تركيا في العراق: انتهاك سيادة ام تكريس نفوذ؟

مصطفى ملا هذال

 

بدأت القوات التركية ثاني عملية لها في شمال العراق مستهدفة حسب قولها عناصر حزب العمال الكردستاني، وجماعات ارهابية اخرى، رافق ذلك التحرك هجوم صاروخي إيراني على قرى اخرى في أربيل فجر الاثنين الماضي.

حفيظة التساؤلات يمكن ان تُثار هنا ونطرح بعض منها على عجالة، ما الذي تريده تركيا من العمليات في شمال العراق الآن، وكيف ستواجه حكومة بغداد هذا الاعتداء؟

بعد احتجاج العراق على العملية العسكرية مخلب النسر الأولى التي اطلقتها القوات التركية، جاءت عملية مخلب النمر في شمال البلاد، لتكشف وبحسب مراقبين عن عدم اكتراث الحكومة التركية لموقف بغداد بهذا الصدد، وكذلك ما أعلنته الجامعة العربية من رفض للهجمات التركية، التي عدتها انتهاك صارح واعتداء واضح على سيادة ارض عربية.

فلا تزال الامور تسير دون تفاهمات، والقضية لغاية الآن تمشي في طريق غير واضح المعالم، فيمكن ان نوصف الرد العراقي بالخجول ولم يكن بحجم الإهانة التي تعرض لها البلد، فالعراق اذا أراد الضغط على الجانب التركي لديه الكثير من الادوات ولعل أهمها وأكثرها نجاحا هو الاستفادة من الجانب الاقتصادي وحجم التبادل التجاري بين البلدين الذي يصل الى اثنى عشر مليار دولار سنويا.

ففي ظل تصاعد صخب الاحداث لا تزال لغة الصمت هي الغالبة على الموقف الكردي، لا سيما وان حماية البوابة الشمالية للعراق مناطة بقوات البيشمركة، اما عدم تحريك ساكن لحد الآن فلا احد يعرف ما القصد من وراءه، فهل يعني قبول كردي بما يتعرض له حزب العمال الكردستاني من ملاحقة لعناصره على حساب سيادة الوطن وانتهاك القوانين الدولية؟

بغداد تعتمد على القنوات الدبلوماسية لحل الأزمة القائمة بين الجانبين، بينما المخالب التركية تنغرس في جسد العراق وتزيد جراحه وتعمقها، فالاعتداء التركي يجعل العراق محقا في التحرك بمسارات عدة، اولى تلك التحركات كانت دبلوماسية، حيث سلمت السفير التركي في بغداد مذكرة احتجاج شديدة اللهجة.

وقد يتبع ذلك خطوات اخرى تتجه بها بغداد نحو مجلس الأمن الدولي لتسوية الامور والخروج من الأجواء المتوترة باقل الخسائر للطرفين، في حال عدم استجابة الطرف التركي لرغبة الحكومة العراقية، فمن الملاحظ ان العراق لا يريد الدخول بحرب جديدة تفتح الباب عليه في ظل ما يعانيه من تدهور داخلي يتمثل في نقص الخدمات وقلة فرص العمل وتدهور الأوضاع الاقتصادية.

حكومة انقره لم تضع في حساباتها مدى ما سيؤديه الأمر من تشنج للموقف بينها وبغداد، ولم تقم بأخطار الجانب العراقي عن العمليات العسكرية، وربما السبب يعود في ذلك هو ضعف الحكومة العراقية في التعامل مع التدخلات الأجنبية في البلاد، وخير مصداق على ذلك هو التدخلات الإيرانية في العملية السياسية الى جانب الدور الامريكي في اتخاذ بعض القرارات، وخاتما بمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، حيث اكتفت الحكومة العراقية بتوجيه الإدانة والاستنكار ولم تتخذ اي موقف حازم من شأنه إيقاف الاعتداءات المتكررة على السيادة العراقية.

ضعف الموقف العراقي أعطى الضوء الأخضر لحكومة انقرة بان تخطوا هذه الخطوة وتشن عمليات عسكرية في شمال البلاد حرصا منها على تصفية حساباتها مع حزب العمال الذي يعد من اهم مصادر القلق لديها.

مستفيدة في تحقيق ما ترنوا اليه هو الموقف العدائي الذي تكنه حكومة اقليم كردستان التي تحاول ايضا التخلص من تأثيرات الحزب في العراق والممتدة في سوريا وإيران وكذلك تركيا، وقد تكون في الوقت الحالي تشعر بالراحة لوجود من يقوم بالمهمة نيابة عن الدول المتضايقة من نشاط العمال الكردستاني، الذي اخذ دوره ينمو في الأيام الاخيرة وأصبح مؤثرا على ارض الواقع.

النقطة الاساسية التي تستند اليها تركيا في عملياتها العسكرية هي ان العمليات تجري وفق قوانين وأعراف الأمم المتحدة التي تسمح للدول بالقيام بعمليات عسكرية خارج حدودها في حال تعرض أمنها القومي الى تهديد معين، اما النقطة الثانية فهي الاتفاقية الرسمية الموقعة بين انقرة وبغداد في عام 1984 والتي تنص على السماح لاحد الطرفين الملاحقة الساخنة اذا تم تهديد الأمن القومي بالنسبة للبلدين بمسافة 10كم داخل حدود الدولتين، وبالتأكيد فان من يضع تحت يده هذه المكتسبات القانونية ليس فقط تركيا وإنما اي دولة ستقوم بما قامت به من عمليات لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني.

وجهة النظر التركية تقول ان حزب العمال الكردستاني يعتبر من المجموعات الإرهابية وبالتالي الخلاص منه هو منفعة لجميع دول المنطقة، مستغربة من ردة فعل الحكومة العراقية التي تواصل استنكارها وشجبها لهذا التصرف الذي عدته اعتداء واضح على الهيبة العراقية وتقليل من شأن البلاد.

وتحتفظ تركيا بأكثر من 10 قواعد مؤقتة موجودة بالفعل شمالي العراق، فيما تسعى أنقرة لإقامة المزيد منها بمبرر حربها ضد المقاتلين الأكراد، وتمتد مناطق انتشار القواعد التركية في إقليم كردستان العراق على طول الحدود، وذلك بدءاً من معبر خابور وصولاً إلى منطقة صوران.

وفي عام 2014 مع ظهور داعش، أنشأت تركيا قواعد في بعشيقة وصوران وقلعة جولان، إلى جانب قواعدها في أربيل بما يشمل ذلك المقرات العسكرية القريبة من جبال قنديل، وتصب إقامة مزيد من القواعد العسكرية وزيادة في عدد الجنود والقوات في الشمال العراقي في اتجاه واحد هو تأمين ما تزعم تركيا أنها مصالحها الاستراتيجية، ويأتي على رأسها مواجهة التمدد الكردي في العراق وسوريا.

وتعد هزيمة حزب العمال الكردستاني، هدف طويل الأمد تقول تركيا إنها تسعى لتحقيقه منذ زمن بعيد، لكن مراقبين يرون أن أنقرة تتطلع لما هو أبعد من إضعاف المقاتلين الأكراد، وهو تكريس الوجود التركي في العراق.

الحل الأنسب لمثل هذه الإشكاليات هو تولي الجيش الوطني العراقي ومن خلال التعاون مع قوات البيشمرگة للقيام بما يقوم به الجيش التركي في الوقت الحال وفي حال لم يتمكن من اداء المهمة بالشكل المطلوب، حينها من الممكن ان يطلب المساعدة من الجانب التركي من اجل الوقوف الى جانبه والقضاء على عناصر الحزب.

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M