د. أسعد كاظم شبيب
أستل الستار عن انتهاء عمل مجلس النواب العراقي بدورته الرابعة الذي تشكل من عدد من الكتل السياسية الفائزة بموجب انتخابات 12 آيار من عام 2018، وتعد هذه الدورة الأكثر اضطرابا وكسلاً قياساً بالدورات الانتخابية السابقة رغم أن الدورات البرلمانية سابقا ايضا كان من سماتها الفشل والسعي لاستغلال العمل النيابي في المؤسسة التشريعية وباقي المؤسسات كوزارات السلطة التنفيذية، وكانت كحالة عامة تمثل جزءاً كبيراً من حالة الإخفاق السياسي والتشريعي، وكان في مقدمة المؤسسات التي ساهمت في سيادة اعراف المحاصصة والفساد والتدخل في عمل مؤسسات الدولة، بحكم أن النظام السياسي العراقي بموجب دستور 2005 النافذ، يعد نظاماً برلمانياً إذ ان السلطة البرلمانية أعلى سلطة في النظام السياسي وتمتلك صلاحيات ومهام كبيرة منها اختيار الرؤساء الثلاثة: الجمهورية، مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء، والتصويت على منح وعزل الحكومة الى جانب مهاما وطنية كتشريع القوانين، والتصويت عليها، ومهام رقابية أخرى كمراجعة الحسابات الختامية، والتصويت على عدد من الدرجات الخاصة وما الى ذلك لكن مثلما هو واضح لكل مراقب، هناك خلل كبير أصاب السلطة البرلمانية في العراق وجعلها في مقدمة المؤسسات التي تعمل بأعراف المحاصصة بدءا من رئاسة البرلمان وصولاً الى اللجان، حيث تقسم على أسس المحاصصة الحزبية والمكوناتية وهو مما يجعلها خاضعة لتوجهات معينة تعيق عمل اللجان في الجانب الرقابي بل كثيرا ما يتحول دورها الى مساومات للسلطة التنفيذية والوزارات المرتبطة بهذه اللجنة او تلك مما يجعل سهوله الابتزاز من قبل أعضاء اللجان الممثلة للكتل السياسية في تنفيذ مآرب حزبية كتلوية داخل هذه الوزارة او تلك وهذا ما هو ملاحظ حتى في اللجان التي من المفترض ان تكون حريصة على مسائل لا تقبل المراهنة والمساومة مثل لجان التعليم العالي والبحث العلمي والخارجية والنفط والامن وغيرها.
عموما انتهت الدورة البرلمانية الرابعة بتاريخ 7/تشرين الأول من عام 2021 أي قبل اثنى عشر ساعة من التصويت الخاص، واثنان وسبعون ساعة من التصويت العام، الذي صادف في يوم10 تشرين الأول 2021 بعد ان صوت على حل نفسه بعد تحديد الانتخابات المبكرة بالتاريخ أعلاه التي كانت جزء من مطالب الجماهير بعد الاحتجاجات التي عمت مدن العاصمة بغداد، والوسط والجنوب التي طالبت بإقالة الحكومة، وتأسيس جديد لعملية سياسية تكون إفرازاتها حكومة وطنية كفوءة، لكن كل الذي تحقق قانون انتخابي جديد والذي جرت بموجبه انتخابات تشرين الأول واقالة حكومة عادل عبد المهدي والاتيان بمصطفى الكاظمي رئيس المخابرات الوطني ليكون رئيسا للحكومة، وكانت الدورة الرابعة لمجلس النواب محل الجذب والحل خاصة في عامها الأول إبان ذروة الاحتجاجات الشعبية في تشرين الأول من عام 2019، وكانت في مقصد الحراك الاحتجاجي لكن أجل حلها إلى حين تحديد موعد للانتخابات المبكرة، ومع انتهاء ولاية هذه الدورة التشريعية لنا أن نضعها في ميزان التقييم على مستوى الأداء وعلى مستويات سياسية والرضا الاجتماعي والشعبي وحتى على مستوى تنفيذ المهام الوطنية التي ممكن أن تكون في مقدمة المؤسسات التي تشرع لإصلاح وحل مشاكل الدولة العراقية.
على أي حال فعلى مستوى الأداء السياسي مثلت الكتل واللجان الممثلة داخل مجلس النواب خيبة أمل كبيرة لأبناء المجتمع العراقي حيث لم تتمكن هذه الكتل بتنفيذ وعودها للجمهور العراقي، وعدم إكمال أعمال اللجان المهمة كتقديم التعديلات الدستورية والتصويت عليها داخل مجلس النواب التي كانت جزء من حالة وطنية تساهم في إصلاح العملية السياسية والنظام السياسي على وجه الخصوص، ومن معالم الفشل والاخفاق تحول الكثير من النواب إلى سماسرة داخل الوزارات وتحويل مهامهم من التشريع والرقابة الى معقبين او لعب دور السلطة التنفيذية وذلك لمحاولة ارشاء المواطنين خاصة مع الفترة الزمنية القريبة على موعد اجراء الانتخابات، والكثير من النواب ساهموا في إرساء الفشل والتدخل في تعليمات وجداول مرسومة كتلك المتعلقة بالدراسات العليا او حتى بقرار قانون يساهم في تراجع التعليم وتخلفه مثل قانون معادلة الشهادات الخارجية والدرجات العلمية (رقم20 لسنة2020) حيث عد من أسوء التعليمات والقوانين التي أقرت التي نظمت حاملي الشهادات العليا وحملة الألقاب العلمية، الذي كتب انسجاما لأعضاء الكتل والأحزاب السياسية الذين يفتقرون لشهادات عليا في جلهم، حيث سيكون لهذا القانون تداعيات خطيرة على التعليم العالي بشكل عام والشهادات العليا بشكل خاص ويجعل قيمة صاحبها كقيمة الشهادة الإعدادية، ويجعل هناك تضخم في حملة الشهادات العليا على كل المستويات.
ووفق للباحث داخل حسن جريو ان أخطر ما جاء به هذا القانون، قيام مجلس النواب إلغاء مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص أمام القانون في الحقوق والواجبات, حيث منح أعضائه وشريحة أصحاب المناصب العليا في الدولة من وزراء ووكلاء وزراء وأصحاب الدرجات العليا استثناءات في حصولهم على الشهادات, فقد استثنوا هؤلاء جميعا من أحكام البند رابعا من المادة (6) التي تنص على أن “تكون دراسة الدكتوراه أو الكانديدات منتهية بتقديم أطروحة جامعية مقبولة”, بمعنى أن هؤلاء الأشخاص سيتم إستثنائهم من معادلة الشهادات التي يحصلون عليها بدون أطروحة, وهذا أمر عجيب غير مسبوق في الدراسات العليا لا في العراق ولا في خارجه, شهادة دكتوراه بدون أطروحة دكتوراه لشريحة معينة من الناس, دون أن يقدم هؤلاء النواب البديل العلمي للتعويض عن أطروحة الدكتوراه لتبرير حصولهم على شهادة الدكتوراه، ولم يجد الناقدون مبررا واحدا يستوجب تغيير درجة التشريع من تعليمات مهنية إلى قانون يصعب تعديله لاحقا من قبل الوزارة إن إستلزمت الظروف ذلك في ضوء التغيرات والتطورات التي كثيرا ما تطرأ في الأوساط الجامعية والتعليمية.
من جانب ثاني أخذ على سبيل المثال اللجان النيابية الأخرى التي تتدخل في شؤون وزارات أمنية حساسة كالدفاع والداخلية، وتحرص الكتل السياسية على تمثيل اعضاءها في كل اللجان حتى تكون نافذة من خلالها داخل الوزارات، وحسب المرصد العراقي النيابي أن هناك عدد كبير من المخالفات المستمرة منذ عدة دورات برلمانية وأصل المجلس عملية توزيع اعضائه على اللجان البرلمانية من دون محددات واضحة حيث نجد أن بعض اللجان فيها (25) نائبا، بينما البعض الآخر لم يكتمل الحد الأدنى من عدد الأعضاء كما في لجان الشباب والرياضة (5) أعضاء فقط والثقافة والإعلام والسياحة والآثار (5) أعضاء، منوها إلى أن المجلس خالف بعدم التصويت على حساباته الختامية، المادة (143) من النظام الداخلي التي تنص على: يقوم القسم المالي في المجلس بإعداد الحسابات الختامية للمجلس، ويعرض على هيئة الرئاسة للموافقة عليه وإحالته إلى لجنة الشؤون المالية، وترفع اللجنة تقريرًا بذلك للمجلس للمصادقة عليه، ومن الاستنتاجات التي قدمها المركز العراقي النيابي من خلال تقسيم عدد ساعات عمل البرلمان على الأشهر الخاصة بهذا التقرير، وكان المجموع النهائي هو (428.46) ساعة لمجموع الجلسات خلال الدورة الانتخابية، أي ما يعادل (2.8) ساعة لكل جلسة من الجلسات، أو ما يعادل (61) يوما عمل بمعدل سبع ساعات عمل يوميا، مشيرا الى ان المجلس اعلن في جداول أعماله عن (819) فقرة نفذ منها (515) فقرة فيما رحلت (304)، ومارس مجلس النواب خلال الدورة الانتخابية الحالية سلطته الرقابية من خلال استجواب واحد فقط مع توجيه خمسة أسئلة واستضافتين، وكان الاستجواب موجها إلى رئيس هيئة الإعلام والاتصالات بشأن تضليل هيئة الاتصالات لمجلس الوزراء، بخصوص تجديد عقود الهاتف النقال وعدم الالتزام ببنود حماية المستهلك. فيما حدد المرصد النيابي وجود مخالفات قانونية أخرى كعدم أداء 4 نواب لليمين الدستورية وهم كل من: (نوري كامل المالكي، حيدر العبادي، راكان سعيد، أسعد العيداني)، وبقي المجلس يعمل بـ325 نائبًا.
مما تقدم نخلص إلى أن من المهم أن يعزل ما بين العمل الإداري او التنفيذي من جهة، وما بين النيابة في مجلس النواب من جهة ثانية أو أن المرشح يفترض فيه الاستقالة فور فوزه بمقعد نيابي وهذا ما يقره النظام الداخلي لمجلس النواب لكن يبدو أن الكثير من النواب لم يلتزموا بالنظام الداخلي منهم ما أستمر بالجمع ما بين الوظيفتين في وقت واحد، ومن الملفت للنظر أن مجلس النواب عمل خرقا وطنيا بعد أن استثمر الحصانة الموفرة له خلال فترة الدعاية الانتخابية خاصة بعد أن ضمن لنفسه الحصانة والاستمرار بالعمل كنائب حتى قبل إجراء الانتخابات بأثنين وسبعون ساعة، وكان من المفترض أن يحل مجلس النواب نفسه بأكثر من ثلاثون يوما حتى تكون هناك فرصة متكافئة في خوض الانتخابات لا أن تستغل مؤسسات الدولة تحت غطاء مجلس النواب او حتى المؤسسات السلطة التنفيذية، حيث أن الهم الوحيد لدى أعضاء المجلس هو إعادة انتخابهم مجدداً موظفين أموال الدولة ومؤسساتها وحتى القيم الأخرى كالدين والعشيرة وما إلى ذلك وهو ما يتعارض مع مبادئ الديمقراطية وأعراف التنافس المتكافئة، وبنود القوانين النافذة رغم الإجراءات الرادعة في الأيام الأخيرة من الدعاية الانتخابية من قبل مجلس المفوضين في المفوضية العليا للانتخابات بحق بعض المرشحين المخالفين للقوانين ومنها قانون الانتخاب (رقم 9 لسنة2020).
.
رابط المصدر: