ديفورا مارغولين
يسلط أحدث تقرير للأمم المتحدة عن المنظمة الإرهابية الضوء على ضرورة إحراز المزيد من التقدم في معالجة تحديات الإعادة إلى الوطن، وأساليب التمويل الجديدة، وانتشار الأسلحة، والتهديدات التي يتعرض لها الاستقرار الأفريقي، من بين قضايا أخرى.
في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر الأمين العام للأمم المتحدة التقرير السادس عشر الذي يغطي تهديد تنظيم “الدولة الإسلامية” (“داعش”) للأمن الدولي ونطاق جهود الأمم المتحدة لمساعدة الدول الأعضاء على مواجهته. ويتم إعداد التقرير نصف السنوي بدعم من العديد من هيئات الأمم المتحدة، بما فيها “المديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب”، و”مكتب مكافحة الإرهاب”، و”الاتفاق العالمي لتنسيق مكافحة الإرهاب”، و”فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات”، الذي يعمل بموجب “قراري مجلس الأمن رقم 1526 (2004) و2253 (2015)”. وعلى الرغم من هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً باسم “داعش”) من ناحية سيطرته على الأراضي في آذار/مارس 2019 بسقوط آخر معاقله في الباغوز في سوريا، إلّا أن الأحداث على مدى السنوات الأربع الماضية تُظهر أن التهديد الذي يشكله التنظيم والجماعات التابعة له لا يزال قائماً، لا سيما في أفريقيا. وفي الوقت نفسه، من الضروري الاعتراف بأن المجتمع الدولي أصبح الآن أكثر أماناً واستعداداً لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”: فقد تراجعت الهجمات في العراق وسوريا، ولم تعد الموارد المالية للتنظيم كما كانت عليه من قبل، وتوشك جهود الإعادة إلى الوطن أن تصل إلى نقطة إجماع.
تهديد “الدولة الإسلامية” اليوم
في معرض مناقشة تهديدات “الدولة الإسلامية” الحالية، يسلط التقرير الضوء على أربع قضايا رئيسية. تتمثل الأولى بالاستقرار الداخلي. فعلى الرغم من أن العام الماضي شهد مقتل زعيم “الدولة الإسلامية” أبو الحسن الهاشمي القرشي، إلا أنه سرعان ما تم استبداله بالزعيم الحالي أبو الحسين الحسيني القرشي. وبايعت الجماعات التابعة للتنظيم “الخليفة” الجديد، وبقي التنظيم مستقراً على الرغم من استنزاف قيادته.
ثانياً، على الرغم من أن جهود التحالف أعاقت قدرة التنظيم على استخدام أساليبه التقليدية في التمويل، إلا أن الصندوق الإجمالي لتمويل الحرب التابع لتنظيم “الدولة الإسلامية” لا يزال كبيراً، بحيث يضم ما مجموعه حوالي25 إلى 50 مليون دولار. وتُستخدم غالبية هذه الأموال لدفع رواتب المقاتلين وإعالة أسر الذين ماتوا أو سُجنوا. بالإضافة إلى ذلك، لجأ التنظيم إلى العملات المشفرة لزيادة مرونته المالية. وعلى الرغم من أن تمويل “داعش” اليوم ضئيل مقارنةً بذروته في الفترة 2014 – 2017، إلّا أن التكاليف اللازمة لبقاء التنظيم أقل بكثير أيضاً نظراً لخسارته للأراضي ووقفه المؤقت لأنشطة بناء الدولة.
ثالثاً، يؤكد تقرير الأمم المتحدة على “انتشار الأسلحة التقليدية والارتجالية بين الجماعات التابعة [لتنظيم “الدولة الإسلامية”] في أفريقيا”. فهذا الوصول المستمر إلى الأسلحة، لا سيما الأنظمة الجوية بدون طيار، يمثل تهديداً كبيراً لقوات التحالف والجهات الفاعلة الأخرى التي تسعى إلى محاربة التنظيم.
رابعاً، يشير التقرير إلى أن مرافق الاحتجاز التي تضم مقاتلي “داعش” الأجانب وعائلاتهم في العراق وسوريا لا تزال عرضة لهجمات “داعش”، والديناميات الداخلية المتقلبة، والتحديات الإنسانية. ويزيد هذا الوضع من الحاجة الملحة لإعادة هؤلاء الأفراد إلى بلدانهم الأصلية متى أمكن. ولكن على الرغم من الضغوط الدولية الهادفة إلى تحقيق هذه الغاية، فقد تم إعادة حوالي 2500 عراقي و500 فرد من 12 دولة أخرى إلى أوطانهم في عام 2022، وهو رقم صغير نسبياً عند الأخذ في الاعتبار أن ما يقدر بنحو 56000 إمرأة وقاصر ما زالوا محتجزين في مخيم الهول السوري للنازحين، ولا يزال حوالي10,000 رجل وفتى في السجن.
ويركز التقرير أيضاً على طبيعة التهديد الذي تتعرض له أفريقيا، حيث يتناول التحديات الفردية وفقاً للمنطقة الفرعية (أي وسط وجنوب إفريقيا، وغرب إفريقيا، وشمال إفريقيا). وفي كل من هذه المناطق، واصل تنظيم “الدولة الإسلامية” والجماعات التابعة له والتنظيمات الإرهابية الأخرى “استغلال ديناميكيات الصراع وأوجه الهشاشة المحلية من أجل المضي قدماً في أجنداتهم”. وأصبحت هذه الديناميكية للجهات الإرهابية التي تعمل في مناطق غير خاضعة للحكم الكافي نمطاً متكرراً في تقارير الأمم المتحدة، مع استفادة تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل خاص من هذه الظروف في منطقة الساحل.
ولا تزال عناصر “داعش” تستخدم بشكل ناشط تكتيكات التمرد في سوريا والعراق أيضاً. ففي العام الماضي، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 279 هجوماً في سوريا و483 هجوماً في العراق. ويتناقص العدد السنوي لمثل هذه الهجمات بشكل مطرد. ففي عام 2020، أعلن التنظيم مسؤوليته عن 608 هجمات في سوريا و1459 هجوماً في العراق. وفي عام 2021، انخفضت هذه الأرقام إلى 359 في سوريا و1113 في العراق. ولكن على الرغم من أن “الدولة الإسلامية” في موقف دفاعي في هذه البلدان، إلا أن التنظيم لم يُهزم.
ولا يزال التهديد الداخلي الذي يطرحه تنظيم “داعش” خارج مناطق الصراع يشكل مصدر قلق أيضاً، حيث يواصل التنظيم استخدام المساحات عبر الإنترنت لنشر أيديولوجيته من خلال الدعاية. وما يفاقم هذا التهديد واقع أن المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين سافروا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى التنظيم استطاعوا اكتساب خبرة في ميدان المعركة، ومنذ ذلك الحين يعودون إلى موطنهم أو بلدانهم الثالثة. وكما يشير تقرير الأمم المتحدة، “أثبت” هؤلاء الأفراد “أنهم يتمتعون بقدرات متطورة وفتاكة بشكل بارز”. ولا يأتي هذا التهديد من المقاتلين الذكور فحسب، بل أيضاً من النساء العائدات اللواتي يسعين إلى تلقين الآخرين.
الردود على تهديد “داعش”
يسلط تقرير الأمم المتحدة الضوء على سبعة جهود توجه الردود الدولية الحالية لتنظيم “الدولة الإسلامية”:
1. دعم ضحايا التنظيم
2. تحسين إدارة الحدود وإنفاذ القانون
3. مكافحة تمويل الإرهاب
4. التصدي لجهود تنظيم “الدولة الإسلامية” الرامية إلى استغلال منصات المعلومات والاتصالات والتقنيات الحديثة (على سبيل المثال الطائرات بدون طيار، والعملات المشفرة، ووسائل التواصل الاجتماعي)
5. مكافحة الخطاب الإرهابي والعمل مع المجتمعات المحلية لمنع ومكافحة التطرف العنيف الذي يؤدي إلى الإرهاب
6. تعزيز التعاون الدولي والإقليمي
7. معالجة التحدي المتمثل بأعضاء “داعش” المشتبه بهم وأسرهم في مناطق النزاع
ويصب التقرير معظم تركيزه على النقطة الأخيرة، حيث يبرز الوضع الحالي للعودة إلى الوطن ويناقش الجهود المبذولة للتحقيق مع هؤلاء الأفراد ومقاضاتهم وإعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم.
التداعيات السياسية
يثير الاحتجاز إلى أجل غير مسمى للأفراد المرتبطين بـ “داعش”، وبعضهم محتجز منذ أكثر من أربع سنوات، عدداً من المخاوف الإنسانية والأمنية. وبدعم من الأمم المتحدة والشركاء الدوليين، شددت الولايات المتحدة على ضرورة إعطاء الأولوية للعودة إلى الوطن من أجل التعامل مع التهديد المتمثل بتنظيم “الدولة الإسلامية” بصورة شاملة. وسيكون من الخطأ مواجهة القدرات المالية والعسكرية للتنظيم من دون معالجة أوضاع هؤلاء المعتقلين.
ولا يمكن القول أن جميع الأفراد الذين سافروا للانضمام إلى “داعش” ما زالوا يؤيدون التنظيم وأيديولوجيته. ولكن كما سبقت الإشارة، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل التهديدات التي يشكلها المقاتلون الأجانب الذكور العائدون من ذوي الخبرة في ساحة المعركة والنساء الداعمات المتطرفات اللواتي يسعين إلى تلقين الآخرين. واتبعت بعض البلدان نهجاً يراعي نوع الجنس في العودة إلى الوطن، حيث أعادت النساء والقاصرين المنتسبين إلى التنظيم ولكن ليس الرجال البالغين أو الفتيان المراهقين. وفي هذه الحالات، اعتمدت بعض البلدان نهجاً قائماً على الملاحقة القضائية للنساء الراشدات العائدات إلى أوطانهنّ، في حين ركزت بلدان أخرى فقط على إعادة الإدماج. ومع ذلك، فمثل هذه السياسات (على غرار عدم إعادة الفتيان المراهقين إلى وطنهم أو التركيز فقط على جهود إعادة الإدماج تجاه النساء البالغات) تعكس سوء فهم لما يسعى تنظيم “الدولة الإسلامية” إلى تحقيقه فضلاً عن التحيزات القائمة على العمر والجنس. يجب تشجيع الدول ليس فقط على إعادة هؤلاء الأفراد إلى أوطانهم، ولكن أيضاً تطبيق جهود المقاضاة وإعادة التأهيل وإعادة الإدماج المناسبة التي تجمع بين نهج قائم على نوع الجنس وآليات التقييم. إن القيام بذلك يمكن أن يساعد في منع تنظيم “الدولة الإسلامية” من العودة إلى مشروعه الخاص ببناء الدولة وثني المؤيدين الجدد عن الانضمام إليه. ومن الضروري إقناع الدول بأنه من الأفضل معالجة هذه القضية بشكل مباشر، أي في الوقت الحالي وبالموارد والطاقة المناسبة، بدلاً من أن تؤخذ على حين غرة في المستقبل.
وفي هذا الصدد، يجب على المجتمع الدولي تقييم كيفية تأثر هذه القضايا بزلزال 6 شباط/فبراير في تركيا وسوريا. وعلى الرغم من أن الهاجس الرئيسي في ظل هذا الوضع الإنساني المروع هو تقديم المساعدة للمحتاجين، فمن المهم أيضاً الاعتراف بالعواقب الثانوية للكارثة، والتي يسلط الكثير منها الضوء على نقاط الضعف في محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”. على سبيل المثال، في الأيام التي أعقبت الزلزال، ربما فرّ ما لا يقل عن عشرين شخصاً من سجن في شمال غرب سوريا يضم أفراداً منتمين إلى “داعش”. وفي تركيا، قلصت بعثات نمساوية وألمانية وإسرائيلية مختلفة مهتمة بالمساعدات من جهودها بسبب التهديدات الأمنية، وتهديدات من “داعش” على وجه التحديد وفقاً لبعض التقارير. وعلى الرغم من أن هذه الحوادث قد تكون معزولة، يجب على البلدان الاستعداد لواقع أن التنظيم قد يستفيد من البيئة الهشة ما بعد الكوارث.
ومن الناحية الإيجابية، يتم اتخاذ عدة خطوات في الاتجاه الصحيح. فعلى الرغم من أن العودة الإجمالية إلى الأوطان لا تزال بطيئة، إلا أن أستراليا وفرنسا ودول أخرى التي قاومت هذه الفكرة منذ فترة طويلة بدأت في إحراز تقدم، بينما استأنف العراق برنامج الإعادة إلى الوطن بعد إيقافه مؤقتاً. بالإضافة إلى ذلك، إنّ دعاوى مهمة هولندية وألمانية وأمريكية مرفوعة ضد نساء منتميات إلى “داعش”، والتي كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنها الأكثر صعوبة في المقاضاة، أبرزت الأدوات التي يمكن استخدامها لمحاسبتهنّ، من بينها الآليات القانونية المتعلقة بجرائم الحرب. وأخيراً، أدّت الأبحاث وتقييمات المخاطر وآليات التقييم الخاصة بجهود إعادة الإدماج، إلى مساعدة البلدان على تحديد الخطوات التالية اللازمة للتركيز على القاصرين، وكذلك البالغين بعد مغادرتهم السجن.
.
رابط المصدر: