دلال العكيلي
في وقت يستمر فيه تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد في الدول الخليجية، ينهمك قادتها ووزراؤها والمسؤولون الحكوميون فيها في العمل على تجاوز هذه الأزمة، وتوفير جميع احتياجات بلادهم، وعلى الصعيد الاقتصادي يقول بعض المصرفيين إن البنوك الخليجية تكبح الإقراض لتقليص الخسائر المحتملة بسبب أزمة فيروس كورونا ونقص متوقع في السيولة الدولارية في المنطقة المعتمدة على النفط، بنوك الخليج، شأنها شأن سائر بنوك العالم، تتوقع انخفاضا في نمو الإقراض للقطاعات المتأثرة بالأزمة مثل التجزئة والسياحة والنقل لكن عليها أيضا أن تنجو من تداعيات تهاوي أسعار النفط في المنطقة، ويُتوقع أن تكون الشركات الصغيرة هي الأكثر انكشافا على نخفاض الطلب وتعطل سلاسل التوريد، الأكثر تضررا من قيود الإقراض.
وقال مصرفي من الإمارات “في الوقت الحالي تخشى البنوك تقديم قروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، لذا لا أدري كيف ستتعافى هذه الشركات من هذا الوضع لأنها لن تحظى بدعم مالي” وقال كمال الزرقا رئيس مجلس الإدارة ومؤسس فالكون جروب التي تساعد الشركات على تسييل مخزوناتها إنه شهد زيادة في الطلب، وقال إن قطاعات مثل السيارات والطيران والتجزئة والصناعة تبحث جميعها عن السيولة وذلك بعد الحصول على تسهيلات ائتمانية متجددة من البنوك.
وتابع الزرقا “البنوك ليست انتحارية… لذا ما يكن هناك تدخل حكومي لوقف بعض الخسائر، فإن البنوك لن تقف ساكنة لتتابع من سينجو ومن سيخفق” وقدمت البنوك المركزية في الخليج إجرءات تحفيز بعشرات المليارات من الدولارات وأرجأت سداد قروض الشركات المتضررة والأفراد وأعفت المقترضين من رسوم، لكن منتجي النفط الخليجيين يواجهون احتمال زيادة كبيرة في العجز المالي وبدأوا يقلصون المشروعات العامة مما قد يحد من تأثير إجراءات التحفيز، وفي حين اقتدت البنوك المركزية في المنطقة بنظرائها في أنحاء العالم وخفضت أسعار الفائدة فمن المنتظر أن يقلص ذلك الربحية مع تقلص هوامش صافي الفائدة ومن المستبعد أن تعزز أحجام الائتمان بسبب الجائحة.
فقد السيولة
وعلى البنوك في الخليج أن تتكيف أيضا مع تراجع تدفقات العملة الصعبة نتيجة للانهيار السريع لأسعار النفط، وبافتراض سعر النفط عند 40 دولارا للبرميل، من المتوقع أن يشهد المصدرون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تراجعا في إيرادات النفط والغاز بواقع 192 مليار دولار هذا العام، وفقا لتقدير معهد التمويل الدولي، وقال المعهد في تقرير “قد تشح السيولة في البنوك مع تراجع الودائع المصرفية المرتبطة بالنفط وزيادة القروض المتعثرة” وقال مصرفي طلب عدم الكشف عن اسمه إن بنكا سعوديا تحوط لجزء كبير من انكشافه على السندات الحكومية مضيفا أنه “سيفكر مرتين” قبل الاستثمار في سندات مقومة بالدولار الأمريكي.
وصرح المصرفي لرويترز “مع انخفاض أسعار النفط، من الطبيعي أن تقل الدولارات المتداولة أضحت هذه مشكلة في الوقت الذي تتحرك فيه الأسواق بسرعة كبيرة جدا”، وزادت تكلفة الودائع الدولاية في السعودية، إذ سجل السعر الفوري للريال السعودي أضعف مستوياته مقابل الدولار منذ انهيار أسعار النفط في 2014\2015، وجاء في تعميم صدر هذا الأسبوع واطلعت عليه رويترز أن مؤسسة النقد العربي السعودي أرجأت مراجعات لنسب كفاية رأس المال في بعض البنوك واستحداث قواعد للمخصصات لإتاحة طاقة إقراض أكبرن وصرح المصرفي أن بنكه يشتري أوراقا من كيانات حكومية أو مرتبطة بالدولة فحسب، مضيفا أن “سندات الشركات تدر عائدا أعلى لكنها أخطر الآن”.
وبدأ البعض يعاني بالفعل، إذ خفضت ستاندرد اند بورز الأسبوع الماضي النظرة المستقبلية لخمسة بنوك إماراتية إلى سلبية، وقالت زين عبد الله المديرة في فيتش إن البنوك القطرية قد تتعرض لضغط أكبر إذ أنها تعتمد بشدة على التمويل الخارجي، وقالت “الشح المحتمل للسيولة عالميا سيقود لسحب ودائع غير محلية من البنوك القطرية، لذا قد يقود ذلك لشح في السيولة في القطاع المصرفي ذاته” وقال مصرفي قطري لرويترز إن بنكه يتبنى موقفا محافظا ويحتفظ بأصول قصيرة الأجل عالية الجودة في محافظه.
احتياطيات ضخمة وديون منخفضة
قال وزير المالية السعودي محمد الجدعان إن المملكة تواجه الأزمة العالمية الحالية من مركز قوة نظرًا لقوة مركزها المالي واحتياطاتها الضخمة مع ديون حكومية منخفضة نسبياً، مشيرا إلى تأثير نفشي فيروس كورونا المستجد، ونقلت وكالة الأنباء السعودية عن الجدعان قوله في الاجتماع الافتراضي لأعضاء اللجنة الدولية للشؤون النقدية والمالية التي تمثل أعضاء صندوق النقد الدولي، والذي عقد إن أولويات الحكومة السعودية “تستهدف تنفيذ الإجراءات الاحترازية الكفيلة بحماية صحة المواطنين والمقيمين، وتوفير الموارد اللازمة لأنظمة الرعاية الصحية، مع تقديم الدعمين المالي والاقتصادي للفئات الأكثر تضررا من تداعيات مواجهة تلك الجائحة، ومراعاة إعادة ترتيب أولويات الإنفاق في ظل الظروف الحالية”.
وذكرت الوكالة أن الوزير توقع “أن يشهد الاقتصاد العالمي خلال العام الجاري 2020 أسوأ ركود، وأنه سيكون أسوأ بكثير مما كان عليه خلال الأزمة المالية العالمية” وأكد الوزير أيضا ضرورة اتباع تدابير مالية ونقدية تسهم في تهيئة الظروف الملائمة لتحقيق انتعاش اقتصادي سريع “مع أهمية أن تكون مُحددة الهدف والمدة، وتتميز بالشفافية لاحتواء المخاطر المالية” وقال الجدعان إن المملكة مستعدة لتقديم المزيد من الدعم إذا تطلب الأمر، وإنها تراقب مجمل الأوضاع عن كثب، وحث الوزير صندوق النقد الدولي على “مواصلة التحلي بالمرونة في الاستجابة لاحتياجات الأعضاء بالنظر إلى عدم اليقين المتزايد في مواجهة الجائحة”، وقال أيضا إن المملكة تُشجع الصندوق على مواصلة مشاركته ودعمه لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مشيرا إلى أن الصندوق يتمتع بوضع جيد يُمكنه من دعم أعضائه خلال هذه الأزمة، مع قدرته على دعم الإقراض بمبلغ تريليون دولار.
سندات بسبعة مليارات دولار وسط قلق على السيولة
قالت ثلاثة مصادر إن الحكومة السعودية باعت إلى البنوك المحلية نسبة صغيرة فحسب من سندات بسبعة مليارات دولار طرحتها الأسبوع الماضي، وسط مخاوف من أزمة سيولة بسبب انخفاض أسعار النفط، جاء طرح السندات المكونة من ثلاث شرائح بعد أن رفعت الرياض الشهر الماضي سقف الدين إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بدلا من 30 بالمئة لتمويل العجز المتنامي الناجم عن انخفاض أسعار النفط والتباطؤ الاقتصادي الناتج عن تفشي فيروس كورونا.
وقال مصرفي سعودي إنه لم تخصص أي سندات للبنك الذي يعمل به وبنكين محليين أخرين على الأقل رغم تقدمهم بطلبات كبيرة، مضيفا أن السبب على الأرجح هو خطط الحكومة للاحتفاظ بسيولة كبيرة بين البنوك التي تتحمل “ما يفوق طاقتها” وأضاف أن ذلك قد يشير أيضا إلى خطط حكومية لإصدار سندات مقومة بالعملة المحلية قريبا، وقال مصدر قريب من وزارة المالية “المخصصات للبنوك السعودية في هذا الطرح كانت عند الحد الأدني التخصيص كان صعبا نتيجة لدفتر أوامر الشراء الذي كان كبيرا جدا وعالي الجودة”، وباعت المملكة من خلال وزارة المالية سندات لأجل خمسة أعوام ونصف العام بقيمة 2.5 مليار دولار ولأجل عشر سنوات ونصف بقيمة 1.5 مليار دولار ولأجل 40 سنة بثلاثة مليارات دولار، وقال مصرفي سعودي ثان طلب عدم الكشف عن هويته لأن الأمر غير معلن “القرار اتخذ للحفاظ على السيولة”.
تلقت السعودية طلبات بنحو 54 مليار دولار، مما يشير إلى شهية قوية للمستثمرين، لكن تكلفة الاقتراض ارتفعت بعد تراجع سندات الخليج في الشهر الماضي جراء انخفاض أسعار النفط وتفشي فيروس كورونا، وفي مارس آذار، أعلنت الحكومة السعودية أنها أعدت حزمة بقيمة 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لمساعدة البنوك والشركات المتوسطة على مواجهة التداعيات الاقتصادية للجائحة.
وعلى الرغم من ذلك، تحد بعض البنوك في المنطقة من الإقراض لتقليص الخسائر المحتملة جراء الأزمة وسط توقعات لضغوط على المعروض من الدولارات، وفي مذكرة بحثية حديثة، قال جولدمان ساكس إن نمو القروض المصرفية في السعودية من المتوقع أن يبلغ حوالي اثنين بالمئة في 2020، مقارنة مع ثمانية بالمئة في 2019، بسبب تباطؤ أنشطة الشركات وتأجيل مشروعات، جاء إصدار السندات السعودية عقب التوصل إلى اتفاق في 12 أبريل نيسان بين منتجي النفط لخفض الإنتاج، وهو ما قد يدعم سعر برميل الخام لكنه قد يخفض إيرادات الرياض في العام الجاري، كان وزير المالية محمد الجدعان قال الشهر الماضي إن عجز الميزانية قد يتسع إلى ما بين سبعة وتسعة بالمئة كحد أقصى بنهايةالعام، مقارنة مع توقع سابق عند 6.4 بالمئة.
تضرر الإيرادات من خفض إنتاج النفط
قالت أربعة مصادر في القطاع المصرفي إن السعودية ستبيع على الأرجح سندات دولية جديدة بمجرد أن يتسبب اتفاق التاريخي بين المنتجين الرئيسيين للنفط على خفض الإنتاج في مزيد من الضغوط على الإيرادات المتضررة بالفعل من انهيار أسعار الخام، ورفعت الرياض سقف الدين لديها إلى 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، من 30 بالمئة في مارس آذار وباعت قطر وإمارة أبوظبي بنجاح سندات قيمتها المجمعة 17 مليار دولار في اسبوع، وقال مصرفي في قطاع الدين “إنها الخطوة التالية المنطقية (أن تصدر السعودية سندات بعد قطر وأبوظبي)… قد ينتظرون قليلا حتى تستجيب سوق النفط للتخفيضات إذ أن اسمهم مرتبط بشكل أوثق بالنفط”.
ولم يرد متحدث باسم وزارة المالية السعودية بعد على سؤال من رويترز بخصوص خطط إصدار الدين، وقد تمحو التخفيضات التي تعهدت بها المملكة، أكبر مصدّر للنفط في العالم، بموجب اتفاق الأحد نحو 40 مليار دولار من إيرادات الدولة هذا العام، وذلك وفقا لمحلل استند في توقعه إلى متوسط سعر للنفط يبلغ 40 دولارا للبرميل، وجرى تداول العقود الآجلة لخام برنت عند 31.64 دولار للبرميل في يوم.
وتتعرض خزائن الحكومة بالفعل لضغوط نتيجة انهيار سعر النفط وتأثير الإجراءات المفروضة لوقف انتشار فيروس كورونا المستجد والتي تشمل حظر التجول وإغلاق معظم الأماكن العامة في أنحاء المملكة، ولجلب الاستقرار إلى أسواق النفط، اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها بقيادة روسيا، في إطار المجموعة التي تُعرف بأوبك+، على خفض الإنتاج في مايو أيار ويونيو حزيران بواقع 9.7 مليون برميل يوميا، أي نحو عشرة بالمئة من الإمدادات العالمية.
لكن ارتفاع أسعار الخام قد يكون محدودا حتى بعد هذه التخفيضات القياسية، وقالت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري في مذكرة بحثية “نعتقد أن خفض أوبك+ المقترح بمقدار 9.7 مليون برميل يوميا في مايو أيار ويونيو حزيران لن يكون كافيا لمواجهة الانخفاض الحاد في الطلب العالمي الناجم عن الوباء” وأضافت “تقديرنا أن قطاع النفط بالسعودية سينكمش بنحو 6.1 بالمئة في 2020” وقال بنك جولدمان ساكس إنه يتوقع استمرار هبوط أسعار النفط في الأسابيع المقبلة.
تخفيضات في الإنفاق
توقعت ميزانية السعودية لعام 2020 إيرادات نفطية 513 مليار ريال (136.47 مليار دولار) ولا تكشف الرياض عن سعر النفط المفترض الذي تستند إليه في ميزانيتها، لكنه في تقديرات بعض المحللين 55 دولارا للبرميل، وقالت شركة الراجحي المالية السعودية إن إيرادات المملكة من النفط في 2020 ستكون 342 مليار ريال في ظل مستويات الإنتاج المتفق عليها حديثا وافتراض متوسط سعر للخام عند 40 دولارا.
يأتي هذا مقارنة مع توقع أولي للشركة بإيرادات 487 مليار ريال وخفضت الشركة أيضا تقديراتها لإيرادات القطاعات غير النفطية من 346 مليار ريال إلى 276 مليار ريال بعد تأجيل ضرائب وإعفاء من رسوم حكومية لحماية الشركات من تأثير فيروس كورونا، وقال مازن السديري، رئيس الأبحاث لدى الراجحي المالية، لرويترز “بينما نتوقع تراجع الإيرادات، لا نملك تقديرا للعجز المتوقع بالميزانية لأننا لا نعلم إلى أي حد ستزيد الحكومة خفض الإنفاق”.
وأضاف “هناك مجال لمزيد من خفض الإنفاق ونتوقع أن تفعل الحكومة ذلك” وأعلنت الرياض الشهر الماضي عن خفض بنحو خمسة بالمئة في ميزانية الحكومة لعام 2020 وقالت إنها ستعيد تقييم الإنفاق وفقا للتطورات في أسواق النفط والوباء، وقال السديري إنه يتوقع توجيه الأموال التي حققها صندوق الاستثمارات العامة، صندوق الثروة السيادي للمملكة، وعائدات الطرح العام الأولي لشركة النفط العملاقة أرامكو العام الماضي الذي بلغت قيمته 29 مليار دولار، إلى الاقتصاد المحلي، وأضاف “من الضروري إبقاء هذه الأموال في الاقتصاد المحلي للحفاظ على استقرار النظام المصرفي عائدات الطرح العام الأولي لأرامكو أبقت الإيداع والمعروض النقدي مستقرين خلال الأشهر القليلة الماضية”
تراجع أسعار النفط
أعلنت إمارة أبوظبي أنها أصدرت سندات سيادية بقيمة سبعة مليارات دولار، في ثالث عملية من نوعها خلال الشهر الجاري في دول الخليج التي تواجه تراجعا في أسعار النفط، وكانت السعودية جمعت سبعة مليارات دولار في عملية إصدار سندات، بينما قامت قطر الغنية بالغاز بأصدار سندات بقيمة عشرة مليار دولار قبل أسبوعين، وأعلنت أبوظبي التي تمتلك أكبر صندوق ثروة سيادي في دول الخليج أن سجل الطلبات تجاوز أكثر من ست مرات حجم المعروض للإصدار، وقالت دائرة المالية في أبو ظبي في بيان إن السندات السيادية توزعت على ثلاث شرائح هي “شريحة بقيمة 2 مليار دولار لمدة خمس سنوات، وشريحة بقيمة 2 مليار دولار لمدة عشر سنوات، وشريحة بقيمة 3 مليارات دولار لمدة ثلاثين عاما”.
وكانت وزارة المالية السعودية قالت إن “المجموع الكلي لطلبات الاكتتاب بلغ أكثر من 54 مليار دولار أميركي”، مشيرة إلى أن نسبة التغطية تجاوزت “أكثر من سبعة أضعاف إجمالي الإصدار”، وقالت وزارة المالية القطرية إن حجم الاكتتاب تجاوز 45 مليار دولار من المستثمرين، كما أرسلت الحكومة الكويتية مشروع قانون للبرلمان للأذن باقتراض 65 مليار دولار للسنوات العشر المقبلة، وتعتمد دول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم البحرين والكويت وسلطنة عمان وقطر والسعودية والإمارات، بشكل هائل على دخل النفط الذي يتراوح بين 65% إلى 90% من الإيرادات العامة.
وانهارت أسعار النفط العالمية هذا العام بسبب إجراءات الإغلاق بهدف وقف تفشي فيروس كورونا المستجد بالإضافة إلى حرب أسعار بين السعودية وروسيا، وفشل اتفاق توصلت إليه مجموعة الدول المصدرة للنفط (اوبك) وحلفاؤها بما في ذلك روسيا على خفض انتاج النفط بمعدل 9,7 مليون برميل يوميا، في تنشيط أسعار النفط، وتوقع صندوق النقد الدولي تقلص اقتصاد دول الخليج مجتمعة بنسبة 2,7 بالمئة هذا العام.
تدفقات نقدية
فقدان الوظائف ليس أمرا غير معتاد في فترات التباطؤ في منطقة الخليج وشهدت كل من السعودية والإمارات تخفيضات كبيرة أثناء آخر تراجع لأسعار النفط في 2015 عندما تقلص الإنفاق الحكومي، وقال مصرفيون إن السيولة تمثل أكبر تحد وشيك، وقال دانيال هوليت رئيس الخدمات المصرفية التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا ببنك إتش.إس.بي.سي “تحدثنا مع كل عميل في أنحاء المنطقة في جميع القطاعات خلال أيام العمل العشرة الماضية من منظور العمل المصرفي التجاري الشيء الأساسي هو القلق بخصوص السيولة – هل لدي ما يكفي من النقود للتجارة”.
وقال مازن الخطيب الرئيس التنفيذي لشركة نوستالجيا للسيارات الكلاسيكية في دبي لرويترز إن شركته تتفاوض على قرض مرحلي ليساعدها في تغطية تكاليف التشغيل، لكنها مع ذلك قد تضطر لاتخاذ قرارات مؤلمة، وأضاف قائلا “أشعر بالقلق بشأن الأجور في نهاية الشهر ألغيت طلبيات كثيرة كانت على وشك أن تصبح جاهزة كما تأجلت طلبيات كثيرة كانت على وشك الاتمام”.
واتفق هذال العتيبي الرئيس التنفيذي لشركة الأندلس العقارية المدرجة في الرياض مع الرأي القائل بأن التحدي الرئيسي لقطاع التجزئة يتمثل في إدارة تدفقات الأموال وخدمة الديون، وقال لرويترز “في حكم المؤكد أن النتائج المالية للربع الثاني من 2020 لذى الكثير من الشركات ستعكس التحديات التي تواجه الأعمال في هذه الفترة” وقالت شركة أرقام لتداول الأوراق المالية إن السعودية قد تشهد اتساع العجز في 2020 إلى 16.1 بالمئة عن توقعات سابقة لعجز قدره 6.4 بالمئة إذا أصبح متوسط أسعار النفط 40 دولارا وأضافت أنه عند متوسط سعر 30 دولارا، قد يبلغ العجز 22.1 بالمئة أو 170 مليار دولار تقريبا وفقا لحسابات رويترز.
وبلغت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بالسعودية نحو 20 بالمئة في 2019، وبحسب وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني، فإنه سيرتفع إلى قرابة 34 بالمئة في 2020 ونحو 36 بالمئة في 2021، وتتوقع الوكالة زيادة العجز في ميزانية حكومة أبوظبي، وهي الأكثر ثراء بين الإمارات السبع بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى 7.5 بالمئة في 2020، مقارنة مع 0.3 بالمئة في 2019.
موديز تتبني نظرة مستقبلية سلبية للأنظمة المصرفية بالخليج
غيرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها من “مستقرة” إلى “سلبية” للأنظمة المصرفية للسعودية والإمارات والكويت وقطر والبحرين، مع إبقائها على نظرتها السلبية للنظام المصرفي العماني، وذلك على خلفية انهيار سعر النفط وتفشي فيروس كورونا، وقالت الوكالة إن أسعار النفط تقل كثيرا عن المستوى الذي يجب أن تكون عليه لتحقيق التوازن في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي الست.
وأضافت “سيضغط ذلك على الإيرادات الحكومية ويؤدي إلى تخفيضات في الإنفاق، مما سيقوض النمو في قطاعات الاقتصاد غير النفطية التي تمارس البنوك أغلب أنشطتها فيها” وقالت إن البنوك ستشهد أيضا انخفاضا في تدفق الودائع، إذ تشكل الإيرادات الحكومية القدر الأكبر من الودائع في أغلب النظم المصرفية بدول مجلس التعاون الخليجي، وقالت موديز إن تراجعا في نشاط الأعمال بسبب القيود على الحركة الرامية إلى الحد من انتشار فيروس كورونا سيؤدي على الأرجح إلى زيادة في التعثر في سداد قروض البنوك وتنامي مخصصات خسائر القروض.
وبحسب الوكالة، فإن إجراءات التحفيز التي أطلقتها حكومات دول المنطقة وبنوكها المركزية لن تعوض التأثير الاقتصادي لجائحة فيروس كورونا إلا بشكل جزئي، وتتوقع موديز أن يكون النمو الاقتصادي أكثر تضررا في كل من السعودية والإمارات والبحرين وعمان، في حين تتوقع استقراره في قطر وأن يكون عند نحو اثنين بالمئة في الكويت، وقالت مصادر مصرفية لرويترز إن البنوك في منطقة الخليج تحد نشاط الإقراض لديها لتقليص الخسائر المحتملة من أزمة فيروس كورونا وضغط محتمل في السيولة الدولارية بسبب انخفاض أسعار النفط.
العيون على العقارات
ظلت السوق العقارية في دبي تعاني معظم فترات العقد الأخير بسبب زيادة المعروض على الطلب وربما تواجه مشاكل أخرى بسبب ضعف أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا، ارتفع العائد على سندات شركة داماك التي تستحق في 2022 من 8.7 في المئة في نهاية فبراير شباط إلى 21.3 في المئة في نهاية التعاملات، أما صكوك مجموعة إعمار مولز التي تستحق في 2024 فقد ارتفعت بما يقرب من 500 نقطة أساس في الفترة نفسها، وقال خبير في استراتيجيات الدخل الثابت في دبي إن العوائد على سندات الأسواق الناشئة عالية العائد ارتفعت من 8.5 في المئة إلى 13.6 في المئة في الفترة نفسها وفقا لمؤشر بلومبرج باركليز.
وقال المصرفي الذي طلب إخفاء هويته إن شركات العقارات مثل إعمار وشركة الدار في أبوظبي ستعرض على الأرجح عوائد أعلى، وأضاف أن هذه الشركات يمكنها أن تنجو من العاصفة بفضل روابطها القوية بالحكومة لكن الأسواق ستظل تعتبرها شركات للتطوير العقاري لا شركات حكومية أو شركات تحظى بدعم ما من الحكومة، والسندات عالية المخاطر مغرية للمستثمرين في الأوقات التي تنخفض فيها أسعار الفائدة في البنوك المركزية لمستويات تاريخية، وقالت أنيتا ياداف الشريكة بشركة أسباير كابيتال إن الشركات لا سيما المستقلة منها تجازف بتخفيض تصنيفاتها الائتمانية.
تدابير اقتصادية لمواجهة أزمة كورونا
قال مصدر حكومي كويتي لرويترز إن الحكومة ستعلن عن سلسلة من التدابير الاقتصادية لمعالجة التداعيات الناجمة عن أزمة فيروس كورونا، وقال المصدر إن التدخل الحكومي سيكون “محدودا لكنه فاعل ونوعي” لإنقاذ القطاعات الانتاجية والتشغيلية وإعادة تنشيط الاقتصاد، مشبها الوضع الحالي “بأيام الكوارث الطبيعية” التي تحتاج لتدخل حكومي لإنقاذ الاقتصاد، وأضاف أن القطاعات الأكثر تضررا بالكويت هي الطيران والنقل والضيافة والمطاعم والفنادق والسياحة والتجزئة والعقار والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأوضح المصدر أن القرارات الحكومية ستتضمن إعفاءات من رسوم وإيجارات حكومية وتسهيلات ائتمانية للمتضررين، وأكد أنه وفي ظل هبوط أسعار النفط الحالية، فإن إقرار قانون الدين العام أصبح “أولوية حكومية وليس خيارا” وقال ان هناك “قناعة حكومية كاملة” بضرورة إقرار القانون بأسرع ما يمكن، مبينا أن الحكومة ستركز في الفترة المقبلة أيضا على قانون الصكوك لتجاوز الأزمات الحالية، وقال إن الحكومة سحبت من صندوق الاحتياطي العام نحو 3.7 مليار دينار في السنة المالية الحالية 2019–2020 التي تنتهي اليوم، ويتبقى نحو 14 مليار دينار (44.65 مليار دولار).
وأوضح أن الاحتياطي العام للدولة كان يبلغ 60 مليار دينار، سحبت الحكومة منها 43.8 مليار دينار على مدى خمس سنوات مالية حتى نهاية 2018–2019، وقال “الحكومة ليس لديها خيار آخر غير الاقتراض” لتمويل الميزانية العامة في ظل هبوط أسعار النفط، مضيفا أن تسييل أصول صندوق الأجيال القادمة “غير مطروح للنقاش”.
تقليص الإنفاق الحكومي وحماية وظائف المواطنين
قالت وسائل إعلام رسمية إن سلطنة عمان وجهت الوزارات والكيانات الحكومية الأخرى بخفض الإنفاق بشكل أكبر وأعلنت عن إجراءات لدعم القطاع الخاص وحماية وظائف العمانيين من تأثير تفشي فيروس كورونا، وجهت وزارة المالية جميع الوزارات والوحدات الحكومية المدينة بخفض السيولة المعتمدة للموازنات الإنمائية عشرة بالمئة، وقالت إنه سيجري وقف إنشاء أي شركات حكومية لممارسة أي من أنشطة الأعمال ومنح الأولوية للقطاع الخاص.
وأبلغت عُمان جميع الهيئات الحكومية بخفض ميزانياتها التشغيلية بما لا يقل عن عشرة بالمئة في العام الحالي لتعويض انخفاض أسعار النفط، ويشمل ذلك مراجعة الرواتب والامتيازات، عُمان منتج للطاقة صغير نسبيا ومثقل بديون مرتفعة، واقتصاده حساس بشكل خاص للتقلبات في أسعار النفط التي تتسبب حاليا في تفاقم تباطؤ اقتصادي إقليمي وعالمي متوقع بسبب جائحة فيروس كورونا.
وحتى قبل هاتين الصدمتين، كانت السلطنة مترددة في المضي قدما في تطبيق إصلاحات لا تحظى بقبول شعبي على الضرائب ونظام الدعم لتجنب أي اضطرابات عامة، وأعلنت اللجنة التي تشرف على جهود السلطنة لمكافحة فيروس كورونا في بيان لها أن من غير الممكن إنهاء خدمة العمانيين وقالت إن الشركات الخاصة المتضررة من الإجراءات الرامية لاحتواء انتشار الفيروس يمكنها منح الموظفين العمانيين إجازات مدفوعة الأجر أو خفض الأجور لثلاثة أشهر مع تقليص عدد ساعات العمل أيضا.
وقال البيان “نحث مؤسسات وشركات القطاع الخاص المتأثرة على ترحيل القوى العاملة غير العمانية نهائيا”، ومن بين التسهيلات التي أُعلنت، إعفاء لمدة ثلاثة أشهر من فواتير المرافق ورسوم تجديد التراخيص وتخفيض رسوم العمالة وتخفيف القيود على تنقل الموظفين بين الشركات، وقالت السلطات إنه يجب التسامح حيال أي تأخر في المشروعات الحكومية التي ينفذها القطاع الخاص، سجلت عُمان 310 حالات إصابة بالفيروس وأربع وفيات وتقول السلطات الصحية إن الإصابات في زيادة بين العاملين الأجانب وإن الحكومة أغلقت محافظة مسقط، التي تضم عاصمة البلاد، للحد من انتشار المرض وتقرر إغلاق معظم الأماكن العامة.
رابط المصدر: