حق الوصول إلى البيانات حق أساسي، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى قانون واضح وفيه حقوق حقيقية، على أقل تقدير تتناسب مع ما تم عرضه من قوانين دولية. من الواجب في بلد مثل العراق يتمتع بنظام برلماني وانتخابات هو تمكين المواطنين…
بناء على ما أقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية استنادا إلى أحكام البند (أولا) من المادة (61) والبند (الثالث) من المادة (73) من الدستور العراقي، صدرت مسودة قانون “حق الحصول على المعلومة، لسنة 2023.
مخطط قانون
أقرت الحكومة في مناسبات عديدة بأن الأداء السليم والفعال للديمقراطية يتطلب وجود جهات من حقها أن تطلع على المعلومات ومن بين هذه الجهات الصحفيين الذين ينبغي عليهم ومن خلال شفافية المعلومات التحقق من الفساد والمساءلة. فيما نجد أن المسودة أوضحت المخاوف من أن الكشف عن المعلومات من المرجح أن يتعارض مع المصالح العامة الأخرى بما في ذلك المؤسسات الأمنية والعسكرية والعمل القضائي والحفاظ على سرية المعلومات الحساسة وغير ذلك مما ورد بمسودة القانون.
ترى الحكومة في سعيها لتحقيق التوازن والمواءمة بين هذه المصالح المتضاربة مع الحفاظ على سيادة الفكرة الديمقراطية، أرسلت للبرلمان مسودة قانون حق الوصول إلى المعلومات، الهدف من ذلك هو وضع “نظام عملي” لحق المواطنين في الحصول على المعلومات لتأمين الوصول إلى المعلومات تحت سيطرة السلطات العامة، ومن أجل تعزيز الشفافية والمساءلة في عمل السلطات العامة حسب ما جاء بمسودة القانون.
قانون جديد مخيف
بعد القراءة الأولية لمجلس النواب نود أن نوضح في هذه المقالة المعنى والآثار المترتبة على مسودة القانون وفكرة الحق الديمقراطي في الاطلاع على المعلومات، وهي فكرة، على الرغم من كونها جذابة بشكل بديهي ويتم الحديث عنها بشكل متكرر، إلا أنها تثير المخاوف…
نقدم إطارا منهجيا لتحليل هذه الفكرة من المقال باعتباره حقا أخلاقيا وديمقراطيا من أجل الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها المواطن وكذلك الصحفيون والمؤسسات والباحثون وكل من يمسه القانون ليكونوا على اطلاع جيد ومن أجل تحديث المعرفة السياسية واتخاذ الخيارات المناسبة.
لا تزال فكرة أن المواطنين يتمتعون بحق ديمقراطي في الحصول على معلومات تبدو انها تواجه قوانين جديدة غير واضحة، فقد أعربت اجتماعات عديدة لمختلف النقابات والشخصيات والمؤسسات عن مخاوف من تقييد المعلومات وبالتالي الحد من الحريات العامة والخاصة، فيما يرتكز الحق في الوصول إلى المعلومات على الحق الأوسع في حرية التعبير ويشمل حق كل فرد في البحث عن المعلومات التي تحتفظ بها السلطات العامة والحصول عليها.
شملت المسودة تعريفات مختصرة للمعلومة دون الإشارة إلى معنى كلمة الحق في القانون وما مساحة ذلك الحق، إضافة إلى قصور التعريف على نمط واحد فيما تضمنت فقرات المسودة قوانين قديمة والبعض منها مكتوب دون مراعاة دور وعمل الجهات التي يتطلب عملها الذي يكفله الدستور الحصول على المعلومات.
فيما تناول فقرات أخرى مواد تخالف قانون نقابة الصحفيين وهو قانون خاص بمعنى التعارض أصبح واضحا بين الطرفين.
ولو تعرضنا لمسودة القانون بشكل أوسع سنجد هناك فجوات واضحة بين القانون وبين حق الحصول على المعلومة، من بين الإشكاليات دخول طالب المعلومة في دوامة الروتين القاتل وإضاعة الوقت والتسويف، فقد جاء في المادة (11) ضمن الفصل الرابع والتي شملت (13) نقطة كلها تشير الجهات التي من حقها أن تمتنع من إعطاء المعلومات، وبالتالي هنا سيغيب عمل مراكز البحوث وعمل الصحافة الاستقصائية التي تشكل أهمية كبيرة لدى المؤسسات الإعلامية في الكشف عن المخالفات وغير ذلك.
أما المادة (13) الخاصة بالجهات التي من حقها تعطي المعلومات فقد أشارت مسودة القانون بشكل مختصر لتلك الجهات دون التوسعة بشكل يتلاءم مع مفردة الحق، وأيضا أكد القانون على جهات أشار لها ضمن المادة (11) ومؤسسات أخرى.
وهنا غفل القانون عن أهمية العمل الصحفي كونه خدمة عامة تعود على المواطنين والنظام السياسي، فبدلا من تقديم التسهيلات والدعم، فرضت على طالب المعلومات رسومات مالية معينة.
مبادئ توجيهية دولية
يمكن تعريف الوصول إلى المعلومات بأنه الحق في البحث عن المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة وتلقيها ونقلها. وهو جزء لا يتجزأ من الحق الأساسي في حرية التعبير، على النحو المعترف به في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، الذي ينص على أن الحق الأساسي في حرية التعبير يشمل حرية “التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار عبر أية وسيلة إعلامية وبغض النظر عن الحدود.”
في عام 2011، حددت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الحق في الوصول إلى المعلومات في تعليقها العام على المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وحثت الدول على اعتماد القوانين ذات الصلة بشكل استباقي. وذكرت: “لإعمال الحق في الوصول إلى المعلومات:
- ينبغي للدول الأطراف أن تضع بشكل استباقي المعلومات الحكومية ذات المصلحة العامة في المجال العام.
- ينبغي للدول الأطراف أن تبذل قصارى جهدها لضمان الوصول السهل والسريع والفعال والعملي إلى هذه المعلومات.
- ينبغي للدول الأطراف أيضاً أن تسن الإجراءات اللازمة التي تمكن الشخص من الوصول إلى المعلومات، مثلاً عن طريق التشريعات المتعلقة بحرية المعلومات.
- ينبغي أن تنص الإجراءات على معالجة طلبات الحصول على المعلومات في الوقت المناسب وفقاً لقواعد واضحة تتوافق مع العهد.
- لا ينبغي أن تشكل رسوم طلبات الحصول على المعلومات عائقاً غير معقول أمام الوصول إلى المعلومات.
- ينبغي للسلطات تقديم أسباب أي رفض لتوفير الوصول إلى المعلومات.
- ينبغي وضع الترتيبات اللازمة لتقديم الطعون في حالات رفض إتاحة الوصول إلى المعلومات، وكذلك في حالات عدم الاستجابة للطلبات”.
البنك الدولي بدوره اعتمد في سياسته بشأن الوصول إلى المعلومات، والتي أصبحت سارية المفعول في عام 2010، بمثابة تحول محوري في نهج البنك الدولي في إتاحة المعلومات للجمهور. وتقوم هذه السياسة على مبدأ مفاده أن البنك الدولي سوف يكشف عن أي معلومات بحوزته غير مدرجة في قائمة الاستثناءات الخاصة به.
كما تبنى صندوق النقد الدولي سياسات أكثر انفتاحا لحث الدول على تبني قوانين الوصول إلى المعلومات ضمن أطر الشفافية والحد من الفساد.
إن حق الوصول إلى وثائق الاتحاد الأوروبي مكفول بموجب معاهدة أداء الاتحاد الأوروبي (المادة 15) وميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي. تمنح المادة 42 حق الوصول إلى الوثائق التي تحتفظ بها مؤسسات الاتحاد الأوروبي “لأي مواطن في الاتحاد وأي شخص طبيعي أو اعتباري يقيم أو لديه مكتب مسجل في إحدى الدول الأعضاء”.
وشددت المبادئ التوجيهية للاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان لعام 2014 بشأن حرية التعبير عبر الإنترنت وخارجه على أن الحق في حرية التعبير يشمل حرية التماس المعلومات وتلقيها (المادة 14).
أدت التطورات المعيارية المذكورة أعلاه إلى إدراج أهداف لضمان النهوض بالحق في الوصول إلى المعلومات على نطاق عالمي، في إطار جداول أعمال التنمية الدولية.
في عام 2015، أدمجت الأمم المتحدة الحق في الحصول على المعلومات كجزء من أهداف التنمية المستدامة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030، تم الاعتراف بالوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها الهيئات العامة كآلية تيسير ضرورية للمشاركة العامة عبر الأهداف المستدامة.
على الرغم من العدد المتزايد من البلدان التي تسن قوانين الحق في الحصول على المعلومات، فإن بحث اليونسكو لعام 2019 بشأن تنفيذ احد أهدافها في التنمية المستدامة يوضح أنه على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال بإمكان الحكومات وضع قوانين الوصول إلى المعلومات وتحسينها، فضلاً عن ضمان تنفيذها بشكل أفضل.
في الوقت الحاضر، هناك 126 دولة حول العالم لديها قوانين الوصول إلى المعلومات، وقد أصبح الاعتراف بهذا الحق وحمايته على النحو الواجب شرطا أساسيا لمجتمع ديمقراطي.
خاتمة
على الرغم من أن حق الوصول إلى البيانات هو حق أساسي، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى قانون واضح وفيه حقوق حقيقية، على أقل تقدير تتناسب مع ما تم عرضه من قوانين دولية.
من الواجب في بلد مثل العراق يتمتع بنظام برلماني وانتخابات يجب ان يكون الهدف الأساسي لقانون الحق في الحصول على المعلومات هو تمكين المواطنين وأصحاب الاختصاص من الصحفيين والباحثين والمنظمات وكل من شانه الحصول على المعلومة، وكذلك تعزيز الشفافية والمساءلة والتحقق من الفساد، وجعل نظامنا السياسي والدستور يعملان من أجل الشعب بشكل حقيقي.
لذلك، نحن بحاجة إلى آلية تمكننا من خلالها ممارسة هذا الحق الأساسي. ولذلك، فإن مسودة قانون الحق في الحصول على المعلومات لا تعطينا أي حق جديد فانها ببساطة تحدد طرق الحصول على المعلومات، وكيف يمكن الحصول عليها.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/iraqipress/38087