تهديدات محتملة: ظاهرة المقاتلين الأجانب في الحرب الروسية الاوكرانية

تقى النجار

 

بعد أيام قليلة من الهجوم الروسي على أوكرانيا، أعلن الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي”، في 28 فبراير الماضي، تشكيل “الفليق الدولي” بهدف ضم مقاتلين أجانب للدفاع عن لأوكرانيا. وعلى صعيد آخر، أكد الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في 11 مارس الجاري، أنه سيتم السماح للراغبين في القتال بالذهاب إلى أوكرانيا. وبالتالي، تم توظيف المقاتلين الأجانب في الصراع الأوكراني من قبل كلا الجانبين، الأمر الذي يُثير جملةً من التساؤلات حول ماهية الظاهرة وخصائصها وتداعياتها المحتملة.

مشهد متشابك

على الرغم من أن انضمام المقاتلين الأجانب إلى ساحة الصراع بأوكرانيا ليس بالجديد، حيث شهدت الحرب في “دونباس” تدفق أكثر من 17000 مقاتل من حوالي 55 دولة قاتلوا على الأراضي الأوكرانية على الجانبين الأوكراني والروسي، فإن فكرة تشكيل “فيلق دولي” اكسبت زخمًا شديدًا في مساحات اليمين المتطرف الافتراضية، فقد نشر قادة المليشيات من فنلندا وأوكرانيا وفرنسا إعلانات تحث أتباعهم على توحيد صفوفهم من أجل القضية الأوكرانية.

وفي ضوء هذا المشهد، تباينت مواقف الدول، إذ شجعت بعض الدول مواطنيها على التطوع في الحرب الأوكرانية، وجاء على رأس هذه الدول الدنمارك، فقد أعلنت رئيسة وزراء الدنمارك “ميتي فريديريكسن”، في 27 فبراير الماضي، أن بلادها ستسمح للمتطوعين بالانضمام إلى “لواء دولي” الذي تشرع أوكرانيا في تشكيله، وتبع ذلك موقف مماثل من حكومة لاتفيا؛ إذ أعلن وزير خارجية لاتفيا “إيدجارس رينكيفيتش” أن برلمان بلاده وافق، في 28 فبراير الماضي، بالإجماع على تشريع يسمح للمتطوعين بالقتال في أوكرانيا.

بينما حذرت بعض الدول مواطنيها من الانخراط في القتال في أوكرانيا؛ إذ دعا رئيس الوزراء الأسترالي “سكوت موريسون”، في 28 فبراير الماضي، المواطنين إلى عدم السفر إلى أوكرانيا للمشاركة في الحرب. وكذا ناشد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) “جون كيريي”، في 8 مارس الجاري، مواطني الولايات المتحدة بعدم الذهاب إلى أوكرانيا.

أما الموقف البريطاني فقد اتسم بالتناقض الشديد، ففي الوقت الذي صرحت فيه وزيرة خارجية بريطانيا “ليز تراس” في 27 فبراير الماضي بأنها ستدعم البريطانيين الذين لديهم رغبة في السفر إلى أوكرانيا بهدف المساعدة في القتال روسيا؛ فقد شدد قائد هيئة أركان القوات المسلحة البريطانية “طوني راداكين” في 6 مارس الجاري بأن انتقال البريطانيين إلى أوكرانيا من أجل القتال هو أمر “غير قانوني”.

وعلى صعيد آخر، أفادت تقارير عدة عن قيام روسيا بنقل حوالي 400 مقاتل من مجموعة “فاغنز” إلى أوكرانيا بهدف اغتيال مسئولين بارزين على رأسهم الرئيس الأوكراني الحالي، وكذلك أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن قيام روسيا بتجنيد مقاتلين سوريين وأجانب آخرين للانضمام إلى القتال في أوكرانيا، ناهيك عن وجود تقديرات استخباراتية أمريكية تشير إلى أن روسيا تخطط لنشر حوالي ألف مرتزقة في أوكرانيا بهدف بدعم القوات الروسية. وبالتالي، يُعد هذا المشهد شديد التعقيد والتشابك في ضوء سعي طرفي الأزمة إلى استقدام المقاتلين الأجانب ومحاولة إضفاء الطابع الشرعي على نشاطهم.

خصائص الظاهرة

وفي ضوء المعلومات المتوفرة عن المقاتلين الأجانب في أوكرانيا، يمكن القول إن هناك جملة من السمات والخصائص التي تتميز بها هذه الظاهرة، ويمكن الوقوف عليها في النقاط التالية:

ضخامة الأعداد: بالرغم من عدم وجود تقدير فعلي دقيق حول أعداد المقاتلين الأجانب الذين سعوا إلى الانخراط في القتال الحالي، إلا أن ذلك لا ينفي ضخامة أعدادهم، وذلك في ضوء التصريحات الرسمية لطرفي الأزمة، إذ أعلن وزير الخارجية الأوكراني “دميترو كوليبا” عن وصول نحو 20 ألف متطوع إلى البلاد للانضمام إلى قوات كييف.

في المقابل، أكد وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” أن هناك حوالي 16 ألف متطوع من الشرق الأوسط جاهزين للقتال في أوكرانيا بجانب القوات الروسية. ويمكن القول إن هذه الأعداد مرشحة للزيادة مع استمرار الأزمة، وبالتالي تشير تلك المعطيات إلى حجم التحدي المحتمل الذي تنطوي عليه الظاهرة.

التنوع الجغرافي: لفتت العديد من التقارير إلى انتمائهم إلى مناطق جغرافية مختلفة، فمنهم من ينتمي إلى دول أوروبا الشرقية، ومنهم من ينتمي إلى دول أوروبا الغربية، وكذلك هناك أعداد تنتمي إلى الولايات المتحدة وكندا، ناهيك عن انتماء بعضهم إلى منطقة الشرق الأوسط، مما يساهم في تعقد الظاهرة، وتعدد جوانبها، وتداخل أبعادها.

تداخل الدوافع: ثمة دوافع متباينة خلف انضمام المقاتلين الأجانب إلى الصراع في أوكرانيا، حيث تتنوع تلك الدوافع بين دوافع سياسية، واقتصادية، وذاتية؛ إذ ينحاز بعضهم إلى الجانب الأوكراني بينما ينحاز البعض الآخر إلى الجانب الروسي، وكذا هناك من يهدف إلى الحصول على المال من أي طرف من طرفي الأزمة، ناهيك عمن يجد أن الحرب غاية لاختبار نمط مختلف من الحياة.

وفي ضوء التداخل في الدوافع والخيارات الميدانية في أوكرانيا من المحتمل أن تجمع أوكرانيا مقاتلي اليمين المتطرف، مع نشطاء اليسار المتطرف، بجانب العناصر المرتزقة القادمة من الشرق الأوسط، وبالتالي يحمل هذا المشهد تهديدات للسلم والأمن الدولي والإقليمي على المديين القصير والمتوسط.

ثنائية التوظيف: سعى طرفا الأزمة إلى توظيف المقاتلين الأجانب، إذ دعا الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” لتشكيل “الفيلق الدولي” للدفاع عن أوكرانيا، وكذلك سمح الرئيس بوتين في 11 مارس الجاري بإرسال “مقاتلين من الشرق الأوسط” إلى أوكرانيا، وهو الأمر الذي يؤكد أن ساحة الحرب في أوكرانيا سوف تشهد أنماط حروب العصابات من قبل طرفي الأزمة. بعبارة أخرى، تراجع الاعتماد على الجيوش الوطنية في مقابل الزج بالمليشيات المسلحة.

تهديدات محتملة

في ضوء ما تقدم، ثمة تداعيات محتملة لتدفق المقاتلين الأجانب إلى ساحة الحرب في أوكرانيا، يمكن استعراضها على النحو التالي:

تشكيل بؤرة جديدة: ذهبت بعض التحليلات إلى احتمالية أن تصبح أوكرانيا مركز ثقل جديدًا للمقاتلين الأجانب، وبالتالي مع حصول هؤلاء على التدريب والخبرات القتالية، فسيكون من الصعب السيطرة عليهم حال انتهاء القتال مما يؤدي إلى زيادة محتملة من النشاط المتطرف داخل البلاد من ناحية، واحتمالية تهديد الدول الواقعة في نطاقها الجغرافي من ناحية أخرى.

استهداف المدنيين: يعزز وجود المقاتلين الأجانب من استهداف المدنيين، حيث وجدت الدراسات الحديثة أن وجود مقاتلين أجانب في مناطق الصراعات قد يزيد من مستويات العنف ضد المدنيين بما في ذلك العنف الجنسي، ولا سيما من قبل المقاتلين الذين انضموا إلى القتال بغرض الإثارة والمغامرة، إذ كانوا أكثر عرضة لارتكاب فظائع ضد المدنيين الذين صادفوهم أثناء خدمتهم في منطقة نزاع أجنبي.

تعثر التسويات السياسية: قد يؤدي وجود المقاتلين الأجانب في مناطق الصراعات إلى إطالة أمد الصراعات ومن ثم تعثر التسويات السياسية، إذ يسعون إلى إفساد عمليات السلام بهدف تقويض استقرار الأوضاع، وذلك لأن استمرار الصراع يساعد في الحفاظ على مصالحهم مما يدفعهم إلى التوسع في توظيف العنف سعيًا لإفساد عمليات التسوية، فكلما زاد انخراط الأطراف الخارجية في النزاع، أصبحت النزاعات أطول وأكثر دموية.

إشكاليات العودة: يثير عودة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية جملة من التحديات والإشكاليات على الصعيد القانوني، ولا سيما مع اختلاف التعاطي الدولي معهم، إذ شجعت بعض الدول مواطنيها للذهاب إلى أوكرانيا، بينما حذرت دول أخرى مواطنيها من الانخراط في القتال هناك. وكذلك على صعيد الأمني، لا سيما وأن هؤلاء لديهم خبرات مكتسبة تولّد لديهم القدرة على التجنيد ونشر العنف، مما يمثل تهديدًا لأمن الدول والمجتمعات.

مجمل القول، يُعد تأثير وصول المقاتلين الأجانب على مسار الحرب مقترنًا بجملة من العوامل، على رأسها درجة الخبرة العسكرية للمجندين، ومستويات الانضباط، وهيكل قيادة القوة المضيفة، لكن هذا لا ينفي التهديدات المنطوية على استقدام هؤلاء، ولا سيما في ضوء وجود تجارب سابقة انعكست تداعياتها على السلم والأمن الدولي والإقليمي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18839/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M