تسطيح منحنى مرض فيروس كورونا في البلدان النامية

ريكاردو هوسمان

لي، ماساتشوستس ــ يأتي مرض فيروس كورونا 2019 على الأخضر واليابس في اقتصادات متقدمة مثل إيطاليا، وفرنسا، وإسبانيا، والولايات المتحدة. وبعيدا عن الوفيات والمعاناة الإنسانية، تُـسقِط الأسواق من الاعتبار الركود الكارثي المصحوب بعدد هائل من حالات التخلف عن سداد الديون، كما يتضح من إعادة التسعير الجذرية للمخاطر الائتمانية للشركات في الأسواق المالية.

وبقدر ما يبدو هذا مروعا، فمن المرجح أن تكون الحال في الاقتصادات المتقدمة أكثر اعتدالا من الوضع الذي يواجه البلدان النامية، ليس فقط في ما يتصل بعبء المرض، بل وأيضا الدمار الاقتصادي الذي ينتظرها. وعلى الرغم من الحديث الذي بدأ بين مجتمعين أكاديميين ــ خبراء الصحة العامة وخبراء الاقتصاد الكلي ــ فمن المؤسف أن الأمر اقتصر في الأغلب على الدول المتقدمة.

عمل مجتمع الصحة العامة على تبسيط المعادلات التفاضلية التي تحكم العدوى. والآن يتحدث الناس عن الدور الذي يلعبه عامل انتشار العدوى (R0 factor، وهو متوسط عدد الإصابات الجديدة التي يسببها كل شخص مصاب بالعدوى) وحول الحاجة إلى تسطيح منحنى العدوى من خلال التباعد الاجتماعي والإغلاق.

في مستهل الأمر، رأى خبراء الاقتصاد الكلي أن الوباء يشكل صدمة سلبية على جانب الطلب والتي يجب مواجهتها من خلال السياسات المالية والنقدية التوسعية لدعم الإنفاق الكلي. وسرعان ما أدرك كثيرون منهم أن هذه الصدمة مختلفة. فعلى النقيض من أزمة 2008 المالية، التي أدت إلى انهيار الطلب، فإن جائحة مرض فيروس كورونا 2019 تشكل في المقام الأول صدمة على جانب العرض. وهذا يغير كل شيء.

إذا كان الناتج ينهار لأن الناس لا يريدون الإنفاق أو غير قادرين على الإنفاق، فقد يكون من المفيد إضافة المزيد من قوة الإنفاق. ولكن إذا كانت مسارح برودواي، والجامعات، والمدارس، والساحات الرياضية، والفنادق، وشركات الطيران مغلقة لوقف انتشار الفيروس، فإن إعطاء المال للناس لن يعيد تشغيل هذه الصناعات: فهي لا تفتقر إلى الطلب. إنها مغلقة كجزء من سياسات الصحة العامة التي يجري تنفيذها لتسطيح منحنى العدوى. وإذا كانت الشركات لا تنتج لأن عمالها حبيسون، فإن تعزيز الطلب لن يؤدي إلى ظهور السلع بطريقة سحرية.

ونتيجة لهذا، يركز خبراء الاقتصاد الكلي الآن على كيفية جعل التباعد الاجتماعي والإغلاق محتملا فضلا عن الحد من الضرر الذي ستحدثه صدمة العرض. في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تخطط الحكومة لطرح حزم مالية ضخمة لتوسيع نطاق توفير الرعاية الصحية، وحماية كشوف الرواتب، وتوفير تأمين إضافي ضد البطالة، وتأخير مدفوعات الضرائب، وتجنب حالات الإفلاس غير الضرورية، ودعم النظام المالي، ومساعدة الشركات والأسر على النجاة من العاصفة.

لكن أحد الافتراضات غير المعلنة في كثير من الأحيان لهذا النهج هو أن الحكومات ستكون قادرة على تعبئة الموارد اللازمة، بشكل أساسي عن طريق اقتراض المزيد، إذا لزم الأمر، من بنوكها المركزية، في حين تنفذ برامج التيسير الكمي. ويشير خبراء الاقتصاد إلى قدرة الحكومات على الاقتراض باعتبارها الحيز المالي. باختصار، كلما كنت راغبا في تسطيح منحنى العدوى بشكل أكبر، كلما احتجت إلى إغلاق بلدك ــ وكلما احتجت إلى حيز مالي أكبر للتخفيف من الركود الأعمق الذي سينتج عن ذلك.

هذا من شأنه أن يجعل البلدان النامية مهجورة في موقف عصيب. فحتى في أفضل الأوقات، تكون قدرة هذه البلدان على الوصول إلى التمويل غير مستقرة، واللجوء إلى مطبعة النقود يؤدي إلى التهافت على العملة وارتفاع التضخم. وهذه ليست أفضل الأوقات.

تعتمد أغلب البلدان النامية على مزيج من الصادرات السلعية والسياحة وتحويلات المغتربين للحصول على الدخل من النقد الأجنبي: وكل هذا من المتوقع أن ينهار، مما يجعل الاقتصادات تفتقر إلى الدولارات والحكومات تفتقر إلى الإيرادات الضريبية. في الوقت ذاته، انقطعت القدرة على الوصول إلى الأسواق المالية الدولية مع بحث المستثمرين عن السلامة والأمان في الأصول التي تصدرها حكومة الولايات المتحدة وغيرها من حكومات البلدان الغنية. بعبارة أخرى، في الوقت حيث تحتاج البلدان النامية إلى إدارة الوباء، فإن أغلبها شهدت تبخر الحيز المالي وتواجه فجوات تمويل ضخمة.

تتلخص الوصفة المعتادة لمعالجة انهيار الإيرادات ومشكلات التمويل الخارجي في تركيبة من التقشف (لمضاهاة الإنفاق بالدخل)، وخفض قيمة العملة (لجعل النقد الأجنبي النادر أكثر تفضيلا)، والمساعدات المالية الدولية لتسهيل التعديل. لكن هذا من شأنه أن يجعل البلدان بلا موارد لمحاربة الفيروس وبلا وسيلة لحماية الاقتصاد من التأثيرات الضارة الناجمة عن تدابير الإغلاق. علاوة على ذلك، تصبح الوصفة المعتادة أقل فعالية إذا حاولت كل البلدان تجربتها في وقت واحد، نظرا للتأثيرات السلبية الجانبية التي تخلفها على جيرانها.

في ظل هذه الظروف، حتى إذا كانت البلدان النامية راغبة في تسطيح منحنى العدوى، فإنها ستفتقر إلى القدرة على القيام بذلك. وإذا كان لزاما على الناس أن يختاروا بين احتمال الموت بنسبة 10% إذا ذهبوا إلى العمل وبين الجوع المؤكد إذا بقوا في المنزل، فمن المحتم أن يختاروا العمل.

يتطلب منح الدول القدرة المالية اللازمة لتسطيح منحنى العدوى مستوى من الدعم المالي لن يكون ممكنا في ظل النهج الحالي وعلى ضوء دفاتر موازنة المنظمات الدولية الحالية. وعلى هذا، فللمساعدة في إدارة الجائحة في الجنوب العالمي، من الأهمية بمكان أن يُـعـاد توزيع المال الذي يفر من البلدان النامية إليها مرة أخرى. ولتحقيق هذه الغاية، لابد أن تدرس مجموعة الدول السبع الكبرى ومجموعة العشرين العديد من التدابير.

أولا، أعلن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي عن خطوط مبادلة مع البنوك المركزية في أستراليا، والبرازيل، والدنمارك، وكوريا، والمكسيك، والنرويج، ونيوزيلندا، وسنغافورة، والسويد. ولابد أن تمتد هذه الآلية إلى عدد أكبر كثيرا من البلدان. وإذا كان الخوف من التخلف عن السداد يمثل عائقا، فمن الممكن أن تُـدار هذه الأموال بوساطة من جانب صندوق النقد الدولي، الذي ينبغي له أن يعيد تصميم أداة التمويل السريع لتلبية الاحتياجات الحالية.

ثانيا، بينما تعمل البنوك المركزية على تنفيذ برامج التيسير الكمي، ينبغي لها أن تشتري سندات الأسواق الناشئة، وخاصة السندات الأقل خطورة، من أجل تحرير حيز أكبر للمؤسسات المالية الدولية للتركيز على الحالات الأشد صعوبة.

ثالثا، يجب تقديم تسهيلات مالية خاصة للاقتصادات التي تعتمد على الدولار أو اليورو ولا تملك عملة خاصة، مثل بنما والسلفادور والإكوادور، حتى يتسنى لبنوكها المركزية دعم أنظمتها المصرفية.

أخيرا، لا ينبغي للدول المتقدمة ــ كما فعل الاتحاد الأوروبي للتو لسوء الحظ ــ أن تعرقل أو تحظر الصادرات من أجهزة الفحص والاختبار، والأدوية، والأجهزة الطبية.

إن تسطيح منحنى العدوى بمرض فيروس كورونا 2019 يتطلب إجراءات اقتصادية متضافرة على المستوى الدولي، وخاصة في ما يتعلق بالبلدان النامية. ونظرا للطبيعة العالمية التي تتسم بها هذه المشكلة، فإن القيام بالتصرف الصائب هو أذكى ما يمكن القيام به.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/economicarticles/22642

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M