل إمداد داخلية، وفي الدول القريبة والصديقة. وجرى الآن إحلال “ثقافة المرونة مهما كلَّف الثمن” محل “ثقافة الشركات المتمثلة بالكفاءة مهما كلَّف الثمن”.

 

وعلاوة على هذه الضربات الكبرى التي تلقتها العولمة نشهد حالياً ثلاثة تطورات إضافية تُشَكِّلَ تهديدات وجودية للترابط الاقتصادي العالمي، هي: الانفصال بين الصين والولايات المتحدة في مجالي التجارة والتكنولوجيا، والمخاطر المتزايدة لاندلاع حرب حول تايوان، ومخاطر استخدام روسيا للأسلحة النووية في أوكرانيا. وتُعَدُّ هذه التطورات الثلاثة مجتمعةً مُغَيِّرات رئيسة لقواعد اللعبة حول مستقبل العولمة، ويمكن لهذه التطورات أن تُحول تراجع العولمة من مخاطر إلى واقع.

 

نشهد حالياً ثلاثة تطورات إضافية تُشَكِّلَ تهديدات وجودية للترابط الاقتصادي العالمي، هي: الانفصال بين الصين والولايات المتحدة في مجالي التجارة والتكنولوجيا، والمخاطر المتزايدة لاندلاع حرب حول تايوان، ومخاطر استخدام روسيا للأسلحة النووية في أوكرانيا. وهذه التطورات مجتمعةً تُعَدُّ مُغَيِّرات رئيسة لقواعد اللعبة حول مستقبل العولمة

 

الانفصال عن الصين أصبح هيكلياً في عهد بايدن

لم يكن عهد ترمب انحرافاً في العلاقات الأمريكية-الصينية، فقد أصبح الانفصال عن الصين مشكلةً جيوسياسية وجيواقتصادية هيكلية عندما أدرك العالم عدم حدوث كثير من التغيير بوصول إدارة الرئيس جو بايدن إلى السلطة عام 2020. وما زالت الكثير من التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على الصين في مكانها. وتحرص مُمثلة التجارة الأمريكية كاثرين تاي على ضمان عدم معاناة العمالة الأمريكية المحلية من اتفاقيات التجارة الحرة، التي شكلت حتى عام 2016 القاعدة بالنسبة للولايات المتحدة. وترى تاي أن اتفاقيات التجارة الجديدة يجب ألّا تعني أجوراً أقل بالنسبة للعمالة الأمريكية، أو خفضَ المعايير البيئية، أو تقليص المعايير التنظيمية التي تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بتجنُّب دفع الضرائب واستخدام الاحتكار.

 

كما يتعرَّض الرئيس بايدن لضغوط من التقدميين في الحزب الديمقراطي، مثل إليزابيث وورين وبيرني ساندرز، الذين شاركوا إلى جانب 42 عضواً آخر في مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي في توجيه رسالة إلى البيت الأبيض في سبتمبر 2022، طالبوا فيها بالمزيد من الشفافية فيما يتعلق بالمفاوضات حول التجارة مع الدول الآسيوية، حتى لا تؤدي إلى مزيد من التقليص في الإجراءات التنظيمية والضرائب. ويحمّل بايدن باستمرار الحملةَ لتحقيق كفاءة الشركات مسؤوليةَ وجود بعض نقاط الضعف في سلسلة الإمداد. ويعمل هدف بايدن في تحقيق الاقتصاد والمستهلكين الأمريكيين المزيد من المرونة والاكتفاء الذاتي حالياً، على تأطير سياسته في مجال التجارة. وشهد المزاج في الولايات المتحدة تحولاً واضحاً من التجارة الحرة نحو الاستقلال والقومية الاقتصادية.

 

وتمثلت أفضل شعارات بايدن خلال خطابه حول حالة الاتحاد في الأول من مارس 2022 بالتعهدات التي قطعها بالتزام إدارته بـ “قانون شراء السلع الأمريكية لعام 1933”. وبحسب تعبير بايدن: “هناك قانون يعود إلى نحو قرن من الزمان لضمان قيام أموال دافعي الضرائب بدعم الوظائف والشركات الأمريكية. كل إدارة – ديمقراطية أو جمهورية – تقول بأنها ستفعل ذلك، غير أننا لا نفعل ذلك في الحقيقة. سنعمل على شراء السلع الأمريكية لضمان أن كلَّ شيء، ابتداءً من ظهر حاملة الطائرات وانتهاءً بالفولاذ المستخدم في صناعة حواجز الحماية على الطرق، مصنوعٌ في الولايات المتحدة من الألف إلى الياء. رأينا خلال الجائحة أن الاختلال في سلسلة الإمداد يمكن أن يُعرِّض حياة الأمريكيين وأسباب عيشهم للمخاطر. وعندما كُنّا في أمسِّ الحاجة للكمامات وملابس الأطباء والممرضين والقفازات وأجهزة التنفس ومنتجات صحية ضرورية أخرى، تعَيَّن علينا شراؤها من الخارج. لذلك نعمل على وضع نظام جديد للأفضلية السعرية. نحن نتحدث عن أشياء مثل أشباه الموصلات، وبعض الاتفاقيات الصيدلانية، والبطاريات المتطورة، إلى جانب أشياء أخرى. الأمر يستحق أن نعمل على ضمان امتلاك القدرة المحلية التي تحمينا من النقص، وارتفاع الأسعار في المستقبل”.

 

وأعلنت الإدارة الأمريكية في يوليو 2021 عن نسخة معدلة من التعديل على قانون “شراء السلع الأمريكية”. وينص هذا التعديل على ضرورة أن تشتمل أي سلعة تُشتَرى بأموال دافعي الضرائب الأمريكيين على محتوى محلي مصنوع في الولايات المتحدة بنسبة 75%، مقارنة مع 55% حالياً. وقررت إدارة بايدن تطبيق قانون الحمائية هذا على مراحل لمنح الشركات الوقت والمجال لتعديل سلاسل إمدادها. وبدأت هذه العملية بالفعل باشتراط استخدام نسبة 60% في أكتوبر 2021، وصولاً إلى نسبة 75% بحلول عام 2029.

 

وإلى جانب الحمائية التجارية، نشهد حربَ تكنولوجيا متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين. وإذا ما أردنا أن نرى ما سيبدو عليه الاقتصاد العالمي المنفصل فليس هناك مكاناً أفضل من سوق أشباه الموصلات العالمية. وتتركز هذه السوق بشكل كبير في عدد قليل من الاقتصادات المتقدمة، ومن الضروري تحقيق تقدم في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الكمّ (الكوانتم). كما شكلت أشباه الموصلات جزءًا حيوياً من الطموحات التكنولوجية المترابطة بين الولايات المتحدة والصين. وتُعَدُّ أشباه الموصلات اليوم نقطةَ ضعف تكنولوجية حاسمة لكل من الصين والولايات المتحدة اللتين تعتمدان على بعضهما بعضا إلى جانب تايوان للحصول على هذه الأجهزة المتطورة.

 

وتقع تايوان بالفعل في قلب التوتر بين الولايات المتحدة والصين لأسباب جيوسياسية، إذ إن الشركات التايوانية تعمل على تصنيع أكثر الرقائق تطوراً في العالم، الأمر الذي يجعل هذه الجزيرة جزءاً لا يتجزأ من سلسلة الإمداد العالمية للصناعات الحيوية، مثل التكنولوجيات الاستهلاكية والسيارات وقطاع الطيران. وتعتمد الشركات والقوات المسلحة الأمريكية على أشباه الموصلات التايوانية، وكذلك الحال بالنسبة للشركات والمعدات العسكرية الصينية. وتسيطر “شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات” (تي أس أم سي)، التي تُعَدُّ أضخم شركة في العالم في صناعة الرقائق، على 90% من سوق تصنيع أكثر الرقائق تطوراً. ونظراً لدور تايوان المركزي في صناعة أشباه الموصلات وسلاسل إمداد التكنولوجيا، فقد بدأت الصين بالفعل في استخدام نفوذها الاقتصادي من خلال القيود التجارية واستقطاب الكفاءات والمجال السيبراني لاستهداف الشركات التايوانية للحصول على الملْكية الفكرية في مجال أشباه الموصلات الضرورية لتعزيز صناعتها المحلية.

 

لكنَّ الاكتفاء الذاتي في مجال صناعة الرقائق ليس هوساً صينياً فحسب؛ فقد وقَّع الرئيس بايدن على قانون في أغسطس 2022 يتضمن إنفاق 280 مليار دولار تهدف إلى تعزيز صناعة الرقائق الأمريكية للتعامل مع قضايا سلسلة الإمداد العالمية، ومواجهة النفوذ المتصاعد للصين. وأظهر قانون الرقائق الذي حَظي بدعم الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء إجماعاً نادراً في واشنطن المنقسمة بشدة، ما يعكس شعوراً بالإلحاح في أوساط الحزبين لوضع سياسة صناعية قد تساعد الولايات المتحدة على منافسة الصين. فقد صوَّت 17 جمهورياً لصالح القانون في مجلس الشيوخ، في الوقت الذي دعم المشروع 24 جمهورياً في مجلس النواب. ويتمحور القانون حول التصنيع المحلي والبحوث والأمن القومي، وذلك بتقديم 52 مليار دولار على شكل دعم وائتمان ضريبي للشركات الأمريكية التي تعمل في مجال صناعة الرقائق. كما يشتمل القانون على تخصيص 200 مليار دولار للمبادرات الصناعية والبحوث العلمية الجديدة، وبخاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والحوسبة الكمية وغيرها من التقنيات، فقد عملت شركات أمريكية رائدة مثل “نفيديا” و”إنتل” على الاستفادة من هذه الأموال.

 

ومن أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال عمدت الصين بدورها إلى وضع هدف لإنتاج 70% من الرقائق التي تحتاج إليها بحلول عام 2025. وأقامت بيجين عام 2014 الصندوق الوطني لأشباه الموصلات بقيمة 23 مليار دولار، وفي عام 2019 أضافت 30 مليار دولار أخرى لهذا الصندوق. وضخّت الحكومات المحلية ما لا يقل عن 25 مليار دولار إضافية لإقامة صناديق مماثلة. ومع إنتاج الصين 16% من الرقائق التي تستخدمها، أعلنت في عام 2020 عن إعفاء ضريبي لمدة 10 سنوات للشركات التي تعمل في مجال تصنيع الرقائق المتطورة. وعمدت الولايات المتحدة في تلك السنة إلى تقييد صادرات معدات صناعة الرقائق إلى الشركة الصينية الأولى في مجال صناعة أشباه الموصلات. ودفعت مثل هذه الحوافز إلى توسُّع كبير في مجال صناعة الرقائق في الصين، واستقطاب الكثير من المهندسين والمسؤولين التنفيذيين من تايوان. وبحسب الحكومة التايوانية، فقد انتقل أكثر من 3,000 شخص يعمل في مجال صناعة أشباه الموصلات (7% من القوة العاملة في تايوان في مجال صناعة الرقائق) إلى الصين خلال الفترة 2014-2109.

 

كما أعلنت إدارة بايدن في 7 أكتوبر 2022 عن قيود شاملة جديدة على بيع تقنيات أشباه الموصلات إلى الصين، وهي خطوة تهدف إلى شل قدرة بيجين للوصول إلى التقنيات الحيوية الضرورية لاستخدامها في كل شيء، ابتداءً من الحواسيب العملاقة وانتهاءً بتوجيه الأسلحة. وتشير كل هذه الديناميات إلى اتجاه واحد، وهو أن المواجهة الخطيرة بين القوتين العظميين الرئيستين تتكشف بشكل متزايد في المجال التكنولوجي، حيث تحاول واشنطن امتلاك سيطرة تامة على تقنيات الحوسبة المتطورة وأشباه الموصلات التي تُعَدُّ أساسية بالنسبة لطموحات الصين العسكرية والاقتصادية.

 

من الصعب للغاية على التكامل الاقتصادي العالمي أن يستمر في ظل التفكّك السياسي والحرب المُحتملة بين القوى العظمى، وفي ظل ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والتي هي الآن في أعلى مستوياتها منذ الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي

 

تصاعُد التوتر حول تايوان

بالنسبة لاحتمال تراجُع العولمة تُعَدُّ الحرب الحقيقية بين الصين والولايات المتحدة قضيةً مختلفة تماماً عن الحرب التي تتعلق بالتجارة والرقائق. وتبدأ الحروب عادة عندما يكون حدوثها أقل توقعاً، كما أن أولئك الذين يؤمنون بأن واشنطن وبيجين تمتلكان الحكمة لتجنُّب مثل هذا السيناريو الكارثي ربما يعلقون الكثير من الآمال على حكمة قيادة الدولتين، وبخاصة في غياب الترابط الاقتصادي. بعبارة أخرى، تعمل القومية الاقتصادية، والاتجاه المتزايد نحو المرونة والاكتفاء الذاتي، على خلق مخاطر جيواستراتيجية أعلى لحدوث مواجهة حول تايوان. وبينما تعمدت واشنطن في الماضي إبقاء طبيعة التزامها بالدفاع عن تايوان غامضة، وهي سياسة معروفة باسم “الغموض الاستراتيجي”، فإن بايدن جعل من القضية أقل غموضاً، فمن اللافت للنظر أن بايدن حتى الآن كرر أربع مرات بأن بلاده ستدافع عن تايوان ضد أي عدوان عسكري صيني. كما أن ما يبعث على القلق وجود قيادة في الصين قد ترغب في اختبار تصميم واشنطن الجديد.

 

وتواجه سياسة الولايات المتحدة حول تايوان انتقادات من كلا الحزبين، حيث يخشى بعض السياسيين الأمريكيين من أن الالتزام بحماية تايوان مفرط للغاية، بحيث ينطوي على مخاطر جرّ واشنطن نحو حرب غير ضرورية مع الصين للدفاع عن تايوان، والسماح لتايوان بعدم فعل الكثير من أجل الدفاع عن نفسها. في حين يجادل سياسيون أمريكيون آخرون أن الالتزام قليل للغاية، فبرأي هؤلاء أن الغموض قد يشجع بيجين على المغامرة. أما مؤيدو “الغموض الاستراتيجي” فيرون بأن هذه الاستراتيجية نجحت في توفير ما يكفي من التطمينات بأن واشنطن لن تسمح بحدوث غزو دون تكبيد الصين تكاليف ضخمة، غير أن هذه التطمينات لا تصل إلى حد تعزيز جُرأة أولئك في تايوان الذين يُفضِّلون إعلاناً رسمياً للاستقلال عن الصين، وهو أمر طالما حذرت بيجين بأنه يعني الحرب.

 

وتشعر القيادة السياسية والعسكرية الصينية بالغضب تجاه ما تَعتبره استفزازات أمريكية تراوح بين التصريحات الرئاسية، ومبيعات أسلحة جديدة إلى تايوان، وزيارات من جانب أعضاء في الكونجرس على أعلى المستويات. كما أن من الواضح أن الحسابات الجيوسياسية تعمل على إعادة تشكيل الديناميات الاقتصادية سالفة الذكر. وعلى سبيل المثال تمكنت رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي خلال زيارتها التي استغرقت أقل من 24 ساعة إلى تايبيه في أغسطس 2022، من إيجاد الوقت لمقابلة مارك ليو رئيس “شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات”، التي تُعَدُّ أضخم شركة في العالم لصناعة الرقائق. وجاء الاجتماع ضمن سلسلة طويلة من الجهود من جانب واشنطن لإقامة مصنع لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة بالتعاون مع الشركة.

 

كرد فعل على زيارة بيلوسي لتايبيه أطلق لجيش الصيني مُناورات عسكرية في مضيق تايوان، الأمر الذي صعَّد التوتر العسكري إلى أعلى مستوياته منذ عقود، ما يُهدّد طرق الشحن والتجارة الرئيسة في منطقة ضرورية لسلاسل التوريد العالمية. واجتازت العشرات من الطائرات العسكرية الصينية “خط الوسط” ​​لمضيق تايوان، والذي يشكّل خط الحدود البحرية غير الرسمية بين تايوان والصين. ورداً على زيارة بيلوسي، فرضت الصين أيضاً عقوبات على بيلوسي وعائلتها، وألغت أو أوقفت مُحادثات مع واشنطن حول عددٍ من القضايا، بما في ذلك تغيّر المناخ والاتّجار بالمُخدّرات ومسائل عسكرية.

 

يشعر المسؤولون الصينيون بالقلق بشكل مُتزايد من أن البنتاغون يُكثّف الجهود لبناء مخزون كبير من الأسلحة في تايوان. ففي شهر سبتمبر الماضي، طلبت إدارة بايدن من الكونغرس أن يوافق على بيع أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار إلى تايوان، ومن المتوقّع أن يوافق الكونغرس على الطلب. وتتضمّن صفقة السلاح تلك صواريخ مُضادّة للسفن وصواريخ جو-جو، بالإضافة إلى ما يُقدّر بنحو 665 مليون دولار لدعم برنامج تايوان لتعزيز شبكة الرادار للمراقبة. وتعتقد واشنطن أن تايوان ربما تحتاج إلى المزيد من الدفاعات لصد أي غزو صيني مُحتمل. ويُلقي الاستراتيجيون العسكريون الأمريكيون باللائمة على الصين لإجرائها تمارينَ بحرية وجوية حول الجزيرة. وأظهرت التمارين أن الصين ربما ستُحاصر الجزيرة كمُقدّمة لأي محاولة غزو، وسيتعيّن على تايوان الصمود من تلقاء نفسها إلى أن تتدخّل الولايات المتحدة أو دول أخرى في الموقف.

 

ومع ذلك، فإن الجهود المبذولة لتحويل تايوان إلى مستودع أسلحة تواجه تحدّيات؛ فقد أعطت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأولويةَ لإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، ما يُقلّل من مخزونات تلك البلدان، ويجعل صانعي الأسلحة يتردّدون في فتح خطوط إنتاج جديدة من دون أن يتلقّوا على نحو مستمر طلبات شراء على المدى الطويل. إن غزو روسيا لأوكرانيا، وجهود ذلك البلد الأصغر بكثير من روسيا للدفاع عن نفسه، ألهم شعب تايوان. وتُعطي حكومة تايوان الأولوية لشراء الأسلحة، وتعزيز الخدمات العسكرية الحالية. وبعد أن تم التخلّص التدريجي من التجنيد الإلزامي في الجزيرة إلاّ أنه يعود الآن مُجدداً، استعداداً للهجوم الصيني. وتُشير التقديرات الى أن بيجين ستمتلك القدرة على غزو الجزيرة في وقت مبكر من عام 2025، لكن نيتها للقيام بذلك لا تزال من باب التخمين. ليس هناك شك في أن الصين تُراقب الأزمة في أوكرانيا باهتمام شديد. وتعرف بيجين أنه في حالة اشتعال الحرب بينها وبين الولايات المتحدة بشأن تايوان، قد تحاول واشنطن تجميد احتياطيات الصين الأجنبية. ومن ناحية أخرى، فإن الصين تملك اقتصاداً أقوى بكثير من اقتصاد روسيا، ويُمكن أن تتحرّك أولاً وتُعطّل أسواق الائتمان الأمريكية. وعلى أي حال، فإن استخدام “سلاح الدولار” في التمويل العالمي باعتباره عملة الاحتياط العالمية يخلق بالفعل مُشكلةً لدى الصين، والتي تبحث بسرعة عن بدائل.

 

استعراض بوتين للقوة النووية

الخطورة الثالثة، وربما الأكثر إلحاحاً وإثارةً للقلق، للعولمة، هي تصعيد حرب روسيا في أوكرانيا إلى المستوى النووي. إن حقيقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أصبح مُحاصراً دون أمل في تحقيق نصر عسكري في أوكرانيا يخاطر بتصعيد الصراع الى مستوى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. وإنّ ضمَّ روسيا أربعة أقاليم في أوكرانيا بعد الاستفتاء الظاهري بشأن تقرير المصير، يعني الآن أن موسكو ستدافع عن أراضيها في أوكرانيا. وهكذا، فإن هذا الضم يُمهّد الطريق نحو تنفيذ العقيدة النووية الروسية للدفاع عن النفس في حالة وجود تهديد وجودي لسلامة ووحدة الأراضي الروسية. ففي خطاب الضم الغاضب والناري في 20 سبتمبر الماضي، لوّح بوتين باحتمالية استخدام الأسلحة النووية للحفاظ على مكاسبه على الأرض، والتي بدأت تتآكل على وقع الهجمات المُضادة القوية التي تقوم بها القوات الأوكرانية. وقال بوتين إنه سيستخدم “جميع الوسائل المُتاحة” للدفاع عن الأراضي الروسية، التي أعلن أنها تضم الآن أربع مقاطعات من شرق أوكرانيا. وقال بوتين في ذلك الخطاب، إن القنابل الذرية التي أسقطتها الولايات المتحدة على اليابان في عام 1945، “شكّلت سابقة”. وتعكس تصريحات بوتين وتصريحات غيره من قبل كبار القادة الروسيين بهذا الخصوص للمرة الأولى منذ عام 1962، تهديدَ موسكو الصريح باستخدام الأسلحة النووية.

 

ورداً على ذلك، وفي 6 أكتوبر، أطلق بايدن تحذيراً مُفاجئاً من أن التهديدات الأخيرة من بوتين يُمكن أن تتحوّل إلى صراع نووي، قائلاً إن خطر حرب الذرية لم يتصاعد منذ أزمة الصواريخ الكوبية لعام 1962. وأشار الرئيس الأمريكي قائلاً: “لم نواجه احتمالاشتعال معركة نهاية العالم “هرمجدون” منذ عهد الرئيس كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية. نحن نحاول معرفة: ما هو الطريق الذي سيسلكه بوتين؟ أين سيجد مخرجاً؟ الى أي منحي سيذهب بحيث لا يحفظ ماء وجهه فحسب، بل قوته الكبيرة كذلك؟”، ومثلت تصريحات الرئيس بايدن أشد تحذيرات تصدر لغاية الآن عن الحكومة الأمريكية حول المخاطر النووية.

 

تمتلك الأسلحة النووية التكتيكية عادة عُشْر قوة الانفجار التي يحدثه استخدام الأسلحة النووية التقليدية، وتهدف إلى التغلّب على القوى العسكرية التقليدية في ساحة المعركة. وتمتلك روسيا نحو 2000 من هذه الأسلحة، والتي يُمكن استخدامها كرؤوس حربية يجري تثبيتها على الصواريخ التقليدية التي نُشرت بالفعل في أوكرانيا، ولكن يُمكن إطلاقها أيضاً من قبل القوات البرية أو الطائرات المقاتلة أو السفن البحرية. ومن الواضح أن بوتين يواجه إخفاقاً عسكرياً في أوكرانيا، بينما تواجه دعوته للتعبئة العسكرية في الداخل لحشد عشرات الآلاف من الروس الشباب للقتال مقاومةً مُجتمعية كبيرة. وقد دفعت الهجمات المُضادة الناجحة التي قامت بها القوات الأوكرانية منذ منتصف سبتمبر بوتين إلى شن هجمات صاروخية واسعة النطاق ضد أوكرانيا على أمل ترويع البلاد. وفي حال فشلت هذه الموجة الجديدة من التصعيد الروسي باستخدام الصواريخ التقليدية في كسر الهجوم العسكري الأوكراني، فإن الخطوة التالية لبوتين يُمكن أن تتضمّن استخدام سلاح نووي تكتيكي صغير للإشارة إلى أنه لم يكن يُخادع حينما أطلق تهديداته بهذا الخصوص. ومن المُرجّح أن تحذيرات بايدن بشأن معركة نهاية العالم “هرمجدون” جاءت لردع بوتين من استخدام ذلك السلاح.

 

من الواضح أن حرب بوتين في أوكرانيا دخلت الآن مرحلة أكثر خطورة مع تداعيات كبيرة ليس على مُستقبل الاقتصاد الأوروبي فقط، ولكن أيضاً على العلاقات الصينية-الأمريكية والصينية-الروسية. هل ستتحدّى بيجين، على سبيل المثال، العقوبات الأمريكية على أشباه الموصلات أو غيرها من التكنولوجيا من خلال تزويد روسيا بالمُنتجات التي تحتاج إليها بشدة لإدامة جُهدها الحربي؟ كيف سيكون رد فعل الرئيس الصيني شي جينبينغ إذا مضى بوتين بتهديده لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية؟ وعلى صعيد مُتّصل، هل ستعترف الصين بنتائج استفتاءات روسيا الوهمية في الأقاليم الأوكرانية، على الرغم من أن القيام بذلك يُمكن أن يُقوّض إدانة الصين المُفترضة للاستفتاء بشأن الاستقلال في تايوان في المُستقبل؟

 

كل هذه الديناميات لا تُبشّر بالخير بالنسبة للاقتصاد العالمي الذي تعرّض بالفعل لضربة كبيرة منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا. ببساطة، يُمكن أن يؤدّي التصعيد النووي في أوكرانيا إلى تورّط حلف “الناتو” في الصراع. وفي أقصى درجات هذه الديناميات، يُمكن أن تُمهّد هذه الأزمة الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة، بخاصةٍ إذا قرّرت الصين الوقوف إلى جانب روسيا. وبحسب هذا السيناريو، قد تُقرّر بيجين أيضاً بدء غزوها لتايوان بناءً على حسابات أن الولايات المتحدة ستكون مُتردّدة في شن حرب على جبهتين في وقت واحد، مع كلٍّ من روسيا والصين. وبطبيعة الحال، فإن مثل هذا السيناريو القاتم سيُنهي ببساطة العولمة بالطريقة التي أنهت من خلالها الحرب العالمية الأولى حقبةَ “السلام البريطاني” (باكس بريتانيكا) والعصر الأول من العولمة.

 

لقد خلقت حربُ أوكرانيا بالفعل موجةً من الصدمات في الاقتصاد العالمي مع ارتفاع أسعار الطاقة ومشكلة العرض في جزء كبير من إنتاج القمح العالمي. وجزئياً لأن روسيا وأوكرانيا تُنتجان أكثر من ربع القمح في العالم، أصبحت الحكومة الصينية قلقة بشكل خاص بشأن تقليل اعتمادها على المُنتجات الزراعية الأجنبية من خلال بيان أصدره الرئيس شي جينبينغ، حينما قال إن “أوعية الأرز للشعب الصيني يجب ملؤها بالحبوب الصينية”. أما الاتحاد الأوروبي وبعد أن احتسب تكاليف اعتماده على الوقود الأحفوري الروسي، تعهّد بقطع واردات الغاز الطبيعي الروسي بمقدار ثُلثين بحلول الشتاء المُقبل، والاستغناء عنها بحلول عام 2027.

 

 غزو ​​روسيا لأوكرانيا، ووضْعها كقوة منبوذة عالمياً، يزيدان من تعقيد التحوّل السريع إلى الطاقة النظيفة. فروسيا ليست مُنتجاً رئيساً للنفط والغاز الطبيعي فقط، إذ إن المواد الخام الأخرى التي تنتجها، مثل الزنك والنحاس والنيكل وما إلى ذلك، هي مدخلات أساسية للجيل القادم من السيارات

 

استنتاجات وتوقُّعات

إنَّنا نتّجه نحو عالم أكثر انقساماً اقتصادياً، والذي سيعكس بشكل واضح عالماً أكثر انقساماً سياسياً. من الصعب للغاية على التكامل الاقتصادي أن يستمر في ظل التفكّك السياسي والحرب المُحتملة بين القوى العظمى، وفي ظل ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والتي هي الآن في أعلى مستوياتها منذ الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي؛ ونتيجة لذلك، فإن الشركات العالمية تسعى لحماية نفسها، وتُعزّز المرونة لديها، وتستعد للركود، والركود التضخمي، والحروب التجارية والتكنولوجية في العالم. ستستمر الصين في مُراقبة استخدام السلاح المالي ضد روسيا، وستبحث عن طرق لحماية اقتصادها من العقوبات. وإن القدرة على تحمّل ارتفاع مُعدّلات التضخّم وانعدام الأمن الغذائي وأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة ستَضعف، حيث ستدخل أوروبا والولايات المتحدة في ركود خلال العام المُقبل في خضم الارتفاع الكبير في مُعدّلات الفائدة.

 

لن يتعزّز الانفصال بين الصين والولايات المتحدة فقط من خلال المواجهة الاقتصادية والدبلوماسية؛ فاحتمالات نشوب حرب حقيقية بشأن تايوان تبدو وشيكة وعلى نحو خطير. في غضون ذلك، صعّد بوتين بالفعل الحرب في أوكرانيا من خلال الهجمات الصاروخية في غرب البلاد. وإذا واصلت أوكرانيا السيطرة على المزيد من الأراضي في الأقاليم الأربعة التي ضمّتها روسيا إليها مؤخراً والتي تعتبرها الآن جزءاً من البلاد، فقد يتخّذ بوتين خطوة إضافية، وإنقاذ السمعة العسكرية لروسيا من خلال التصعيد النووي.

 

إن كل هذه العوامل تقف وراء الزخم غير المسبوق في اتجاه تفكيك العولمة. والخلاف الأخير بين إدارة بايدن والمملكة العربية السعودية بسبب قرار “أوبك بلس” تخفيض إنتاج النفط، سيُسهِم في مُفاقمة المخاطر السياسية العالمية وعدم القدرة على التنبؤ. ففي عالم تزداد فيه المخاطر الجيوسياسية، يجب إعادة دراسة القضايا المختلفة مع تفضيل السلامة والقيادة الرشيدة على المدى الطويل.

 

وحتى في حالة عدم وجود تصعيد مُتسارع وسيناريوهات حرب، فإن تغيّر المناخ، وتزايد المخاطر الجيواستراتيجية، وتفكّك العولمة تُعزّز بالفعل طفرة الطاقة الخضراء. فالانخفاض السريع في تكاليف الطاقة المُتجدّدة وتوافرها تجعلها أكثر جاذبية من الوقود الأحفوري بالنسبة للبلدان التي تبحث عن الاستقلال في مجال الطاقة. لقد أدّى الدمج بين مصالح السياسة الخارجية والطاقة وعلى وجه الخصوص في أوروبا، إلى المزيد من الزخم السياسي لمشاريع إزالة الكربون، حيث قامت ألمانيا بتخصيص 200 مليار يورو للاستثمار في إنتاج الطاقة المُتجدّدة خلال الفترة التي تمتد من الآن ولغاية عام 2026.

 

وفي الوقت نفسه، يُمكن أن يجعل تفكّك العولمة الانتقال إلى الطاقة المُتجدّدة أكثر صعوبة من خلال وضع حواجز أمام تجارة المواد الخام. وستؤدّي إزالة الكربون إلى تحفيز الطلب على مواد الطاقة النظيفة، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت والمنجنيز للسيارات الكهربائية، والفاناديوم لتخزين الطاقة، والفضة والبوليسيليكون للألواح الشمسية، والحديد والزنك لتوربينات الرياح، والنحاس في كل شيء. لكن ثمة نقص في العرض بالنسبة لبعض هذه المواد، وليس من الواضح إذا كان هناك احتياطيات كافية من النحاس والنيكل لتلبية الطلب المُتوقّع. يُعدّ عنصر الليثيوم مكوّناً رئيساً في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. وهذا العنصر ليس نادراً، لكن استخراجه عمل فوضوي، وغالباً ما تواجه المناجم الجديدة مُعارضة من علماء البيئة المحليين. وفي حال تمكّنت شركة تسلا من تلبية الطلب المُتوقّع على بطاريات الليثيوم في عام 2030، فإن هذه الشركة المُصنّعة للسيارات الكهربائية التي يمتلكها إيلون ماسك ستستهلك 75% من إنتاج النيكل الحالي في العالم، وأربعة أضعاف العرض الحالي للليثيوم. وخلال العام الماضي، ارتفعت تكلفة الليثيوم بشكل حاد، ما رفع أسعار البطاريات.

 

إن غزو ​​روسيا لأوكرانيا، ووضْعها كقوة منبوذة عالمياً، يزيدان من تعقيد التحوّل السريع إلى الطاقة النظيفة. فروسيا ليست مُنتجاً رئيساً للنفط والغاز الطبيعي فقط، إذ إن المواد الخام الأخرى التي تنتجها، مثل الزنك والنحاس والنيكل وما إلى ذلك، هي مدخلات أساسية للجيل القادم من السيارات. وتعد روسيا أكبر منتج في العالم لمعدن البلاتين الذي يستخدم في المركبات الهجينة وفي المركبات التي تعمل بالهيدروجين. فشركة “نوريلسك نيكيل” العملاقة الروسية، هي المورّد الرئيس للكيماويات ذات الجودة العالية لبطاريات الليثيوم. وإن نبذ الغرب لروسيا، يُمكن أن يدفع الأخيرة إلى أحضان الصين. وإذا حصلت الصين على الوقود الأحفوري الروسي والمواد الخام بشكل تفضيلي، فقد يسرّع ذلك عملية تحوّل الطاقة لديها.

 

وبالمثل، إذا اندلعت التوتّرات بين الصين والولايات المتحدة، فسيجد الغرب أنه من الصعب التحوّل إلى الطاقة النظيفة، لأن الصين أصبحت من نواحٍ عديدة المورّد الرئيس لتكنولوجيات الطاقة النظيفة. دعونا لا ننسى أن الصين تُسيطر على أكثر من نصف العرض الحالي في العالم لبطاريات الليثيوم، والقدرة على تعدين الليثيوم والكوبالت والزنك، حيث تقوم بتصنيع مُعظم الألواح الشمسية في العالم. وتُعدّ البلاد أيضاً المورّد الرئيس لما يسمى “المعادن النادرة” المُستخدمة في تصنيع المغناطيس في توربينات الرياح. إن الحرب التجارية مع الصين، بهذا المعنى، يُمكن أن تعني أيضاً أكثر من مُجرّد نهاية العولمة، إذ ستوجّه أيضاً ضربة كبيرة إلى الاستراتيجية الغربية التي تهدف إلى إزالة الكربون.

 

.

رابط المصدر:

https://epc.ae/ar/details/featured/alianfirat-alazim-tanami-makhatir-tfkkuk-alawlama

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M