تسونامي النفايات البلاستيكية: ما الذي تعرفه عن أخطر تهديد للحياة على الأرض؟

تشكل النفايات المدمرة للبيئة خطرا مستداما على سكان كوكب الارض لما تسببه من تلوث ودمار لمظاهر البيئة النظيفة، لا سيما النفايات البلاستيكية التي تتكون من زجاجات واكياس واشياء اخرى وتمثل الخطر الاكبر الذي يهدد المحيطات، ويرى خبراء البيئة ان البلاستيك يتسبب المستخدم في صناعة البضائع في تلوث البيئة البحرية، إذ أن الكثير من النفايات البلاستيكية ينتهي بها الحال في وسط البحار والمحيطات، ما يؤثر على الحيتان والطيور والسلاحف ويضر بالأسماك التي تتغذى عليها.

كما تعوم ملايين الاطنان من النفايات في بحار العالم بشكل مستمر، وخاصة في الدول المطلة على البحار والمحيطات، ولحل هذه المشكلة تعتزم بعض الشركات المتخصص بتدوير النفايات واستخدامها طاقة كامنة، وتنتشر اكوام النفايات بأنحاء العالم لتشكل خطراً على صحة البشرية، بدلاً من استغلالها والاستفادة منها، البعض أدرك الثروة الكامنة تحت هذه النفايات وقام بمبادرات لإعادة تدوير تلك النفايات.

يذكر ان العالم ينتج حوالي 50 مليون طناً من بلاستيك “بولي ايثيلين تيرفثالات” سنوياً، وتمثل هذه النسبة حوالي سُدس إنتاج العالم من جميع أنواع البلاستيك البالغ 311 مليون طن سنوياً، ويُعاد تدوير نصف هذه الكمية فقط، بينما تبقى ثلث الكمية في البيئة كما هي، كما يتم إلقاء حوالي 8 ملايين طن سنوياً في المحيطات.

ويتميز البلاستيك المصنَّع بأنه لا يتحلل عضوياً عبر الميكروبات والفطريات الموجودة في البيئة بشكل عام، وبالتالي فإن فضلات البلاستيك يمكنها أن تبقى كما هي في البيئة لقرون عديدة، لذا اكتشف علماء نوعاً جديداً من البكتيريا القادرة على العيش عن طريق أكل أحد أكثر أنواع البلاستيك انتشاراً على كوكب الأرض، فسارع البعض لاعتبار الاكتشاف الجديد حلاً محتملاً لأزمة التخلص من النفايات البلاستيكية، السؤال هنا هل ستكون بكتيريا التي تتغذى على البلاستيك الحل لأزمة النفايات الضارة للبيئة؟، وهل تنتهج دول العالم علميات تدوير النفايات لتحويها من مدمرة للبيئة الى طاقة مفيدة؟

في البداية ابتدعه الإنسان ليكون حلا ولكنه بعد نحو قرن من الزمن تحول إلى مشكلة كبرى، حيث باتت البشرية تعيش عصر البلاستيك الذي يحاصر الحياة على الكوكب الأزرق من كل الجهات، وتابع برنامج “المرصد” في حلقته بتاريخ (2023/6/12) قضية البلاستيك الذي أصبح يشكل الملوث الأكبر للأرض بلا منازع، إذ ينتج العالم 430 مليون طن من النفايات البلاستيكية كل عام، ويتم استخدام ثلثها مرة واحدة ثم يرمى ما تبقى منها في مكبات النفايات والبحار والأنهار والبحيرات. وتتوقع التقديرات الرسمية أن يصل حجم إنتاج مادة البلاستيك إلى مليار و100 مليون طن عام 2050.

تجدر الإشارة إلى أنه بين أواسط القرن الماضي حتى عام 2017، بلغ حجم الإنتاج العالمي أكثر من 9 مليارات طن من البلاستيك، وقارب الإنتاج نصف هذا الحجم خلال السنوات العشر الأخيرة، ولم يتمكن العالم من إعادة تدوير سوى 10% فقط من نفايات هذه المادة المدمرة.

من جهتها، تأخذ الأمم المتحدة على عاتقها قضية التلوث البلاستيكي، حيث وضعت الذكرى الخمسين للبرنامج الأممي للبيئة تحت شعار “مقاومة التلوث البلاستيكي”. واحتضنت اليونسكو بمقرها في باريس بداية هذا الشهر مؤتمرا يدفع باتجاه اتفاقية دولية ملزمة قانونا لإنهاء هذا التلوث.

أما عن الحلول المقترحة، فتخلص دراسات خبراء أمميين إلى أنه بإمكان العالم أن يقلل بنسبة 80% من التلوث البلاستيكي بحلول عام 2040، ولكن الوصول إلى هذه النسبة يتطلب التزاما دوليا جماعيا بإعادة تدوير النفايات البلاستيكية وإعادة توجيه مجموع الاستخدامات التي يحتاجها الإنسان منه وتعويضها بمواد أخرى.

وبخصوص إعادة تدوير النفايات البلاستيكية، تقدم بعض الدول الأوروبية من بينها بالخصوص ألمانيا نموذجا رائدا، إذ يتم في مصنع خاص فرز النفايات حسب سمكها وألوانها لتستخرج منها المادة الأولية الصافية في شكل حبيبات بيضاء ثم يعاد استخدامها في تصنيع منتجات التعليب الغذائي.7

في تطوير حديث.. نفايات البلاستيك قد تصبح شيئا من الماضي!

يمكن التخلص من النفايات البلاستيكية الملقاة في مكب النفايات في وقت أقرب مما هو متوقع، بعد أن طور المهندسون إنزيما يمكنه تفكيكها في غضون ساعات قليلة.

وتُترك ملايين الأطنان من البلاستيك كل عام، وتتراكم في مدافن النفايات وتلوث الأرض والممرات المائية، وعادة ما تستغرق قرونا لتتحلل.

وابتكر فريق من جامعة تكساس في أوستن نوعا جديدا من الإنزيمات التي يمكن أن تزيد من إعادة التدوير على نطاق واسع، ما يقلل من تأثير التلوث البلاستيكي.

ويركز العمل على PET (البولي إيثيلين تيريفثاليت)، وهو بوليمر موجود في معظم البلاستيك المستهلك بما في ذلك الزجاجات والتغليف وبعض المنسوجات.

وكان الإنزيم قادرا على إكمال “عملية دائرية” لتحطيم البلاستيك إلى أجزاء أصغر وإعادة تجميعه كيميائيا في أقل من 24 ساعة. وأطلقوا عليه اسم FAST-PETase (PETase وظيفيا ونشطا ومستقرا ومتحملا)، تم تطويره من PETase الطبيعي الذي يسمح للبكتيريا بتحليل البلاستيك وتعديله.

وقال الفريق إنه قادر على العمل في درجات الحرارة المحيطة، بدلا من الحرارة الشديدة أو البرودة، ما يجعله خيارا قابلا للتطبيق لمعالجة البلاستيك الموجود بالفعل في مواقع دفن النفايات.

ويمتلك الإنزيم القدرة على زيادة إعادة التدوير على نطاق واسع ما يسمح للصناعات الكبرى بتقليل تأثيرها البيئي من خلال استعادة البلاستيك وإعادة استخدامه على المستوى الجزيئي.

وقال هال ألبر، الأستاذ في قسم ماكيتا للهندسة الكيميائية في جامعة أوستن، “الاحتمالات لا حصر لها عبر الصناعات للاستفادة من عملية إعادة التدوير الرائدة هذه”.

وبالإضافة إلى صناعة إدارة النفايات الواضحة، يوفر هذا أيضا للشركات من كل قطاع الفرصة لأخذ زمام المبادرة في إعادة تدوير منتجاتها.

ومن خلال هذه الأساليب الإنزيمية الأكثر استدامة، يمكننا البدء في تصور اقتصاد بلاستيكي دائري حقيقي.

ويركز المشروع على البولي إيثيلين تيريفثاليت (PET)، وهو أحد البوليمرات البلاستيكية الأكثر استخداما في السلع الاستهلاكية، ويشكل 12% من النفايات العالمية.

وعمل الإنزيم على PET عن طريق تحطيم البلاستيك إلى أجزاء أصغر، وهي عملية تُعرف باسم إزالة البلمرة، قبل إعادة تجميعها كيميائيا مرة أخرى في عملية عكسية تسمى إعادة البلمرة.

وفي بعض الحالات، تمكنوا من تفكيك بعض المواد البلاستيكية بالكامل إلى المونومرات، وهي جزيئات عضوية صغيرة تتكون منها البلاستيك، في أقل من 24 ساعة.

واستخدم الباحثون في كلية Cockrell للهندسة وكلية العلوم الطبيعية، التعلم الآلي لتوليد طفرات في PETase الطبيعي.

ويتنبأ النموذج بأي طفرات في هذه الإنزيمات ستحقق هدف إزالة بلمرة نفايات البلاستيك بعد الاستهلاك بسرعة في درجات حرارة منخفضة.

ومن خلال هذه العملية، التي تضمنت دراسة 51 حاوية بلاستيكية مختلفة بعد الاستهلاك وخمسة ألياف وأقمشة بوليستر مختلفة وزجاجات مياه كلها مصنوعة من PET، أثبت الباحثون فعالية الإنزيم.

وقال أندرو إلينغتون، الذي قاد تطوير نموذج التعلم الآلي: “يوضح هذا العمل حقا قوة الجمع بين التخصصات المختلفة، من البيولوجيا التركيبية إلى الهندسة الكيميائية إلى الذكاء الاصطناعي”. وإعادة التدوير هي الطريقة الأكثر وضوحا لتقليل النفايات البلاستيكية، ولكن تم إعادة تدوير أقل من 10% من جميع البلاستيك على مستوى العالم، وينتهي الأمر بالباقي في مكب النفايات ثم حرقه في نهاية المطاف – وهو أمر كثيف الطاقة وملوث للغاية.

وتستهلك الحلول البيولوجية، بما في ذلك تحطيم البكتيريا للبلاستيك، طاقة أقل بكثير وقد تقدمت أبحاث الإنزيمات بشكل كبير على مدار الخمسة عشر عاما الماضية.

ومع ذلك، حتى الآن، لم يكن أحد قادرا على معرفة كيفية صنع إنزيمات يمكنها العمل بكفاءة في درجات حرارة منخفضة. وهذا ضروري للعمل على نطاق واسع، وجعلها محمولة وبأسعار معقولة على نطاق صناعي كبير.

ويمكن لـ FAST-PETase إجراء العملية في درجة حرارة تتراوح بين 86 و122 درجة فهرنهايت.

ويخطط الفريق الآن لبدء العمل على توسيع نطاق إنتاج الإنزيم، لإعداده للتطبيق الصناعي والبيئي على نفايات البلاستيك الواقعية.

وقدم الباحثون طلب براءة اختراع لهذه التقنية وهم يتطلعون إلى العديد من الاستخدامات المختلفة، مع تنظيف مدافن النفايات وجعل الصناعات التي تنتج نفايات عالية أكثر وضوحا. ولكن استخداما رئيسيا آخر محتملا هو المعالجة البيئية، على أمل أن يتم إرسال الإنزيمات في المستقبل إلى الحقل لتنظيف المواقع الملوثة.

طريقة جديدة لتدوير مخلفات البلاستيك والتخلص من أضرارها

تتسبب المخلفات البلاستيكية في الكثير من الأضرار البيئية المدمرة وخصوصاً عند حرقها. وفي محاولة لتقليل الآثار السلبية للبلاستيك طور علماء في السويد طريقة جديدة لإعادة تدوير البلاستيك، بل والاستفادة منها.

الهند، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفايات البلاستيكية في العالم بعد الولايات المتحدة، اتخذت خطوة كبيرة للتعامل مع هذه المشكلة.

الهند، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفايات البلاستيكية في العالم بعد الولايات المتحدة، اتخذت خطوة كبيرة للتعامل مع هذه المشكلة.

يؤدي انخفاض معدلات إعادة تدوير البلاستيك – إلى جانب زيادة التلوث البلاستيكي على سطح الأرض وفي المحيطات – إلى تصاعد القلق بشأن الوضع البيئي على الكوكب.

وفي محاولة لتقليل الآثار السيئة للبلاستيك، طور باحثون في جامعة تشالمرز للتكنولوجيا في السويد طريقة إعادة تدوير تستبدل جميع المواد الخام الأحفورية المستخدمة في إنتاج البلاستيك الجديد بذرات الكربون من النفايات المختلطة. هذه التقنية لديها القدرة على القضاء على التأثير المناخي السيء للبلاستيك، وقد تخلص الهواء من النسب المتزايدة من ثاني أكسيد الكربون.

وأوضح الباحثون الذين نشروا نتائج دراستهم في مجلة Cleaner Production “أن عملية إنتاج واستخدام المواد البلاستيكية والأسمنت والصلب تؤدي إلى انبعاثات كبيرة من غازات الدفيئة”، “في حين أن استخدام الوقود الأحفوري هو السبب الرئيسي لانبعاثات غازات الدفيئة البشرية المنشأ (أو ما يسمى اختصاراً GHG)، فإن تقليل أو منع استخدام مثل هذه الأنواع من الوقود هو أمر ضروري للحد من زيادة درجة حرارة الكوكب بنحو 1.5 درجة مئوية”.

وافترض الباحثون أن ذرات الكربون في النفايات البلاستيكية تعمل كمورد مهم غير مستغل. وفي الوقت الحالي يتم حرق هذه الموارد أو قد تجد طريقها إلى مدافن النفايات. واليوم، يمكن للتقنيات الكيميائية الحرارية أن تستهدف هذا الكربون المهدر وتستخدمه كمادة خام لإنتاج بلاستيك من نوعية مماثلة لتلك التي تم إنشاؤها باستخدام الوقود الأحفوري، بحسب ما نشر موقع “ذا هيل”

وفقًا للباحثين، يوجد ما يكفي من هذه الذرات بالفعل لتلبية الاحتياجات العالمية من إنتاج البلاستيك. ويمكن جمع الذرات الكربونية من النفايات مع أو من دون بقايا الطعام.

وقال هنريك تونمان المؤلف المشارك في الدراسة في بيان صحفي: “إذا كانت عملية إعادة التدوير مدعومة بالطاقة المتجددة، فإننا سنحصل أيضاً على منتجات بلاستيكية ذات تأثير مناخي أقل ضرراً بنسبة 95 بالمائة مقارنة بتلك المنتجة اليوم، وهو ما يعني فعلياً انبعاثات أقل ضرراً للنظام البيئي”.

ولإتمام العملية، ستحتاج ذرات الكربون في المخلفات إلى التسخين من 600 إلى 800 درجة مئوية، وتحويل المادة إلى غاز. يمكن أن تتم إضافة الهيدروجين إلى هذا الغاز خلال إنتاج اللبنات الأساسية للبلاستيك. ويعمل الباحثون حالياً على ضمان إمكانية استخدام الغاز وتحويله في المصانع المستخدمة حالياً لإنتاج البلاستيك لتتم العملية بأكملها في مكان واحد.

يمكن أيضاً تشغيل هذه العملية بمصادر متجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو الطاقة المائية، مما يجعل عملية الإنتاج أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من الأنظمة الحالية المستخدمة.

وأوضح الباحثون أن الخبراء سيكونون قادرين أيضاً على جمع الحرارة الزائدة الناتجة عن العملية الإنتاجية لتعويض إنتاج الحرارة من حرق النفايات، وبالتالي القضاء على انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن استعادة الطاقة.

ومن الممكن أن يساعد إنشاء هيكل اقتصادي لجمع واستخدام ذرات الكربون تلك في تحفيز هذا الشكل الجديد من إعادة التدوير. وقد أثبتت العملية نجاحها بالفعل في أحد المصانع بالسويد بالتعاون مع شركة Borealis لتصنيع البلاستيك.

وخلص الباحثون في دراستهم إلى أن “التطبيق العالمي لتقنيات إعادة التدوير الكيميائية الحرارية المتقدمة لديه إمكانات كبيرة، إذ من المحتمل أن تكون هناك حاجة إلى طاقة أقل من تلك المستخدمة في نظام إنتاج المواد اليوم، ويمكن تقليل انبعاثات الكربون باستخدام مصادر مختلفة للطاقة، مما يؤدي إلى انبعاثات كربونية تقترب من الصفر باستخدام الطاقة المتجددة” .

تقنيات حديثة تبشر.. تحويل نفايات البلاستيك إلى وقود

ندرك جميعاً أهمية استخدام مادة البلاستيك في حياتنا اليومية، وحضورها في أكثر الصناعات والمواد الاستهلاكية التي لا نكاد نتخلى عنها، وعلى الرغم من إيجابياته العديدة، وغياب أو ندرة البدائل، إضافة إلى أسعاره المتدنية، فإن هناك أخطاراً محدقة بالبيئة نتيجة لفرط إنتاجه، وفرط النفايات التي يؤول إليها، بسبب ارتفاع نسبة استخدامه لمرَّةٍ واحدة %40 من مجمل عمليات الإنتاج السنوية.

هناك ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية التي تنساب كل عام مباشرةً إلى المحيطات. وقد أظهرت دراسات علميةٌ عديدة أن المواد البلاستيكية الدقيقة قد تسربت بالفعل إلى مكونات غذائنا اليومي، الأمر الذي يحتم علينا الإسراع في إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة المتفاقمة، من أجل إنقاذ صحة الإنسان والحيوان والنبات على السواء.

وبما أنه يصعب التخلص من الكمية الهائلة لهذه النفايات، سواء عن طريق إعادة التدوير أو الحرق، يبقى التعويل على تطوير تقنيات تساعد على تحللها أو تفكيكها إلى عناصرها الأساسية، وتحويلها إلى طاقة ووقود، هو الحل الأفضل.

أحدث اختراع البلاستيك عام 1907م، على يد العالِم البلجيكي الأمريكي ليو باكيلاند، ثورة في عالم المواد والتقنية والحياة اليومية للناس. ونظراً لخصائصه الملائمة لأوجه استعمال لا تُحصى؛ من الأواني المنزلية البسيطة إلى تقنيات الفضاء المعقَّدة، يصعب تصور الحضارة الحديثة من دون هذه المادة المصنَّعة.

بعد إنتاج أول نوعٍ في السنة نفسها، وسميت علامته التجارية “باكيليت”، تيمناً باسم المخترع، تسارع بعد الحرب العالمية الثانية، إنتاج أنواعه المختلفة؛ من 2.3 مليون طن في عام 1950م إلى 448 مليون طن عام 2015م، حسب “ناشيونال جيوغرافيك”، يونيو 2019م. ووفقاً لدراسة نشرت في شهر يوليو 2017م في “ساينس أدفانسز” قُدّر الحجم التراكمي للبلاستيك المنتج في الفترة نفسها بحوالي 8.3 مليار طن.

وعلى الرغم من إيجابياته العديدة وغياب بدائل عنه، أدى هذا الإنتاج الضخم، بالإضافة لأسعاره المتدنية، إلى ارتفاع نسبة استخدامه لمرةٍ واحدة %40 من مجمل إنتاجه كل عام. إن عديداً من هذه المنتجات، مثل الأكياس البلاستيكية وأغلفة الطعام وغيرها، لها عمرٌ يراوح بين دقائق وساعات، لكنها قد تستمر في البيئة لمئات السنين. هذا يعني أن %40 من إنتاج البلاستيك تُعدُّ نفايات يومية جاهزة، والقسم الآخر نفايات مؤجلة لبعض الوقت. ووفقاً لمقالة في “أَوَر وورلد إن داتا”، سبتمبر 2018م، أن حجم النفايات السنوية يساوي تقريباً حجم إنتاجه.

وقد اقتصر علاج هذه النفايات الضخمة على حرق حوالي %12 منها، وإعادة تدوير ما يقرب من %9. وتبقى نسبة %79 من إجمالي البلاستيك المنتج على حالها؛ حيث تشكِّل نسبة %10 إلى %13 من كافة النفايات الصلبة بصفة عامة.

مخاطر النفايات البلاستيكية

يتسرب كل عامٍ ملايين الأطنان من النفايات البلاستيكية مباشرةً إلى المحيطات من الدول الساحلية. كما يتم نقل القمامة أيضاً إلى البحر عن طريق الأنهار الرئيسة، التي تعمل روافدها كأحزمة ناقلة تلتقط المزيد والمزيد من القمامة أثناء تحركها في اتجاه مجرى النهر. وبمجرد الوصول إلى البحر، يبقى كثير من النفايات البلاستيكية في المياه الساحلية. ولكن بمجرد أن تعلق في التيارات البحرية، تنتشر حول العالم.

وقد أظهرت دراسات علميةٌ عديدة أن المواد البلاستيكية الدقيقة دخلت بالفعل في السلسلة الغذائية. إذ تحمل الحيوانات هذه اللدائن الدقيقة في أجسامها، وعندما يتم تناول هذه الحيوانات من قبل البشر، يتم أيضاً تناول الملوثات التي تكتنفها. ولأن الحيوان يأكل حيواناً آخر، يمكن أن تنتقل المواد البلاستيكية الدقيقة عبر السلسلة الغذائية نفسها وتشكِّل مخاطر كبيرة على الصحة والبيئة.

لهذا السبب أصبح من الحيوي جداً إيجاد حلول مستدامة لهذه المشكلة المتفاقمة لإنقاذ صحة الإنسان والحيوان والنبات على السواء. وبما أن إعادة تدوير هذه النفايات الهائلة صعبةٌ جداً، ولحرقها مخاطر كبيرة، يبقى التعويل على تطوير تقنيات تحلله أو تفككه إلى عناصره الأساسية، وتحويلها إلى طاقة ووقود، هو الحل الأفضل والممكن.

صعوبة إعادة التدوير

من المعروف أن معظم نفايات البلاستيك هي من نوع “بولي بروبيلين” أو “بولي إيثيلين “، وهما النوعان الأكثر شيوعاً في الأسواق، وعلى الرغم من أنهما تقنياً قابلان لإعادة التدوير إلّا أن صعوباتٍ كثيرةً تعترض إعادة تدويرهما بالكامل واستخدامهما كبلاستيك مرة أخرى؛ ويعود السبب إلى معوقات عديدة، تقنية ولوجستية واقتصادية.

بداية، لا يمكن خلط أنواع مختلفة من البلاستيك لإعادة تدويرها. يجب فصل كل نوع على حدة، فكل نوع يتكوَّن من مادة كيميائية خاصة، وبالتالي يتميز بدرجة انصهار مختلفة عن النوع الآخر. ويزيد هذه المشكلة تعقيداً الإضافات الكيميائية التي تضاف لإعطاء خصائص معيَّنة لكل منتج؛ كالمرونة والقساوة والألوان المختلفة. كما أنه لا يوجد أسواق كافية لبيع جميع أنواع البلاستيك المعاد تدويره،ولا توجد مصانع كافية لتصنيع منتجات جديدة من هذه المواد. يضاف إلى ذلك وجود بعضٍ من هذه المصانع في مناطق بعيدة جداً لدرجة تجعل من شحن المواد البلاستيكية إليها مكلف للغاية.

ويبقى العامل البنيوي للبلاستيك العائق الأساسي لإمكانية إعادة تدويره مراراً وتكراراً لأنه يفقد من جودته في كل مرَّة يعاد تدويره؛ وذلك بعكس الزجاج مثلاً، الذي يمكن إعادة تدويره واستعماله إلى ما لا نهاية. وإذا أضيفت هذه الصعوبة إلى غياب الحوافز الاقتصادية لإعادة التدوير يصبح الوضع كارثياً.

سلبيّات الحرق

والحال أن بعض الحلول المعتمدة سابقاً، التي لا تزال تعتمد حتى الآن في بعض المناطق، كحرق النفايات البلاستيكية بديلاً لطمرها لإنتاج الطاقة، وبالتالي الكهرباء، تتضمَّن عديداً من السلبيات، ولا تحظى بشعبية كبيرة لدى المجتمعات المحليّة بسبب انبعاث الغازات الدفيئة الناتجة عنها. كما توجد مخاوف متزايدة بشأن الانبعاث المحتمل للمواد الكيميائية الخطرة المسببة للأمراض السرطانية في الغلاف الجوي أثناء هذه العملية.

ومن أخطر نتائج حرق البلاستيك الرماد الخفيف الذي يتطاير مع الدخان والذي يستقر على النبات والتربة، واحتمال تغلغله مع الأمطار، فيلوث المياه الجوفية ومياه البحيرات والبحار والمحيطات، ويفاقم من تلوث السلسلة الغذائية المذكور آنفاً. كما يمكن لحرق أنواع معينة من البلاستيك مثل PVC إنتاج رماد يؤدي اختلاطه بالماء إلى تغير بنسب الحموضة وبالتالي يغيِّر أداء النظم البيئية المائية.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن بعض الدول الأوروبية كالسويد والدانمارك، بالإضافة إلى اليابان تقوم بحرق النفايات البلدية بما فيها من بلاستيك بإنشاء معامل ضخمة لهذه الغاية.

تقنيات التحلل الحراري

بغية وقف هذه الكارثة البيئية، عمل عديد من الجامعات والشركات ومراكز الأبحاث إلى استنباط حوافز اقتصادية لتحويل عناصر البلاستيك الأساسية إلى وقود وطاقة بطرق صديقة للبيئة.

إنّ تحويل النفايات العضوية كالبلاستيك إلى طاقة يشكّل حالياً محور أبحاثٍ مهمةٍ جداً. حيث يوجد عديد من التقنيات قيد الدرس والاستخدام، تندرج جميعها تحت عنوان التحلل الحراري pyrolysis، بما في ذلك التحلل الحراري المائي hydrolysis.

التحلل الحراري هي تقنيةٌ معروفةٌ منذ القرن الثامن عشر؛ وتتضمَّن تسخين المواد إلى درجة حرارة عالية جداً دون تعرضها للأكسجين، مما يمنعها من الاشتعال، ويؤدّي إلى تحللها وتحويلها إلى عناصر صلبة أو سائلة أو غازية. استخدمت هذه الطريقة بشكل خاص في صناعة إنتاج الفحم من الخشب.

وبما أن البلاستيك يصنع أساساً من البترول فإعادته إلى مكوناته الأولية الأساسية من خلال هذه التقنية أمر ممكن، فيتم تسخين البلاستيك حتى 450 درجة مئوية لتحلله تماماً وتحويله إلى غازات مختلفة. وبالتالي، فإن التحلل الحراري يجعل من الممكن استعادة حوالي %65 من الديزل، و%18 من البنزين، و%10 من الغاز و%7 من بقايا الكربون. تستخدم هذه المواد في المولدات الكهربائية وأنظمة التدفئة ومحركات السيارات، وغير ذلك.

لا ينتج التحلّل الحراري غازات سامة (الديوكسين)، على عكس الحرق، الأمر الذي يجعل العملية أقل خطورة على البيئة والصحة. هذه التقنية صالحة للتعامل مع أنواع بلاستيك، كالبولي بروبلين (PP) والبولي إيثيلين (PE) المكونين الأساسيين للأكياس البلاستيكية، والقماش المشمّع، وشباك الصيد، والدلاء التي تتواجد بكثرة على الشواطئ وفي المحيطات. غير أنه لا يمكنها علاج أنواع أخرى كالبولي إيثيلين تيريفثاليت (PET) المتوافر في بلاستيك القناني، أو البولي فينيل كلوريد (PVC) المتوافر في بلاستيك الأنابيب.

وقد أنشأ عديد من الشركات مصانع لتحويل نفايات البلاستيك إلى هيدروكربون أو ديزل أو بنزين باستعمال تقنية التحلل الحراري، كالشركة الهندية Agile Process Chemicals التي أقامت حوالي 35 مصنعاً في الهند وكينيا، والشركة البريطانية Recycling Technologies ومقرها في أسكتلندا.

في فرنسا ومنذ شهر مايو من العام 2020م، تم اختبار التحلل الحراري في جبال Alpes-Maritimes من خلال آلة تسمى Chrysalis وهي النموذج الأولي لجمعية Earthwake العالمية والمختصة بالتمويل الأخضر. يمكن لهذه الآلة معالجة 40 كيلوغراماً من المواد البلاستيكية وتحويلها في يوم واحد إلى وقود، حيث إنها تنتج 120 لتراً من الديزل لكل 160 كيلوغراماً من النفايات البلاستيكية. لكن باعتراف فرانسوا دانيل، مدير جمعية Earthwake، فإن هذه التقنية ليست بيئية بالكامل، غير أنها تؤدي إلى الحدّ بشكل كبير من كمية النفايات البلاستيكية الموجودة في الطبيعة وهي تُعدُّ المصدر الأولي لتأمين الطاقة الكهربائية لبعض المناطق في العالم، حيث من الصعب تزويدها بأي مصدر آخر للطاقة.

ويجري حالياً مناقشة استخدام تقنية التحلل الحراري في أستراليا، حيث أثار بناء مصنع في كانبيرا غضب السكان الذين يخشون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن تحويل البلاستيك إلى وقود.

كما تنتج شركة Resynergi الأميركية وقوداً نظيفاً يمكن استخدامه كبديل للمنتجات النفطية المكرَّرة، وذلك باستخدام تقنية التحلل الحراري الموفِّرة للطاقة والمنخفضة الانبعاثات، حيث يتم إنتاج الوقود الكربوني منخفض الكثافة من النفايات وليس من النفط، وتنتج تلك العملية انبعاثات غازية دفيئة للديزل بنسبة %60 أقل مقارنة باستخراج الوقود الأحفوري وتكريره.

التحلل المائي هو أي تفاعل كيميائي يكسر فيه، تحت ظروفٍ معينةٍ، جزيء الماء أحد روابط جزيئات أخرى أو أكثر. ومن الأمثلة الناجحة على ذلك ما يقوم به باحثون من جامعة بيردو في الولايات المتحدة بقيادة المهندسة الكيميائية ليندا وانج.

تقوم هذه التقنية على وضع مادة البولي بروبيلين في مفاعل مملوء بالماء، حيث يتم تسخينه حتى درجات حرارة تتراوح بين 380 و500 درجة مئوية لمدة تصل إلى خمس ساعات تحت ضغط 23 ميجاباسكال. تحت تأثير درجات الحرارة والضغط المشار إليهما، يكسر الماء البلاستيك ويحوّله إلى زيت.

لقد تمكن هؤلاء الباحثون من تحويل %91 من البلاستيك إلى زيت مكوّن من مزيج مركّبات هيدروكربونية مختلفة، يستخدم في صنع كتل المباني والبنزين وأنواع وقود وكيمائيات أخرى. يُظهر التحليل الأولي للفريق أن عملية التحويل تستخدم طاقة أقل، كما تؤدي إلى انبعاث غازات دفيئة أقل من تقنية حرق بلاستيك البولي بروبلين أو إعادة تدويرها ميكانيكياً. يعمل حالياً الفريق المذكور على تحسين عملية التحويل لإنتاج وقود عالي الجودة أو ديزل.

في حين أنه من المهم فهم الفرص التي يمكن أن تدفع إلى تبني تكنولوجيا تحويل نفايات البلاستيك إلى وقود، يبقى حالياً، وبالقدر نفسه من الأهمية، تحديد بعض العقبات الرئيسة التي يمكن أن تقف عائقاً أمام الانتشار الواسع لهذه الصناعة، ليصبح بالإمكان مستقبلاً تركيز الأبحاث حولها لإيجاد حلولٍ مستدامة.

في كل الأحوال، يستمر الجدل حول الجدوى البيئية للتحلل الحراري بين الأكاديميين. ففي الوقت الذي تقيِّم فيه عديد من الأبحاث الأكاديمية الحديثة التحلل الحراري بأنه ذو كفاءة عالية من حيث استعادة الطاقة، يرى الدكتور أندرو رولينسون، وهو متخصص في تقنيات التحلل الحراري، أن هذه التقنية لا يمكن أن تكون الحل الأفضل والمستدام لمشكلة البلاستيك؛ لأنها تستهلك كميات من الطاقة.

خلال العام 2018م، اكتشف باحثون في جامعة سوانسي البريطانية تقنية جديدة لتحويل النفايات البلاستيكية إلى وقود هيدروجيني، وأشار الباحثون إلى أن هذه التقنية قد تكون يوماً ما قادرة على تشغيل السيارات باستخدام النفايات البلاستيكية، كما اكتشف الفريق إمكانية إضافة محفِّز ضوئي يمتصُّ أشعة الشمس ويحوِّلها إلى طاقة كيميائية من خلال عملية تُسمى: التشكيل الضوئي، حيث يُترك مزيج البلاستيك والمحفِّز الضوئي في محلول قلوي تحت أشعة الشمس، الأمر الذي يُؤدِّي إلى تكسير البلاستيك وإنتاج فقاعات من غاز الهيدروجين.

كما تبشر تقنيات حديثة تقوم على تحويل النفايات العضوية، كالبلاستيك إلى غاز وتحديداً إلى ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين. ومن هذه التقنيات الموجودة في الأسواق FastOx، من شركة Sierra Energy. إذ تركز هذه الشركة على تطوير تقنية التغويز واختبار تطبيقات جديدة في مجمع أبحاث الطاقة في منطقة سييرا، ديفيس، كاليفورنيا.

ومن التقنيات الجديدة نسبياً في معالجة النفايات، تقنية “إعادة تدوير البلازما”، حيث يتم تسخين النفايات على درجة حرارة عالية جداً بغية إنتاج سينغاز (Syngas) كوقود، الذي يمكن استخدامه لتوليد الطاقة أو فصله إلى هيدروجين وأول أكسيد الكربون. كما يمكنها التعامل مع أي نوع من النفايات تقريباً، بما في ذلك النفايات الخطرة التي يصعب معالجتها.

في كل الأحوال، ليس هناك حلول سحرية لمعالجة مشكلة نفايات البلاستيك، لكنه بات من الضروري تضافر جهود الأفراد والمؤسسات الاجتماعية مع المؤسسات الحكومية والشركات الخاصة بغية تطوير التقنيات المذكورة أعلاه لتحقيق التوازن بين الراحة والاستدامة. كما يجب تشجيع ودعم الأبحاث العلمية الهادفة إلى إنتاج بلاستيك قابل للتحلل العضوي بما قد يسهم إلى حد كبير من التأثير السلبي للبلاستيك على البيئة والحياة بشكل عام، وتفعيل تحويله إلى طاقة أكثر استدامة.

إلى أي حد يمكن أن تصبح نفايات البلاستيك مصدراً للوقود مستقبلا؟

يقول البروفيسور إروين ريزنر إن حاويات النفايات البلاستيكية يمكن أن تكون حقولاً للنفط في المستقبل.

ويضيف البروفيسور ريزنر، أستاذ الطاقة والاستدامة في جامعة كامبريدج: “يعتبر البلاستيك شكلاً آخر من أشكال الوقود الأحفوري، فهو غني بالطاقة والتركيب الكيميائي، والتي نريد أن نطلق العنان لها”.

لكن الروابط الكيميائية التي يتكون منها البلاستيك مصنوعة لتدوم، ومن بين السبعة مليارات طن، تمت إعادة تدوير أقل من 10٪.

تقول ديليانا ميهايلوفا، مديرة برنامج البلاستيك في مؤسسة Ellen MacArthur Foundation: “اقتصادنا الاستخراجي والنفايات تمثل ضياع ما قيمته مليارات الدولارات من المواد القيمة”.

يتم إنتاج أكثر من 400 مليون طن من البلاستيك في جميع أنحاء العالم كل عام، وهو تقريبًا نفس وزن البشرية جمعاء. اليوم، ينتهي المطاف بحوالي 85٪ في مكب النفايات أو تضيع في البيئة حيث ستبقى لمئات، وربما لآلاف السنين.

الآن السباق مستمر لإيجاد أفضل طريقة لكسر تلك الروابط الكيميائية واستعادة موارد الأرض الثمينة المحبوسة في البلاستيك.

إن إعادة التدوير الميكانيكي، حيث يتم غسل البلاستيك وتمزيقه وصهره وإعادة تشكيله، يؤدي إلى تدهور البلاستيك مع مرور الوقت وينتج عنه منتجات ذات جودة رديئة.

تحرص صناعة البلاستيك على إعادة التدوير الكيميائي، حيث تستخدم المواد المضافة لتغيير التركيب الكيميائي لنفايات البلاستيك، وتحويلها مرة أخرى إلى مواد يمكن استخدامها كمواد خام، وربما لصنع وقود مثل البنزين والديزل.

لكن هذا النهج مكلف حاليًا وغير فعال وقد تم انتقاده من قبل الجماعات البيئية.

تقول ميهايلوفا: “مثلما لا يمكننا إعادة التدوير للخروج من أزمة التلوث البلاستيكي، لا يمكننا الاعتماد على عمليات تحويل البلاستيك إلى وقود لحل المشكلة أيضًا”.

طور البروفيسور رايزنر وفريقه عملية تمكنوا من خلالها من تحويل، ليس فقط تياراً واحدًا، بل تيارين من نفايات البلاستيك وثاني أكسيد الكربون، إلى منتجين كيميائيين في نفس الوقت، وكلها تعمل بضوء الشمس.

تحول اتكنولوجيا ثاني أكسيد الكربون والبلاستيك إلى غاز تخليقي، وهو المكون الرئيسي للوقود المستدام مثل الهيدروجين. كما أنها تنتج حمض الجليكوليك الذي يستخدم في صناعة مستحضرات التجميل.

يعمل النظام من خلال دمج المحفزات والمركبات الكيميائية التي تسرع عملية التفاعل الكيميائي لتصبح قابلة على امتصاص الضوء.

ويقول البروفسور إن العملية تجرى في درجة حرارة الغرفة وضغط الغرفة، ويؤكد أن العملية لا تنتج نفايات ضارة.

تبشر التقنيات الأخرى التي تعمل بالطاقة الشمسية بمعالجة التلوث البلاستيكي وتحويل ثاني أكسيد الكربون، ولكن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها دمج العمليات مع بعضها البعض.

ويضيف البروفيسور ريزنر إنه من خلال الجمع بين الوسيلتين تضاف قيمة إلى العملية. ويؤكد على أن هناك أهداف رئيسية من العملية، وهو التخفيف من نفايات البلاستيك، وتخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وإنتاج مادتين كيميائيتين قيمتين. ونأمل أن يقربنا هذا من التسويق التجاري”.

بالإضافة إلى ذلك، يقول البروفيسور راينر إن نظامه يمكنه التعامل مع النفايات البلاستيكية غير القابلة لإعادة التدوير.

يبحث العلماء حول العالم عن طرق لتحويل البلاستيك غير المرغوب فيه إلى شيء مفيد.

عندما يفكك البلاستيك، يمكن إعادة تصنيع عناصره إلى عدد لا يحصى من المنتجات الجديدة بما في ذلك المنظفات ومواد التشحيم والدهانات والمذيبات والمركبات القابلة للتحلل لاستخدامها في التطبيقات الطبية الحيوية.

وجدت الطبيعة طرقًا لتحطيم البوليمرات وهي المواد المكونة من جزيئات كبيرة جدًا، إلى صغيرة.

وتضيف:”يمكننا تعديل هذه الإنزيمات عن طريق تغيير هيكلها بشكل طفيف للغاية لجعلها أسرع، وأكثر ثباتاً واستقراراً”

باستخدام التعلم الآلي، طورت الدكتورة بيمر وفريقها أنواعاً مختلفة من الإنزيمات التي تم تكييفها.

تقول الدكتورة بيمر إن الإنزيمات تكسر البلاستيك بطريقة مشابهة لإعادة التدوير الكيميائي، ولكن نظراً لأنها تشبه الإنزيمات الموجودة في الطبيعة، يمكن إجراء العملية في “ظروف أسهل”.

عندما تستخدم إعادة التدوير الكيميائي المواد الكيميائية، فإن فريق جامعة بورتسموث كان قادراً على استخدام المياه، وأعلى درجة حرارة يحتاجونها هي 70 درجة مئوية، مما يعني أن استهلاك الطاقة يمكن أن ظل منخفضاً مقارنة بالعمليات الأخرى.

تعمل الدكتورة بيمر وفريقها على تطوير إنزيماتهم بشكل أكبر ويأملون أن يساعدهم عملهم في إنشاء اقتصاد دائري مستدام للملابس المصنوعة من البلاستيك أيضاً.

ومع ذلك، فإن إعادة تدوير الأقمشة الاصطناعية باستخدام الإنزيمات ليس بالأمر السهل، وتؤدي إضافة الأصباغ والمعالجات الكيميائية الأخرى إلى صعوبة تحللها في عملية طبيعية.

تقول الدكتورة بيمر إن مادة البولستر نادرًا ما تكون نقية، وغالباً ما يتم العثور على ألياف مختلطة معها.

يأمل الفريق أن تقوم إنزيماتهم بتحويل المواد إلى حساء من لبنات البناء البسيطة، الجاهزة لإعادة تصنيعها إلى بوليستر جديد.

يقول الدكتور بيمر: “نحن في مرحلة مبكرة جداً، لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت الأصباغ والمواد المضافة إلى هذه الأقمشة ستثبط عمل الإنزيمات في سلسلة البوليستر، ونأمل ألا يكون لها تأثير، ولكن إذا حدث ذلك، فيمكننا تطوير المزيد من الإنزيمات”.

يستمر إنتاج البلاستيك في جميع أنحاء العالم في الزيادة، ومن المتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول عام 2060. ولكن بالنسبة لكثيرين، تظل إعادة التدوير هي التركيز في معالجة المشكلة، لكن البعض يجادل بأن هذا لن يكون كافياً على الإطلاق.

بالعودة إلى كامبريدج، يتخذ فريق البروفيسور ريزنر خطوات صغيرة في اتجاه التسويق، ويخططون لتطوير النظام على مدى السنوات الخمس المقبلة لإنتاج منتجات أكثر تعقيداً ويأملون في أن يتم استخدام هذه التقنية يوماً ما لتطوير مصنع لإعادة التدوير يعمل بالطاقة الشمسية بالكامل.

يتم إنتاج حوالي 600 مليون طن من الغاز التخليقي كل عام، بحسب ريزنر، لكنه يأتي إلى حد كبير من الوقود الأحفوري.

ويضيف: “إذا تمكنا من صناعة غاز التخليق، فيمكننا الوصول إلى كل صناعات البتروكيماويات تقريباً وجعلها مستدامة.”

هل يمكن لمنشآت إعادة التدوير أن تكون الحل؟

استقبل مقر اليونيسكو في باريس مطلع الأسبوع الجاري الجولة الثانية من المحادثات الدولية بشأن الحد من التلوث البلاستيكي. وغالبا ما تم الترويج لمفهوم إعادة التدوير كحل للتعامل مع النفايات البلاستيكية، لكن الدراسات الحديثة أظهرت أن هذه العملية تنطوي على مخاطر جمة، من ضمنها رفع مستويات التلوث، كما أنها لا تتناسب مع مستويات ارتفاع إنتاج تلك المادة.

أرقام مخيفة وردت في تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول إنتاج واستهلاك مادة البلاستيك حول العالم. إنتاج هذه المادة المشتقة من النفط تزايد بشكل مهول خلال العقدين الماضيين، وأدى إلى ارتفاع كبير بنسب التلوث العالمية لتصل إلى 353 مليون طن خلال عام 2019 وحده.

بالإجمال، هناك محاولات للتعامل مع النفايات البلاستيكية حول العالم، لكنها حتى الآن غير كافية، إذ وفق التقديرات العلمية تتم إعادة تدوير 9% فقط من النفايات البلاستيكية، في حين تقبع الكميات الأكبر في مكبات النفايات أو يتم حرقها (ما يؤدي إلى تضاعف نسب التلوث).

قد تبدو عملية إعادة تدوير البلاستيك الحل المنطقي للتعامل مع هذه الأزمة، فهي تحول النفايات إلى موارد. لكن عددا من الدراسات الحديثة أشارت إلى أن تلك العملية تنطوي على مخاطر بيئية وصحية جمة، فإعادة التدوير تنتج مستويات عالية من الحبيبات البلاستيكية الدقيقة والغازات السامة، التي بدورها تعود لتختلط بالبيئة المحيطة لتشكل خطرا على صحة الإنسان والحيوانات والنبتات.

اللدائن الدقيقة

في ورقة بحثية حول الانبعاثات الميكرو-بلاستيكية الناتجة عن عمليات إعادة التدوير نشرتها في أيار/مايو الماضي، أعلنت إيرينا براون العالمة المتخصصة بالبلاستيك “لقد وجدنا كميات مخيفة جدا”.

واستندت براون في دراستها على مركز لإعادة تدوير البلاستيك في المملكة المتحدة، يستخدم كميات كبيرة من المياه لفرز المواد البلاستيكية وفصلها قبل أن تتم عملية إعادة تصنيعها من جديد.

الدراسة ركزت على معدلات اللدائن الدقيقة، أي جزيئيات البلاستيك التي لا يتخطى حجمها 5ملم، الموجودة في المياه، حيث سعت براون لتحديد نسبة تركزها في مياه المركز.

وفقا لما قالته “وجدنا 75 مليار جسيم في المتر المكعب الواحد من الماء المستخدم لغسل البلاستيك. حوالي 6% من المواد البلاستيكية التي كانت تدخل المنشأة يتم إطلاقها بعد ذلك في الماء على شكل جزيئات بلاستيكية دقيقة، حتى مع [نظام] التصفية”.

ولاتزال الأبحاث العلمية تختبر المخاطر المحتملة للجسيمات البلاستيكية الدقيقة على صحة الإنسان، حيث يعتقد أنها قد تشكل أجساما حاملة للأمراض أو قد تتسبب هي بحد ذاتها بالأمراض، في البيئة التي يتم إعادة إطلاقها فيها بعد عملية إعادة التدوير.

وتضيف براون: “غالبا ما تمر المياه المستخدمة في مراكز إعادة التدوير (البلاستيك) حول العالم عبر مرافق معالجة مياه الصرف الصحي، وهي ليست مصممة لتصفية مواد بحجم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة”.

نتيجة لذلك، تجد تلك الجسيمات السامة طريقها إلى عدد من البيئات المحيطة بالبشركالحقول الزراعية، وحتى أبعد من ذلك. وكانت دراسة علمية نشرت في آذار/مارس الماضي قد أظهرت تواجد جزيئات بلاستيكية دقيقة في بحار القطب الشمالي، مصدرها الأنهار الأوروبية.

وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت في آذار/مارس الماضي اتفاقية ملزمة بشأن التلوث البلاستيكي بحلول 2024، وافق عليها أكثر من ثلثي الدول الأعضاء في الجمعية العمومية. ويوم الإثنين الماضي، انطلقت الجولة الثانية من الاجتماعات المخصصة لصياغة نص الاتفاقية في باريس. وأصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة، الذي يستضيف المحادثات، خارطة طريق بشأن التقليل من النفايات البلاستيكية بنسبة 80% بحلول عام 2040.

بعض المجموعات البيئية شككت بما سبق، معتبرة أن مجالات العمل الثلاثة المحددة، أي إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وإعادة التوجيه نحو المواد البديلة، تعتبر مجالات امتياز لصناعة البلاستيك والبتروكيماويات العالمية، بحيث أنها تقلل من أهمية الحاجة إلى الحد من استخدام البلاستيك.

مخاطر المواد البلاستيكية المعاد تدويرها

إعادة تدوير البلاستيك تستوجب استخدام مواد كيميائية سامة، ما يوضح أن إطلاق الجسيمات البلاستيكية في المياه ليس العيب الوحيد في هذا النظام.

وتدخل نحو 13 ألف مادة كيميائية في صناعة البلاستيك، 3,200 منها “ذات خصائص خطيرة” تؤثر على صحة الإنسان والبيئة، دون إغفال أن هناك مواد أخرى لم يتم تقييمها بعد. هذا وفقا لتقرير صادر عن منظمة “غرين بيس” غير الحكومية الأسبوع الماضي.

تيريز كارلسون، المستشارة العلمية والتقنية في الشبكة الدولية للقضاء على الملوثات (IPEN)، أوردت أنه “يتم تنظيم جزء صغير جدا جدا من هذه المواد الكيميائية على مستوى العالم. ونظرا لانعدام الشفافية [في السوق]، لا توجد طريقة لمعرفة أي من المواد البلاستيكية تحتوي على مواد كيميائية سامة وأيها لا”.

يذكر أن مخاطر تلك المواد الكيميائية تتضاعف أثناء عملية إعادة التدوير، نتيجة تسخين البلاستيك وبالتالي ما يحتويه من مركبات كيميائية، وإعادة خلط المكونات من جديد. وفقا لكارلسون “النتيجة النهائية هي منتج غير معروف تماما أعيد طرحه في السوق”.

تقرير “غرين بيس” قدم تفصيل دقيقة حول المخاطر المتزايدة على صحة عمال مراكز إعادة تدوير البلاستيك المعرضين لتلك المواد الكيميائية، وارتفاع نسب إصابتهم بأمراض السرطان والجهاز التنفسي وصحتهم الإنجابية.

كما وجدت المنظمة مستويات أعلى من تلك المواد السامة في البلاستيك المعاد تدويره، والذي يصل في النهاية إلى منازلنا كألعاب للأطفال وأوان مطبخية وأغشية تغليف.

تتفق كارلسون مع هذه الاستنتاجات وتضيف: “أجرينا دراسات على البيض القريب من الأماكن التي تعيد تدوير البلاستيك ووجدنا أن هذه المواد الكيميائية تشق طريقها إلى السلسلة الغذائية. يمكن للبلاستيك أن يعمل كناقل لهذه المواد الكيميائية حتى في الأماكن النائية”.

زيادة إنتاج البلاستيك

من المتوقع أن ترتفع نسبة النفايات البلاستيكية التي يتم إعادة تدويرها على مستوى العالم إلى 17% بحلول عام 2060، وفقا لأرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

يذكر أن إعادة التدوير لن تعالج المشكلة الأكبر، فبعد خضوع البلاستيك لتلك العملية مرة أو مرتين، ستصل في النهاية إلى طريق مسدود. هذا ما تحاول ناتالي في، من مؤسسة “City to Sea” الخيرية البيئية في بريطانيا. “هناك خرافة فيما يتعلق بإعادة تدوير البلاستيك، إذا كانت جودة المواد جيدة بما يكفي، فيمكن إعادة تدويرها مرة أخرى في زجاجات بلاستيكية. ولكن مع مرورها عبر النظام، تفقد تلك المواد من جودتها. قد يعاد تدويرها في منتجات مثل أنابيب الصرف أو الملابس الصوفية، لكن هذه المنتجات لا يمكن إعادة تدويرها بعد ذلك”.

غراهام فوربس، قائد الحملة العالمية للبلاستيك في منظمة “غرين بيس” بالولايات المتحدة الأمريكية، قال في بيان هذا الأسبوع إنه من الصعب إثبات أن البلاستيك المعاد تدويره مادة مستدامة، “لا مكان للبلاستيك في الاقتصاد الدائري. من الواضح أن الحل الحقيقي الوحيد لإنهاء التلوث البلاستيكي هو تقليل إنتاجه بشكل كبير”.

قد يقول البعض إن الحل يكمن في زيادة عدد منشآت إعادة التدوير، ولكن هذا ليس حلا خاصة وأنه من المتوقع أن يتضاعف حجم النفايات البلاستيكية ثلاث مرات تقريبا بحلول عام 2060.

قبيل دخولهم إلى قاعة المحادثات في باريس، دعا تحالف من 55 دولة إلى فرض قيود على بعض المواد الكيميائية الخطرة وحظر المنتجات البلاستيكية التي يصعب إعادة تدويرها والتي غالبا ما ينتهي بها الأمر في الطبيعة.

تحضر كارلسون المحادثات وتجد أسبابا للتفاؤل، “تعد معاهدة البلاستيك فرصة رائعة لحماية صحة الإنسان والبيئة من التلوث البلاستيكي. القيام بذلك يعني التخلص التدريجي من المواد الكيميائية السامة من البلاستيك، وضمان الشفافية عبر دورة حياة البلاستيك وتقليل إنتاجه”.

المصدر : https://annabaa.org/arabic/environment/37393

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M