طوني فرنسيس
قبل أسبوع انعقد الاجتماع السادس لمجلس التعاون الاستراتيجي التركي الإيراني، الاجتماع الأول لهذا المجلس تم في يونيو (حزيران) 2014 بأنقرة برئاسة الرئيسين طيب أردوغان وحسن روحاني، والاجتماع الأخير انعقد بواسطة الفيديو، فجائحة كورونا جعلت التواصل افتراضياً.
كان أردوغان حدد في الاجتماع الأول رؤيته لدور البلدين، وقال يومها إن “تركيا وإيران من أعرق دول المنطقة، وعلاقات الصداقة بينهما تستند إلى ماضٍ أبعد من تاريخ الكثير من الدول”. وفي هذا التصريح كشف الرئيس التركي ما يتقاسمه من مشاعر ومشروعات مع شريكه الإيراني تجاه الدول العربية “غير العريقة”، وهو ما سيتكرس لاحقاً عبر ممارسات على الأرض في الخليج والعراق وسوريا وأخيراً في لبنان.
لم يكن التعاون التركي الإيراني ليحصل من دون صدامات واضطرابات، وبقي التبادل التجاري عنصراً أساسياً في علاقة البلدين رغم تعرضه لنكسة بسبب كورونا، إلا أن ذلك التعاون قام في الأساس على كذبة استراتيجية أتقنها الطرفان قوامها التمسك بحقوق الفلسطينيين والمزايدة فيها، ومضمونها ممارسة أقصى التحريض المذهبي لتقسيم دول الجوار العربي بهدف وضع اليد عليها أو اقتطاعها إلى مناطق نفوذ.
وفي السياق اشتدَّ صراع الطرفين بسوريا والعراق؛ في سوريا دعم أردوغان الإخوان المسلمين ووقف الإيرانيون إلى جانب بشار الأسد، وفي العراق كانت تركيا مُتهمة بدعم “داعش”، فيما تولت إيران دعم ميليشياتها الشيعية العراقية، ورغم انطلاق “التعاون الاستراتيجي” بين البلدين في 2014، فإن ذلك العام والعام الذي سيليه شهدا تبادل اتهامات وصدامات على الأرض من الموصل إلى حلب، وكان الإعلام التركي الموجه يكيل الاتهامات للميليشيات المدعومة من إيران، والإعلام الإيراني يهاجم “الإرهاب التكفيري” المدعوم من تركيا، وسط سعي حثيث من الجانبين على توسيع مناطق نفوذهما.
ثم جاء التدخل الروسي المباشر في سوريا سبتمبر (أيلول) 2015، ليجبر الطرفين على تعديل لغتهما وأولوياتهما انطلاقاً من التصور الذي عبّر عنه أردوغان واعتباره ألا دول تاريخية في الإقليم غير تركيا وإيران.
انخرط الطرفان في ثلاثية أستانا بقيادة الروس، واكتفيا بتنسيق حماية مناطق نفوذهما خصوصاً في سوريا والعراق، ساد صمتٌ إيراني على اقتطاع تركيا منطقة إدلب واستمرار نفوذها في الموصل وشمال العراق، وانكفأ حديث إعلان البلدين عن إرهاب تكفيري وميليشيات إيرانية، وفيما برزت إلى المقدمة المعركة المشتركة ضد الأكراد، تراجع الخطاب الفلسطيني إلى حدود المطلب الذي تطرحه الشرعية الدولية، واختصر الاجتماع السادس والأخير للمجلس الأعلى بين البلدين مجمل الاهتمامات الفعلية المشتركة.
فبعد شهر على كارثة مرفأ بيروت حيث تضع إيران رجلها الثقيلة، تحاول تركيا ملء ما تسميه “الفراغ السني”، غاب لبنان عن البيان الختامي، وغابت اللازمة التقليدية عن محاربة الإرهاب الذي يمارسه “داعش” في العراق وسوريا، وكان الحاضر الأبرز الاتفاق على عمليات مشتركة ضد الأكراد غرب كردستان العراق وشرقه.
فقد شدد البلدان على “اتخاذ خطوات منسقة ضد حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” و”بيجاك”؛ امتداده الإيراني، بما في ذلك العمليات العسكرية المشتركة ضد العناصر الإرهابية التي تنشط على الحدود، ما يعني أن إيران وتركيا اتفقتا على مواصلة انتهاك حدود العراق من الشرق والغرب والاعتداء على مواطنيه الأكراد دون أي احترام لسيادة الدولة العراقية التي تزعم إيران أنها حليفها وسندها ومنقذتها.
وفي الواقع لم تتوقف الاعتداءات التركية على العراق طوال السنوات الماضية، وغالباً ما تمارس إيران السياسة نفسها على حدود كردستان العراق الشرقية، تارة باسم ملاحقة مهربين وطوراً بحجة مطاردة إرهابيين، ومع الاتفاق التركي الإيراني المعلن هذا سيتوجب على الحكومة العراقية الجديدة مواجهة تعقيدات أكبر في العلاقة مع جارين يزعمان دوماً أنهما أصدقاء حررا العراق من الإرهاب.
وفي الفقرة المتعلقة بسوريا لا ذكر للإرهاب أو لمنظماته، بدت إيران راضية باقتطاع تركيا منطقة إدلب، وأوحت تركيا برضاها على الدور الإيراني من دون الخوض في أي تفصيل، بما في ذلك ذكر روسيا حليفتهما في مشروع البلد المنكوب.
وظهرا الحليفان أكثر دبلوماسية من مبعوث خاص للأمم المتحدة في موضوع فلسطين، فإيران التي لا تقبل بأقل من تحرير كل فلسطين، وحاول روحاني في كلمته الافتتاحية أن يشن حملة عداوة الخليج، اكتفت مع أردوغان “الفاتح” بالتشديد على “الحاجة إلى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، في إطار حل عادل ودائم وشامل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
في تقرير لصحيفة “جيروزاليم بوست” بعد القمة المذكورة جاء أن تركيا وإيران اتفقتا على تقسيم جزء من سوريا والعراق إلى مناطق نفوذ، وتريد تركيا موطئ قدم في لبنان داخل الطائفة السنية، فيما إيران لديها بالفعل موطئ قدم. وتضيف الصحيفة أن البلدين يريدان إضعاف الحضور السعودي في هذا البلد.
رابط المصدر: