انعكست التطورات المتلاحقة في الميدان الأوكراني على الوضع المتوتر بالأساس فيما يمكن أن نعتبره “ميدان التوتر المقبل على المستوى الدولي”، ألا وهو النطاق الآسيوي “اليابان – كوريا الجنوبية – الصين – كوريا الشمالية – تايوان”، وهو النطاق الذي شهد تراشق بالمناورات الصاروخية خلال الأشهر الأخيرة، بدأته الصين واختتمته – مؤقتًا – كوريا الشمالية. عودة السخونة للتوتر المكتوم في هذا النطاق الجغرافي المهم، والذي تضع له واشنطن أولوية أساسية في نظرتها الاستراتيجية للوضع الدولي، أعاد في سيؤول، الحديث عن ضرورة امتلاك خيارات ردع عسكرية متعددة الطبقات، يمكن من خلالها ردع بكين وكوريا الشمالية عن استخدام أوراقهما الصاروخية، أو على الاقل يمكن أن تستخدم للرد بشكل آني على الهجمات الصينية والكورية الشمالية.
النقطة الجديرة بالذكر في هذا الإطار، أن تأثيرات تعاظم القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية والصين، باتت عامل ضغط متصاعد على الداخل الكوري الجنوبي، بشكل يتجاوز حتى البعد الاستراتيجي أو العسكري، ليصل إلى حد التعديل الجذري للاستراتيجية الدفاعية الكورية الجنوبية، خاصة بعد أن دخلت “الطائرات دون طيار”، في المعادلة العسكرية بين الكوريتين، على أثر التحليق غير المسبوق للطائرات المسيرة الكورية الشمالية أواخر الشهر الماضي، في الأجواء الكورية الجنوبية، والتي من خلالها لم تخترق فقط هذه الأجواء، بل تمكنت إحداها من دخول منطقة حظر الطيران المحيطة بالمقر الرئيس لرئيس الوزراء الكوري الجنوبي “يون سيوك-يول” في العاصمة سيؤول، والتي يبلغ نصف قطرها نحو أربعة كيلو مترات.
كانت هذه المسيرة واحدة من ضمن خمس مسيرات أطلقتها كوريا الشمالية عبر خط ترسيم الحدود العسكرية الفاصل بين الكوريتين، ولم يقتصر عجز كوريا الجنوبية في هذه الحادثة على عدم رصدها المبكر لتحرك هذه المسيرات نحو مجالها الجوي، ونجاح إحداها في دخول منطقة حظر الطيران حول المكتب الرئاسي فقط، بل شمل أيضًا عجز كافة القدرات العسكرية الكورية الجنوبية على إسقاط أي من هذه المسيرات، بل وعدم تيقنها بشكل كامل في البداية من المسار الدقيق لهذه المسيرات أثناء تحليقها في الأجواء الكورية الجنوبية، وهي جميعها مؤشرات أطلقت جرس إنذار حاد وشكوك كبيرة حول مدى جاهزية الجيش الكوري الجنوبي، لمواجهة التهديدات التي تمثلها القدرات الكورية الشمالية، والتي لم تعد تقتصر- كما هو واضح – على الجانب الصاروخي، بل دخلت من ضمنها أيضًا القدرات المسيرة، ومن قبلها القدرات البحرية كما حدث سابقًا في حادث إغراق الفرقاطة “تشونان” عام 2010.
العودة مرة أخرى للحديث عن “التسليح النووي”
يدور النقاش داخل سيؤول منذ سنوات سابقة – وتحديدًا منذ عام 2016 – حول توسيع الخيارات المتاحة أمامها لمواجهة تزايد حجم ونوعية القدرات الصاروخية لكوريا الشمالية والصين، ووصل الحديث في هذا الإطار إلى حد البحث بشكل مبدئي في إمكانية الحصول على قدرات نووية عسكرية، وهو ما طرحه للمرة الأولى مرشح حزب “ساينوري” في الانتخابات الرئاسية الكورية لعام 2017، “تشو وون جين”، الذي صرح بشكل علني أن كوريا الجنوبية تحتاج إلى تطوير رادع نووي خاص بها لمواجهة التهديد النووي الكوري الشمالي، وأن اعتماد سيؤول في هذا الإطار على القدرات النووية الأمريكية، ينطوي على مخاطر استراتيجية لا يستهان بها.
هذا النقاش أعاد إلى الأذهان محاولات سابقة من جانب كوريا الجنوبية لتطوير أسلحة نووية خلال سبعينيات القرن الماضي، على وقع قرار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر بسحب كامل القوات الأمريكية من كوريا، لكن ظل التزام الولايات المتحدة بأمن كوريا الجنوبية خلال العقود اللاحقة، عاملًا حاسمًا في كبح جماح هذه التوجهات. حقيقة الأمر أن تنامي هذا الشعور في الأوساط الحزبية والشعبية في كوريا الجنوبية، بدأ في التفاعل تدريجيًا منذ تنفيذ كوريا الشمالية تجربتها النووية الأولى عام 2006، لكن ظلت الإدارات الكورية الجنوبية المتعاقبة، حريصة على الوفاء بالتزاماتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مبدأ نزع السلاح النووي المحدد في الإعلان المشترك لعام 1992 بشأن السلاح النووي في شبه الجزيرة الكورية، وهو المبدأ الذي أكدت عليه كافة الحكومات الكورية الجنوبية المتعاقبة منذ ذلك التاريخ، وإن ظل الجدل الداخلي مستمر حول ما إذا كان من الممكن مستقبلًا اللجوء لامتلاك سلاح نووي، أو حتى السماح بتواجد أسلحة نووية “تابعة لدول أخرى” على الأراضي الكورية الجنوبية.
فيما يتعلق بالرأي الثاني، تم طرح مسألة إعادة نشر الولايات المتحدة أسلحة نووية تكتيكية على الأراضي الكورية الجنوبية، وبالتالي تكرار الوضع الذي كان قائمًا في الفترة بين عامي 1960 و1991، حين نشرت واشنطن بشكل مستدام ما مجموعه 950 رأسًا نوويًا تكتيكيًا في كوريا الجنوبية، إلى أن قام الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، بإصدار قرار بسحب هذه الرؤوس من الأراضي الكورية الجنوبية. إعادة هذا الوضع بدأ طرحها بشكل فعلي في النقاش الداخلي الكوري الجنوبي عام 2017، عبر حزب “ساينوري” الذي أرسل وفدًا إلى واشنطن، لطرح هذه الفكرة، لكن لم يحظ هذا الاقتراح بدعم أمريكي أو تأييد من جانب الحكومة الكورية الجنوبية، وإن ظل هذا الطرح ماثل في أذهان كثير من السياسيين في سيؤول.
اتضح هذا الوضع أكثر خلال التفاعلات التي سبقت الانتخابات الرئاسية الكورية الجنوبية العام الماضي، حيث تحدث عدة مرشحين – من بينهم المرشح المحافظ “هونغ جون بيو” – عن ضرورة إيجاد حلول استراتيجية للفجوة العسكرية التي تعاظمت بين بيونج يانج وسيؤول، بسبب تقدم كوريا الشمالية في المجال النووي والصاروخي، وأنه لا يجب أن تثق كوريا الجنوبية بشكل أعمى بالمظلة النووية الأمريكية أو معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ويجب عليها بدلًا من ذلك أن تطلب إعادة نشر الأسلحة النووية على أراضيها.
فشل قمة “هانوي”، التي ضمت الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم يونج أون عام 2019، كان دافعًا إضافيًا لهذه التوجهات، حيث تم طرح إمكانية عقد اتفاقية “تعاون نووي” بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية، مماثلة للاتفاقية التي تنظم نشر الأسلحة النووية الأمريكية في عدة دول أوروبية، ومن خلالها يتعاون حلف الناتو وواشنطن في مهام الردع النووي. هذا الطرح كان من وجهة نظر مؤيديه، البديل الأكثر واقعية لامتلاك كوريا الجنوبية أسلحة نووية خاصة بها، حيث لا يحتاج – على المستوى اللوجيستي – سوى تأهيل المقاتلات الكورية الجنوبية لحمل ذخائر نووية. هذا الطرح، وإن كان لم يتم تبنيه على المستوى الرسمي، إلا أن النظر بشكل دقيق للتطور الذي طرأ على القدرات الصاروخية والجوية الكورية الجنوبية، يشي بأن إمكانية تحقيقه موجودة وقائمة، خاصة أن الرئيس الكوري الجنوبي الحالي، يون سوك يول، سبق وتحدث عن رغبته في توقيع بلاده اتفاقية للتعاون النووي مع الولايات المتحدة، خلال حملته الرئاسية، وإن كان قد تراجع عن هذه الرغبة بعد أن فاز في الانتخابات.
الاستراتيجية الدفاعية “الثلاثية” لكوريا الجنوبية
حرصت الحكومات الكورية الجنوبية جميعها خلال العقدين الأخيرين، على استخدام آليات تقليدية لتعزيز القدرة الكورية الجنوبية على التجاوب مع التطور المتسارع في القدرات غير تقليدية لكوريا الشمالية، وذلك عبر الاستثمار في تعزيز منظومتها الدفاعية الثلاثية، التي تم تضمينها بشكل كامل ضمن خطة الإصلاح الدفاعي التي أعلنتها وزارة الدفاع الوطني الكورية الجنوبية عام 2014، والممتدة إلى عام 2030. تتألف هذه المنظومة الدفاعية من ثلاثة محاور، المحور الأول هو “سلسلة القتل” والثاني هو “منظومة الدفاع الجوي والصاروخي الموحدة KAMD”، والثالث هو “منظومة الرد العقابي والانتقامي الشامل KMPR”. جدير بالذكر أنه تمت المصادقة على هذه المنظومة في البيان المشترك لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية في مايو الماضي، والذي شهد أيضًا إعادة تفعيل استراتيجية الردع الموسعة الثنائية بين البلدين، وتعميق التعاون الأمني الثلاثي بين واشنطن وسيؤول وطوكيو، وتنظيم التدريبات العسكرية المشتركة وتوسيعها.
تصاعد التهديدات الكورية الشمالية العام الماضي، دفع سيؤول في يوليو الماضي، للبدء في تأسيس قيادة استراتيجية للإشراف على منظومتها الدفاعية الثلاثية، بحيث تكون مكتملة التكوين عام 2024، بهدف تحسين قدرة القوات المسلحة الكورية الجنوبية على استخدام الأصول العسكرية النوعية الحالية والمستقبلية، والتي تشمل مقاتلات “أف-35″، والمروحيات الهجومية، ومدفعية الميدان الثقيلة، والصواريخ الاعتراضية والجوالة والباليستية، والطائرات دون طيار، والقطع البحرية، وأقمار الاستطلاع والتجسس. جدير بالذكر أن سيؤول قد قامت في أكتوبر الماضي، بتخصيص نحو 21.1 مليار دولار لصالح منظومة الدفاع الثلاثية خلال السنوات الـ 5 القادمة، بداية من العام الجاري، من ضمنها نحو 5.92 مليارات دولار لصالح أربعين مشروعًا خاصًا بالمحور الأول “سلسلة القتل”، و5.8 مليارات دولار لصالح ثمانية عشر مشروعًا خاصًا بالمحور الثاني “منظومة الدفاع الجوي والصاروخي الموحدة”، و3.39 مليارات دولار خاصة بتسعة مشاريع متعلقة بالمحور الثالث “منظومة الرد العقابي والانتقامي الشامل”.
لتوضيح أكبر للمفاصل الثلاث لهذه الاستراتيجية الدفاعية، يمكن القول إن المفصل الأول لها “سلسلة القتل”، يرتكز بشكل رئيس على الرصد السريع والآني لعمليات إطلاق الصواريخ الباليستية قصيرة المدى وصواريخ المدفعية الصاروخية من الأراضي الكورية الشمالية، عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار ورادارات الإنذار المبكر، ومن ثم إرسال معلومات الرصد الخاصة بمنصات الإطلاق – سواء كانت ثابتة أم متحركة – إلى وسائط الرد الهجومي، بهدف تدمير منصات الإطلاق بشكل سريع، وتشمل هذه الوسائط بشكل رئيس صواريخ “أتاكمز” الباليستية التكتيكية أمريكية الصنع، مضافًا إليها الطائرات المقاتلة من نوعي “أف-15″ و”أف-35” والمروحيات الهجومية، بجانب المدفعية ذاتية الحركة “كي-9” والدبابات. هذا الجانب سيشهد تحديثات مهمة في المرحلة القادمة، بالنظر إلى المبالغ المالية التي تم تخصيصها للمشاريع الخاصة بهذا المفصل، ومن بينها مزيد من الطائرات دون طيار والأقمار الصناعية العسكرية، ودفعة إضافية من مقاتلات “أف-35” تبلغ 20 مقاتلة، جانب إدخال قريب للنسخة الكورية الجنوبية من الصاروخ الجوال “Taurus”، الذي تنتجه ألمانيا والسويد بشكل مشترك، ويبلغ مداه أكثر من 500 كيلو متر.
وفيما يتعلق بالمفصل الثاني من هذه الاستراتيجية، والذي يسمى “منظومة الدفاع الجوي والصاروخي الموحدة”، فهي شكل أكثر تقدمًا من أشكال مواجهة التهديدات الصاروخية الكورية الشمالية ذات المدى المتوسط والبعيد، حيث تعمل في إطاره منظومات رصد أكثر تقدمًا، تشمل طائرات الإنذار المبكر، ورادارات الإنذار والرصد المختلفة، بجانب الأقمار الصناعية، لرصد مواضع إطلاق الصواريخ الباليستية، ومن ثم اعتراض هذه الصواريخ عبر منظومات الدفاع الصاروخي “باتريوت” الأمريكي الصنع و”كي إم – سام” الكورية الجنوبية، وكذا استهداف منصات الإطلاق عبر مقاتلات “أف-15″ و”أف-35” والصواريخ الباليستية التكتيكية. المفصل الثالث وهو “منظومة الرد العقابي والانتقامي الشامل”، لا تتوفر معلومات كافية عنه، لكنه يعتبر تطبيقًا لمبدأ “الردع النشط”، الذي يجعل من الرد الكوري الجنوبي على أي هجوم كوري شمالي، مضاعف عدة مرات، بحيث يشمل ضربات صاروخية وجوية واسعة، وعمليات للقوات الخاصة في العمق الكوري الشمالي، وتعبئة جميع القوات الكورية الجنوبية والأمريكية لشن هجوم مضاد.
الجدير بالذكر هنا، أن هذه الاستراتيجية قد تعرضت لتعديل مهم عام 2019، تم بموجبه بدء البحث في إمكانية تضمين استهداف الغواصات الكورية الشمالية التي تمتلك القدرة على إطلاق الصواريخ الباليستية ضمن هذه الاستراتيجية، بحيث تصبح هذه الإمكانية بمثابة ضلع رابع في هذه الاستراتيجية. وهذا المقترح تم بناؤه على ضوء حقيقة أن الأقمار الصناعية الأمريكية تراقب بشكل دوري قاعدة الغواصات الكورية الشمالية الرئيسة في جزيرة “مايانج”، وأن الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تراقبان بشكل مشترك الأنشطة الكورية الشمالية المختلفة، وبالتالي يمكن تنفيذ عمليات اعتراض الغواصات والصواريخ المطلقة منها – عند الضرورة – باستخدام الوسائط القتالية لكلا الدولتين.
القدرات الصاروخية الكورية الجنوبية في ميزان الردع الإقليمي
هنا تبرز معضلة تتعلق بماهية القدرات الصاروخية التي تتوفر لدى كوريا الجنوبية، والتي تبدو – في ظاهرها – موجهة نحو كوريا الشمالية، إلا أنه من الجائز أن نعتبر أن هذه التوجهات تبدو أيضًا جزءًا من الاستراتيجية الأمريكية لمواجهة الصين. وبدأ هذا في الوضوح بشكل كبير منذ سنوات طويلة مضت، حين سعت واشنطن بشكل تدريجي لفتح المجال أمام تطوير الترسانة الكورية الجنوبية من الصواريخ الباليستية. فقد وضعت واشنطن عام 1979، قيودًا على مدى ونوعية الصواريخ الباليستية التي يمكن لسيؤول أن تمتلكها، بحيث لا يتعدى المدى الأقصى لهذه الصواريخ 180 كيلو متر فقط. وبدأت واشنطن منذ عام 2001، في التعديل المستمر لهذه القيود، بحيث أصبح المدى الأقصى المسموح به 300 كيلو متر، ثم تم عام 2012 تعديل هذه القيود مرة أخرى ليصبح المدى المسموح به 800 كيلو متر.
التطور الأبرز في هذا المسار كانت عام 2017، حين اختبرت كوريا الجنوبية الصاروخ الباليستي “Hyunmoo-2C”، البالغ مداه 800 كيلومتر، وهو ما تزامن مع موافقة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، على إلغاء القيود التي كانت مفروضة على وزن الرأس الحربي الخاصة بالصواريخ الباليستية الكورية الجنوبية، وهذا مهد لاحقًا لرفع كافة القيود الخاصة بالبرنامج الصاروخي الكوري الجنوبي، في مايو الماضي، وهو ما يسمح لسيؤول بتطوير وامتلاك كافة أنواع الصواريخ الباليستية، بما في الصواريخ الباليستية العابرة للقارات، والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات. رفع هذه القيود جعل فعليًا جزء كبير من المدن الصينية الرئيسة، في مرمى الصواريخ الكورية الجنوبية الحالية، خاصة الصاروخ الجوال “Hyunmoo-3C” البالغ مداه 1500 كيلو متر.
بشكل عام، تمتلك كوريا الجنوبية حاليًا تشكيلة من الصواريخ الجوالة والباليستية والبحرية، يتراوح مداها بين 150 و1500 كيلو متر، وتتضمن الخطة الدفاعية الخمسية لوزارة الدفاع الوطني الكورية، للفترة بين عامي 2022 و2026، استثمار مبلغ يناهز 81 مليار دولار أمريكي، لتعزيز القدرات الدفاعية والصاروخية للبلاد، بما في ذلك زيادة زنة الرؤوس الحربية الخاصة بالصاروخ الباليستي الأبعد مدى في الترسانة الكورية الجنوبية – “Hyunmoo-2C” – لتصبح زنته 1 طن.
في سبتمبر الماضي، أجرت كوريا الجنوبية تجربتين صاروخيتين مهمتين، ردًا على سلسلة التجارب الصاروخية الكورية الشمالية، الأولى كانت لإطلاق الصاروخ الجوال “Hyunmoo-3B”، المخصص للعمل على متن المقاتلة الكورية الجنوبية – الإندونيسية “KF-21” الجاري تطويرها حاليًا، والبالغ مداه 500 كيلو متر، أما الثانية فكانت لإطلاق نسخة من نفس الصاروخ من على متن غواصة هجومية محلية الصنع من الفئة “دوسان آن تشانغ هو”، التي دخلت الخدمة في أغسطس الماضي، وهي واحدة من أربع غواصات قادرة على حمل وإطلاق صواريخ باليستية، تعتزم كوريا الجنوبية امتلاكها خلال المرحلة الحالية، بحيث تخدم بجانب 18 غواصة متوسطة تمتلكها البحرية الكورية الجنوبية حاليًا.
في جانب آخر، تعمل كوريا الجنوبية حاليًا بشكل حثيث على تعزيز دفاعاتها الجوية، حيث كانت تبحث في وقت سابق عن إمكانية شراء المنظومة الدفاعية الإسرائيلية ضد الصواريخ “القبة الحديدية”، لكنها تراجعت عن هذا المسعى، وفضلت البحث في إمكانية اقتناء المنظومات محلية الصنع، مثل منظومة “LAMD”، وهي منظومة مضادة للصواريخ، وتحديدًا تلك الخاصة بمنظومات المدفعية الصاروخية الكورية الشمالية، حيث تم تزويد هذه المنظومة بصواريخ اعتراضية ملحقًا بكل منها بباحث راداري نشط، يسمح لكل صاروخ باعتراض الصواريخ المعادية على ارتفاعات تصل إلى خمسة كيلو متر من مسافة تبلغ سبعة كيلو متر. هذا التوجه هو جزء من جهود كوريا الجنوبية لبناء شبكة دفاع جوي متقدمة متعددة الطبقات تتضمن أنظمة دفاع صاروخي برية وسفن بحرية، وتتضمن هذه الجهود أيضًا تطوير تقنيات تستخدم أشعة الليزر، لاستهداف الصواريخ الباليستية والطائرات دون طيار، حيث تم رصد ميزانية تبلغ 22 مليون دولار، للأبحاث المتعلقة بهذه التقنيات.
هذه الجهود تشمل أيضًا الدفاع ضد الصواريخ، مثل تطوير مقذوفات محلية الصنع مضادة للصواريخ الباليستية، حيث اختبرت سيؤول في فبراير الماضي، صواريخ “L-SAM” المصممة لاعتراض الصواريخ الباليستية على ارتفاعات تصل إلى 60 كيلو متر، ومسافات تصل إلى 150 كيلو متر، ويتوقع أن تدخل هذه الصواريخ إلى الخدمة عام 2026، لتصبح ضمن منظومة الدفاع الجوي الكورية الجنوبية، التي تشمل بطاريات “باتريوت” و”ثاد”. جدير بالذكر هنا، أن سيؤول قامت في أبريل الماضي، بالإعلان عن النموذج الأولي للرادار متعدد الوظائف بعيد المدى، الخاصة بنظام الاعتراض الصاروخي “كي إم – سام” الذي تسعى البلاد لنشره بحلول عام 2026 كجزء من برنامج الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات والمنخفض المستوى، حيث تم تصميم هذا النظام لإسقاط الصواريخ القادمة على ارتفاعات تتراوح بين 50 و60 كيلومترًا.
المسيرات الكورية الشمالية ومخاطر مستجدة على سيؤول
بالعودة إلى حادثة دخول المسيرات الخمس من كوريا الشمالية إلى كوريا الجنوبية الشهر الماضي، يمكن القول إن هذه الحادثة مثلت نقطة تحول مهمة في الذهنية الدفاعية لكوريا الجنوبية، التي لم تضع في اعتبارها خلال السنوات الماضية مخاطر الطائرات دون طيار أثناء إعدادها استراتيجيتها الدفاعية. لذا وكرد فعل على فشل المقاتلات والدفاعات الجوية الكورية الجنوبية في إسقاط الطائرات الكورية الشمالية، نفذت سيؤول إجراءات سريعة للتعامل مع هذا الوضع، منها إجراء تدريبات لتعزيز الدفاع ضد الطائرات المسيرة، وذلك في أجواء مدينة “يانغجو” شمال شرق العاصمة الكورية الجنوبية، وأعلنت عن بدء التجهيز لتخصيص نحو 441 مليون دولار أمريكي على مدى السنوات الخمس المقبلة، لمجموعة من المشاريع المضادة للطائرات المسيرة، بما في ذلك استخدام تقنية الليزر.
يضاف إلى هذا شروع وزارة الدفاع الكورية الجنوبية في دراسة إمكانية شراء أنظمة متخصصة لمراقبة الطائرات دون طيار، ومنها نظام المراقبة “سكاي سبوتر”، الذي تنتجه شركة “رافايل” الإسرائيلية. كذلك تدرس الوزارة حاليًا تأسيس وحدة مشتركة للطائرات المسيرة، مكلفة بتنفيذ مهام متعددة، بما في ذلك عمليات المراقبة والاستطلاع، وبناء نظام يتيح الإنتاج الضخم للطائرات المسيرة الصغيرة التي يصعب رصدها راداريًا. الرد الكوري الجنوبي على خطوة بيونج يانج، شمل أيضًا إرسال طائرة دون طيار من كوريا الجنوبية نحو الأراضي الشمالية، مع الإعلان عن أنها سترسل طائرتين أو ثلاث طائرات دون طيار نحو كوريا الشمالية في كل مرة تنفذ كوريا الشمالية تحليقًا مماثلا لتحليق الشهر الماضي، وهذا بالطبع يأتي ضمن استراتيجية “ثلاثة مقابل واحد”، التي باتت تتبعها سيؤول في ردها على كل إطلاق صاروخي من جانب بيونج يانج.
لكن رغم ما سبق، يمكن الجزم أن خطوة بيونج يانج قد ألقت الضوء على نقطة ضعف أساسية في الاستراتيجية الدفاعية الكورية الجنوبية بصفة عامة، وبصفة خاصة تلك الاستراتيجية الخاصة بتشغيل الطائرات دون طيار في الجيش الكوري الجنوبي، والتي بدأت ضمن قيادة العمليات البرية عام 2018، لأهداف دفاعية واستطلاعية بحتة تتعلق بالأراضي الكورية الجنوبية فقط، وتختص بالمراقبة والاستطلاع دون العمليات الهجومية، وهو ما يمثل تأخر واضح عن مواكبة الأدوار المتطورة للطائرات دون طيار – خاصة الشق الهجومية من هذه الأدوار – ولهذا كان الجدل في الداخل الكوري الجنوبي كبيرًا خاصة في ظل تداول واقع الحال في حالة ما إذا كانت الطائرات الكورية الشمالية التي اخترقت الأجواء الكورية الجنوبية، محملة بذخائر متفجرة أو بأسلحة ذات طابع نووي أو بيولوجي.
خلاصة القول إن التحرك “المسير” الأخير لبيونج يانج، ربما يمكن اعتباره نقلة نوعية في معادلة الردع القائمة حاليًا بينها وبين سيؤول، ويمثل في نفس الوقت قفزًا على الاتفاقات السابقة بين الجانبين، والتي تفرض دوائر متعددة لحظر الطيران في محيط خط وقف إطلاق النار بين الجانبين، وبالتالي يطرح احتمالات إضافية لم تكن موجودة مسبقًا لتدهور الأوضاع بينهما، والتي كانت تقتصر – حتى الشهر الماضي فقط – على التراشق الصاروخي أو المدفعي.
.
رابط المصدر: