تمرد في واشنطن: الديمقراطية فريسة مشرط التطرف

عبد الامير رويح

 

قضية اقتحام مبنى الكابيتول وما صاحبها من أحداث في السادس من يناير/كانون الثاني الماضي، عندما تجمع آلاف من أنصار دونالد ترامب أمامه عقب خطاب حماسي ألقاه ترامب الذي كان لا يزال رئيسا في ذلك الوقت، وطلب منهم منع المسؤولين المنتخبين من المصادقة على فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية، ماتزال محط اهتمام واسع داخل الولايات المتحدة الامريكية، خصوصاً مع استمرار التهديدات التي تقوم بها بعض الجماعات المتشددة، حيث قررت الشرطة المسؤولة عن تأمين الكونغرس الأمريكي وكما نقلت بعض المصادر، تشديد الإجراءات في محيط الكابيتول بسبب “مخطط محتمل” لاقتحامه.

وجاء ذلك عقب معلومات استخباراتية عن تهديدات من جانب “مليشيا غير مسماة”، خططت للهجوم في 4 مارس/ آذار – وهو اليوم الذي اعتاد فيه الرؤساء الأمريكيون تنصيبهم – بحسب بيان صادر عن الشرطة. وأوضحت أنها اتخذت تدابير “استعدادا لأي تهديدات محتملة لأعضاء الكونغرس”. وأجرى مجلس النواب تعديلا على موعد الجلسة لمناقشة قانون إصلاح للشرطة بعد الكشف عن التحذيرات.

لم يسبق أن تمّ اقتحام مبنى الكابيتول في التاريخ الأمريكي الحديث من قبل المتظاهرين. والأمر ليس مجرّد ثغرة ألقت باللوم على ضعف الحراسة رغم التحذيرات، ولكنه مثل ضربة موجعة للديمقراطية في أمريكا. غير أن العملية لم تكن مفاجئة، فالتحريض الذي قام به الرئيس المنتهية ولايته على التظاهر منذ تأكيد هزيمته أمام بايدن كان يشي أن الولايات الأمريكية ستكون على صفيح ساخن إلى حين تسلّم جو بادين مهامه.

وتعود جذور مظاهرات اقتحام الكونغرس إلى الحركات التي ظهرت على الانترنت بعد يوم بدء ظهور نتائج الانتخابات الأمريكية، ومنها مجموعة “أوقفوا السرقة’ التي أنشأت يوم 4 نوفمبر/تشرين الثاني للاحتجاج على النتائج الأولية وأغلقتها فيسبوك بسرعة بسبب نشرها معلومات مضللة وتحريضا على العنف ونظريات المؤامرة، وفقاً لنيويورك تايمز، لكن عددا من قيادييها، كالناشط اليميني علي أليكساندر، نشطوا في الدعوة لمظاهرات يوم 6 يناير/كانون الثاني.

وهاجم مئات عدة منهم المبنى بشكل عنيف ما تسبب في حالة من الفوضى. وقتل خمسة أشخاص بينهم شرطي في الكابيتول. ويحاكم حاليا أكثر من 300 شخص لمشاركتهم في هذا الهجوم. ومنذ ذلك الحين، أقيمت حواجز لحماية المنطقة المحيطة بمبنى الكابيتول، ولا يزال حوالى خمسة آلاف جندي من الحرس الوطني موجودين لدعم الشرطة لكن مهمتهم كان من المقرر أن تنتهي في 12 آذار/مارس.

تطورات جديدة

شهدت قضية اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب لمقر الكابيتول في السادس من يناير الماضي، تطورات جديدة قد تضر بموقف ترامب بشكل كبير. وكشف مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة عن أن عضوا في مجموعة “براود بويز” المتطرفة كان على اتصال بمساعد ترامب قبيل اقتحام مقر الكونغرس، خلال يناير الماضي. وقال مسؤول أميركي مطلع على التحقيق لصحيفة “نيويورك تايمز” إنه جرى الكشف عن هذه الصلة عبر السجلات الهاتفية وبيانات المواقع. وأضاف المسؤول للصحيفة أن المحققين لم يجدوا حتى الآن أي دليل على وجود اتصالات بين مثيري الشغب وأعضاء الكونغرس.

ويدحض هذا الكلام، بحسب الصحيفة، مزاعم الديمقراطيين بأن بعضا من زملائهم الجمهوريين ساعدوا مثيري الشغب. وكان إنريكي تاريو، أحد قادة المجموعة المتطرفة، قال في مقابلة سابقة إنه تحدث مع روجر ستون، المقرب من ترامب، خلال احتجاج سبق بأيام اقتحام الكونغرس. واستعان تاريو بمكبر الصوت لإسماع صوت ستون للمحتجين أمام منزل البرلماني ماركو روبيو. وذكرت “نيويورك تايمز” أن المحققين لم ينظروا في هذا الادعاء حتى الآن.

ومع ذلك، فإن تراكم هذه الأدلة يثير القلق في الولايات المتحدة من وجود صلة بين البيت الأبيض، في عهد ترامب، وجماعات متطرفة مثل “براود بويز”. والمعروف عن جماعة “براود بويز” أنها نشأت عام 2016، وهم يمجدون العرق الأبيض ويتخذون من الفاشية الجديدة سياسة لهم وألد أعدائهم هم المهاجرون واليساريون المتطرفون. ويتخذ عناصر الجماعة من العنف السياسي ولغة الكراهية نهجا لهم في مواجهة خصومهم، حيث سجلت الشوارع الأميركية حوادث كثيرة قاموا بها وحظرت وسائل التواصل حسابات حركتهم مرارا.

وعناصر هذه الجماعة يؤيدون ترامب بشكل جنوني ويرون بأنه يدافع عن معتقداتهم وأفكارهم وشعاراتهم التي تقول “عودة أميركا العظمى. أغلق الحدود. أعطي الجميع سلاحا. مجدوا رواد الأعمال. والمرأة دورها أن تكون ربة منزل”. وهذه أول قضية مثارة بين أحد مساعدي ترامب في قضية اقتحام مبنى الكابيتول، الذي تسبب في مقتل 5 أشخاص وإصابة العشرات.

من جانب اخر تدرس وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) طلبا قدمته شرطة الكونغرس من أجل تمديد مهمة الحرس الوطني الأميركي القاضية بحماية المبنى، كما قال الناطق باسم الوزارة جون كيربي. وأضاف كيربي خلال مؤتمر صحافي “تلقينا طلبا رسميا من شرطة الكابيتول لتمديد فترة وجود الحرس الوطني لحماية الكابيتول.

ولم يذكر ما إذا كان الطلب قدّم بسبب تهديدات محتملة، لكن القائد الموقت لشرطة الكابيتول يوغاناندا بيتمان تحدث الشهر الماضي عن تهديدات من جماعات متطرفة. وردا على سؤال عن خطورة التهديد المحيط بمبنى الكونغرس بينما لم تتحقق شائعات عن هجمات كان يفترض أن تحدث، أكد المتحدث باسم الكابيتول أن “الأمور تغيرت منذ السادس من كانون الثاني/يناير”. وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن “مسؤولينا المنتخبين يستحقون بيئة عمل آمنة”، مؤكدا أن البنتاغون سيتخذ قرارا بسرعة.

فرضت اجراءات أمنية مشددة في محيط الكابيتول في واشنطن بعد إعلان الشرطة أن “ميليشيا” تسعى الى مهاجمة مقر الكونغرس الأميركي، ما يدل على القلق الذي يزال على أشده بعد الهجوم الدامي الذي شنه أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب. وبعضهم لا يزال يرفض قبول فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في تشرين الثاني/نوفمبر وهم على قناعة بان دونالد ترامب قد ينصب رئيسا لولاية ثانية.

ويقوم عناصر من الحرس الوطني بدوريات في محيط الكابيتول الذي تحيط به حواجز عالية منذ 6 كانون الثاني/يناير وأسلاك شائكة. وهو انتشار أمني كثيف يجعل من الصعب تكرار الهجوم الذي وقع حين تجمع آلاف المتظاهرين المؤيدين لترامب على مدخل الكابيتول بعد خطاب للملياردير الجمهوري حين كان لا يزال رئيسا.

ونصح مسؤولو الامن في الكونغرس البرلمانيين باستخدام المواقف والأروقة تحت الأرض للوصول الى الكابيتول وتوخي الانتباه. والمخاوف مصدرها معلومات حصلت عليها الاستخبارات الأميركية. وفي نهاية شباط/فبراير تحدثت مجموعة متطرفين “غير محددة عن مشروع للسيطرة على الكابيتول الأميركي” كما كتب مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي آي) ووزارة الأمن الداخلي الأميركية في مذكرة.

دعوى ضد ترامب

في السياق ذاته رفع نائب ديموقراطي في الكونغرس الأميركي دعوى ضد دونالد ترامب، هي الثانية التي تستهدف الرئيس السابق بتهمة “التحريض على هجوم ضد الكابيتول” من قبل أنصاره في 6 كانون الثاني/يناير الماضي. وكتب النائب إريك سوالويل “بسبب عدم قدرته على قبول الهزيمة، شن دونالد ترامب حربا مفتوحة ضد الانتقال السلمي للسلطة” إلى جو بايدن. وأضاف “لقد كذب تكرارا على مناصريه عبر القول لهم إن الانتخابات سرقت منهم، وأخيرا دعا مؤيديه الى النزول الى شوارع العاصمة الفدرالية واشنطن” للتظاهر في 6 كانون الثاني/يناير.

وفي خطاب طويل أمام البيت الأبيض، توجه ترامب لمناصريه بالقول “قاتلوا كشياطين”. وتشمل الدعوى التي قدمها اريك سوالويل أمام محكمة في واشنطن، أيضا نجل الملياردير الأميركي، دونالد ترامب جونيور وكذلك محاميه رودولف جولياني والنائب مو بروكس. وكلهم تحدثوا خلال نفس التجمع.

وقال إن “المتهمين تجمعوا وألهبوا المشاعر وشجعوا الحشد الغاضب، وبصفتهم هذه هم مسؤولون كليا عن الأضرار والدمار الذي تبع ذلك”. ورد جيسون ميلر وهو ناطق باسم دونالد ترامب في بيان لصحيفة “واشنطن بوست” واصفا اريك سوالويل بانه “لا يحظى بأي مصداقية”. وكان نائب ديموقراطي آخر في الكونغرس هو بيني تومسون رفع دعوى أيضا ضد ترامب اعتبارا من منتصف شباط/فبراير. ورغم انه صوت لصالح تبرئته في مجلس الشيوخ معتبرا ان هذا المجلس ليس مؤهلا لمحاكمته، أكد زعيم الجمهوريين النافذ في المجلس ميتش ماكونيل ان طريق الملاحقات القضائية يبقى مفتوحا.

مواقع بديلة

من جانب اخر وبعد طرد مناصري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من أتباع نظريات المؤامرة وفرضية تفوق العرق الأبيض من المنصات الإلكترونية الكبرى في الولايات المتحدة، انكفأوا إلى شبكات أكثر سرية يصعب ضبطها، فباتوا يستخدمون غاب بدل تويتر، وميوي بدل فيسبوك وتطبيق تلغرام لتبادل الرسائل النصية، وتطبيق ديسكورد للدردشة الخاص بمحبي الألعاب.

وأوضح نيك باكوفيتش الباحث في شركة “لوجيكلي إيه آي” المتخصصة في التضليل الإعلامي على الإنترنت أن “أنصار ترامب الأكثر تطرفا كان لهم بالأساس حضور راسخ على المنصات البديلة”، مضيفا أن “فيسبوك وتويتر كانا بطيئين جدا في التحرك، وهذا ما أتاح للمؤثرين إعادة بناء جمهورهم بشكل شبه متواصل بدون انقطاع”. وبعد اقتحام مئات من أنصار ترامب مبنى الكونغرس ، اتخذت شبكات التواصل الاجتماعي الرئيسة تدابير بحق المجموعات التي نظمت التحرك مثل “أوث كيبرز” و”ثري بيرسنترز” و”براود بويز”.

فكثفت فيسبوك عمليات التطهير ضد المجموعات المسلحة، ما أدى إلى إقصاء حوالى 900 منها، فيما حظرت تويتر بشكل نهائي الرئيس السابق وألغت سبعين ألف حساب على ارتباط بحركة “كيو آنون” التي كان أتباعها يؤكدون أن ترامب سينقذ العالم من النخب الفاسدة والمتحرشين جنسيا بالأطفال. وقال رئيس جمعية “كومن سينس ميديا” جيم ستاير “هذه استراتيجية تأتي بنتيجة. انظروا إلى ترامب بدون تويتر، خسر مذياعه، ولم تعد رسائله تلقى أصداء”. لكن ملايين المتطرفين والمؤمنين بدرجات متفاوتة بنظريات المؤامرة لا يزالون صامدين يرفضون الرضوخ، برأي خبراء يخشون أن تؤدي الرقابة إلى التوحيد بين أفراد ذوي توجهات شديدة الاختلاف ظاهريا.

وأوضح أليكس غولدنبرغ من معهد الأبحاث “نيتوورك كونتيجن ريسيرتش إينستيتوت” المتخصص أيضا في التضليل الإعلامي على الإنترنت، “تجدون في صفوف كيو أنون ناشطين مسلحين وجمهوريين تقليديين وربات منزل وأستاذ اليوغا الذي تتبعون دروسه… أشخاص كانوا لا يزالون على مسافة من المجموعات النازية أو أتباع نظرية تفوق البيض. لكنهم الآن بدأوا ينصهرون ضمن المجموعات ذاتها، لم يعد لديهم أي مكان آخر يقصدونه”.

ويتجمع المقصيون من مواقع التواصل تحت رايات أخرى أبرزها الحركة المناهضة للقاحات. وتتناقل مجموعات تضم عشرات الآلاف من أنصار ترامب على تطبيق تلغرام للرسائل المشفرة شائعات كاذبة عن “لقاحات لخفض عدد السكان”، بين شتيمة تُوجه للرئيس جو بايدن وتهجم على المهاجرين. لكن إن كان الإقصاء من مواقع التواصل الاجتماعي الكبرى حد من قدرة الحركات المتطرفة على تجنيد أتباع على نطاق واسع، فإن النار لا تزال مشتعلة تحت الرماد. بحسب فرانس برس.

ففي نهاية كانون الثاني/يناير، قامت مجموعة من المتظاهرين بقطع عمليات التلقيح ضد كوفيد-19 في ملعب رياضي في لوس أنجليس هو من أكبر المواقع المخصصة لحملة التطعيم في الولايات المتحدة. غير أن ضرورة فرض لوائح تنظم عمل شبكات التواصل البديلة تصطدم بعقبات أخلاقية وعملية، ويقوم نقاش حاد في الولايات المتحدة حول حدود حرية التعبير. وعلى إثر الهجوم على الكابيتول، حجبت شركات غوغل وآبل وأمازون موقع بارلر، رديف فيسبوك للمحافظين، عن منصاتها لمخالفته قوانين الرقابة على المحتويات الداعية إلى العنف، ولم يعد إلى الإنترنت إلا في منتصف شباط/فبراير.

وازدادت شعبية شبكتي غاب وميوي الشبيهتين بفيسبوك أيضا، في أعقاب أحداث السادس من كانون الثاني/يناير، وقال أليكس غولدنبرغ إنهما تلقيان إقبالًا خصوصا بين المستخدمين الذين يحتاجون إلى التعبير عن إحباطهم. وأكد أحد مستخدمي غاب يعرف باسم “آي لوف جيسوس كرايست123” في تعليق على بيان للرئيس السابق تم تناقله على الشبكة “لم يكن هناك جائحة عام 2020. تم استخدام الإنفلونزا لتدمير الاقتصاد وسرقة الانتخابات” من دونالد ترامب.

وتطبيق تلغرام مؤات لتنظيم تحركات من خلال مجموعات خاصة تستفيد من تشفير الرسائل. أما أنصار الأسلحة النارية، فيلتقون على منتدى “ماي ميليشيا.كوم”. لكن فيما يجاهر مؤسسو غاب بتعاطفهم مع حركة كيو آنون، أكد موقع ميوي وتطبيق تلغرام أنهما لا يودان أن تُقام صلة بينهما وأتباع نظريات المؤامرة. وبذل كلاهما جهودا لفرض الاعتدال على مستخدميهما، لكنها لا يملكان الموارد الضرورية لتحقيق ذلك.

وعلق إيمرسون بروكينغ الخبير في الحركات المتطرفة والتضليل الإعلامي في “المجلس الأطلسي” للدراسات “هذه الحركات أشبه بالتلوث. اكتسبت نفوذا وسلطة لأنها كانت تنشط بحرية على فيسبوك وتويتر ويوتيوب”. وهو يوصي بتشارك الفرق والتقنيات بين الشبكات الاجتماعية المتنافسة لفرض الاعتدال. كما دعا جون فارمر من معهد “نتوورك كونتيجن ريسيرتش إنستيتيوت” إلى تدخل الحكومة أيضا وقال “عليها أن تتعاطى مع الشبكات كما تتعاطى مع المياه والكهرباء، باعتبارها منفعة عامة خاضعة للقوانين”.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/reports/26419

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M