في تحول كبير لمستوى الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا، أبدى الرئيس الأمريكي جو بايدن استعدادًا للسماح لدول أخرى بتزويد أوكرانيا بمقاتلات F-16 أمريكية، وأكد دعمه لمبادرة مشتركة تهدف إلى تدريب طيارين أوكرانيين على المقاتلة، في قرار وصفه الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بأنه “تاريخي”. كما رحبت بريطانيا بالإعلان الأمريكي، وقال ريتشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني إن بلاده ستعمل مع الولايات المتحدة وهولندا وبلجيكا والدنمارك لتقديم الدعم الجوي للقتال الذي تحتاجه أوكرانيا، واصفًا الدعم الأمريكي لهذه المبادرة المتعددة بأنه “موضع ترحيب”.
في الوقت الراهن، من غير المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بنفسها بتوريد المقاتلات إلى أوكرانيا، لكنها سمحت لدول أخرى بالقيام بذلك، فبولندا التي تملك طائرات F-16 سبق أن أعلنت أنها ستكون مستعدة لتزويد أوكرانيا بها، وكذلك فعلت هولندا التي قامت باستبدال أسطولها من طائرات F-16 بالنسخة الأحدث على غرار عدد من دول حلف شمال الأطلسي بطائرات F-35.
ومن اللافت أنه لم يتم تحديد أعداد أو مواعيد تسليم الطائرات إلى أوكرانيا، أو تحديد أعداد الطيارين الذين سيتم تدريبهم، أو نوع التسليح الخاص بالطائرة، سواءً جو/ جو، أو جو أرض، وهي متنوعة جدًا، بحيث إن نوعية التسليح التي سيتم تزويد الطائرات تحدد إلى درجة كبيرة المهام التي ستقوم بها وكفاءة وأسلوب التنفيذ، كذلك الأجهزة المزودة بها الطائرة، مثل نوع الرادار، وأجهزة الإعاقة والشوشرة الإلكترونية ضد العدائيات الأرضية والجوية المحتملة، وأنظمة الحماية الذاتية ضد الصواريخ المعادية.
إعداد وتدريب الطيارين
في الأحوال العادية يتم تدريب الطيارين من خلال برامج محددة خلال المراحل الآتية:
- التدريب الأرضي: وهي مرحلة أساسية يتم فيها العديد من الإجراءات الهامة والضرورية تشمل:
- الدراسة النظرية لأنظمة الطائرة: (المحرك – الحاسب الخاص بالتحكم في الطائرة – الأنظمة المساعدة – أنظمة الكهرباء للطائرة – الأنظمة الملاحية – أنظمة التسليح وإطلاق التسليح المختلفة .. إلخ).
- دراسة نظرية لاستخدام الطائرة: محددات المناورات وأسلوب تنفيذ الأداءات المختلفة.
- التدريب الجاف: ويعني التكيف مع كابينة مصمتة والتعود على أوضاع وأماكن العدادات والمفاتيح المختلفة.
- التدريب على محاكي الطائرة: ويتم التدريب على معظم أداءات الطيران المختلفة.
- التدريب العملي:
- مرحلة التدريب جو / جو.
- مرحلة التدريب جو/ أرض.
- مرحلة تدعيم المهارات.
- مرحلة التدريب القتالي.
تكوين قاعدة من الطيارين المقاتلين في أوكرانيا
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه لتكوين قاعدة من الطيارين الأوكرانيين يتعين المرور بعدد من المراحل لتدريب طيار مقاتل على الطائرة ولكن بدون أي خبرة كبيرة على الطراز، مع العلم بأنه يمكن تقليل تلك المدة في الإجمالي، ولكن سيمثل ذلك ضعفًا شديدًا في مستوى تدريب الطيار، مما يؤثر على مهارة الاستخدام القتالي للطائرة، والنتائج المفروض تحقيقها بشكل مؤكد.
وبالنظر إلى أن الطائرة F-16 تُعد من المقاتلات الحديثة، شأنها شأن معظم مقاتلات الجيل الرابع، ذات أنظمة إلكترونية متقدمة ومعقدة، وتحتاج إلى طيارين ذوي خلفية معلوماتية بالتكنولوجيا الحديثة وهو ما لا يتوفر للطيارين الأوكرانيين، حيث إن خبراتهم السابقة تقتصر على (MIG-29/ SU-25/ (SU-27 والتي لا تتمتع بتكنولوجيا حديثة، مما يزيد في وقت تعلمهم للطائرة F-16، وربما يؤثر اختصار الوقت على مدى استيعابهم واستخدامهم لأجهزة وأنظمة الطائرة، وبالتالي التسليح.
وفي البداية تدريب أعداد قليلة من الطيارين، وبعد إنهائهم لبرنامج التدريب يتم تدريبهم للتدريس على الطائرة لدى عودتهم لدولتهم (2-3 شهر)، ويتم التكرار لتعليم أعداد أخرى من الطيارين الجدد، مع مراعاة أن ذلك يتم أثناء دوران رحى الحرب.
وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن المعدل العالمي لأعداد الطيارين بالنسبة لأعداد الطائرات 2-3: 1 , أي من 2-3 طيار لكل طائرة، وبالنظر إلى تكوين السرب المقاتل (24) طائرة (حسب العقيدة الغربية) فمعنى ذلك أن السرب الواحد يحتاج إلى تدريب عدد من الطيارين يتراوح ما بين 48 إلى 72، ولكي يكون للطائرة F-16 تأثير واضح في مسار الحرب الروسية الأوكرانية فيجب إمداد القوات الجوية الأوكرانية بعدد 6- 8 سرب، وذلك يعطي شكلًا عامًا للأزمنة، والطائرات اللازمة للتدخل المؤثر في الحرب.
في هذا السياق، أفاد تحليل للحرس الوطني الجوي الأمريكي لتقييم مهارات الطيارين الأوكرانيين، بأنه يمكن تدريبهم على تشغيل الطائرة في أقل من أربعة أشهر، وقال الخبراء إن الأمر قد يستغرق شهورًا أخرى لتحويل هؤلاء الطيارين إلى طيارين يمكنهم التمسك بمفردهم في القتال والاستفادة الكاملة من سمات طائرات F-16. وقال طيار سابق للطائرة F-16، إذا لم يتم تدريب الأوكرانيين بشكل كامل على التكتيكات الغربية، فلن يتم امتلاك فوائد طائرة حقيقية من الجيل الرابع. فإذا أخذت طائرة F-16 وقمت باستخدامها مثل MiG-29، فستحصل على طائرة MiG-29، وهذا كل شيء. ومع ذلك من المحتمل أن يكون الوقت المطلوب أقل من 18 شهرًا التي ذكرها البنتاجون سابقًا على أنها “أسرع جدول زمني ممكن”.
وترتيبًا على ذلك، وحتى يكون الطيار قادرًا على الاضطلاع بمهام عملياتية (جو / جو، أو جو / أرض)، فيجب أن يتم عدد معين من ساعات الطيران (150 -200 ساعة طيران) للتدريب على تنفيذ الاشتباكات الجوية، سواءً بعيدة المدى (Behind Visual Range: B V R) ضمن مسافات تصل إلى 100كم، أو القتال الجوي داخل مدى الرؤية (Dog Fight) كذلك التدريب على قذف القنابل والصواريخ جو / أرض، باستخدام ذخيرة تدريب وذخيرة عمليات. ويسير تدريب الأطقم الفنية بالتوازي مع تدريب الطيارين، ولكن يأخذ وقتًا أطول بكثير، ولذلك من المتوقع وجود فنيين أجانب بجانب الفنيين الأوكرانيين، حيث يحتاج التشغيل إلى مستويات فنية تأخذ عدة سنوات.
تحديات فنية
ربما يمكن الإشارة إلى وجود عدة مشاكل فنية قد تترتب على امتلاكها F-16 ومنها:
- تُشغل القوات الأوكرانية حاليًا 187 طائرة، منها 41 طائرة مقاتلة (MIG-SU) وأخرى معاونة أي أقل بعشر مرات من روسيا، وفقًا لموقع التحليل العسكري Global Firepower. كما أن كييف لا تتمتع بالسيطرة الكاملة على مجالها الجوي لكن لديها العديد من أنظمة الدفاع المضادة للطائرات التي تمنع الطائرات المقاتلة الروسية من القيام بعمليات خارج خط المواجهة.
- أعلنت الإدارة الأمريكية أن إرسال طائرات F-16 لأوكرانيا مرتبط بضمان عدم استخدامها ضد روسيا، أو المقصود عدم استخدامها لمهاجمة أهداف داخل روسيا لاعتبارات عديده منها عدم تمكين الدفاع الجوي الروسي من تنفيذ أساليب لاكتشاف الطائرة راداريًا والتعامل معها وإسقاطها داخل الأراضي الروسية وتفكيكها وتحليل الأجهزة الحديثة الموجودة بها.
- تعدد أنظمة الدفاع الجوي في أوكرانيا، فهناك أنظمة دفاع جوى روسية (شرقية) وأخرى (غربية) وبالتأكيد أثناء العمليات يجب تأمين طيران الطائرة F-16 وهو مستحيل بالنسبة للتأمين بأجهزة تعارف للنظامين في نفس الوقت، مما يُحد من استخدام الطائرة في المجال الجوي الذي يعمل بأنظمة الدفاع الجوي الشرقية.
- تحتاج الطائرة F-16 إلى تأمين فني بقطع غيار تتعدى 100 ألف قطعة غيار، وبالطبع إلى تجهيز مخازن مناسبة لها، مما يجعل التأمين الفني من أصعب التحديات المحتملة، وفى حالة الإمداد من دولة أوروبية مجاورة فيتعين تحديد الزمن اللازم لطريقة الامداد.
- إن تحول جيش الدولة لاستخدام أنظمة تسليح تختلف تمامًا عن أنظمتها الأساسية، يحتاج فترة زمنية طويلة في وقت السلم، وبالتأكيد تحتاج إلى زمن ليس بالقليل عندما يتم ذلك تحت وطأة الحرب المستمرة، وعدم وجود منطقة آمنة لا يطالها القذف الجوي أو المدفعي أو الصواريخ الكروز.
- تركز روسيا في الفترة الأخيرة على ضرب المطارات الأوكرانية، ولم تعلن عن طبيعة الأهداف التي تم تدميرها، ولكن يمكن بسهولة أن نتوقع أن تلك الأهداف تشمل جميع الأماكن التي يمكن أن تصلح لتقديم الخدمات الفنية، والأماكن التي تصلح لتخزين قطع الغيار، والمنشآت التي يمكن استخدامها لخدمة الطائرة F-16.
التأثير المستهدف من المقاتلة F-16
أكد رئيس الأركان الأمريكي “مارك ميلي” أن مقاتلات F-16 التي وعدت بلاده بدعمها لأوكرانيا ليست “سلاحا سحريا”، جاء ذلك عقب اجتماع للمجموعة الدولية التي تنسق شحنات الأسلحة المرسلة إلى أوكرانيا، وأضاف أنه “لا توجد أسلحة سحرية”- لا طائرات F-16 ولا غيرها من الأسلحة. قد يرجع ذلك التصريح إلى ما ذكرته الإدارة الأمريكية – على نحو ما سلفت الإشارة- فقد يتعلق الأمر بأعداد الطائرات، فإذا كانت أعداد الطائرات كبيرة بالفعل، ستكون بالتأكيد حلًا سحريًا، وهناك أيضًا نوع تسليح الطائرة التي سيتم إرسالها، فقد تكون الرسالة مبنية على محدودية أعداد الطائرات التي سيتم إرسالها والتأثير المحدود للأسلحة التي سيتم تجهيزها بها.
في الأخير، يمكن القول إن إمداد أوكرانيا بطائرات F-16 هو دعاية إعلامية موجهة ضد روسيا في الأساس وبيان مدى استعداد الغرب لدعم أوكرانيا، ولدعم الروح المعنوية لأوكرانيا أكثر منه توفير سلاح سوف يؤثر على سير العمليات. أيضًا نلاحظ أن الولايات المتحدة لن تدفع تكلفة الطائرات أو ترسلها من مصانعها.
وربما أيضًا قد يكون الهدف من الإعلان عن إمداد أوكرانيا بالطائرات F-16 هو استنزاف الدول الغربية وجرها أكثر داخل نطاق العداء الشديد لروسيا (حيث ستقوم الدول الأوروبية بإمداد أوكرانيا بالطائرات)، وعلى الجانب الآخر، ضمان صعوبة عودة العلاقات السياسية والاقتصادية بالأخص مع روسيا في المستقبل المنظور، إضافةً إلى استنزاف روسيا اقتصاديًا، ووقف المشروع الذي قادة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستعادة مكانة روسيا دوليًا، فضلًا عن إضعاف التحالف الجديد بين الصين وروسيا والذي يُعول عليه في تشكيل النظام العالمي الجديد.
.
رابط المصدر: