ترمب رئيس في زمن “حرب كورونا”… فهل يربحه ذلك الانتخابات؟

طارق الشامي

يعترف الرئيس الأميركي ترمب أنه الآن رئيس في زمن الحرب بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا التي اضطرته إلى اتخاذ قرارات طارئة وضخ أكثر من تريليون دولار في جسد الاقتصاد وفي جيوب الأميركيين، بينما يطلب صلاحيات استثنائية لمواجهة الفيروس، لكن هذه الإجراءات يراها محللون سياسيون سلاحاً ذا حدين، فهي تخفف من وطأة انهيار اقتصادي تقترب ظلاله، وتسعف المتضررين من الأفراد والشركات بما قد يساعد ترمب على كسب ثقة الناخبين خلال الأسابيع المقبلة، ولكنها أيضاً قد لا تكون كافية للخروج من الأزمة والحيلولة دون الأسوأ، ما يضر بحظوظ الرئيس ترمب في الفوز بالانتخابات المقبلة ضد خصمه الديمقراطي.

 يكرر ترمب أنه لا يتحمل مسؤولية ما يجري لأنه وباء عالمي آت من الصين على حد قوله، غير أن تراجع مؤشرات البورصة إلى ما دون مستواها وقت توليه السلطة في البيت الأبيض، والتوقعات المتشائمة من ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ النمو الاقتصادي في الربع الثاني من العام الحالي، سيخصم من أهم رصيد للرئيس لدى الأميركيين ويجعل مباهاته المتواصلة بأن أميركا في أحسن أحوالها حطاماً بسبب وباء كورونا.

الأسوأ آتٍ

لا ينكر فريق الخبراء الطبي الذي يصاحب الرئيس ترمب في مؤتمراته الصحافية اليومية أن الأسوأ آتٍ، فيما يشير خبراء آخرون إلى أن الولايات المتحدة تسير على خطى النموذج الإيطالي من حيث سرعة انتقال وتفشي العدوى، وكذلك معدل الوفيات، ما يعني أن مشاهد تكدس المستشفيات بالمصابين تقترب، بعدما تجاوزت الإصابات 8000 حالة، وتوقع ارتفاع الوفيات إلى المئات خلال أيام قليلة، وهو أمر سيصيب الأميركيين بصدمة كبيرة في وقت بدأت أحوالهم الاقتصادية وطريقة حياتهم في التغيّر سلبياً بشكل غير مسبوق.

نغمة جديدة

وفي ظل هذا المناخ، وجد ترمب نفسه مضطراً إلى تغيير خطابه واستخدام نغمة جديدة لم يعتدها جمهوره أو خصومه، حين خاطب الأميركيين بضمير الجماعة قائلاً “مثلما كان الأميركيون قادرين على فعل الكثير خلال الحرب العالمية الثانية، الآن حان دورنا، يجب أن نضحي معاً من أجل أن نتجاوز هذه الأزمة معاً”.

ولاحظ كثير من الصحافيين والإعلاميين تغييراً كبيراً في أسلوب وطريقة تعاطي ترمب مع الإعلام الذي كان في السابق يوجه له سهام النقد ويتهمه بالكذب والتلفيق، حيث اتسمت إجاباته بالهدوء والتريث في محاولة على ما يبدو لتوحيد صفوف الأميركيين في فترة عصيبة لا تضاهيها أزمة أخرى في التاريخ.

واعتبر ترمب نفسه رئيساً في زمن الحرب وبدأ بتفعيل قوانين استُخدمت في زمن الحرب مثل قانون الإنتاج الدفاعي الوطني الذي يستهدف حضّ القطاع الخاص على إنتاج مواد طبية طارئة بعدما حذّر خبراء طبيون من احتمالات تزايد أعداد المرضى بفيروس كورونا عن قدرة المستشفيات القائمة على استيعابهم.

خندق واحد

النغمة التي استخدمها الرئيس ترمب، تكررت مع السيناتور ميتش ماكونيل زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، حين تحدث إلى الصحافيين عن أن أعضاء الكونغرس ينهضون في مثل هذه الأزمات ويترفعون عن صغائر الانقسامات الحزبية ويقفون في خندق واحد لمواجهة الأزمات بإجراءات استثنائية، مشيراً إلى تجارب سابقة مثل أحداث سبتمبر (أيلول) عام 2001 والأزمة المالية التي ضربت الولايات المتحدة عام 2008.

لكن فيروس كورونا، شكّل أزمة واسعة النطاق ستختبر كفاءة الحكومة والكونغرس معاً وكيف سيستجيب أعضاءهما وكيف سيتعاطون مع الأزمة في التوقيت المناسب ويضخون واحدة من أكبر حزم الإنفاق الحكومي في التاريخ الأميركي (تزيد على تريليون دولار)، الأمر الذي يحتاج إلى تضافر جهود الجمهوريين والديمقراطيين معاً.

قلق وترقب

وفي حين يعرب مستشارو ترمب عن قلقهم حول كيفية تأثير تعامل الرئيس مع أزمة فيروس كورونا من الجوانب الصحية والاقتصادية، بخاصة بعدما تبخرت خلال أيام قليلة جميع مكاسب الأميركيين في بورصة الأوراق المالية منذ توليه السلطة، إلا أن القرارات الأخيرة وضخ مئات المليارات وإعادة تفعيل قانون الإنفاق الدفاعي الوطني، يُبقي على آمال فريق ترمب وتفاؤلهم إزاء إمكانية إعادة انتخابه دورة رئاسية ثانية على الرغم من إدراكهم حجم الخطر السياسي المصاحب لإغلاق المدارس والجامعات والمطاعم والمكاتب وتصاعد أعداد الضحايا والمصابين بالفيروس.

مخاوف الفشل

يقول سكوت جينفر المستشار السياسي السابق للرئيس جورج دبليو بوش، إن “الشيء الوحيد المهم الآن للرئيس ترمب، هو أن يتعاطى مع أزمة فيروس كورونا بالشكل الصحيح، فلا شيء يمكن أن ينقذه إذا فشل في ذلك الاختبار الصعب”.

وبينما أصاب “كورونا” حملة ترمب الانتخابية بالشلل وأُلغيت لقاءاته مع الجماهير وتوقفت الحملات الإعلانية، يستغل نائب الرئيس السابق جو بايدن والمرشح الأبرز لمنافسة ترمب في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل الأزمة، حيث يعتبر أزمة كورونا فرصةً لتقديم نفسه كقائد واثق لإعادة البلاد إلى طبيعتها بعد رئاسة ترمب التي وصفها بأنها “مضطربة”، معبراً عن تزايد مخاوف الأميركيين مما وصفه بـ”انعدام الثقة في ترمب وعلاقته العدائية مع الحقيقة”.

معيار الكفاءة

حينما سأل أحد الصحافيين ترمب عن تقديره كفاءته في التعاطي مع الأزمة، أعطى الرئيس نفسه عشر علامات من عشرة، وهي درجة مثالية حاول بها الرد على كل الاتهامات التي طالت إدارته بأنها تأخرت كثيراً في التعاطي مع الأزمة. لكن محللين سياسيين في واشنطن يرون أن تفاعل واستجابة إدارة ترمب مع الفيروس القاتل يهدد الرئيس بالقدر ذاته الذي قوّض حظوظ أسلافه، أمثال جيمي كارتر خلال أزمة الرهائن الأميركيين في طهران، وجورج دبليو بوش بعد إعصار كاترينا الذي شرد الآلاف في ولاية لويزيانا ومدينة نيو أورليانز.

ويقول ماثيو دود، كبير المستشارين الاستراتيجيين للرئيس جورج بوش، إن “ما يجري الآن أشبه بما جرى مع جيمي كارتر في أزمة الرهائن حيث خلص الأميركيون إلى أنه غير كفؤ، ولا يعرف ماذا يفعل، وهو أمر انطبق على جورج بوش أيضاً في أزمة إعصار كاترينا”.

تأييد أيديولوجي

لم يصل ترمب بعد إلى نقطة التحول هذه بين الأميركيين، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن اتجاهات الرأي العام بشأن طريقة تعامل الرئيس مع الفيروس لا تختلف عن انقسامات الأميركيين حول أدائه الوظيفي بشكل عام. ووفقاً لاستطلاع أجراه معهد “بيو” فإن 87 في المئة من الجمهوريين، وثلثي البيض من غير الحاصلين على مؤهل جامعي، يعتقدون أن “ترمب يناضل من أجل ما يؤمنون هم به”.

ويقول آلان أبرامويتز أستاذ العلوم السياسية في جامعة إيموري الأميركية، إنه “نتيجة لأن تأييد الناخبين يستند إلى الأيديولوجيا مثل هوية الرئيس الثقافية وانتمائه الحزبي، فإن تقييم الرؤساء على أساس كيفية تعاطيهم مع الأزمات أصبح أقل أهمية الآن مما كان في الماضي بسبب زيادة الاستقطاب السياسي الحزبي الذي يسيطر على كل شيء الآن”.

ويضيف أبرامويتز أن “مؤيدي ترمب المتشددين لا يشاهدون ولا يتابعون إلا الإعلام المؤيد للرئيس مثل فوكس نيوز، ولا يحصلون على معلوماتهم إلا من خلال المنصات التي تشيد بأداء ترمب الرائع”.

علاقة وثيقة

يشير مراقبون كثر إلى أن ترمب نجح في خلق علاقة وثيقة مع قاعدته السياسية بما يجعله محصناً ضد ردود الفعل حول تفشي كورونا أو التباطؤ الاقتصادي الذي أصبح وشيكاً بل ومؤكداً.

ويؤكد هذا الرأي أن نسبة الأميركيين الذين وافقوا في استطلاع أجرته شبكة “إن بي سي” وصحيفة “وول ستريت جورنال” قبل أيام، على طريقة تعامل ترمب مع أزمة فيروس كورونا كانت 43 في المئة وهي نسبة لم تختلف كثيراً على النسبة التي حصل عليها الأخير قبل عام في استطلاع لمعهد غالوب.

أكثر من ذلك، أظهر الاستطلاع الأخير أن نسبة الجمهوريين الذين لا يعتبرون أن الفيروس يشكل خطراً بما يدفعهم إلى تغيير حياتهم ونشاطاتهم، فاقت نسبة الديمقراطيين، وهو ما يشير إلى مدى صعوبة أن تغيّر أي معلومات جديدة في المواقف السياسية لمؤيدي ترمب المتشددين.

الـ 10 الفاصلة

لكن غالبية المحللين السياسيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يتفقون في أن القاعدة السياسية التي تتبنى خطاب ترمب تتأرجح بين 40 إلى 50 في المئة من الناخبين وأن ترمب كي يفوز بالانتخابات يحتاج ما بين 8 إلى 10 في المئة من الناخبين الذين تتقلب تقييماتهم حول سلوك الرئيس وأولوياته السياسية على أساس الكفاءة وبخاصة الأداء الاقتصادي لحكومته.

ويقول دون كتيل أستاذ السياسة العامة في جامعة تكساس، إن “تأخر إدارة ترمب في توفير متطلبات إجراء الاختبارات اللازمة على المشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا، يُعد واحداً من أكثر عمليات الفشل التي ستكون لها عواقب وخيمة، لسبب بسيط أن ذلك وضع كل أميركي في مرمى الخطر”.

هجوم الديمقراطيين

ويعتقد الديمقراطيون أن الخطر الناجم عن الفيروس يسلط الضوء على جوانب من شخصية ترمب وأسلوب إدارته التي كان الأميركيون يتسامحون بشأنها قبل أن يداهمهم هذا التحدي المزعج.

وتشير جيسي فيرغسون الخبيرة الاستراتيجية في الحزب الديمقراطي إلى أن “هناك عيوباً عديدة في شخصية ترمب، إنه فوضوي وأناني” وهي عيوب لم تكن لها عواقب حتى الآن، ولكنها تثير القلق حالياً عندما يكون هناك ثمن لهذه العيوب”.

وأظهر آخر استطلاعات الرأي الصادرة من جامعة كوينبياك أن 56 في المئة من الأميركيين يثقون في تعامل بايدن مع الأزمة مقابل 40 في المئة أعربوا عن ثقتهم في الرئيس ترمب، كما عبّر ثلاثة أخماس الناخبين المستقلين عن ثقتهم في بايدن بدرجة أفضل من ترمب.

العامل الاقتصادي

ويعتبر أبرامويتز إن ترمب يواجه خطراً سياسياً بسبب توقيت تفشي الفيروس، حيث تؤكد غالبية النماذج الأكاديمية التي تدرس تأثير الاقتصاد في الحظوظ الانتخابية للمرشحين الرئاسيين أن النمو الاقتصادي في الربع الثاني من عام الانتخابات الرئاسية والذي يبدأ في أبريل (نيسان) المقبل، هو ما يشكل الاتجاهات التصويتية في صناديق الاقتراع.

وتشير توقعات اقتصادية عدة في الولايات المتحدة بما فيها توقعات مؤسسة غولدمان ساكس، إلى انخفاض حاد متوقع في النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من العام الحالي.

 ترمب رهينة كورونا

ولهذا قد يصبح الرئيس ترمب رهينةً للأحداث وما سيجري خلال الأسابيع المقبلة، فإذا تأثرت حياة الأميركيين بقوة بخاصة في المناطق غير الحضرية، وتواصلت أزمة فيروس كورونا كتهديد لحياة الناس، بالتوازي مع مشاهد تزايد أعداد المصابين والمتوفين في المستشفات، فإن ذلك سيشكل خطراً داهماً على الرئيس ترمب.

ويقول كيتل إن “فيروس كورونا هو من سيقرر بشكل كبير مصير ترمب في الانتخابات الرئاسية المقبلة”.

رابط المصدر:

https://www.independentarabia.com/node/103766/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AA%D8%AD%D9%84%DB%8C%D9%84/%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85%D9%86-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D9%83%D9%88%D8%B1%D9%88%D9%86%D8%A7-%D9%81%D9%87%D9%84-%D9%8A%D8%B1%D8%A8%D8%AD%D9%87-%D8%B0%D9%84%D9%83-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA%D8%9F#.XnOFIwUe_cM.twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M